من نواقض الإسلام - (6) من استهزأ بشيء من دين الرسول (4)

منذ 2014-05-15

الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله المنفذين لأوامر الله فيهم نوع نفاق، فإن الله تعالى قال عن المنافقين: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

المسألة الثامنة: الاستهزاء وسب الملائكة.
قال القاضي عياض في الشفاء (2/119): "وحكم من سب سائر أنبياء الله تعالى وملائكته واستخف بهم أو كذبهم فيما أتوا به، أو أنكرهم وجحدهم، حكم نبينا صلى الله عليه وسلم على مساق ما قدمناه، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً..} [النساء:150-151]، وقال تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:136]، وقال: {كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:285]، قال مالك في كتاب ابن حبيب، ومحمد، وقال ابن القاسم وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ وسحنون فيمن شتم الأنبياء أو أحداً منهم، أو تنقصه قتل ولم يستتب، ومن سبهم من أهل الذمة قتل إلا أن يسلم".

قال ابن حزم في (الفصل:3/299): "صح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات لله تعالى، بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر".

المسألة التاسعة: الاستهزاء وسب الصحابة رضي الله عنه.
جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»، والاستهزاء وسب الصحابة على أنواع:

الأول: من استهزأ بهم عامة، أو سبهم بالجملة، أو اتهمهم بالنفاق والردة، أو عمم ذلك عليهم إلا قليلاً منهم، فهذا كفر وردة بإجماع العلماء، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم والقاضي أبو يعلى، والسمعاني، وابن تيمية وابن كثير وغيرهم، لأنه أراد بذلك اتهام دينهم وصلاحهم وصحبتهم، وأيضاً هو مكذب للقرآن.

قال ابن تيمية: "وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره، فإنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق.. وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ولهذا تجد عامة من ظهرت لله فيهم مثلات، وتواتر النقل بأن وجوههم تمسخ خنازير في المحيا والممات، وجمع العلماء ما بلغهم في ذلك، ومن صنف فيه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبدالواحد المقدسي كتابه في (النهي عن سب الأصحاب وما جاء فيه من الإثم والعقاب)".

الثاني: أن يكون سبهم مصحوباً بأمر كفري فهذا كفر أيضاً.
قال ابن تيمية: "أما من اقترن بسبه دعوى أن علياً إله، أو أنه كان هو النبي وإنما غلط جبريل في الرسالة، فهذا لاشك في كفره، بل لاشك في كفر من توقف في تكفيره".

الثالث: الاستهزاء ببعضهم وسبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، فهذا محرم وليس بكفر كاتهام بعضهم بالجبن والبخل وقلة العلم ونحو ذلك، ولكن قائل ذلك يستحق التفسيق والتعزير والزجر.
قال ابن تيمية: "وأما من سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهذا الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء".

المسألة العاشرة: الاستهزاء بأهل العلم والصلاح على نوعين:
النوع الأول: الاستهزاء والسخرية بأشخاصهم.
كمن يستهزئ بأوصافهم الخَلْقية أو الخُلُقية، فهذا النوع محرم.
ويدل على ذلك: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11].

النوع الثاني: الاستهزاء والسخرية بأهل العلم لأجل علمهم وبأهل الصلاح لأجل صلاحهم.
فهذا النوع كفر وردة عن دين الإسلام، لأن استهزاءه بهم إنما هو من أجل الدين والعلم والصلاح الذي يحملونه لا على أشخاصهم وذواتهم، وهذا استهزاء بالإسلام ويستدل له بقوله تعالى: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ..} [التوبة:65-66]، وتقدم بيان سبب نزول هذه الآية.

سئل الشيخ حمد بن عتيق عن معنى قول الفقهاء: "من قال يا فقيه بالتصغير يكفر".
فكان من جوابه: "وأما قول القائل (فقيِّه)، أو (عوَيْلم)، أو (مطَيْويْع) ونحو ذلك، فإذا كان قصد القائل الهزل أو الاستهزاء بالفقه أو العلم أو الطاعة، فهذا كفر أيضاً، ينقل عن الملة، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً" (انظر الدرر السنية:10/428).

سئل الشيخ ابن عثيمين في المجموع الثمين (1/65) عن بعض الناس الذين يسخرون بدين الله، ويستهزئون بهم ما حكمهم؟ فأجاب: "هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله المنفذين لأوامر الله فيهم نوع نفاق، فإن الله تعالى قال عن المنافقين: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79]، ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع، فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر، أما إذا كانوا يستهزئون يعنون أشخاصهم وزيهم بقطع النظر عمَّاهم عليه من اتباع السنة، فإنهم لا يكفرون بذلك، لأن الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله، لكنه على خطر عظيم".

المسألة الحادية عشرة: مجالسة من يسب ويستهزئ بدين الله.
من جالسهم وهو راضٍ باستهزائهم يضحك معهم ويمرح، فهو كافر مثلهم خارج من ملة الإسلام وإن لم يتفوه بما تفوهوا به فليحذر المسلم من مجالسة هؤلاء، ويدل عليه: قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140].

قال ابن كثير في تفسيره على هذه الآية: "أي أنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معه في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه"، وقال الشيخ السعدي: "لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها".

عبد الله بن حمود الفريح

حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.

  • 5
  • 0
  • 12,624
المقال السابق
(6) من استهزأ بشيء من دين الرسول (3)
المقال التالي
(7) السحر، ومنه الصرف والعطف (1)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً