موضعك الحقيقي في هذا العالم
أهل الدنيا ما أكثرهم.. وأبناء الآخرة ما أقلَّهم.. وبين هؤلاء وهؤلاء قد يحدث الخلط والخطأ في الحكم على الإنسان في ظاهر الأمر..
أهل الدنيا ما أكثرهم.. وأبناء الآخرة ما أقلَّهم.. وبين هؤلاء وهؤلاء قد يحدث الخلط والخطأ في الحكم على الإنسان في ظاهر الأمر..
روى عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: "مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: « » فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا، وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « »" (رواه البخاري).
الحقيقة.. أن المؤمن الذي حقَّق التقوى وإن كان أفقر الناس وأقلَّهم شأنًا في الدنيا؛ هو في الحقيقة الأعلى شأنًا. والكافر وإن كان أغنى الناس وأعلاهم في الدنيا فهو في الحقيقة الأقل شأنًا..
والناس درجات يتفاضلون فيما بينهم بالتقوى والقُرب من الله ليس بالمال أو الجاه.. فالدنيا لم تُسلَب من المؤمن لقلة شأنه ولم يُعطِها الله للكافر أو الفاجر لمحبته إيَّاه؛ وإنما يُبتلى هذا ليصبر، ويُبتلى هذا ليشكر والكل في النهاية تحت الاختبار.
ومن هوان الدنيا وزخرفها على الله.. بيانه أنه لولا فتنة المؤمن في دينه لبذل سبحانه الدنيا بحذافيرها للكافر، ويكفي المؤمن الجنة وما فيها.
قال تعالى: {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ . وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33-35].
قال ابن كثير في تفسيرها: "{وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي: لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال -هذا معنى قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي، وغيرهم- {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} أي سلالِم ودرجًا من فضة -قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي: وابن زيد، وغيرهم- {عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ}، أي: يصعدون.
{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا} أي: أغلاقًا على أبوابهم، {وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} أي: جميع ذلك يكون فضة، {وَزُخْرُفًا} أي: وذهبًا" (قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة، والسدي، وابن زيد).
ثم قال: {وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله [تعالى] أي: يُعجِّل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب، ليُوافوا الآخرة وليس لهم عند الله حسنة يجزيهم بها، كما ورد به الحديث الصحيح.
[وقد] ورد في حديث آخر: «النبي صلى الله عليه وسلم)، فذكره ورواه الطبراني من طريق زمعة بن صالح، عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: « ».
ثم قال: {وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} أي: هي لهم خاصة لا يشاركهم: فيها [أحد] غيرهم، ولهذا لمَّا قال عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين صعد إليه في تلك المشربة لِمَا آلىَ من نسائه، فرآه [عمر] على رمال حصير قد أثَّر بجنبه.. فابتدرت عيناه بالبكاء وقال: يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا فجلس وقال: « » ثم قال: « »، وفي رواية: « » أهـ.
وفي الختام:
اعلم يا عبد الله أن المؤمن متناغم مع الكون المسبح بحمد ربه سبحانه، والكافر والفاجر هو الشاذ.. وإن قلَّ عدد المؤمنين وكثُر عدد الكافرين أو الفاجرين.. فكن من أبناء الآخرة وتناغم مع منظومة التسبيح.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: