(8) الوسائل المعينة على التخلص من اليأس والقنوط
1- الإيمان بأسماء الله وصفاته. 2- حسن الظن بالله ورجاء رحمته. 3- تعلق القلب بالله والثقة به. 4- أن يكون العبد بين الخوف والرجاء. 5- الإيمان بالقضاء والقدر. 6- الصبر عند حدوث البلاء. 7- الدعاء مع الإيقان بالإجابة. 8- الأخذ بالأسباب. 9- الزهد في الدنيا.
- التصنيفات: مساوئ الأخلاق -
الوسائل المعينة على التخلص من اليأس والقنوط
1- الإيمان بأسماء الله وصفاته:
إنَّ العلم والإيمان بأسماء الله وصفاته، وخاصة التي تدلُّ على الرحمة، والمغفرة، والكرم، والجود، تجعل المسلم لا ييأس من رحمة الله وفضله، فـ"إذا علم العبد، وآمن بصفات الله من الرحمة، والرأفة، والتَّوْب، واللطف، والعفو، والمغفرة، والستر، وإجابة الدعاء؛ فإنه كلما وقع في ذنب؛ دعا الله أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه، وطمع فيما عند الله من سترٍ ولطفٍ بعباده المؤمنين، فأكسبه هذا رجعة وأوبة إلى الله كلما أذنب، ولا يجد اليأْس إلى قلبه سبيلًا، كيف ييأس من يؤمن بصفات الصبر، والحلم؟! كيف ييأس من رحمة الله من علم أنَّ الله يتصف بصفة الكرم، والجود، والعطاء" (صفات الله عزَّ وجلَّ الواردة في الكتاب والسنة لعلوي السَّقَّاف: [1/36]).
2- حسن الظن بالله ورجاء رحمته:
قال السفاريني: "حال السلف رجاء بلا إهمال، وخوف بلا قنوط. ولابد من حسن الظن بالله تعالى" (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: [1/466]).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البخاري: [7405]، مسلم: [2675] واللفظ له).
» (رواهوعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ابن القيم في (أعلام الموقعين): [1/204]، والألباني في (صحيح سنن الترمذي: [3540]).
» (رواه الترمذي: [3540]، وأحمد: [5/167] [21510]. قال الترمذي: "حسن غريب". وصحح إسناده الضياء في (المختارة): [4/399]، وصححهقال الشافعي:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت رجائي دون عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل *** تجود وتعفو منة وتكرما
فإن تنتقم مني فلست بآيس *** ولو دخلت نفسي بجرمي جهنما
ولولاك لم يغو بإبليس عابد *** فكيف وقد أغوى صفيك آدما
وإني لآتي الذنب أعرف قدره *** وأعلم أن الله يعفو ترحما
(سير أعلام النبلاء للذهبي: [10/76]).
3- تعلق القلب بالله والثقة به:
لا بد على المرء أن يعلق قلبه بالله، ويجعل الثقة به سبحانه وتعالى في كل أحواله و"لا يليق بالمسلم أن ييأس من روح الله ولا يقنط من رحمته، ولا يكون نظره مقصورًا على الأمور المادية والأسباب الظاهرة، بل يكون متلفتًا في قلبه في كل وقت إلى مسبب الأسباب، إلى الكريم الوهاب، متحريًا للفَرَج، واثقًا بأن الله سيجعل بعد العسر يسرًا، ومن هنا ينبعث للقيام بما يقدر عليه من النصح والإرشاد والدعوة، ويقنع باليسير إذا لم يمكن الكثير، وبزوال بعض الشر وتخفيفه إذا تعذر غير ذلك" (انظر: (الهمة العالية) لمحمد الحمد: [1/50]).
4- أن يكون العبد بين الخوف والرجاء:
قال تعالى في مدح عباده المؤمنين: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء من الآية:90].
قال السفاريني: "نص الإمام أحمد رضي الله عنه: ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدًا. فأيهما غلب صاحبه هلك. وهذا هو العدل، ولهذا من غلب عليه حال الخوف أوقعه في نوع من اليأْس والقنوط، إمًا في نفسه، وإمًا في أمور الناس، ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف أوقعه في نوع من الأمن لمكر الله، إمَّا في نفسه، وإمَّا في الناس" (غذاء الألباب: [1/462]).
5- الإيمان بالقضاء والقدر:
إذا علم المرء وأيقن أنَّ كل ما حصل له هو بقضاء الله وقدره استراح قلبه، ولم ييأس لفوات شيء كان يرجوه، أو لوقوع أمر كان يحذر منه، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22].
وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن:11].
قال ابن القيم: "إذا جرى على العبد مقدور يكرهه، فله فيه ستة مشاهد:
أحدها: مشهد التوحيد، وأن الله هو الذي قدره وشاءه وخلقه، وما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن،
الثاني: مشهد العدل، وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه،
الثالث: مشهد الرحمة، وأن رحمته في هذا المقدور غالبه، لغضبه، وانتقامه ورحمته حشوه،
الرابع: مشهد الحكمة، وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك لم يقدره سدًى، ولا قضاه عبثًا،
الخامس: مشهد الحمد، وأنَّ له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه،
السادس: مشهد العبودية، وأنه عبد محض من كل وجه تجري عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية، فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه" (الفوائد: [1/32]).
6- الصبر عند حدوث البلاء:
وذلك أن الله سبحانه ذم اليائسين من رحمته عند حصول البلاء، واستثنى من الذم الصابرين على البلاء، وجعل لهم الثواب العظيم.
فقال تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ . إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود:10-11].
ونهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت بسبب البلاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري: [5671]، ومسلم: [5680]. واللفظ للبخاري).
7- الدعاء مع الإيقان بالإجابة:
قال تعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام لما عوتب في تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان، وانقطاع الأمل، وحصول اليأْس في رجوعه، قال بلسان المؤمن الواثق في وعد الله برفع البلاء عن الصابرين وإجابة دعوة المضطرين، {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف:86].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «
» (رواه مسلم: [2735]).قال القرطبي: -ينبغي- "استدامة الدعاء وترك اليأْس من الإجابة، وداوم رجائهما، واستدامة الإلحاح في الدعاء، فإن الله يحب الملحِّين في الدعاء" ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم) للقرطبي: [7/63]).
والمرء مع إلحاحه في الدعاء عليه أن يوقن بأن «الألباني في تخريجه لكتاب السنة لابن أبي عاصم: [315]).
» (رواه أحمد: [1/307] [2803]، والطبراني: [11/123] [11243]، والبيهقي في (الاعتقاد): [147]، والضياء في (الأحاديث المختارة): [10/23] [13]. من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): [1/459]: حسن جيد، وحسنه ابن حجر في (موافقة الخبر الخبر): [1/327]، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق (مسند أحمد): [4/287]، وصححه8- الأخذ بالأسباب:
يظهر لنا جليًّا في قصة يوسف عليه السلام أهمية الأخذ بالأسباب، وترك الاستسلام لليأس، فقد قال نبي الله يعقوب عليه السلام لأولاده لما أبلغوه فقد ابنه الثاني: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
قال السعدي: "ورد النهي عن تمني الموت للضر الذي ينزل بالعبد، من مرض أو فقر أو خوف، أو وقوع في شدة ومهلكة، أو نحوها من الأشياء. فإن في تمني الموت لذلك مفاسد...
منها: أنه يضعف النفس، ويحدث الخور والكسل. ويوقع في اليأْس، والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور والسعي في إضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره، وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به.
وذلك موجب لأمرين: اللطف الإلهي لمن أتى بالأسباب المأمور بها، والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه.. فيجعل العبد الأمر مفوضًا إلى ربه الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له، الذي يعلم من مصالح عبده ما لا يعلم العبد، ويريد له من الخير ما لا يريده، ويلطف به في بلائه كما يلطف به في نعمائه" (انظر: (بهجة قلوب الأبرار) للسعدي: [1/175-176] بتصرف يسير).
فمن أسباب اليأْس والقنوط الأساسية، تعلق القلب بالدنيا والفرح بأخذها، والحزن والتأسف على فواتها بكل ما فيها، من جاه، وسلطان، وزوجة، وأولاد، ومال، وعافية... إلخ، فاعلم أنَّ الله سبحانه يعطي الدنيا لمن لا يحب ومن يحب، ولا يعطي الآخرة إلا لمن أحب، وقد منع أحب الخلق إليه، وأكرمهم عليه، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الدنيا وما فيها، فخرج وما ملأ بطنه من خبز البر ثلاث أيام متواليات، وأنَّ المرء لن يأخذ أكثر مما قدر له فلا ييأس ولا يقنط لفوات شيء.