من عرف الناس استراح!
أحمد قوشتي عبد الرحيم
الإشكال الصعب هو أن الإنسان مدني بطبعه، ولا بد له من الناس، وقلَّما يصبر عن اعتزالهم بالكلية، وهو مبتلى بهم خيرًا وشرًا، وأكثر مشاكله من الناس ومخالطتهم، بحيث يمكن القول إنه ما أتعب الناس إلا الناس، وما أضر الناس إلا الانشغال بالناس.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
الإشكال الصعب هو أن الإنسان مدني بطبعه، ولا بد له من الناس، وقلَّما يصبر عن اعتزالهم بالكلية، وهو مبتلى بهم خيرًا وشرًا، وأكثر مشاكله من الناس ومخالطتهم، بحيث يمكن القول إنه ما أتعب الناس إلا الناس، وما أضر الناس إلا الانشغال بالناس.
وإذا أردت أن تنجو وتستريح فتأمَّل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتعلم طرفًا من حقيقة الناس، وكيفية التعامل معهم، وكيف تؤدي حق الله فيهم وتخالطهم دون أن تهلك بسببهم.
1- أكثر الناس لا يعلمون ولا يشكرون ولا يؤمنون وهم عن آيات الله غافلون، كما قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس من الآية:92]، وقال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف من الآية:21]، وقال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}[1]، وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف من الآية:103].
2- وكل ما تراه من فساد في البرِّ والبحرِ فسببه ما كسبت أيدي الناس والله سبحانه لا يظلمهم شيئًا لكنهم أنفسهم يظلمون كما قال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس من الآية:44].
3- والناس مطبوعون على الاختلافِ والتنازعِ وتعدُّدِ الآراء والميول.. ومن رام جمعهم كلهم على قولٍ واحد فقد رام المُحال، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118].
4- والناس فقراء مربوبون محتاجون لربهم مهما ادَّعى أحدهم خلاف ذلك. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].
5- ولحياة الناس قيمتها ومنزلتها فلا يحل قتلها بغير الحق، وقتل نفس واحدة كقتل الناس جميعًا والتسبُّب في الحفاظ على حياةِ نفسٍ واحدةٍ كإحياء الناس جميعًا، كما قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة من الآية:32].
6- ومع أن الناس هكذا أكثرهم لا يؤمن ولا يشكر ولا يعقل، فلا يجوز احتقارهم ولا الجزم بهلاك من لم يثبت خبر شرعي بهلاكه، كما قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم)، ولا يجوز بخسهم حقهم ولا ظلمهم، قال تعالى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف من الآية:85]، وقال تعالى: {إنما السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:42].
7- ومع أن مخالطة الناس في غالبها داءٌ وبيل، وسُمٌ قُتال.. إلا أن من خالطهم وصبر على أذاهم خير ممن اعتزلهم كما قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجة من حديثِ ابن عمر رضي الله عنهما).
ثم إن المنصِف من اعترف بفضل الناس ولو في القليل وفي الحديث: «
8- ومع كثرة الناس فإن الفذ والسابق فيهم قليل كما في الحديث: « » (رواه السيوطي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما).
9- وإنما نتعامل مع الناس بحسب ظواهرهم ولم نؤمر أن نفتش في قلوبهم كما في الحديث: « » (رواه البخاري ومسلم)، كما أننا مأمورون أن نقول لهم حسنًا كما قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة من الآية:83]، وقال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الترمذي).
10- وخير الناس كما في الحديث: « » (رواه السيوطي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه). وخيرهم: خيرُهم لأهلِه، كما قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه عبد الله بن عباس، الترغيب والترهيب [3/95])، وأكرمهم: أتقاهم كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات من الآية:13]، وفي الحديث: « » (رواه البخاري). والناس معادن: « » (رواه البخاري ومسلم)، وأطول الناس أعناقًا كما في الحديث: « » (رواه مسلم وغيره).
11- وأشد الناس تعرُّضًا للبلاء الأنبياء ثم من يليهم في الدين والصلاح والفضل كما قال صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح الجامع).
12- وشر الناس ذو الوجهين كما في الحديث، وأيضًا: « » (رواه مسلم وغيره)، وأما أسرق الناس وأبخلهم فكما قال صلى الله عليه وسلم: « »، « » (رواه المنذري وغيره)، و« » (رواه السيوطي)
13- وأشد الناس عذابًا يوم القيامة أصناف كثر منهم المُصوِّرون ومنهم مثلما جاء في الحديث: « » (صحيح الجامع، ورواه السيوطي).
14- وأعزُّ الناس عند الناس من استغنى عمَّا في أيديهم ولم يسألهم شيئًا وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «.. » (رواه السيوطي، وقال الألباني: "حسنٌ بجموع الطرق").
15- وأخيرًا.. فلا يُعيذك من شرِّ الوسواس الخناس سواءً كان من الجنِّ أو الناس إلا ربّ الناس، إله الناس، ملك الناس سبحانه القائل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ . مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:1-6].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- (وردت في ثلاث سور: [البقرة:243]، [يوسف:38]، [غافر:61]).