يا ذا الجلالِ والإكرامِ (3)
عائض بن عبد الله القرني
وقدْ ذكر الذهبيُّ عن المحدِّثِ الكبيرِ ابنِ عبدِ الباقي أنه: استعرض الناس بعد خروجِهم من جامعِ (دارِ السلامِ) ببغداد، فما وَجَدَ أحداً منهمُ يتمنَّى أنه مكانه وفي مسلاخه.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
في القرآن حقائقُ وسُننٌ لا تزولُ ولا تحولُ، أذكرُ ما يتعلقُ منها بسعادةِ العبدِ وراحةِ بالِهِ، منْ هذِهِ السُّننِ الثابتةِ: أنَّ منِ استنصر باللهِ نَصَرَهُ: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. ومنْ سألهُ أجابهُ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. ومن استغفره غَفَرَ له: {فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ}. ومنْ تاب إليه قبل منه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}. ومنْ توكَّل عليهِ كفاهُ: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
وأنَّ ثلاثةً يعجِّلُها اللهُ لأهلِها بنكالِها وجزائها: البغيُ: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم}، والنكثُ: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}، والمكرُ: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}. وأنَّ الظالم لنْ يفلت من قبضةِ اللهِ: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}. وأنَّ ثمرة العملِ الصالحِ عاجلةٌ وآجلةٌ، لأنَّ الله غفورٌ شكورٌ: {فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ}، وأن من أطاعه أحبَّه: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}. فإذا عَرَفَ العبدُ ذلك سعد وسُرَّ، لأنه يتعاملُ مع ربٍّ يرزقُ ويَنْصُرُ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ}، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}، ويغفرُ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ}، ويتوبُ: {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }، وينتقمُ لأوليائه منْ أعدائِهِ: {إِنَّا مُنتَقِمُونَ}، فسبحانه ما أكملهُ وأجلًّهُ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}؟!.
للشيخِ عبدِالرحمنِ بنِ سعديٍّ رحمهُ اللهُ رسالةٌ قيِّمةٌ اسمُها (الوسائلُ المفيدةُ في الحياةِ السعيدةِ)، ذكر فيها: إنَّ منْ أسبابِ السعادةِ أنْ ينظر العبدُ إلى نعمِ اللهِ عليه، فسوف يرى أنهُ يفوقُ بها أمماً من الناسِ لا تُحْصى، حينها يستشعرُ العبدُ فضل اللهِ عليه.
أقولُ: حتى في الأمورِ الدينيَّةِ مع تقصيرٍ العبدِ، يجُد انه أعلى منْ فئامٍ من الناسِ في المحافظةِ على الصلاةِ جماعةً، وقراءةِ القرآن والذكرِ ونحْو ذلك، وهذه نعمةٌ جليلةٌ لا تُقدَّرُ بثمنٍ: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}.
وقدْ ذكر الذهبيُّ عن المحدِّثِ الكبيرِ ابنِ عبدِ الباقي أنه: استعرض الناس بعد خروجِهم من جامعِ (دارِ السلامِ) ببغداد، فما وَجَدَ أحداً منهمُ يتمنَّى أنه مكانه وفي مسلاخه.
ولهذِهِ الكلمةِ جانبٌ إيجابيٌّ وسلبيٌّ: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.
كلُّ هذا الخلْقِ غِرٌّ وأنا *** منهمُ فاتركْ تفاصيل الجُمَلْ