الفاطمات يعدن من جديد

منذ 2008-04-17

الفاطمات Les Fatimas"" هو المصطلح الذي أطلقه الفرنسيون على الجزائريات المسلمات المحجبات أثناء أكبر معركة ثقافية في تاريخ البشرية والتي جرت بداية وقائعها على الأرض الجزائرية وقادت لواءها فرنسا المتعصبة حاملة لواء الصليبيين الجديد ذي النزعة التنويرية العلمانية. والحرب على الحجاب كانت تعني ببساطة الحرب على الشخصية المسلمة وتذويبها في ثقافة المستعمر.
كانت الحرب على الحجاب هي الوجه الثاني للسلاح الذي اعتمدته فرنسا لتركيع الأمة أما الوجه الأول فهو الحرب على اللغة العربية لغة القرآن الكريم.

وفي سياق هذه الحرب الثقافية الشرسة عقدت المؤتمرات وسيق الناس إليها بالقوة وتحت ضغط السلاح أكرهت بعض النساء على خلع الحجاب بعد انتهاء الخطب التي تحث المسلمات على السفور حدث ذلك بصورة مسرحية هزلية بدليل أنه بعد انتهاء هذه المؤتمرات القسرية لم تظهر امرأة واحدة بدون الحجاب ورحلت فرنسا واستمر الحجاب أو الحايك الجزائري ولكن كما أن الحروب الصليبية لم تنته بعد فإن الحقد الفرنسي خاصة والغربي عامة لم يتوقف تجاه الحجاب والمحجبات والوقائع كثيرة معروفة بداية من منع الطالبات الفرنسيات من ارتداء الحجاب انتهاء بتصدير ثقافة رفض الحجاب لنفر من مثقفينا المتغربين والمتفرنسين الذين يحاولون أن يحققوا بأيديهم وأقلامهم ما عجز أسيادهم أن يحققوه بسلاحهم والبعض في موقع المسئولية الفكرية كوزير الثقافة المصري الذي انتقد الحجاب واعتبره خطوة للوراء.

حدث ذلك في مصر بلد الأزهر وشاع في الخطاب التونسي المتسلط نغمة أن الحجاب زي طائفي والبعض الآخر من المثقفين العرب يتحدث عن الغزو الثقافي الخليجي للنساء وأزياء النساء فالمدنية أن نقبل ما تأتي به الموضة الفرنسية والغربية واعتبار ذلك منتهى التقدم والرقي في حين أن ارتداء العباءة أو الملحفة غزو مخطط له بليل وهي نعرة وطنية متهافتة وكاذبة بل ومنافقة أيضا ولينظروا ماذا كانت ترتدي هدى شعراوي وجيلها من لباس وهل كان ذلك أيضا من تأثير النفط الخليجي؟

أما أعجب من تحدث عن المحجبات فهو رجل الأعمال نجيب ساويرس (أكثر من 10 مليار دولار) فهو رجل نصراني في دولة أغلبيتها الساحقة من المسلمين وعلى الرغم من ذلك يزعجه انتشار المحجبات ويشعرنه بالاغتراب لدرجة أنه ينتوي إطلاق قناتين فضائيتين جديدتين بالإضافة إلى قناته (OT.V) المنحلة وذلك لمحاولة عرقلة انتشار الحجاب في الشارع المصري.. فأي الحزبين أقرب للنجاح حزب الفاطمات أنصار الشرع والحجاب أم حزب الرؤية الغربية صليبية كانت أو علمانية متطرفة أو من الوكلاء المعتمدين في بلادنا ممن يدينون بنفس الرؤية المحاربة لشرع الله؟

بين تيارين:
لو أخذنا المجتمع المصري كنموذج وأرض لمعركة حقيقية لتيارين ثقافيين شديدي التباين أحدهما التيار الإسلامي بكافة توجهاته التي أجمعت على أن الحجاب فريضة على كل امرأة مسلمة وصلت لسن التكليف مع اختلاف في بعض التفاصيل بخصوص الزينة الظاهرة المسموح بها وهو الإجماع الذي عرفته الأمة على مدار تاريخها بكافة فرقها ومذاهبها عدا آراء شاذة لا تخرق قاعدة الإجماع .

أما التيار الثاني فهو التيار اللا ديني بكافة فصائله أيضا من النسويات الليبراليات والنسويات الاشتراكيات (الحاضرات بقوة) إلى الشرق أوسطيون الجدد؛ وهو التيار الذي يرفض الحجاب ويعتبره حجابا على العقل وارتدادا للوراء وحجرا على المرأة ومنعا لها من الترقي في سلم الحضارة، وهو في أبسط صوره الديمقراطية يراه خيارا ثقافيا للمرأة وتقليدا مجتمعيا يمكن التعايش معه أما أشد درجاته فيدعو لمتابعة تونس وتركيا في منع الحجاب إذا أردنا السير على طريق التقدم ولعل معاناة المنتقبات في المدارس والجامعات هي من آثار هذا الفريق المتطرف.

نظرة موضوعية:
نظرة واحدة للشارع المصري تكشف الانحياز الهائل للمشروع الإسلامي ولفرضية الحجاب، حقيقة لا يوجد إحصاء دقيق عن عدد المحجبات في مصر ولكن الظاهرة من الضخامة بحيث لا تقبل شك وذلك ما دفع عتاة العلمانيين للتذمر والشكوى كما حدث مع ساويرس الذي أزعجه انتشار الزي الشرعي بهذه الكثافة ونستطيع القول أن كل النساء في الريف المصري من المحجبات -عدد السكان في الريف يقارب الـ 60%- الأغلبية الساحقة في المناطق الشعبية والمهمشة من النساء محجبات، أغلبية الطالبات الجامعيات وطالبات المدارس الثانوي محجبات، حتى الأماكن الثرية والراقية انتشر فيها الحجاب وأصبحت أغلب النساء فيها من المحجبات، فماذا يعني هذا إلا الانحياز للشريعة الإسلامية ولتشريع الحجاب؟

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه والذي يقوله العلمانيون أنفسهم إن صيغة الحجاب المنتشر هذه ليست هي الصورة التي يقول بها أصحاب الرؤية الإسلامية ثم يعقبون أن انتشار الحجاب هذا لم يقترن به ارتفاع في مستوى الأخلاق وهم في هذا التعاطي يدشنون لرؤيتهم للأخلاق والتي يرون أنها غير مرتبطة بالزي.

لو نظرنا بصورة موضوعية للشارع المصري الذي أخذناه كنموذج فسنجد بالطبع عدد كبير ممن لا تلتزمن بشروط الزي الشرعي ولكن الشيء المؤكد أن عدد اللاتي يلتزمن بالشروط الشرعية عدد هائل جدا وفي ازدياد أيضا وهو ما أثار ساويرس في تصريحاته فما أثاره ليس مجرد غطاء الرأس ولكن انتشار الحجاب الشرعي.

الأمر الثاني أن اللاتي لا يلتزمن تماما بشروط الزي الشرعي وغالبيتهن من الفتيات في مرحلة المراهقة أو بعدها بقليل يعرفن أنهن مخطئات ويتمنين الالتزام بكامل الشروط الشرعية وهذه نقطة فارقة وجوهرية؛ فأنصار المشروع العلماني يتحدثون مع أنفسهم ولا يجدون آذانا صاغية وهو ما يثر غيظهم؛ لأنهم فاقدي التأثير على الرغم من التأييد الحكومي لهم فنراهم يصبون غيظهم على الشعب الجاهل، حتى المتبرجات اللاتي يكشفن شعورهن لا يفعلن ذلك بناء عن انحياز ثقافي أو رؤية معرفية ولكنهن يعترفن بالتقصير ويعرفن الصواب وفيما عدد من الفتيات نستطيع عده على أصابع اليدين لم يتغلغل المشروع العلماني في البنية العميقة لنسيج المجتمع المصري وقضية الحجاب أكبر شاهد على ذلك.

أما عن تراجع مستوى الأخلاق فلا يمكن ابتساره على هذا النحو الساذج؛ فالحجاب جاء ليدعم قيم العفة في المجتمع ولكنه جزء من منظومة إسلامية كبيرة اسمها "الشريعة الإسلامية" وما لم تتحقق هذه المنظومة وتعمل بشكل متكامل فستبقى العديد من الثغرات في بنية المجتمع المسلم؛ ففي غياب نظام اقتصاد إسلامي رشيد سيبقى الزواج حلما يراود الشباب وعندما يعجز الشباب عن تحقيق هذا الحلم لن يمنع الحجاب وحده الشباب جميعا من التردي في سلوكيات هابطة أو مرفوضة خاصة في ظل ثورة الاتصالات وحرب الفضائيات المدروسة.

وعلى الرغم من كل التحديات انتصرت الفاطمات وعدن من جديد ليملأن شوارع القاهرة وتونس والجزائر واستانبول، عدن بقيم فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وقيم أسماء ونسيبة وأم حرام، عدن ساخرات من كيد الأعداء في الخارج والداخل فلا قوة السلاح ولا حرب الإعلام ولا استهزاء السفهاء يستطيع وقف مسيرة عودتهن بعد اليوم.



فاطمة عبد الرءوف



المصدر: لواء الشريعة
  • 10
  • 0
  • 9,882
  • ابو البراء الخالدي

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاك الله خيرا اختنا الكريمه والله انه مقال رائع ويثلج الصدر و يبشر بإذن الله عز وجل بنور يدل اخواننا واخواتنا الى طريق الحق و الصواب الذين تخطفتهم النزعات و الضلالات الحمدلله رب العالمين
  • أبو باسل

      منذ
    [[أعجبني:]] اردت التقييم 10 من 10 وليس 1
  • أبو باسل

      منذ
    [[أعجبني:]] يسعدنا هذه الاخبار عن أرض الكنانه. أهل الثقافه والعلم.. نسأل الله لأخواتنا الثبات على الحق شكرا للكاتبه الكريمه وجزاك الله خير
  • شادية

      منذ
    [[أعجبني:]] والله لم اقرا مقالا كهذا منذ فترة طويلة ماشاء الله لاقوة الابالله ،فكرة واضحة وأدلة قوية وتنظيم في عرض الفكرة ناهيك عن جمال الفكرة ....بارك الله فيكي واجمل ما اعجبني ان الكاتبة من الفاطمات لا تحرمينا من مقالاتك ودمتي بخير ان شاء الله.
  • أبو عبد الله مصطفى

      منذ
    [[أعجبني:]] تحليل بسيط و سريع للموقف المعقد على أرض مصر و أرجو من الله أن يقينا الفتن ما ظهر منها و ما بطن
  • ابوروداينة من المنصورة

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاكم الله خيرا وجعلكم الله سلاحا فى وجه منافقين هذه الاهة من العلمانين ومن على شاكلتهم من اليهود والنصارى
  • أبو آدم الجزائري

      منذ
    [[أعجبني:]] كل شيء.بوركت يا فاطمة فإنك إسم على مسمى.أنت حقيقة حفيدة فاطمة و عائشة و خديجة رضي الله عنهن.
  • محمد

      منذ
    [[أعجبني:]] مقالة ممتازة ذات رؤية عميقة وتحليل رائع [[لم يعجبني:]] كلها اعجبتنى
  • ابو خطاب

      منذ
    [[أعجبني:]] ان المقاله ضربت مثال وقعي وهو ارض الكنانه [[لم يعجبني:]] ارجو ان يذكر الاماكن التي فيها منع للحجاب مثل تونس و تركيا لنعم كيف حال اخوتنا هناك
  • أحمد الأنصاري

      منذ
    [[أعجبني:]] وأن تنصروا الله ينصركم يا محجبات اتقوا الله في حجابكم ليكن حجابا شرعيا كما أمر الحبيب صلي الله عليه وسلم وحسنوا أخلاقكم فانتم يشار إليكم بالبنان ويقال أنظر المسلمة تفعل وتفعل فأجعلن هذا للنصره لا للعار يا مسلمي مصر حطموا أقتصاد سويرس اتركوا موبنيل وحولوا اتصالات دا لله واستحملوا شوية لله ونصرة للنبي صلي الله عليه وسلم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً