حكم المضمضة والاستنشاق

منذ 2014-05-15

من المسائل الفقهية التي يكثر السؤال عنها وتمس الحاجة لبيانها مسألة حكم (حكم المضمضة والاستنشاق) حيث يحتاج المسلم لها يوميًا في وضوئه وغسله.

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: أما بعد:
تمهيد:
مسألة حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل تكثر الحاجة إليها، ومما يدل على أهمية هذه المسألة:
أولًا: كثرة الحاجة إليها حيث يحتاج المسلم لها يوميًا في وضوئه وغسله.

ثانيًا: أن العلماء اختلفوا فيها اختلافًا كبيرًا على أقوال كثيرة، مما يستوجب بحث المسألة بحثًا علميًا للوصول إلى الراجح، لا سيما مع كثرة الحاجة لها كما تقدم.

ثالثًا: تعارض الأدلة في المسألة مما يسبب صعوبة في الترجيح عند الباحث، ومما يدل على ذلك أن الإمام أحمد - وهو من هو في العلم بالسنة والفقه- قد ورد عنه في هذه المسألة سبع روايات!

 

الأقوال في المسألة:
يمكن حصر أهم الأقوال في هذه المسألة في خمسة أقوال:
القول الأول: وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل، واستحبابهما في الوضوء، وهو مذهب الأحناف، وإليه ذهب الإمام الثوري، وهو رواية عن أحمد نقلها عنه أبو داود [1].
واستدلوا على وجوبهما في الغسل:
- أن الإنسان مأمور في الغسل بغسل جميع البدن ومنه الأنف والفم.
(واستدلوا على عدم وجوبهما في الوضوء بما سيأتي في أدلة القول الثاني).


القول الثاني: أن المضمضة والاستنشاق سنة في الوضوء والغُسل، وهو قول الجمهور، فهو مذهب المالكية، والشافعية، ورواية عن أحمد [2].
أدلة هذا القول:
1- أنه لم يُؤمر بهما؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي المسيء في صلاته أن يتوضأ كما أمره الله. كما (رواه أبو داود في السنن:[861]، والترمذي:[302]) من طريق يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة بن رافع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقص هذا الحديث قال فيه: «فتوضأ كما أمرك الله جل وعز» والله تعالى لم يذكر المضمضة والاستنشاق [3].
2-أن القول بوجوب الإعادة على من تركهما لم يُعرف عن الصحابة ولا عن التابعين، قال الإمام الشافعي: "ولم أعلم اختلافًا في أن المتوضئ لو تركهما عامدًا أو ناسيًا وصلى لم يعد" [4].


القول الثالث: وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل، وهو عكس القول الثاني، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، وهو من المفردات، وبه قال ابن المبارك وابن أبي ليلى وإسحاق [5].
أدلة هذا القول:
1- أن الله تعالى أمر بغسل الوجه، والوجه في لغة العرب يشمل الأنف والفم [6].
2- أن الشارع أمر بهما، والأمر يقتضي الوجوب.
أما الأمر بالاستنشاق: (فرواه البخاري: [162]، ومسلم:[237]) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينثر».
وأما الأمر بالمضمضة: (فرواه أبو داود في السنن:[144])، قال: حدثنا محمد ابن يحيى بن فارس: ثنا أبو عاصم: ثنا ابن جريج حدثني إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة مرفوعًا: «إذا توضأت فمضمض». والراجح أن هذه الزيادة شاذة ولا تصح لتفرد أبي عاصم النبيل وهو الضحاك بن مخلد بها عن باقي الرواة الثقات.


3- أنه لا يُحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك المضمضة والاستنشاق، (ومداومته صلى الله عليه وسلم عليهما تدل على وجوبهما؛ لأن فعله يصلح بيانًا وتفصيلًا للوضوء المأمور به في الآية) [7].


القول الرابع: وجوب الاستنشاق واستحباب المضمضة؛ وهذا القول رواية عن أحمد نقلها عنه الكوسج، ورجحها ابن المنذر [8].
ودليل هذا القول:
أنه صح الأمر بالاستنشاق ولم يصح الأمر بالمضمضة.


القول الخامس: وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء واستحبابهما في الغسل، وهذا عكس مذهب الأحناف.
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد رواها عنه الميموني وهو من كبار أصحاب الإمام أحمد [9].
الترجيح:

 

الراجح هو القول الأخير.
أما الوجوب في الوضوء: فلما تقدم من الأدلة المذكورة في القول الثالث.
وأما عدم الوجوب في الغسل: فلما (رواه البخاري: [344]) من حديث عِمران بن حصين رضي الله عنه الطويل، وفيه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال للرَّجُل الذي كان جُنبًا ولم يُصلِّ: «خُذْ هذا فأَفرِغْه عليك».
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي أن يريق الماء على نفسه وأن يغتسل ولم يذكر له لا المضمضة ولا الاستنشاق.
على أن القول بأن المضمضة والاستنشاق سنة ليس قولًا ضعيفًا.


______________________
* فإن من المسائل الفقهية التي يكثر السؤال عنها وتمس الحاجة لبيانها مسألة حكم "حكم المضمضة والاستنشاق"، وقد تكلمت عن هذه المسألة في شرحي لبلوغ المرام ورأيت أن أفردها بالنشر على موقعي، وقد أسندت تنسيقها للمشرف العلمي على الموقع، فقام بتوثيق النقولات وتخريج الأحاديث، كما أنه وقف على بعض النقولات المفيدة فوضعها بين قوسين إتماما للفائدة.
[1] حاشية ابن عابدين: [1/156]، المغني: [1/167]، مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني، ص: [13].
[2] ينظر منح الجليل: [1/89]، المجموع: [1/362]، المبدع: [1/123].
[3] المجموع: [1/364].
[4] الأم: [1/39].
[5] المغني: [1/166]، الفروع: [1/164]، الإنصاف: [1/125]، مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج: [11].
[6] كشاف القناع: [1/219].
[7] المغني: [1/168]، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: [1/4].
[8] مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج: [11]، الأوسط: [2/23].
[9] الفروع وتصحيح الفروع: [1/174]، الإنصاف: [1/326].

أحمد بن محمد الخليل

أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة القصيم

  • 6
  • 1
  • 76,413

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً