حركة العصر الجديد (5)

فوز بنت عبد اللطيف كردي

  • التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -

المبحث الثالث: طرق نشر الفكر وأبرز برامجه التطبيقية
 

إن بذرة حركة "النيو-إيج" تكونت في الغرب النصراني، وهناك أيضًا وضعت اللبنات الأولى لطرق نشر فكرها؛ فأنتج معهد "إيسالن"-محضن الحركة- عشرات البرامج التي تقوم في أصلها على عقائد الغنوص "الروحانيات" وتحوي من العقائد والمبادئ المتنوعة والمتناقضة أحيانًا، وتم تصميمها بعناية وربطها بمجالات الحياة المختلفة كالصحة والرياضة والتطوير والعلاج وهندسة الديكور وتصميم المنازل وغيرها؛ لتوافق احتياجات أكثر الناس ومن ثم انتشرت على نطاق واسع بينهم.
 

كما تم تسويقها بشكل برامج متعددة المستويات تضمن زرع الفكر والمبادئ في نفوس وعقول المتدربين بتدرج لا يواجه أي معتقدات دينية لديهم وإنما يداهنها ويوافقها ثم يزاحمها ويقصيها[1].
 

وقد تكّون لنشر وترويج فكر الحركة وممارساتها العديد من المؤسسات الخاصة وانتشر حملة فكر (النيو-إييج) في أنحاء أمريكا لنشر فكرهم وخرجت الفكرة إلى بريطانيا وأوروبا ومن أشهر المؤسسات الأوروبية في هذا المجال مؤسسة "فايند هورن" ببريطانيا، ومع الانفتاح الثقافي الكبير وفي ظل مد العولمة وصلت برامج الحركة بما تحمله من فكر إلى البلاد الإسلامية خلال الخمس عشر سنة الماضية وانتشر تبعا لذلك كثير من فكر ومعتقدات الحركة تحت ستار التطبيب البديل والتدريب المعتمد بنظام المستويات المتعددة[2].
 

ولا يزال معهد إيسالن يطور أبحاثه، ويغيّر إطار أفكاره بحسب نتائج ما يرى في واقع الناس وقبولهم، ولذلك ففي قاعاته اليوم وبرئاسة أحد مؤسسيه مايكل ميرفي Michael Murphy تعاد دراسة الفكر الغنوصي الملحد وإعادة تشكيله ودمجه مع عقائد الحلول والاتحاد بدلًا من الإلحاد المحض لتناسب اعتقاد أكثر الناس اليوم بوجود إله، ورغبتهم في الطلب منه، والاتصال به.
 

كما أن المعهد يشترك اليوم في نشاط تتبناه جامعات ومراكز أبحاث ومؤسسات فكرية في الغرب للبحث في المؤثرات الغيبية في ممارسات وطقوس الأديان الشرقية والفرق الصوفية ووثنيات القبائل الهمجية في أستراليا وهواي وسيبيريا وغيرها، ويُخشى أن تخرج نتائج هذه الدراسات وتنشر على أنها علم وتجارب ودراسات محايدة فتلبّس الحق بالباطل، وهي ليست علمًا وإنما فلسفة تهمّش الوحي الذي هو المصدر الوحيد الصحيح عن عالم الغيب، لا يمكن معرفة حقائق المؤثرات الغيبية إلا من خلاله.
 

ومن الملاحظ أن حركة العصر الجديد تميزت عن غيرها من الحركات الباطنية الحديثة بمحاولة إضفاء الصبغة العلمية على كل الممارسات الباطنية التي تتبناها، ومن ذلك إضفائها صفة العلم على الكهانة والتنجيم والسحر، بل وصياغة مبادئ هذه الأمور وتعليمها للناس على أنها مهارات تكتسب عبر دورات تدريبية للتنمية البشرية[3]، ورغم حرص الحركة الشديد على كسب احترام الأوساط العلمية إلا أنها رُفضت عند العلماء والجامعات ولم يقبلها إلا عدد قليل ممن تبنى فكرها ومعتقدها؛ لعدم موافقة دراساتها وأبحاثها للمنهج العلمي الصحيح[4].

 

إلا أن الاتجاه العام في العالم الغربي اليوم لقبول الروحانيات والاعتراف بتأثيرها ووجودها.. يوسع بشكلٍ كبير دائرة المؤمنين بها أو الممارسين لبرامجها دون فهم لحقيقة ما يحدث ومتعلقات ما يمارسون.
 

وهكذا فإن حركة "العصر الجديد" لم تأتِ في الحقيقة بجديد يُذكَر، فبرامجها إنما هي إحياء وبعث وتجديد لمجموعة مبادئ وتقاليد وطقوس شرقية ووثنية، ولكن الحركة قدمتها للعالم الغربي في صورة تدريبات للحصول على قدرات بشرية خارقة وروحانيات.

 

كما أن الحركة لم تبرز كدين جديد، وإنما مثلت امتدادًا للتيار الباطني فتغلغلت في المجتمعات وتبنّى برامجها وفكرها مجموعات من أتباع جميع الديانات لكونها عرضت بشكل منهج جديد يقبل الاعتقادات المختلفة ويوفِّق بينها بحيث تظهر برامج الحركة كأنها تتناسب مع المعتقد الديني على تنوعه بل وتربطه بالمعتقدات والفلسفات الأخرى فيظهر حلقة من سلسلة كاملة! وتدعمه بمزيد من الروحانيات!
 

ومن هنا يمكن القول أن انتشار معتقدات حركة "العصر الجديد" في الغرب كان وراءه غنى الحركة بروحانيات الشرق، وموافقة ذلك للجفاف الروحي عند أصحاب الأديان المحرفة في الغرب، دون إلزامهم بأية لوازم دينية محددة أو مناقشة أي عقائد يعتقدونها. كما أن وسائل الاتصالات الحديثة ساهمت في سرعة انتشار هذه الأفكار فتجاوزت حدود أمريكا إلى أوروبا، ثم دخلت إلى بلاد الإسلام على يد من انخدعوا بظاهرها التدريبي في خضم الاهتمام المتزايد بالتنمية البشرية.. حيث قُدمت برامج الحركة تحت اسم الدورات التدريبية[5] مختلطة بدورات تنمية المهارات، أو تحت اسم العلاجات والاستشفاءات البديلة، كما أُلِّفت عشرات الكتب، وأُعدت الصوتيات لنشر فكر الحركة بصورٍ شتى.
 

وتحمل جميع هذه البرامج والكتب أسماء مجملة وألفاظ ملتبسة غامضة توحي بالاتصال بالعلم وفروعه وتشتبه بأمور معروفة عند الناس مثل: (البرمجة اللغوية العصبية، والتنفس العميق، والتنفس التحوّلي، والتأمّل الارتقائي، والاسترخاء، والطاقة والتفكير الايجابي، وهندسة النفس، والحرية النفسية، والعلاج بخط الزمن وقانون الجذب).. وقد روجت الحركة خلال برامجها وأدبياتها لفرضيات قديمة زاعمة أنها حقائق علمية ثابتة مثل "العقل الباطن" و"وعي الجمادات والنبات".

وفيما يلي تعريف موجز بأشهر عناوين برامج الحركة:

- الطاقة: الطاقة المقصودة في هذه البرامج هي ما يسمى في الفلسفة الشرقية "كي ki، وتشي chi-Qi، والطاو Tao، والماكرو Macro، والبرانا Prana، ومانا Mana" وفي الفلسفة الغربية الروحية وبرامج العصر الجديد تسمى إضافة لأسمائها الشرقية بأسماء علمية نحو منها "قوة الحياة" أو "الطاقة الكونية"[6].
 

وحقيقة هذه الطاقة فلسفة لا علاقة لها بالطاقة الفيزيائية، فهي اعتقاد بقوة عظمى خلف كل شيء يقابل الاعتقاد بالإله عند أصحاب الديانات السماوية. وهي أول ما ينبغي أن يؤمن المتدرب به، وبأهميته وقوته، ويمارس كيفية الشعور به، واستمداده، وفعل ما يساعد على تدفقه في جسده، واتحاده به، ويتجنب ما يباعد بينه وبينه. وفلسفة الطاقة الكونية مستمدة من أصل الفكر الفلسفي الغنوصي الذي يفسر الوجود والكون والحياة والإنسان بعيدا عن هدى الوحي.
 

وتمثّل الطاقة الكونية -عند معتقديها- القوة المطلقة في الكون، ويعدون كيفية استمدادها والتناغم معها هو السر الذي كان الباطنيون الأوائل يحتفظون به لأنفسهم ولكن حركة العصر الجديد جعلته في متناول جميع الناس دون تمايز ديني وبطرق متنوعة. وتشتمل جميع البرامج المقدمة باسم الطاقة على نسب متفاوتة أصل من الفلسفة الباطنية، وفيها تشرح أهم العقائد الشرقية على أنها حقائق كونية عن أصل الكون ونشأته وانقسامه لثنائيات عظيمة يسمونها (ين/يانغ) مؤثرة في كل جوانب الحياة، جاء في كتاب الوجوه الأربعة للطاقة: "في بداية الأمر لم يكن هناك سوى الذي هو، فأراد أن يعُرف لأن الشيء إذا لم يعرف فكأنه غير موجود، فأفاض الكون فأصبح الكون هو وهنا وهناك.."![7].
 

كما يُشرح في هذه الدورات أصل الإنسان والمؤثرات الماورائية فيه من منطلق مادي وفلسفي مستمد من الفلسفة الشرقية بعباراتٍ علمية وأجواء تدريبية لضمان الإيمان بها وممارستها، ومن ذلك فلسفة "الأجساد السبعة" وخصائص "الجسم الأثيري" التي مفادها الاعتقاد بوجود أجسام سبعة لكل الكائنات ومنها الإنسان أولها الجسم البدني وأهمها الأثيري ويقع على هذا الجسد جهاز متكامل يمكن تنفذ من خلاله الطاقة الكونية للجسم البدني وسائر الأجساد وتمنحه السعادة والصحة وتقوي لديه الحاسة السادسة التي تمنحه قدرات خارقة في التأثير والعلم ونحو ذلك[8].
 

ويُدرَّب المتدرِّبون في برامج الطاقة التدريبية على كيفية ممارسة الطقوس التي تمكنهم من فتح منافذ الطاقة في أجسادهم (الشاكرات) Chakras والحصول على كميات أكبر من طاقة قوة الحياة، أو الاتحاد بها. ومن ذلك التدرب على تمارين خاصة وترانيم ووضعيات خاصة هي في الحقيقة طقوس وعبادات ورياضات روحية يستخدمها كثير من الباطنيين على اختلاف دياناتهم لاكتساب قوة فوق عادية في التأثير والشفاء حتى أنها سبب لتحصيل قوة إبراء وشفاء للنفس والآخرين بمجرد اللمس![9].
 

وملاحظ أن تقديم هذه الفلسفة باسم "الطاقة" الذي يشتبه بالمصطلح العلمي المعروف في العلوم الطبيعية جعل المتدربون يعتقدون أنها علمًا، وينفون كونها دينا أو معتقدًا، ويحاولون فهمها بالتقريب بينها وبين ما هو معروف في العلم الفيزيائي ومصطلحاته وفروعه.

 

كما أن تقديمها بأسمائها الأصلية في اللغات الشرقية كـ"الريكي، والتشي كونغ، والسياتشو، والفونغ شوي، والشياتسو، والتاي شي، واليوغا..." وغيرها، جذب كثير ممن يرون للشرق تقدمًا في الصحة وتفوقًا في أنواع الطب البديل. وهكذا راجت فلسفة الغنوص تحت هذه الأسماء في أنحاء العالم ومنه العالم الإسلامي لطلب الشفاء والتخلص من الأمراض، أو وصفات وقائية للحياة السعيدة ودوام الصحة وتحقيق السلام والإيجابية، ووجدت لها روادًا ومشجعين من المسلمين![10]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

[1]- (ينظر:  -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn, p.56).

[2]- (بمراجعة قوائم الدورات والبرامج المقدمة من معهد "إيسالن" ومن مؤسسة "فايند هورن" ومن كثير من مراكز التدريب الجديدة في العالم الإسلامي وأشهرها "مراكز الراشد"؛ يتضح كيف تسوق الحركة برامجها عالميًا وبنفس الأسماء.

[3]- (ومن ذلك إنشاء جامعة للعلوم الباطنية بالولايات المتحدة الأمريكية اسمها "أمريكان باسفيك" American Pacific تمنح درجة البكالوريوس والدكتوراه في التخصصات التالية: "السحر، وتشريح الروح، والمانترا، وتانترا التبت، والرمل، والكهانة، والعرافة، والماكروبيوتيك، والبرمجة اللغوية العصبية، والطاقة، والريكي، والتاي شي، والفونغ شوي"! ينظر: موقع الجامعة الإلكتروني: www.ampac.edu. وتجمع هذه التخصصات كل ما عرفته البشرية من الوثنية والدجل والشرك والكفر والإلحاد، ويُشرِف عليها كبار "النيو إيجرز").

[4]- (ينظر: Perspectives on the New Age, James R. Lewis & J. Gordon Melton).

[5]- (من المسلََّم به أن التدريب يعد اليوم جزء من متطلبات الحياة المعاصرة، حيث تهتم أغلب المؤسسات المهنية والتعليمية وغيرها بتدريب كوادرها ضمن خططها التنموية العامة وهو أمر مطلوب حضاريًا. ولكن ينبغي الاهتمام باختيار برامج تنموية حقيقة لأن برامج التدريب التي تنتجها الحركة تندس ضمن دورات التنمية البشرية، وقد تبدو في ظاهرها وقالبها العام حيوية الطابع وتحت أسماء مجملة لا تفصح عن حقيقتها نحو: تطوير الذات والهندسة النفسية والتفكير الإيجابي والبرمجة اللغوية العصبية واستراتيجيات العقل والطاقة البشرية وطاقة الألوان ونحو هذا، وباطن هذه الدورات فكرًا غنوصيًا ملحدًا يدعو بطرق خفية للاستغناء عن الإله. وللأسف فقد زعم أفراد ممن فتنوا بهذه الدورات وبنوا عليها تجارتهم أنهم عزلوا الباطل فيها عن الحق! وانطلقوا يروجون لها تحت سحابة من النصوص القرآنية والحديثية فانتشرت بين عموم المسلمين وسرّبت كثير من مبادئ الحركة ومعتقداتها إليهم).

[6]- (لا يمكن فهم فلسفة الطاقة ومعرفة أبعادها العقدية ولوازمها إلا بدراسة أصول الديانة الطاوية من مراجعها الأجنبية، ومراجع حركة العصر الجديد التي تتناول أصل الفلسفة، ولعل هذا سبب رئيس في خفاء الأمر والتباسه على كثير من المدربين المسلمين حيث تعرض في الكتب العربية على أنها علم وصل إليه الشرقيون بتجاربهم وخبراتهم المتوارثة! ينظر: -The Tao of the west:31-J.Jclarke -  New Age Spirituality: An Assessment:150 –edited by:Duncan S.Ferguson).

[7]- (الوجوه الأربعة للطاقة، رفاه وجمان السيد، ص: [61]).

[8]- (ينظر: الطاقة الخفية والحاسة السادسة لشفيق رضوان: [142]).

[9]- (ينظر: الريكي للمبتدئين لديفيد فيلنس: [30]. وطاقة الكون بين يديك لمها نمور: [120]).

[10]- (لمراجعة كيفية عرض فلسفة الطاقة عند المدربين المسلمين ينظر: مذكرات دورات الطاقة والتشي كونغ لحسن البشل، ومذكرات دورات الريكي لطلال خياط، مبادئ العلاج بالطاقة الحيوية لعبد التواب حسين، الشفاء بالطاقة الحيوية لأحمد توفيق، والاستشفاء بالطاقة الحيوية والفونغ شوي والوجوه الأربعة للطاقة لرفاه وجمان السيد، علاج الأمراض بالأحجار لزكريا هميمي، وطاقة الكون بين يديك لمها نمور، الوجوه الأربعة للطاقة لرفاه السيد).
 

 
 
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام