المستقبل لبناتنا

منذ 2014-05-18

إن من حقوق المرأة التي تُرفَع بين يدي كل قرار أن نحترم رغبتها في طريقة العمل، وألا نضطرها لخيارين عسيرين، إما العمل المختلط أو البطالة! يُفترض في المسؤول أن ينظر لنفسه أنه خادم لهذا المجتمع، يتلمس احتياجاتهم ويسهر على تلبيتها كما يريد المجتمع لا كما يريد هو.

قول الله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء:9]، الخوف على الذرية ومستقبلهم نزعة فطرية في بني آدم، وما من عيب أن نبوح بهذا الخوف، وأن نحوله من هاجسٍ يبعث الهم، إلى حافزٍ يبعث الاهتمام، ويزيد الإيجابية؛ قولًا سديدًا وعملًا رشيدًا.

 

كل بنات الوطن هم بناتنا، وواقعهن اليوم، واستقرارهن في الغد هو من صميم واجباتنا، لن أتحدث هنا عن جدلية الانفتاح والممانعة، وسألغي من ذهني مطالب الممانعين واحتسابهم، وأخاطب هنا أصحاب القرار الذين يخططون لمستقبل وطننا، وذريتنا الضعاف الذين نخاف عليهم؛ كما نخاف على أكبادنا، وبقايا أرواحنا، ونحب أن نزداد طمأنية أن هذه الذرية تسير في الطريق الصحيح، الذي يحفظ عليهم دينهم وأخلاقهم ودنياهم.

 

نعم، من واجب المسؤول أمام الله وأمام الناس أن يوفر الفرص الوظيفية لبناتنا الراغبات في العمل، ومن واجب المسؤول أن يعطي كل إنسان حقوقه المكفولة في شِرعة الله ومنهاجه، المواطن البسيط الذي ينظر لبناته الكبار أو الصغار ليس مشغولًا بالمعارك الفكرية والنتِّية، هو مشغول بهموم الأب وحبه ولوعته على ذريته، ويتمنى أن يكفل لهم الوطن -بتوفيق من الله- مستقبلًا آمنًا، يأمنون فيه على أنفسهم ودينهم وأخلاقهم ورخائهم.

 

هنا في بلد الله الحرام أسكن الخليلُ ذريته، وحين خاطب ربه، ودعاه وناجاه، كان حبُّ الذرية وهمُّهم حاضرًا في دعائه: {رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35] ثم قال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]، إمام الأنبياء مهمومٌ إذن بذريته ومستقبلهم، مهمومٌ بدينهم ودنياهم.

 

من هنا يستطيع المسؤولون أن يفهموا هذا القلق الذي ينتاب كثيرًا من الآباء والأمهات كلما سمعوا عن قرار جديد يتعلق ببناتهم، إنه أمرٌ متعلق بذريتهم الضعاف محل الخوف والرحمة والشفقة، وقد قيل: لا يغفو قلب الأب، إلا بعد أن تغفو جميع القلوب، ثم إن الآباء والأمهات هنا ينظرون إلى المجتمع السعودي -رغم كل العيوب التي يجب أن تصحح- على أنه من أمثل المجتمعات في الحفاظ على بناتهم صغارًا وكبارًا، إن كل المجتمعات الإسلامية صالحة للحياة والتربية، وفيها من أهل الخير الكثير والحمد لله، ولكن كثيرًا من الآباء والأمهات لا يبتغي بدلًا عن المجتمع السعودي في تربية أبنائه وبناته -رغم العيوب التي يجب أن تصحح كما قلت من قبل-، هذه المزية تجعلهم يقظين حذرين من كل قرار جديد حتى يتأكدوا أنه يزيد مجتمعهم حسنًا وإحسانًا.

 

ثم إنهم رأوا في بعض القرارات السابقة ما يزيدهم قلقًا وخوفًا، ومن آخر القرارات المتعلقة بالفتيات هو قرار تأنيث المحلات النسائية، فحين تسمع لمبررات القرار تسمع كلامًا جميلًا، فهذه فرص جديدة للباحثات عن وظيفة، والمرأة أجدر وأليق بهذا العمل من الرجل؛ فإن غالب العملاء في هذه المحلات هم النساء، وتأنيثها أفضل بمعايير الدين والدنيا، حسنًا لقد تم اتخاذ القرار، وأصبح واقعًا يمكن تقييمه، وليس توقعًا نختلف في تأويله. إن كثيرًا من الباحثات عن الوظيفة يصعب عليهن العمل في محل تجاري مختلط، فيه البائع بجوار البائعة، وتقضي في هذا المحل ثلث عمرها! دعنا نفترض جواز هذه الصورة بإجماع العلماء، ألا يستحق هذا العدد الكبير من المجتمع أن يراعى في تصميم الفرص الوظيفية بما يوافق احتياجهم ورغباتهم؟! ألا يمكن أن يصلح البيع والشراء في هذه المحلات إلا في جو مختلط بين الشباب والفتيات وفي ساعات طويلة كل يوم؟!

 

إن من حقوق المرأة التي تُرفَع بين يدي كل قرار أن نحترم رغبتها في طريقة العمل، وألا نضطرها لخيارين عسيرين، إما العمل المختلط أو البطالة! يُفترض في المسؤول أن ينظر لنفسه أنه خادم لهذا المجتمع، يتلمس احتياجاتهم ويسهر على تلبيتها كما يريد المجتمع لا كما يريد هو، إلا إذا كانت إرادة المجتمع مناهضة للدين أو العقل، لا يوجد معركة بين المجتمع والمسؤول حتى يتم اتخاذ القرار بالقوة، وبالطريقة التي يهواها صاحب القرار ولو كانت مؤلمة للآباء والأمهات، ومزعجة للفتيات الباحثات عن العمل، إن صاحب القرار يستطيع أن يفرض ما يريد، ولكن نتمنى أن يرفق بقلوب الآباء والأمهات في كل ما يتعلق بذريتهم الضعاف محل الخوف والشفقة.

 

يقول المثل الإنجليزي: "من عاش بلا أولاد لم يعرف الهم، و من مات بلا أولاد لم يعرف السرور".

 

عبد الله القرشي

  • 0
  • 0
  • 1,233

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً