الاعتدال في تقويم الرجال (ابن تيمية نموذجًا)
شيخ الإسلام "تقي الدين ابن تيمية" شخصية عظيمة، ظُلِمَ من مُحبيه ومُناوِئيه، حين حصره الفريقان في دائرة ضيقة من قضايا العقيدة (الأسماء والصفات)، والنظر إليه من خلالها دون سواها، وكل ما يُنسَب إليه مما يدور حوله الجدل يُعدُّ من قبيل ما يصح فيه الاجتهاد، وهو قد بلغ تلك الرتبة يقينًا!
1- شيخ الإسلام "تقي الدين ابن تيمية" شخصية عظيمة، ظُلِمَ من مُحبيه ومُناوِئيه، حين حصره الفريقان في دائرة ضيقة من قضايا العقيدة (الأسماء والصفات)، والنظر إليه من خلالها دون سواها، وكل ما يُنسَب إليه مما يدور حوله الجدل يُعدُّ من قبيل ما يصح فيه الاجتهاد، وهو قد بلغ تلك الرتبة يقينًا!
يقول الإمام عبد الوهاب السبكي ابن شيخ الاسلام تقي الدين: "وأما الحافظ أبو الحجاج المزي فلم يكتب بخطه لفظة شيخ الإسلام إلا له -أي والده شيخ الإسلام السبكي- وللشيخ تقي الدين ابن تيمية، وللشيخ شمس الدين ابن أبي عمر" أهـ (طبقات الشافعية الكبرى: [10/195]).
والإمام بدر الدين العيني يقول في الثناء عليه: "العالِم العلَّامة، الأوحد الرحلة، شيخ الإسلام، عَلم العلماء، قامع المبتدِعة اللئام، فارس الأحكام بالإحكام" والعيني أشعري قح! (العلم الهيب في شرح الكلم الطيب، ص: [33]).
2- كان المشروع التيمي يقوم على إعادة تأسيس علوم الإسلام جميعًا، وإخراجها من دائرة العقلية اليونانية التي كان يراها غريبة عن الروح العربية التي نزل بها القرآن..
وفي هذا الإطار ألَّف في نقض المنطق، وقدَّم في ذلك إبداعًا أصيلًا عرض بعض جوانبه الدكتور النشار في كتابه الرائع: (مناهج البحث عند مفكري الإسلام). ودخل دهاليز الفلسفة بتلك الروح فقُبِلَ ورُد، ونُقِدَ وفند وأحسن وانتُقد.
وقدَّم في علم الكلام نقدًا لما رآه دخيلًا، ولما رآه عودة إلى منهج السلف، وعارضه كبار الأشاعرة في بعض ما قدَّم، واتهمه بعضهم بالتجسيم، وهو عنه بعيد، وقد قال لي أحد شيوخنا -وهو ليس تيمي الهوى-: "ابن تيمية شيخ الإسلام شئنا أو أبينا، وكل ما يُنسَب إلى ابن تيمية إنما هو من قبيل اللوازم"!
وفي الفقه: بالرغم من كونه حنبليًا فقد قدَّم اجتهادات وافقه عليها بعض الحنابلة وعارضه آخرون.
وفي أصول التفسير: كتب أحسن ما يكون مما غيره فيه عالةً عليه.
وكل كتاباته كانت تُستمد من منهجه الذي يتغيا إعادة التأسيس، بروح نقدية لا تخلو من جرأة، وما أحسن ما قاله الشيخ محمد أبو زهرة، حين قال: "وما كانت آراؤه العلمية إلا دواء لأسقام عصره، ولو فتشت عن البواعث التي بعثت ذلك العالم التقي على المجاهرة بآراء معينة لوجدت أن الذي بعث على هذه المجاهرة عيب في الزمان: في الفكر، أو في العمل، أو فيها معًا".
3- ومع ذلك فحصر الإسلام في شخصه بحيث تكون اجتهاداته هي الإسلام أو هي الحق الذى لا باطل ورائه أو هي الصواب الذي لا خطأ فيه أو معه.. تعصُّبٍ مُقيت، لا يليق بمن يزعم محبته أو الانتماء إليه؛ لأنه هو نفسه لم يفعل ذلك مع شيوخ عصره الذين عارضوه في تلك الاجتهادات، وفيهم من هم أرسخ من الجبال الرواسي عِلمًا وعملًا؛ فتعظيم ابن تيمية لعلماء عصره معلوم، وكان تعظيمه لشيخ الإسلام تقي الدين السبكي إمام الدنيا في عصره أشد، كما حكاه ابنه..
إذ يقول: "وصح من طرق شتى عن الشيخ تقي الدين بن تيمية أنه كان لا يُعظِّم أحدًا من أهل العصر كتعظيمه له -أي والده- وأنه كان كثير الثناء على تصنيفه في الرد عليه" (الطبقات: [10/ 194-195])..
وفي (كتاب) ابن تيمية الذي ألَّفه في الرد على الشيخ الإمام في رده عليه في مسألة الطلاق، [قال]: "لقد برز هذا على أقرانه، وهذا الرد الذي لابن تيمية على الوالد لم يقف عليه ولكن سمع به وأنا وقفت منه على مجلد" أهـ.
والشيخ الإمام تقي الدين السبكي قد "رد على الشيخ أبي العباس ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة" كما في (الطبقات: [10/167]).
والإمام العلَّامة المناظر محمد بن علي قاضي القضاة كمال الدين بن الزملكاني مع ثنائه المعلوم على ابن تيمية في غير موضع "صنف الرد على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة" كما في (طبقات الشافعية: [9/191]).
وأما إمام الأصوليين في زمانه علي بن محمد علاء الدين الباجي والذي أخذ عنه الإمام تقي الدين السبكي الأصلين: أصول الدين وأصول الفقه، وهو كما وصفه صاحب (الطبقات: [10/340]) بأنه: "أعلم أهل الأرض بمذهب الأشعري في علم الكلام، وكان هو بالقاهرة، والهندي بالشام القائمين بنصرة الأشعري"..
وبرغم وصفه بالأشعرية فقد قال عن علاقة ابن تيمية به: "كان إليه مرجِع المشكلات ومجالس المناظرات ولما رآه ابن تيمية عظَمه ولم يجرِ بين يديه بلفظة فأخذ الشيخ علاء الدين يقول: تكلم نبحث معك، وابن تيمية يقول: مثلي لا يتكلم بين يديك، أنا وظيفتي الاستفادة منك" أهـ (الطبقات: [10/342]).
فرضي الله عن الجميع، وألهمنا الرشاد والسداد.. ورزقنا وإياكم حُسن الخُلق وجميل الأدب..!
- التصنيف: