كيف احتل الإنجليز بلاد الهند المسلمة ؟!
سليمان بن صالح الخراشي
انتهجت دولة المغول الإسلامية في الهند سياسة تسامحية تجاه مختلف
المعتقدات والطوائف الموجودة بالهند والقادمة من خارج الهند...
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي -
يجد القارئ الكريم مبحثًا سابقًا متعلقًا بهذا المقال عنوانه "كيف
احتل الإنجليز مصر؟"، فيه عبرة لكل معتبر بأساليب العدو في إضعاف أو
احتلال بلاد المسلمين، وسيجد أن الخطة واحدة تتكرر في كل بلد وتنجح
للأسف؛ لأن المقابل لهم ساذج أو غافل، لا يُبادر إلى التصدي للشر وهو
في مهده، مما يُفشله ويُحبطه ويقضي عليه.
والإنجليز - كما هو معلوم - من أمهر الناس في الوصول إلى أهدافهم
بطريقة هادئة، طويلة النَفَس، ذاق منها المسلمون العلقم لأسباب كثيرة؛
على رأسها انصرافهم عن دينهم الصحيح، وتفريطهم في اتخاذ القوة المادية
الرادعة، وتشبثهم إما بالبدع أو بالأفكار القومية والوطنية التي
تُغيّب عنهم الحقائق، والله يقول: {إَن
تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال:
29].
ومن أراد معرفة شيء من كيد الإنجليز وتاريخهم فعليه بكتاب الأستاذ
محمد العُبيدي الموصلي - رحمه الله -: "جنايات الإنكليز على البشر
عامة وعلى المسلمين خاصة" - وقد طُبع حديثًا -.
ملخص الخطة المتكررة للإنجليز ووارثيهم:
1- التمهيد للاحتلال أو الإضعاف بنشر الفكر المخلخل لوحدة البلاد
المسلمة - بواسطة العملاء -، تحت شعارات: "التسامح"، "المحبة"،
"التعددية".. إلخ، الشعارات التي تُذيب الفوارق بين المسلم والكافر،
والسني والبدعي، وتكسر الحواجز، وتُفتت الوحدة، وتُحدث "الفراغ" الذي
يملؤه العدو القادم. ولهذا فمن يُعين - بجهل أو غفلة أو خبث - على نشر
مثل هذه الأفكار في صحيفته أو وسيلته ويُمكن لأصحابها من الليبراليين
والعصريين فهو خائن لأمته ووطنه. ويجد القارئ على هذا الرابط اعترافًا
مهمًا لأحد رؤوس العصريين حول هذا الموضوع.
2- التعاون مع الأقليات ومحاولة "تضخيمها" واستغلال مطامحها؛ لتفتيت
المجتمع وتقسيمه.
3- إحداث نزاعات مختلفة بين أهل البلاد وحكامهم؛ ليلجأ الجميع - في
نهاية الأمر - إليهم "فرق تسُد".
4- استغلال طموحات المتطلعين أو المتنازعين على الحكم - إن وجدوا -،
والتوازن في دعم الجميع بما يحفظ مصالحهم ويُسهل مهمتهم.
5- استخدام المال والرشاوى.
هذه أبرز وسائلهم. وأما بعد وقوع البلد في الاحتلال فتنتقل مهمتهم
إلى: نهب خيرات البلاد، التمكين لحلفائهم، تسريح الجيش، نشر الفساد
الأخلاقي، دعم الأقليات، بعث التاريخ قبل الإسلامي.
وقد اطلعت على رسالة جامعية مقدمة لنيل الدكتوراة بجامعة أم القرى -
جديرة بالنشر - تتحدث عن كيفية احتلال الإنجليز للهند، وسقوط الدولة
الإسلامية فيها عنوانها: "شركة الهند الشرقية الإنجليزية منذ تأسيسها
حتى سقوط دولة المغول الإسلامية في الهند" للباحث الأستاذ نصير أحمد
نور أحمد.
تتبع فيها الباحث خطة الإنجليز - وهي لا تخرج كثيرًا عما سبق - لتحقيق
هذا الهدف بواسطة شركتهم السابقة، وهو ما كان يظنه كثيرون مستحيلاً؛
إذ كيف تستولي شركة تجارية على دولة عظيمة كالهند؟ ولكنهم غفلوا عن أن
معظم النار من مستصغر الشرر، وأن التفريط في دين الله و نصره والتهاون
في مواجهة الأخطار المحتملة وعدم المبادرة بحسمها يُحدث ذلك
وأكثر.
وأنتقي من الرسالة هذه العبارات - مع ذكر الفهرس إلى أن يتيسر طبعها
-:
- "انتهجت دولة المغول الإسلامية في الهند سياسة تسامحية تجاه مختلف
المعتقدات والطوائف الموجودة بالهند والقادمة من خارج الهند، بشكل لم
ير عالمٌ ذلك الزمان مثيلاً لها، وقد وضع أسس هذه السياسة مؤسس الدولة
المغولية في الهند ظهير الدين محمد بابر شاه".
- "لقد أخذ حفيد بابر شاه السلطان أكبر الأول بهذه الوصايا جملة
وتفصيلاً، بل ذهب في تطبيقها إلى درجة مفرطة تحول فيها التسامح إلى
التهاون تجاه القيام بمسئولياته في نشر الدعوة الإسلامية، وفي هذا
الإطار قام أكبر شاه بعقد المصاهرات مع الراجيوت الطبقة العسكرية
الهندوكية، وأباح المناصب الكبيرة لهم ولغيرهم من الهندوكيين، ولم
يتعرض لمعابدهم وطقوسهم الدينية، وتزوج بالهندوكيات زواج مصلحة
وسياسة".
- "أصبحت الدولة لا تتمتع بحماية دين أو عصبية في مجتمع بدأ ولاؤه
ينقسم إلى الطوائف، ومعنى هذا أن السياسة التي أريد منها كسب ود
الجميع انتهت إلى أن خسرت الدولة ود الجميع، لتبقى الدولة المغولية في
نهاية المطاف في حالة يرثى لها؛ بحيث لم يبق لسلاطينها إلا التغني
بالأمجاد الماضية، دون أن يجدوا من يقف إلى جانبهم بإخلاص ويعمل على
إعادة تلك الأمجاد الغابرة إلى واقع ملموس".
- "كانت شركة الهند الشرقية الإنجليزية تتحين الفرص لكسب ود سلطات
دولة المغول الإسلامية في الهند، وكانت الشركة تعرف تماماً أنه ليس
بمقدورها تحدي الدولة المغولية التي كانت قوية ومتماسكة وتضرب بيد عن
حديد كل من يعبث بأمنها واستقرارها في البر الهندي، ومن هنا اختارت
الشركة في هذه الفترة التذلل والتودد أمام سلطات الدولة على أمل أن
يسمحوا لها بمزاولة نشاطاتها التجارية داخل أراضي الدولة".
- حدث احتكاك عسكري بين الشركة والدولة فتصدت له الدولة بقوة: "وهكذا
فشلت أولى محاولات الشركة في اختبار عرض القوة، وكان السلطان
"أورنكزيب" أول من وجه ضربة قاسية إلى أطماع شركة الهند الشرقية
الإنجليزية وأجبرها على التقهقر في المناطق التي كانت بحوزتها وتعهدت
بأن لا تعود إلى مثل هذا السلوك في المستقبل".
- تعاون الإنجليز مع الأقلية السيخية: "لقد رحب الإنجليز بنمو قوة
الإمارة السيخية المتعاونة معهم في العداء السافر ضد الإسلام
والمسلمين، واعتبروها إمارة حاجزة بينهم وبين أي هجوم محتمل من آسيا
الوسطى لنجدة المسلمين في الهند، كما جرى في خلال قرون عديدة مضت،
وبارك الإنجليز نهج السيخ الإرهابي ضد المسلمين وأطلقوا يدهم ضمن
الحدود التي سمحوا بها.
بعد مرور ثلاث سنوات رأوا أن يقضوا على الإمارة السيخية نهائياً
ويلحقوها بالأراضي التي تخضع لسيادة الشركة. وهكذا انتهت من الوجود
دولة السيخ بيد أصدقائها وحلفائها الإنجليز، بعد أن استنفذت خدماتها
للأصدقاء".
- أعمالهم مع المسلمين: "استمر الإنجليز على صب جام غضبهم على
المسلمين واتبعوا معهم سياسة الإبعاد عن الوظائف وخيرات البلاد،
وتشجيع الهندوس وتثبيت أقدامهم في المراكز العليا والمناصب الرفيعة،
كما فتحوا لهم أبواب الرخاء وميادين الرقي ويسروا أمام أبنائهم
التعليم بالمدارس في حين كانوا يعملون على إبقاء المسلمين في ظلمات
الجهل والتخلف ليكونوا آمنين من أي محاولة منهم لاسترجاع السيادة التي
سلبها منهم الإنجليز بمساندة وتمهيد من جماعات الهندوس".
- مهمة تنصيرية: "كانت لشركة الهند الشرقية الإنجليزية مهمة تنصيرية
منذ تأسيسها، إلى جانب مهامها الأساسية في التجارة والكشف والاستعمار،
وتبدو تلك المهمة واضحة في البراءة الملكية التي تم بموجبها تأسيس
الشركة، إذ تنص على عدم السماح للشركة بالدخول في حرب مع أي أمير
نصراني، في حين خولتها الصلاحية بإعلان الحرب أو عقد اتفاقيات السلام
مع الحكام غير النصرانيين.
إن الصبغة الاستعمارية وبسط السيطرة الأوربية كانت هي الأخرى واضحة
تمام الوضوح في المراسيم التي تأسست بموجبها الشركات الأوربية
الاستعمارية وفي مقدمتها شركة الهند الشرقية الإنجليزية، إذ على الرغم
من تظاهر الشركات بالتجارة أمام الحكام المحليين في بدايات قدومهم إلى
الهند وسائر البلدان الشرقية، كانت مراسيم التأسيس تنص على منح هذه
الشركات الصلاحية في إعلان الحرب وعقد المعاهدات وفتح ما تشاء من
الأراضي وإقامة الحصون والقلاع، وامتلاك الجيوش والأساطيل
الحربية".
- لماذا ضاع حكم المسلمين؟: "ضاع حكم الهند من أيدي المسلمين نتيجة
تفكك الجبهة الإسلامية الهندية واضمحلالها سياسياً وعسكرياً
واقتصادياً وثقافياً، وكان في مقدمة العوامل التي أدت إلى ذلك التفكك
والاضمحلال الحروب العائلية التي كانت تنشب عند تولي كل سلطان مغولي
العرش منذ النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري الموافق للنصف
الثاني من القرن السابع عشر الميلادي، ولقد أنهكت هذه الحروب الدولة
وقضت على هيبتها وأفقرتها بشرياً واقتصادياً وأضعفتها عسكرياً
وسياسياً وأمنياً، وفتحت المجال لزعزعة السلطة المركزية وزوالها
وانفصال الأقاليم عن هذه السلطة واحدة بعد الأخرى، كما فتحت المجال
للحاقدين على الحكم الإسلامي وللانتهازيين الذين لا تهمهم مصالح ومصير
أمة، وأوقعت السلاطين الضعاف في أحضان المتغلبين الذين لعبوا بهم وفق
أهوائهم وأغراضهم الضيقة على حساب مصلحة الدولة واستقرارها وثباتها،
وكذلك مهدت هذه الأحداث المؤسفة الطريق أمام القادم الجديد الغريب في
تاريخ الهند الإسلامي ليملأ ذلك الفراغ وليتحكم في مصير الهنود،
وليحول دون عودة الحكم الإسلامي في الهند بعد أن استمر قروناً متمادية
يتداول بين الأسر الحاكمة المسلمة".
- أهم عامل للضياع: "يبقى عامل العوامل في كل ما حدث من وضع مأساوي
للمسلمين في الهند هو أخطاء حكامهم التي تأتي في مقدمتها عدم قيامهم
خير قيام بأداء واجبهم تجاه نشر وترسيخ العقيدة الإسلامية الصافية
المستمدة من الكتاب والسنة، ونتيجة النتائج لذلك التهاون والتقاعس -
الذي يتحمل قسطاً من مسئوليته العلماء - هي أن المسلمين بقوا أقلية
رغم حكمهم الطويل في شبه القارة الهندية، وحتى هذه الأقلية لم تهيأ
لها فرصة توعيتها بالإسلام الصافي من البدع، وما يطلب من المسلم
القيام به تجاه ربه ونفسه وأمته وبني نوعه ومستقبل بلده، والاهتمام
بالتربية والتعليم والبحث والتحقيق، والأخذ بوسائل التقدم العلمي
الحضاري التي لا تتوقف عند حد معين بل تتقدم وتتطور مع تقدم الزمن
وتوالي الأجيال، وإن نتيجة الأسباب هذه كانت العامل الحاسم فيما آلت
إليه أوضاع المسلمين في شبه القارة الهندية من إستضعاف ومأساة، ونجاح
التحالف الصليبي الهندوكي من إقصاء المسلمين عن السيادة والريادة في
شبه القارة الهندية الموحد".
فهرس الموضوعات:
1- المقدمة.
2- صدى سياسة التسامح في دولة المغول الإسلامية في الهند.
الفصل الأول:
تأسيس شركات الهند:
- شركة الهند الشرقية الإنجليزية.
- شركة الهند الشرقية الهولندية.
- شركة الهند الشرقية الفرنسية.
الفصل الثاني:
صراع الشركات الاستعمارية في الهند المغولية
الإسلامية:
- موقف السلطان جهانكير من القوى الأوربية الاستعمارية.
- تصاعد النفوذ الإنجليزي في عصر أورنكزيب.
حروب الوراثة النمساوية في أوربا وحرب السنين السبع:
اشتداد الصراع بين الشركة الفرنسية والشركة الإنجليزية.
الفصل الثالث:
وضع ثنائي في الهند:
- معاهدة إله آباد بين شركة الهند الشرقية الإنجليزية والسلطان شاه
عالم الثاني.
- وارن هستنجز وتنظيمات الشركة.
- الشركة دولة داخل دولة المغول الإسلامية في الهند.
- استيلاء الشركة على دهلي وتقدمها في أكثر أنحاء الهند.
- اتساع ممتلكات الشركة، كلكته عاصمة.
الفصل الرابع:
وسائل شركة الهند الشرقية الإنجليزية لإحكام سيطرتها على
جميع الهند:
- سياسة الإلحاق.
- قانون الثغور.
- عصر السكك الحديدية.
- التنصير.
- اللغة الإنجليزية وتطبيق القوانين الإنجليزية.
الفصل الخامس:
الثورة الهندية (1273 هـ / 1857 م).
- رد الفعل لسيطرة شركة الهند الشرقية الإنجليزية على كل الهند.
- إخماد الثورة، سقوط دولة المغول الإسلامية في الهند.
- إنهاء حكم الشركة.
- الهند الإمبراطورية، طريق الإمبراطورية.
الخاتمة:
- التحليل والنتائج.
- سلاطين دولة المغول الإسلامية في الهند خلال فترة البحث.
- الحكام العامون لشركة الهند الشرقية الإنجليزية خلال فترة
البحث.