الجدية في الالتزام
محمد حسين يعقوب
أين الجد في حياتنا يا شباب الإسلام؟
- التصنيفات: تربية النفس -
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:102 ]
{يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [سورة النساء: 1]
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [سورة الأحزاب: 70-71]
أما بعد، فإنَّ أصدق الحديث كلام الله تعالى، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوتي في الله..
والذي برأ الحبة وخلق النسمة إنِّي أحبكم في الله، وأسأل الله جل جلاله أن يجمعنا بهذا الحب في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، اللهم اجعل عملنا كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل فيه لأحد غيرك شيئاً.
أحبتي في الله..
كثيراً ما سألتكم وما يزال السؤال مطروحاً إلى الآن، لماذا دبَّ الوهن فينا؟ لماذا لا يعتقد أي منَّا أنه أهل لأن يمكن له؟ لماذا انتكس من انتكس؟ لماذا تولى من تولى؟ لماذا صرنا إلى نقصان بعد أن كنا في زيادة؟…. إنه داء الفتور في الالتزام.
أخي في الله..
هل كنت تحفظ القرآن ثم تركت؟!
هل كنت تقوم الليل ثم نمت؟!
هل كنت ممن يطلب العلم ثم فترت؟!
هل كنت ممن يعمل في الدعوة ثم تكاسلت؟!
هذا واقع مرير يمر به كثير من شباب الأمة، نسأل الله لنا ولكم العافية، تمامها ودوامها والشكر عليها.
فكم من أعمال بدأت ولم تتم بسبب مرض الفتور!!
وكم من أعمال بمجرد أن بدأت ماتت وانتهت، وهي مازالت مشروعات على الأوراق!
وكم من أناس ما زال الفتور بهم، وتقديم التنازلات حتى وصل إلى ترك الدين بالكلية، والبعد عن الدين بالمرة، ونسيان الله بالجملة.
كم من أناس هم موتى اليوم، وهم لا يشعرون ولا يعلمون، هل هم أحياء أم ميتون؟!! نسأل الله أن يحيي قلوبنا.
أحبتي في الله..
رسالتنا هذه تحمل اسم "الجدية في الالتزام"، فإنَّ أكبر سبب من أسباب الفتور هو فقدان الجدية، فأنت ترى الجدية واضحة عند كثير من المسلمين في طلب الدنيا، فهو إذا افتتح مصنعاً أو شركة أو دكاناً أو نحو ذلك فإنه يبذل أقصى جهده، ويستولي هذا العمل على جهده ليلاً ونهاراً، يستولي عمله على كل قوته، وكل تفكيره، وكل إمكانياته، فهو يعيش وينام لهذا العمل الدنيوي.
أما أهل الدين ففي الخذلان والكسل والتواني والإخلاد إلى الأرض والرغبة في الدعة والراحة.
إخوتاه..
إنني -والله- أتعجب من لاعبي الكرة كيف يبذلون جهدهم وطاقتهم إخلاصاً للكرة!! وهؤلاء الممثلون في إخلاصهم من أجل الشهرة، والمطربون والمغنيين إخلاصاً للموسيقى، ونفقد نحن هذا الإخلاص في الملتزمين بشريعة رب العالمين.
فمن يعملون لأجل جنة عرضها السموات والأرض متكاسلون فاترون، وللأسف الشديد إنَّ أحدنا ليستحي من لاعب كرة يتدرب ليل نهار، ويلعب ليل نهار، من أجل حطام الدنيا الفاني، للأسف الشديد إنَّ أي طالب في الثانوية العامة يبذل جهداً أضعاف أضعاف أي طالب علم يطلب العلم لله، أليس الأمر كذلك أم أنَّ هذا الكلام غير واقعي؟!
يا شباب الإسلام..
إنه واقع مر يستوجب منا وقفات، لماذا يدب الوهن في قلوبنا؟ لماذا تفتر سريعاً عزائمنا؟ لماذا يولي بعضنا الأدبار عند أول صدمة؟!!
والجواب:
لأننا أخذنا ديننا بضعف، كانت لي محاضرة قديمة بعنوان "بين سحر الحواة ولعب الهواة ضاع الدين" ضاع الدين لأن كثيراً من شباب المسلمين حملوا هذا الدين هواية، كهواية جمع طوابع البريد، وهواية المراسلة، وهواية لعب الكرة، فدخل الدين هواية، ونحن نواجه ملحدين محترفين، نواجه كفاراً محترفين، ولا يمكن للهواة أن يقفوا في وجه هؤلاء، فلابد -إخوتاه- من احتراف الدين.
إنني لا أطلب منك أن تترك دراسة الهندسة، ولا الطب، ولا الزراعة؛ لتطلب العلم الشرعي، لا أطالبك بشيءٍ من هذا، وإنما أطالبك أن تكون مهندساً محترفاً في أعمال الهندسة وإخضاعها للدعوة إلى الله، وخدمة الدين.
أطالبك أن تكون طبيباً ولكنك احترفت الطب لخدمة الدين، أطالبك أن تكون تاجراً ولكن عبد المال لخدمة رب العالمين.
من أنت؟!!
أخي في الله..
لو أنني سألتك هذا السؤال وقلت لك: ما اسمك عند رب العالمين؟ فبم تجيب؟ من أنت؟!!
هل أنت فلان الكذاب، أو الغشاش، أو المرائي، أو المنافق، أو .. أو؟!
أم أنت فلان المؤمن، أو الموحد، أو القوَّام، أو الصوام، أو القائم بالقسط، أو الذكِّير، أو الصِّدّيق .. آهٍ .. آهٍ
من أنت؟!
أجبني -أخي- الآن، قبل أن تنبأ به غداً على رؤوس الأشهاد يوم تبلى السرائر، يوم الفضيحة الكبرى فلا أبأس ولا أشقى ولا أذل منك يومئذٍ.
إني أريد أن أسألك ما هي وظيفتك عند الله؟!!
إن أكثرنا يعمل لحساب نفسه، ونسي الله الذي خلقه، ما هي وظيفتك في خدام الله؟! إن قلت لي: لا شيء. فأنت -أيضاً- لا شيء، فإن لم يكن لك وظيفة عند ربك فلا نفع لك في هذه الدنيا، ولا قيمة لك عند الله، فإنما قيمة العبد عند الله حين يعظمه العبد، فيعظم الله في قلبه، وإذا عظم الله في قلبك فأبداً لا تطيق ولا تستطيع أن تجلس هكذا لا تدعو إلى طريق مولاك.
أخي الحبيب..
لا تخادع نفسك، فأنت على نفسك بصير، لا تقل: كنت وكان وسوف، فإنها حبائل الشيطان، بل سل نفسك بصدق وفي الحال: من أنا عند الله؟!
فإن أدركت أنك في الحضيض، فقل لها: وحتى متى؟! فإن تسرب إليك هاتف من يأس فذكرها بالله الرحيم، فإن تعلقت بالرحمة ولم تعمل فهذا عين الغرور، فمن يحسن الظن بالله يحسن العمل، وما مآل المغترين إلا أن يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.
وإن كنت على خير فإياك أولاً أن تغتر أو تعجب، بل سل نفسك حينئذٍ: أين شكر النعم؟! وهل ما أنا فيه استدراج؟ ومدار النجاة في أن تكون دائماً في زيادة، فإن كنت في نقصان فهنا البلية الكبرى، لأنَّ الموت قد يفجأك على هذه الحالة، ومازلت أنت تذكر ليلة قمتها، ويوم بعيد صمته، وتركن على أعمال هزيلة لا تغني عنك من الله شيئاً، فما عساك تصنع حينها؟
قال ابن مسعود: "إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيراً فيوشك أن يحصد رغبته، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له".
أخي..
أفق من غفوتك، وانهض من رقدتك، فالعمر قليل، والعمل كثير، فإلى متى النكوص والفتور والتواني والكسل، إلى متى هجران الطاعات؟ وترك المندوبات؟ بل قل: ترك الواجبات، وآكد الفرائض المحتمات، واستمراء المعاصي والسيئات، والاجتراء على الوقوع في المهلكات.
إلى متى؟! إلى متى؟
يا نفس: بالله أجيبيني!! مادمت تعرفين أنَّك لا تساوين شيئاً عند الله، وأنَّك رضيت بالهوان فآثرت نعيماً فانياً، وزهدت في جنات خالدة، أما تنظرين إلى من ساروا في هذا الدرب كيف فتنوا؟ كيف ذلوا وصغروا؟ كيف شقوا فما والله سعدوا؟
ثمَّ بعد ذلك إلى الردى تريدين!!
لا .. لا لن أنصت لحديثك مرة أخرى. بل سأبدأ من اللحظة، سأبدأ في الحال صفحة جديدة في عمري لا شعار لي فيها إلا الجدية في الالتزام.
ومن هنا البداية، فاعرف أولاً من أين أوتيت؟ وكيف قهرت جيوش النفس والشيطان حصون قلبك فأردتك، ضع يدك في يدي، وتعال نعمل سوياً لأجل رضا ربنا، حتى نصل بإذن الله إلى الجنة.
أسباب ضعف الالتزام
إخوتاه..
ما هي الأسباب وراء ضعف الالتزام؟
السبب الأول: عدم الجدية في أخذ الدين.
فإننا لم نأخذ هذا الدين في الأصل بجد، بل دخلنا فيه هوى وهواية، وكثيراً جداً ما أطالبكم بأن يراجع كل منا نفسه، فيبدأ بسبب التزامه الأول، تدري عندما أصرخ فيمن لا يصلي لماذا لا تصلي؟ أحتاج -أيضاً- أن أوجه صرخة أخرى لمعاشر المصلين وأنتم لماذا تصلون؟
نعم لماذا تصلي؟! نعم يا من أعفيت لحيتك لماذا أعفيتها؟ لماذا -أخي- قصرت ثوبك؟! لماذا تركت أشرطة الأغاني وأقبلت على سماع القرآن؟! لماذا خلا بيتك من الدش والفيديو والتليفزيون؟ لماذا؟!!
لماذا اقتنيت مصحفاً؟ لماذا بدأت تقرأ القرآن؟ لماذا تحفظ القرآن؟ لماذا تحضر دروس العلم؟ لماذا لا تصاحب إلا مؤمناً؟…لماذا.. لماذا؟
إن لم يكن كل هذا لله فإنه مردود عليك، فيضمحل ويتلاشى ويتوارى ويعود كأن لم يكن.
قال تعالى {وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} [سورة الفرقان:23].
لابد أن نمحص نياتنا على جمرات الإخلاص، ارجع إلى البدايات الأولى، اتهم نيتك، فكثير منا التزم الدين في ظروف غير طبيعية قد تكون دفعته أو اضطرته إلى الالتزام، وبعضنا -ولله الحمد- التزم لله مخلصاً، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، لكن ارجع وصحح نيتك فهذه هو الأصل.
السبب الثاني: الترف
والترف مفسد أي مفسد، إذ يتعلق قلب صاحبه بالدنيا، وللأسف الشديد إنَّ أكثر الأمة اليوم يعيش ترفاً غريباً عجيباً دخيلاً علينا.
فالفقراء يحاولون أن يفتعلوا الترف، ولو في بعض الأشياء، تجده لا يجد إلا قوته الضروري ولكنه يقتطع منه من أجل أن يقتني المحمول، ويشتري أفخر الأثاث، ويشتري أحدث الأجهزة، ليشتري الدش فيدخل الفساد على أهله ويقره في بيته دياثة، وهذا يقتطع من قوت أطفاله لكي يصيّف هنا أو هناك، والقائمة طويلة تعرفونها جيداً، وإلى الله المشتكى.
ترف وللأسف الشديد أمر يخجل، فلأجل الله يشح ويبخل، ويقدم لك الاعتذارات لضيق الوقت وضيق ذات اليد و … و… الخ، لكن للدنيا وللشهوات يحارب ويدبر ويفكر.
إنه التنافس على الدنيا، وكأنه لو لم يحصل هذه الأمور سيعيش في الضنك، وسيبلغ به الحرج المدى، ولا والله فما الزيادة في الدنيا إلا زيادة في الخسران.
فالغني يصاب بالبطر والكبر، ويصبح ماله نقمة عليه في الآخرة فيصرخ يوم القيامة: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ} [سورة الحاقة: 28-37].
والفقير يحلق دينه بالحقد والحسد، ناهيك عمَّن يتكبر وهو معوز فيدخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر»[1].
فرجل كبير السن يزني، وملك يكذب على رعيته ولا يحتاج لذلك فإذا كذب غش، فهنا -كما يقول العلماء- ضعف الداعي، وتم الفعل، فعظم الوزر.
إنها عقوبة تروع قلب أي مسلم ألا يكلمه الله، انظر لكعب بن مالك لما خاصمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كادت روحه تزهق، تفكر في حالك ولو أتيت من تحب فوجدته معرضاً عنك أو خاصمك كيف تكون حينها؟! ألا تشعر أنَّ الدنيا اسودت في وجهك، ويحل بك من الضيق والحزن ما يقطع قلبك، فما بالك أن يقاطعك الله، لا يكلمك، لا ينظر إليك، يعرض عنك، لا يزكيك، هذا أشد من عذاب جهنم عند الموقنين المحبين الموحدين.
والثالث: عائل أي فقير وهو مع هذا مستكبر، فإن يطغى الغني بالمال هذا أمر معروف، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [سورة العلق:6-7] لكن فقير يتكبر فلماذا -يا عبد الله- ؟!! وكذلك فقير مترف هذا شيء يبغضه الله تعالى.
إخوتاه..
ولا شك أنَّ الترف أفسد أبناءنا، فوجدنا فينا من يتفاخر يقول: أنا لا أجعل ابني في احتياج إلى شيء أبدًا، فأنا ألبي له جميع طلباته ورغباته.
ومثل هذا يظن أنه أحسن إلى ولده، وأنا أعرف أنَّ العاطفة لها دخل كبير في هذا، بل من لا يستطيع أن يفعل ذلك يظل مهموماً بهذه الرغبات من الأولاد، والتي لا يستطيع أن يلبيها لهم، والحقيقة أنَّ هذا ليس من التربية في شيء، فأنت بذلك تفسد الولد، إننا نفتقد الحكمة في التربية، نفتقد التربية الإيمانية الصحيحة لأولادنا.
لماذا لا تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق بالله، فإذا طلب شيئاً مفيداً ولم تستطع أن تجيبه فقل له: هيا يا بني نصلي ركعتين وندعو الله فيهما، فإنَّ الله هو الرزاق، وهو ربنا المدبر لأمورنا، فإذا لم يمنحنا المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد، فاعلم أنَّ هذا ليس مفيداً لنا الآن؛ لأنَّ الله صرفه عنَّا.
فتعلمه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»[2]، وليس من التربية أن تلبي جميع متطلبات أولادك، فينشأ الواحد منهم عبد شهواته، كلما تاقت نفسه إلى شيء طلبه فإنَّه إن لم يجده، سيسرق ويزنى ويخون من أجل أن يحقق ما يشتهي.
إن لابنك حقاً أعظم من الدنيا، وهو أن تعلمه كيف ينجو من النار، اللهم نجنا وأولادنا من النار. قال الله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة التحريم: 6].
إخوتاه ..
نحتاج إلى صفات "الرجولة"، والرجل الحق لا يعرف الترف.
قال عمر رضي الله عنه: "اخشوشنوا فإنَّ النعمة لا تدوم".
وقالت العرب قديماً: وعند الصباح يحمد القوم السُّري[3].
قال الشاعر:
ليسَ أمرُ المرءِ سهلاً كله***إِنَّما الأمـرُ سهـولٌ وحـــــزونْ
ربما قـرَّتْ عيونٌ بشجـــى***مُرْمضٍ قد سخنتْ عنه عيونْ
تطلبُ الراحةَ في دارِ العنا***خابَ من يطلبُ شيئاً لا يكــونْ
أيها الأحبة في الله..
موقف لطيف جرى بين عالمين جليلين، فقد اجتمع يوماً ابن حزم الأندلسي الفقيه الظاهري مع أبي الوليد الباجي الفقيه المالكي، وجرت بينهما مناظرة سنة 440 من الهجرة، فلما انقضت المناظرة قال أبو الوليد الباجي لابن حزم: تعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سرج الحراس.
فأبو الوليد الباجي كان فقيراً لا يجد مالاً، لا يجد مصباحاً في بيته، فاعتذر لابن حزم لأن قراءته ومذاكرته وطلبه للعلم كان على مصابيح الحراس، فالحراس كانوا يمشون في الليل بمشاعل لحماية البلاد من اللصوص، فكان هو يسير وراءهم يقرأ في الكتاب، ويذاكر على ضوء مصابيح الحراس.
سبحان الله العظيم!!
وهذا بقي بن مخلد المحدث المشهور صاحب المسند، وهو أكبر من مسند الإمام أحمد بن حنبل، الشاهد قال لتلاميذه يوماً: "أنتم تطلبون العلم!!، إنني كنت أطلب العلم فلا أجد ما أتقوت به فأجمع من على المزابل أوراق الكرنب الخضراء لآكلها، وأتعشى بها، حتى أتي اليوم الذي بعت فيه سراويلي من أجل أن أشتري أوراقاً أكتب بها، وجلست بلا سراويل".
قال ياقوت الحموى: "فالغني أضيع لطلب العلم من الفقر".
وقال بعض المحققين: كثرة المال وطيب العيش تسد مسالك العلم إلى النفوس، فلا تتجه النفوس إلى العلم مع الترف غالباً، فإن الغني قد يسهل اللهو ويفتح بابه، وإذا انفتح باب اللهو سد باب النور والمعرفة، فلذائذ الحياة وكثرتها تطمس نور القلب، وتعمي البصيرة، وتذهب بنعمة الإدراك، أما الفقير وإن شغله طلب القوت، فقد سدت عنه أبواب اللهو، فأشرقت النفس، وانبثق نور الهداية والله الموفق والمستعان.
إخوتاه ..
هذه هي القضية أن الترف مفسد، وكثرة المال تلهي، فاللهم أعطنا ما يكفينا، وعافنا مما يطغينا.
وللأسف الشديد الناس في هذا الزمان لا يطلبون ما يكفيهم، بل يطلبون ما يطغيهم، لا يكتفون بما يرضيهم بل يطلبون ما يعليهم.
انظر لطلبة العلم الآن، فأكثرهم لم يختم القرآن حفظاً، والحفاظ أصبحوا ندرة، فإذا سألت لماذا لم تحفظ القرآن؟!! فالجواب عادة: لأنني لا أجد الوقت.
لماذا -أخي- لا وقت عندك، لأنك تضيعه في طلب الدنيا أو طلب شهوات النفس، أليس لله حق في وقتك، فاتقِِ الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السبب الثالث: رواسب الجاهلية
من أسباب ضعف الالتزام رواسب الجاهلية، فإن أكثرنا يدخل طريق الالتزام وفي داخلة نفسه رواسب من رواسب الجاهلية مثل: حب الدنيا، والاعتزاز بالنفس، والآمال الدنيوية العريضة، وعدم قبول النصيحة، وكثرة الأكل، وكثرة النوم، وكثرة الكلام، و.. و…الخ.
قال الله جل جلاله عن قوم موسى الذين لم يستطيعوا أن يدخلوا معه الأرض المقدسة، قال عنهم {فَمَآ آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ} [سورة يونس: 83].
هؤلاء الذين أسلموا لموسى بعد السحرة، يخبرنا الله أنهم أسلموا على خوف، إنهم ربُّوا على القهر والذل والاستعباد، وسياقهم كالقطيع، نشأوا على ذلك، عاشوا على هذا، فلما آمنوا ظلت فيهم رواسب من هذا فلم ينجحوا مع موسى عليه وعلى نبينا الصلاة و السلام، فاتعبوه، وبدأت الجاهليات تظهر، فتارةً قالوا: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [سورة البقرة: 55]، وتارة قالوا: {لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} [البقرة: 61]، وتارةً {قَالُواْ يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [سورة المائدة: 24].
والشاهد أن سبب هذا أنهم آمنوا أصلاً على خوف من فرعون وملأهم، فإذا اجتمع الالتزام مع رواسب الجاهلية، تظل الرواسب تشدك للماضي.
كم من شباب التزم ثم نكص على عقبيه، وأنت تعلمون أنِّي -والله- أحبكم في الله، فلا تغضبوا مني، فإني أحاول أن نصل معاً إلى حل، إلى علاج لتلك الأمراض التي تفت في عضدنا، وتطمس الجهود الدعوية المبذولة لإعلاء كلمة الله في الأرض، فلكي نصل إلى الجنة لابد من تحمل مرارة الدواء، فهل يعز عليكم تحمل هذا في سبيل الوصول للجنة؟!!
لذلك تعالوا بنا إلى بعض السبل العلاجية لظاهرة ضعف الالتزام والفتور.
طرق العلاج من ضعف الالتزام
أولاً: قف مع نفسك وقفة صادقة جادة.
لابد من وقفة جادة مع النفس، اصدق مع نفسك، ولا تبخل في بذل النصح لها.
قل لها: ثمَّ ماذا؟ ما هي النهاية لكل ما أنت فيه من إعراض عن سبيل الله؟
هذا أول سبيل للعلاج، سل نفسك: ماذا تريدين؟ هل تريدين الجنة أم النار؟ فإن قلت: الجنة فبماذا تطمعين فيها وأنت في هذا البلاء، وأنت تعصين الله في السر والعلن، في الليل والنهار، حالك هذا والله لا يرضي الله، إنَّ هذا لهو الغرور عينه.
سل نفسك: مالك تشتهين الدنيا وقد علمت حقيقتها؟
أليس نعيمها منغصاً؟ أليس كل فيها يزول ويفنى؟ فمالك تريدين الدنيا وهي إلى رحيل ولا تعملين للجنة وهي دار الخلود؟
اصدق مع نفسك في الجواب، وإياك من التلون والخداع، إياك أن تظفر بك نفسك في التسويف والقنوط.
بعضنا إذا سالته: هل تريد الدنيا أم الآخرة؟ يقول: الآخرة قطعاً، وحاله شاهد على كذبه.
وآخرون لا يدرون ماذا يريدون؟ وبعضنا لا يريد أن يفوت الدنيا ولا الآخرة، والجمع بين النقيضين محال.
كم من شاب يمني نفسه بالعروس الجميلة ذات المؤهل العالي والمركز الاجتماعي المرموق، وبطبيعة الحال كل سلعة لها ثمن، ففي المقابل ستجد التكاليف الباهظة من مهر وشقة ومستلزمات…لخ ، وهكذا تظل تعمل من أجل الدنيا، فتتملكك ثمَّ تقول: أريد الدنيا والآخرة!!
إخوتاه ..
أهل الآخرة يكفي أحدهم أقل القليل من حطام الدنيا، فمن كان همُّه الآخرة لم يبالِ بما حصَّل الناس من الدنيا، إذا رأى الناس يتنافسون في الحصول على المرأة الجميلة، تذكر هو قول الله في الحور العين {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37) لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [سورة الواقعة: 35-38]، فصرف رغبته إليهن، وشمَّر عن ساعد الجد لنيلهن، وهكذا تلمح دائماً الفرق بين أهل الدنيا وأهل الآخرة فممن أنت؟!
الشاهد أننا نريد موقفاً جدياً، نمحص به نياتنا، نعيد من خلاله ترتيب أهدافنا، وابدأ بسؤال نفسك ماذا تريدين؟ ثم الأمر يحتاج بعد ذلك إلى قرارات صارمة.
ثانياً: مخالفة النفس طريق الهدى
انظر لربك وهو يعاتب موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في تربية قومه، يقول الله عز وجل {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} لماذا ؟ {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [سورة الأعراف: 145]، فهذا أول السبيل تهذيب النفس بمخالفة الهوى، فلا تتابع نفسك في كل ما تشتهي، فلا تجبها في كل ما تطلب.
مثال ذلك: أن تعرف من نفسك أنها لا تصبر على طاعة، فإذا قالت لك: هيا لنأكل أو لنذهب لزيارة فلان أو نحو ذلك من المباحات، فقل لها: ليس قبل أن أقرأ وردي من القرآن. فستظل تلح عليك فإن خالفتها ولم تفعل ما تطلبه منك المرة بعد المرة، فسوف تتحكم فيها، ومن هنا تعلو همتك، وتكون صاحب إرادة، وهذه هي الرجولة الحقيقية فتأمل.
كذلك أنت -أيتها الأخت المسلمة- إذا حادثتك النفس في أن تكلمي فلانة أو فلانة، فقولي لها: لا ليس قبل أن أنتهي من حفظ هذا الجزء من القرآن، أو ليس قبل أن أنتهي من أذكار الصباح والمساء، ليس قبل أن أقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، وهكذا خالفيها في المباحات فإنَّها لا تأمرك بفعل المكروهات، ومن باب أولى المحرمات.
فمن تابع نفسه في كل ما تطلب أهلكته، لذلك قال تعالى في عاقبة من يخالف نفسه في هواها {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41] وقد بين لنا ربنا حقيقة النفس فقال {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة يوسف: 53].
فالنفس قد تكون طاغوتاً يعبد من دون الله دون أن يدري الإنسان منا، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [سورة الجاثية: 23]. فاتباع الهوى سبب الضلال، قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة القصص: 50].
فاللهم اهدنا بفضلك فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وقنا شر أنفسنا، واجعلنا من المرحومين.
أخي الحبيب..
هذب نفسك، وأعلمْها حقيقتها، فهي أمة لله الكبير المتعال، فلابد أن تقيم حاكمية الله على النفس، فالله هو الذي يحكم نفسك، وليست الشهوات، ولا الشيطان.
إنك تتعجب حين تطالع سير سلفنا الصالح، كان الواحد يأكل في اليوم مرة، ويشرب في اليوم مرتين فقط، كما أثر هذا عن الإمام أحمد وغيره. فأي رجال كان هؤلاء، لكن من عاش ليأكل ويشرب، فهذا قد يكون عبداً لبطنه، طالع سير السلف لتعرف قدرك جيداً.
سئل بعض السلف: الرجل يأكل في اليوم أكلة؟ قال: طعام المتقين.
قيل: فالرجل يأكل في اليوم مرتين. قال: طعام المؤمنين.
قيل: فالرجل يأكل في اليوم ثلاث مرات. قال: قل لأهله: ابنوا له معلفاً.
فالناس اليوم تعمل من أجل أن تأكل من أفخر الأطعمة، إنه شره النفس، فليس الأمر ما يسد الحاجة، لا.. لا.. إنه يريد أن يحاكي هذا وذاك، وأعداء الإسلام لا ينفكون في تزيين الباطل للناس، حتى تتحطم عقيدة المسلمين في خضم الشهوات والملذات، إنها كما قيل: صناعة الغفلة، نسأل الله لنا ولكم العافية.
إخوتاه ..
انظر لما أراد الله أن يربي يحيى ليحكم صبياً، قال ربنا جل جلاله: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} [سورة مريم: 12]، وهو صبي يحكم لأنه تربى على الجدّ والرجولة، لا على الترف، ولا على الشهوات، ولا على متابعة النفس، ومطاوعة الرغبات، ولا على توفير المطالب، {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12) وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً (13) وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً} [سورة مريم: 12-14].
فأين هذه الصفات في شبابنا الآن؟!!
أيها الأحبة في الله ..
الله أمرنا بالجدية في الإسلام فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [سورة الطارق: 13-14] فالأمر ليس هزلاً، اليوم نرى سمات الصالحين في الظاهر، ولكن على قلوب فارغة، على عقول فارغة، وأنا آسف إن قلت هذا، ولكن هذا واقع للأمة لابد من تصحيحه؛ لأنه عار علينا، ووصمة للدعوة، وقد بدأت تظهر أمور لا تمت بصلة للإسلام، في المعاملات وأكل أموال الناس بالباطل، والمشاكل الأسرية والطلاق، والأولاد الذين كنَّا نعقد عليهم آمالنا، أولاد الملتزمين الذين لم يعرفوا الجاهلية التي مرَّ بها آباؤهم، فوجدنا من كبر منهم -وللأسف- بعضهم أسوأ من أبيه.
فلابد من وقفة للتصحيح، لابد من ضبط مواقع الأقدام، قبل أن تذل بنا في جهنم، قال تعالى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة النحل: 94].
أيها الأحبة في الله ..
من طرق العلاج:
ثالثاً: التخلص من مظاهر عدم الجدية
ومن أخطر تلك المظاهر: الرضا بالظواهر والشكليات، ونسيان القلب والأعمال.
فليس جل الدين في اللحية والقميص القصير والنقاب، إنها من شعائر الإسلام، وينبغي علينا أن نلتزم بها، لكن لأنَّ هذه السنن صارت شعارًا لأهل الإيمان ومعشر الملتزمين في هذا الزمان، فلا شك تسرب بينهم من ليس منهم، واكتفى بهذه الأمور، ومن هنا عدنا نقول: الملتزم هو الصوَّام القوَّام، الملتزم هو القائم بالقسط، الملتزم هو من خلا بيته من المنكرات، من يتفقه في دينه، من يفهم عن ربه، من يعمل في تزكية نفسه، هذه هي المعايير الآن، ومن ابتعد عن هذا فليس من الملتزمين، فقف لتحاسب نفسك.
إخوتاه..
أسألكم بالله عليكم: منذ أن التزم الواحد منكم ماذا حصَّل من العلم الشرعي الذي زاده قرباً إلى ربه؟
ماذا حصَّلت من العقيدة؟ ماذا درست في الفقه؟ كم كتاب قرأت؟ وعلى من تعلمت؟
هل تجيد قراءة القرآن الذي هو فرض عين عليك؟
كم حفظت منذ أن التزمت من القرآن؟
ما أخبار قيام الليل وصيام النهار والمحافظة على الأذكار؟!!
أيها الأخ الحبيب..
ينبغي أن يكون الفرق بينك الآن وبين أيام الجاهلية شاسعاً، لابد أن تتغير جذرياً، فاللسان يلهج بالذكر، والعين تبكي خشية لله، القدم تورم من القيام، قلبك لا تجده إلا في دروس العلم، أذنك تعودت على سماع القرآن وهجرت الموسيقى والغناء.
لابد من هذا، فإنك لا تعدم أن ترى الأطفال يدندنون بالإعلانات والأغاني وتحزن أنك لا ترى أبناء الملتزمين وهم يدندنون بالقرآن.
أين ابنك الذي حفظ القرآن، ثمَّ حفظ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم)، والذي فيه أصح الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرها قوة.
هل رأيت مثل هؤلاء؟ اللهم إلا النادر القليل، والنادر لا حكم له.
لماذا يحدث هذا؟ لماذا لأهل الباطل الغلبة والتأثير؟ أهم أكثر منكم إخلاصاً؟!!
ما نحن فيه الآن يجعلنا جميعاً في قفص الاتهام، وعليك أن تثبت لي عكس هذا.
قال الحسن البصري -وقد صح عنه موقوفًا وهو ضعيف مرفوعاً-: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، وإن قوماً خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: نحسن الظن بالله. وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل".
إخوتاه ..
أين الإخلاص؟! أين حملة الدين؟ أما رأيتم الرويبضة وهم يمرقون من الدين، إن هؤلاء ما تجرأوا على الدين إلا بسبب تقصيرنا؟ تقصير في طاعة الله، تقصير في الدعوة إلى الله، والواحد منَّا جل ما يصنع أن يقول: أنا مقصِّر، ادعُ الله لي!!. مقصر!! فلابد من علاج، فليس الأمر أن تتهم نفسك في العلن، ثمَّ لا يتبع ذلك ندم وتوبة.
إخوتاه..
نحن لا نيأس من رحمة الله، والله وعدنا إنْ أصلحنا من أنفسنا أن يغير ما نحن فيه من غربة، فالأمل سيظل معقوداً أبداً، والمستقبل للإسلام، وإن كره الملحدون والكافرون، والتمكين للدين آتٍ بإذن الله، نسأل الله أن يمكن لدينه في الأرض.
إخوتاه...
من طرق العلاج:
رابعاً: زيادة الطاعات وعدم الاغترار بالعمل اليسير.
معتقد أهل السنة والجماعة أنَّ الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فإن لم يكن يزيد فإنه ينقص.
أريد أن يزيد إيمانك كل يوم، تقرب إلى الله بما تستطيع، ولا تغتر بالعمل اليسير، ولا تكثر التشدق بالإنجازات، لأنَّ هذا قد يورث العجب والفرح بالعمل والاشتغال بالنعمة عن المنعم، مثال ذلك:
تجد أن الأخ إذا وجد نفسه مقيماً للصلوات في الجماعة، وقام ليلة أو ليلتين، ظن نفسه من أولياء الله الصالحين، وهذا قد يبتلى بترك العمل، لأنه لم يشكر النعمة وإنما نسب الفضل لنفسه، ولذلك كان المؤمنون هم أكثر الناس وجلاً، فليس الشأن في العمل وإنما في قبوله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [سورة المؤمنون: 60]. فالاغترار بالعمل القليل اليسير، وكثرة الكلام عن الأعمال التي يقوم بها، هذا دليل أنه لن يكمل، ولن يتم فاستر نفسك.
قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: "ولله در أبي مدين حيث يقول: ومتى رضيت نفسك وعملك لله، فاعلم أن الله عنك غير راضٍ، ومن عرف نفسه وعرف ربه علم أن ما معه من البضاعة لا ينجيه من النار، ولو أتى بمثل عمل الثقلين".
نعم الذي يرى نفسه مؤمناً خالصاً فهذا معجب مغتر بنفسه، لابد أن ترى دائمًا نفسك بعين النقص والعيب، لابد أن تنكس رأسك وتذل لله.
ولله المثل الأعلى: فأنت تعرف أنَّ الولد إذا رضي عن نفسه في علم من العلوم يبدأ يهجر مدارسته، ثمَّ بعد هذا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وقد يرسب في هذه العلم، بسبب تهاونه وعجبه.
وهذه قضية الأمن على الإيمان، وقد قال الله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [سورة الأعراف: 97-99] فلا تأمن، فإنَّ إبراهيم الخليل عليه السلام لم يأمن على توحيده، بل ابتهل إلى ربه وقال {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام} [سورة إبراهيم: 35].
إخوتاه..
من طرق العلاج:
خامساً: عدم التسويف.
فمن مظاهر عدم الجدية في الالتزام كثرة الوعود والأماني مع التسويف، فتجد المرء منَّا يمني نفسه، تقول له: احفظ القرآن. فيقول: سأحفظ إن شاء الله عندما أجد الوقت. وبطبيعة الحال لا يجد الوقت فهو مهموم دائماً، يقول: عندما أنتهي من الدراسة سأتعلم العلم الشرعي، وأتفرغ للدعوة إلى الله، ثمَّ يدخل الجيش فيقول: عندما أنتهي من هذه الفترة الشاقة سأصنع ما أريد بإذن الله، ثمَّ تنتهي مدة الجيش فيبدأ في البحث عن العمل، ثمَّ يقول: لابد أن أتزوج، فيظل مهمومًا بأمر الزوجة والبحث عنها، ثمَّ يجدها فيهتم بأمر الشقة وتجهيز المنزل، ثمَّ يتزوج فيبدأ في السعي لتحسين وضعه الاجتماعي، ثمَّ يرزق بالأولاد فيظل مهموماً بأمورهم هكذا دواليك.
والعجيب أنّك قد تجد رجلاً من هؤلاء في النهاية قد رضي بهذا الضنك، ويقول: هذه سنة الحياة!!
سنة الحياة أن تعبد الدنيا وتنسى أمر الآخرة!! سنة الحياة أن تهجر الطاعات من أجل الهوى والشهوات!!
إخوتاه..
بسيف التسويف قُتل أناس كثيرون، فالتسويف رأس كل فساد، فمن أجَّل الطاعات لغد وبعد غد لا يلبث أن يتركها بالكلية، فالشيطان يسول له، ويمنيه، ويغريه بطول الأمل، والموت يأتي بغتة، والقبر صندوق العمل.
في قصة الثلاثة الذين خلفوا، كان كعب لديه المال، يقول كعب بن مالك: «فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع، ولم أقض شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه. فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئاً، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا، وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أنِّي لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء»[4].
وهكذا في نهاية المطاف وجد نفسه في وسط المنافقين، وهذا من جراء التسويف.
إخوتاه..
الحذر الحذر من التسويف، وطول الأمل، قبل فجأة الموت، وحسرة الفوت.
يا من تعمل في أعمال محرمة، إياك أن تسوِّف، فقد تموت قبل أن تتخلص منه، هيا الآن، لا تؤجل، لا تعطل، واتخذ هذا القرار الحاسم في حياتك فهذا دليل توبتك حقاً، لا أن تتشدق بالأوهام.
يا من يريد حفظ القرآن قل: سأبدأ حفظ القرآن اليوم، كل يوم ربع أو ربعين، وتلزم نفسك بذلك إلزاماً صارماً، ولا تتهاون في عقاب نفسك إن قصرت، وإلا فستصبح من أصحاب المظهرية الجوفاء الذين يكثرون من الوعود والأماني.
إخوتاه..
من طرق العلاج:
سادساً: أخذ الدين بشموليته.
فمن مظاهر عدم الجدية في الالتزام الاكتفاء ببعض الجوانب في الدين دون الشمولية، وقد قال الله {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} [سورة البقرة:208]، فكثير من الملتزمين يدخل في الدين، ويلتزم ببعض الجزئيات التي أحبها في الدين، وقد يكون ذلك هوى، فليس الهوى في فعل المحرمات، بل وفي فعل الطاعات أيضاً، قال الله تعالى لنبيه داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة ص: 26]، وقد كان هواه في العبادة.
فملاحظة الشمولية في الدين أمر ضروري، فإنني أريدك متكاملاً في جانب العبادة صوام قوام ذكار لله تتلو القرآن، فتصبح ذا شخصية متألهة متنسكة، وعلى الجانب العلمي فأنت طالب علم مجتهد، حافظ للقرآن، ذو عقل وفكر نير واستيعاب شامل، وفي الجانب الدعوي في نشاط متقدم، سرعة واستجابة، وعدم رضا بالواقع، وتفكير متواصل في الطرق الشرعية لتحويل وتغيير مجرى الحياة، ذو تأثير ملحوظ في المحيط الذي تعيش فيه، كما قال الله تعالى في وصف نبيه عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} [سورة مريم: 31].
إخوتاه..
هذه هي الشخصية التي نبحث عنها، هؤلاء هم الرجال الذين يحق أن يمكن لهم في الأرض، أما الرضا ببعض جوانب الدين، وتقسيم الدين إلى لباب وقشور، فهذه بدعة منكرة جرت من ورائها تنازلات كثيرة، وشقت الصف لا جمعته.
تجد بعض الشباب رضي بالجانب العلمي وترك باقي الجوانب، تقول لأحدهم: لماذا لا تقوم الليل؟!
فيقول: طلب العلم يستحوذ على كل وقتي.
وأنا أعجب من هذه التفرقة التي لا أصل لها، من قال أنَّ علماء السلف تركوا الاجتهاد في العبادة والدعوة من أجل طلب العلم؟!!
وتجد آخرين لا همَّ لهم إلا الدعوة، يتجولون على الناس لدعوتهم وربطهم بالمساجد، وهذا في حد ذاته جيد، لكن دعوة بدون علم، هذا سرعان ما ينقلب على عقبيه، لأنه لم يفهم دينه، فربما يستجيب مرة أو مرتين بسيف الحياء، أو بفعل تحمس مؤقت، ثمَّ بعد ذلك لا تجده.
وآخرون ارتضوا من الدين بالعبادة فلا تعلموا ولا دعوا، فمن أين لهؤلاء بهذا؟!!
إخوتاه..
الدين كلُُ واحد، لا يصلح فيه الترقيع {ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} [سورة البقرة: 208]، أي جملة واحدة بجميع جوانبه، ولابد أن توزع طاقاتك من أجل خدمة هذه الجوانب الثلاثة، علم وعمل ودعوة، ومتى ضاع منك الوقت دون أن تثمر شيئًا في هذه الجوانب فاعلم أنَّ هذا من الخذلان، وأنَّ هذا لا يكون إلا بكسبك، فينبغي أن تتوب سريعاً، وإلا فمن يدريك أن الموت لن يكون أسرع مما تتوقع، وعلى هذا نتعاهد ونتواصى، وليأخذ كل منكم بيد أخيه، فإنها النجاة.
إخوتاه..
سابعاً: التعاهد على الثبات حتى الممات.
فمن مظاهر عدم الجدية التفلت من الالتزام لأول عارض، فمن أول شبهة أو أول وارد من شهوة يتفلت، وسرعان ما تتتابع التنازلات، مرة ترك النوافل، ثمَّ مرة ترك الجماعة، بدأ يترك رفقة الصالحين، وفي الملتزمات تجدها تتنازل يوم عرسها فتخلع الحجاب، لماذا؟ لأنه يوم الزفاف ولا حرج، أو تتنازل فتتزوج من غير الملتزمين، وهكذا، تبدأ في خلطة غير الملتزمات، تبدأ في مشاهدة التلفاز، تبدأ في الاختلاط بالرجال، ثمَّ لا تسل بعد ذلك أين هي الآن؟!!
إخوتاه..
يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/140): "وقال لي شيخ الإسلام ابن تيمية ـرضي الله عنه- وقد جعلت أُورد عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضج إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات أو كما قال".
يقول ابن القيم: "فما أعلم أنِّي انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك".
وهذا هو السبيل، فلا تكن خفيفاً، قال الله تعالى: {وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} [سورة الروم: 60]، ولهذا من يتأثر بأدنى شبهة فهذا لا يقين عنده، وأهل العلم واليقين هم الذين يثبتون، فلهذا أقول لك: لا تقف مع الشبهات، وخذ بنصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»[5].
فلا تلتفت -أخي- لكل شبهة ولكل شاردة وواردة، مثلاً: الأخ بعدما أعفى لحيته يأتي الاختبار والبلاء فيجد من يقول له: من قال أنَّ اللحية فرض؟ اللحية سنة؟ أو هي من العادات؟ وفلان وفلان قال ذلك.
فالخفيف الذي لم يفقه سرعان ما يلتبس عليه الأمر، ومع أول مضايقة يفر، وهذا يعني عدم الإخلاص وعدم اليقين، وأصل كل المشاكل الإيمانية يدور حول هذين الأمرين، لذلك أقول لك: لابد أن تتعلم أولاً، ثم تعمل بما تعلم، ثمَّ تدعو إلى ما وفقك الله له.
قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [سورة العصر: 1-3].
إخوتاه ..
كثيرًا ما أحزن عندما تنتشر بعض الأقاويل الباطلة، وعندما ينفث أعداء الدين بشبهاتهم، فتجد بعض الإخوة متخبطاً، يقول لك: ماذا أصنع؟! كيف نرد عليهم؟!! أن تسأل هذا جيد، ولكن متى تقف على أرض صلبة، متى تفهم عن الله؟ متى لا يتسرب إليك الشك سريعاً عند كل شبهة؟
هذا ما يورث الفتور وعدم الجدية، فبهذه النفسيات لا يمكن أن يمكن لنا، لذلك لابد من أن نقف على أرض صلبة، لابد أن نثبت على الدين وإن قويت الرياح، لا نتزعزع، لا تكن انهزامياً.
مثلًا: تجد من يعمل في ساعة مبكرة من النهار يضيع منه الفجر مرة فأخرى، ثمَّ يبدأ يتنازل وتجده يقول: لا يمكن أن أستيقظ للفجر، فإذا أراد أن ينام يضبط المنبه على ميعاد العمل، وينسى صلاة الفجر، وأخشى أن يكون هذا إصراراً على تضييع الصلاة في وقتها، فيكون هذا نذير شرك والعياذ بالله.
أنا أريدك موقناً بما في يد الله، أريدك موقناً بأنَّ الله هو الرزاق، أريدك إذا عصفت الرياح قوياً تفهم سنن الله الكونية، وتصبر على البلاء حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
بعض الإخوة إذا أصابه شيء من القهر يجزع سريعاً، وآخرون يقعون في أول اختبار في شهوة، فإذا فتحت عليه الدنيا شيئاً ما نسي ما قدمت يداه، فأين الثبات على الدين؟ أين الاستقامة على شريعة رب العالمين؟
إخوتاه..
إنَّ هؤلاء الذين يتفلتون من الالتزام لأول عارض شبهة أو أول وارد شهوة يضيعون قبل ورود العوارض والموارد، لأنهم مهيؤون نفسياً للوقوع والسقوط.
والعلاج هو اليقين، هو الثبات حتى الممات، هو العقيدة الصحيحة الصلبة، والمنهجية في العلم والعمل والدعوة، وهذا يحتاج إلى صبر وتحمل، ولا يكون ذلك كله إذا لم يخلص العبد في الاستعانة بربه تبارك وتعالى فالزم.
إخوتاه..
من طرق العلاج أيضاً
ثامناً: عدم إكثار الشكوى وتضخيم المشاكل
فمن مظاهر عدم الجدية في الالتزام: كثرة الشكوى وتضخيم المشاكل وإيجاد المبررات، فدائمًا وأبداً شكّاء، لا يرضى، وكل مشكلة صغيرة يضخمها، وهذا من البطالة وعدم الجدية.
وآخر صاحب منطق تبريري، فلا يريد أن يواجه نفسه ويلقي باللائمة عليها، بل يتذرع ويعلل ويبرر، وهو يدري أنَّه على غير الحق.
ومنهم: من إذا التزم بالدين صار عالة على الدعاة، ولسان حاله يقول: أنا صنعت ما قلتم لي، فعليكم أن توجدوا لي الحلول لكل مشكلاتي، وهل لما ألتزمت ألتزمت من أجل فلان وفلان أم ابتغاء وجه رب العالمين؟!
فإذا كنت كذلك فتعلّم: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»[6]. لا تكثر الشكوى خوفاً أن تتسخط على قدر الله، وتلك بلية عظيمة أعيذك بالله أن تقع فيها.
أريد أن تتعلم أن تلجأ إلى الله، لا تتوكل على أحد سوى الله، والله هو القادر على أن يدفع عنك {إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواْ} [سورة الحج: 38].
إخوتاه ..
كثرة الشكوى وتضخيم المشاكل وإيجاد المبررات سبيل للنكوص ولابد، واستصحب دائماً هذه النصيحة النبوية الذهبية: «واستعن بالله ولا تعجز»[7]، «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجَفَّت الصحف».
نصيحة أخيرة:
أريد بعد هذا كله أن أسألكم سؤالاً حتمياً، وأرجو أن يجيب كل واحد منكم نفسه بصدق:
هل أنتم جادون في طلب الخلاص مما أنتم فيه؟ وما الدليل على هذا؟!!
كما قلت لكم من قبل: وقفة جادة مع النفس، والتزام بمنهج واضح في العلم والعمل والدعوة، واعتبار ذلك فرضاً حتمياً لا ينبغي الحيد عنه، وقفة لا تقبل التأجيل، وقفة من الآن.
قل لنفسك: منذ متى وأنا ملتزم فماذا قدمت لدين الله؟!
هل أنا أعمل لله أم من أجل نفسي؟!
ثمَّ بعد أن تمحص نيتك لا تفتر، ولا تقنط، بل عليك أن تسعى في العلاج بقوة، انتهز أوقات النشاط في مضاعفة الطاعات.
وهذا منهج تربوي عليك أن تبدأ به:
1- احفظ كل يوم ولو عشر آيات، وارتبط بمقرأه لتتعلم أحكام التلاوة، وإذا كنت أتقنتها فحافظ عليها من أجل أن تكون من القوم الذين يجتمعون في بيوت الله لتلاوة القرآن ومدارسته، فتحفهم الملائكة وتنزل عليهم السكينة ويذكرهم الله فيمن عنده.
2- حافظ على أذكار الصباح والمساء، وأكثِر من الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل.
3- حافظ على درس علم أسبوعي.
4- لابد أن يكون لك حظ من الليل، وابدأ الآن بركعتين خفيفتين، ثمَّ ابدأ في الزيادة شيئاً فشيئاً، ولا يلهينك الشيطان عن هذا الورد، إن لم تكن تحفظ فامسك بالمصحف وصلِّ، واعتيادك ذلك سيكون عوناً لك على الحفظ بإذن الله، لأنَّ القراءة من حفظك لها شأن آخر.
5- امكث في المسجد بعد صلاة الفجر إلى أن تشرق الشمس، وصل ركعتي الضحى لتكتب لك كل يوم أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
وإن لم توفق لذلك فاجلس بين المغرب والعشاء لتنتظر الصلاة بعد الصلاة فإنها من أعظم الكفارات، وترفع بها الخطايا وتعلي الدرجات.
وهكذا ابدأ في زيادة الطاعات والقربات لتحصن نفسك، أما إذا لم يؤثر فيك كل ذلك، وإذا لم تجد من نفسك القوة والرغبة والإصرار على بذل الجهد لله، فاعلم أنَّ قلبك مات فادعُ الله أن يردك عليك قلبك المطموس.
إخوتاه..
انظروا لحال السلف الصالح، وكيف كانت أشواقهم تطير بهم إلى طاعة الله تعالى، كيف كانوا يتغلبون على الفتور والكسل بالشوق والخوف.
يقول ابن القيم في كلام غال ثمين لو تأملته: "إذا جنَّ الليل وقع الحرب بين النوم والسهر، فكان الشوق والخوف في مقدمة عسكر اليقظة، وصار الكسل والتواني في كتيبة الغفلة، فإذا حمل الغريم حملة صادقة هزم جنود الفتور والنوم فحصل الظفر والغنيمة، فما يطلع الفجر إلا وقد قسمت السهمان وما عند النائمين خبر "[8].
فأين شوقك لرضا الله؟ أين وجل قلبك وقد أمهلت كثيراً، وما نهاية ذلك إلا سوء الخاتمة؟ فلماذا تأكلك الغفلة؟ لماذا صرت أمير الكسل؟
إخوتاه..
إننا نحتاج إلى إخوة جادين في كل شؤون حياتهم، تبدو عليهم تلك السمات في أفعالهم، جادين في تفكيرهم، الهم الأول عندهم هو الدين، ثمَّ تأتي سائر الهموم بعد ذلك، فلا شيء يقدم على دين الله.
في صحيح البخاري عن الأسود بن يزيد النخعي قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته، قالت: «كان يكون في مهنة أهله- تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة»[9].
فهكذا فقس نفسك، هل إذا قيل لك: حي على الصلاة، حي على العمل الصالح، حي على حضور درس العلم النافع، حي على الإنفاق في سبيل الله، فما بالك حينها؟!
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة التوبة: 38-39].
إخوتاه..
يخيل إليَّ أنني لو راجعت كل واحد منكم فسرد لي قائمة اهتماماته لاستحييت من ذكرها، أمور تافهة لا قيمة لها تشغل تفكيرك، وربما تحول بينك وبين الله، ونحن موقنون أنَّ الله يعلم السر وأخفى، وأنَّ الله عليم بذات الصدور، ولكن رفع الحياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أين حياؤك من الله العزيز القهار؟! أين وجل قلبك من العلي الكبير المتعال؟!
إنه لو قدر لبشر أن يعرف ما بداخل صدر أخيه لوقع الجميع في حرج شديد، فما بالك تستحيي من الناس ولا تستحي من الله وهو معك!!
فابدأ -أخي- من الآن إجراء هذه العملية الضرورية، عملية تطهير للأفكار، نريد جدية في الاهتمامات، إن بعضنا يكاد يقتل نفسه من كثرة التفكير، يفكر في وضعه بين الناس، كيف يفكر الناس فيه؟! ماذا يقول الناس عنه؟! ولعله لم يخطر للناس على بال، ولو شغل نفسه بحاله مع الله لكفاه، حينئذٍ عليك أن تردد في نفسه: ماذا أنت فاعل بي يا غفار الذنوب؟ وما اسمي عندك يا علام الغيوب؟
لا تهتم كثيراً بالناس، فأصلح ما بينك وبين رب الناس يكفك أمر الناس.
تجد بعضهم يقع في مشكلات نفسية وعندما تفتش عن الأسباب تجدها أمور تافهة، وهذا حال أهل البطالة سافِلوا الهمة، فإنَّ النفوس العلوية لا تنظر لمثل هذه السفاهات، وإلا أخلَّ ذلك بها، لكنه فراغ القلب من الله.
أما أهل الهمة العالية، والجادون في التزامهم فإنهم مشغولون بأمور أخرى، مشغولون بحفظ القرآن، بالدعوة إلى الله، بكيفية إصلاح فساد قلوبهم، مشتاقون لسجدة يقبلها الله منهم، مشتاقون لتسبيحة يشعرون معها بحلاوة الإيمان. هذا شأن عباد الله الصالحين، فمن أي الفريقين أنت؟!
إخوتاه..
منذ كم عام وأنت ملتزم؟ فماذا صنعت؟ هل ذقت حلاوة الإيمان أم لم تشعر بها بعد؟
هل تنقّ قلبك في رياض الإيمان فشعرت بالسعادة الحقيقية؟ واحسرتاه على من قضى عمره في وهم كبير شيّده في ذهنه، ووضع له السياج اللائق به، فكذب على نفسه، ثم استمرأ الكذب فخادع نفسه، فصدق كذبه!!
وإن أخشى ما أخشاه أنْ يكون التزامك هذا وهماً، ولا أراني أشعر بأفعال تطيح بهذا الهاجس المقلق من نفسي على شباب الصحوة!!
هذه -إذًا- قضيتك الأولى، هل أنت ملتزم أم لا؟ هل اعتاد لسانك الذكر فصار رطباً منه؟ هل اعتادت جوارحك القيام بأداء حقوق الله فصرت تشعر بالوحشة إذا لم تؤدِ شيئاً يسيراً منها؟ إنَّه إدمان الطاعة، حينها تجد الرجل يقول: الصلاة صارت تجري في دمي، لا أستطيع أن أترك ورد القرآن، أشعر بأنِّي لا أتمالك نفسي، وهكذا ساعتها تعيش الإسلام لأنه يعيش فيك، فتحفظ من التفلت والانتكاس.
إخوتاه..
تبدو أوضح مظاهر الجدية في التعامل مع الأوقات، كثير من الناس يشتكون من قلة الوقت، وضيق الوقت، وهذا دليل على عدم الجدية.
يقول ابن القيم في تعريف اليقظة: "هي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، وهي على ثلاثة مراتب:
(1) لحظُ القلب إلى النعمة على اليأس من عدها، والوقوف على حدها، ومعرفة المنة بها، والعلم بالتقصير في حقها.
(2) مطالعة الجناية على التخلص من رقها، وطلب التمحيص بها، والثبات على التوبة بعدها.
(3) معرفة الزيادة والنقصان من الأيام، فيلتزم الضنّ بباقيها، وتعمير تالفها، واستدراك فائتها".
هنا محل الشاهد، فهذا هو الملتزم الحق، الذي دفن جاهلياته، وشمَّر عن ساعد الجد لاستدراك ما فاته طيلة عمره.
وسنة الله الكونية على أنَّه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، فالطالب في الكلية عندما يلتزم يندم على أيام ثانوي، والذي يتخرج يندم على أيام الجامعة، والذي يتزوج يندم على أيام قبل الزواج، وهكذا.
فاليوم الذي يذهب لا يأتي مثله، مصداق ذلك حديث أنس بن مالك في البخاري مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» [10].
فانتبه إلى الجدية في التعامل مع الأوقات، لا تضيع وقتك فيما لا ينفعك غداً، كل نفس من أنفاسك محسوب عليك.
الإمام ابن عقيل الحنبلي شيخ ابن الجوزي يقول: "أنا لا أحل لنفسي أن تضيع لحظة من عمري، فأنا إما أكتب، وإما أقرأ، وإما أطالع، وإما أدرس، وإما أصلي، وإما أذكر، أو أتذاكر حتى إذا تعبت فأرقد على جنبي وأسرح بخيالي في مسائلي فإذا عمت لي مسألة قمت وكتبتها".
وهذا الإمام أبو حنيفة في سياق الموت وتلاميذه حوله قال: "هلم مسألة، تعالوا نتدارس مسألة. قالوا: وفي مثل هذه الحال. قال: لعله ينجو بها ناج".
ولن تعدم الوسيلة، تحفظ القرآن، تقرأ في كتب العلم، تسمع شريطاً، تخرج في زيارة لشيخ، أو زيارة لمكتبة، أو زيارة لشخص تدعوه إلى الله.
إخوتاه
أخيراً عليكم بالاقتصاد في الهزل والمزاح.
فلقد صار الهزل وكثرة الضحك شعار الشباب في هذه الأيام، وليست المشكلة في الدعابة اليسيرة، والمزاح القليل الذي لا يخرج عند حدود الأدب، وإنما في هذا الإفراط والمبالغة حتى أن بعض الشباب يقلب أكثر المواقف جدية إلى هزل وفكاهة، والذي لا يصنع هكذا يتهم بأنه مصاب بالجمود والانغلاق …الخ.
آهٍ … للأسف الشديد ونحن في ذلة وصغار واستضعاف صرنا نعبث ونلهو حتى كأن العصر هو عصر الهزل، والآن هناك أماكن مخصصة للضحك، مسرحيات بالساعات للضحك واللهو والعبث، وكل ذلك بالكذب.
أين الجد في حياتنا يا شباب الإسلام؟
الذي يحلق ببصره ويطوف شرقاً وغرباً ليرى حال المسلمين لا يمكن أن يكون هذا حاله.
قال أبو الدرداء الصحابي الجليل: "أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث، فقال: أبكاني رجل ضاحك ملء فيهِ وهو لا يدري أرضي الله عنه أم سخط".
وبعد
اسأل الله العلي الكبير أن تكون هذه الرسالة سبيلاً للمؤمنين للرجوع إلى الجادة، ونفض هذا الغبار الذي لطخهم، لنتعاون سوياً لنصرة دين الله تعالى.
وما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم بالله وأنساه، فاللهم اجعل كلامنا هذا حجة لنا لا علينا، واربط على قلوبنا، وعُمّنا برحمتك أنت أرحم الراحمين.
----------------
[1] أخرجه مسلم (107) كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
[2] أخرجه الترمذي (2516) كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله.
[3] السُّرى: سير عامة الليل. وهو مثل يضرب في الرجل يحتمل المشقة من أجل الراحة، وقيل: إن خالد بن الوليد هو أول من قاله.
[4] متفق عليه. أخرجه البخاري (4418) كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، ومسلم (2769) كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه.
[5] متفق عليه. أخرجه البخاري (52) كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم (1599) كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات.
[6] تقدم تخريجه.
[7] جزء من حديث أخرجه مسلم ( 2664) كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله.
[8] بدائع الفوائد (3/752)
[9] أخرجه البخاري (676) كتاب الأذان، باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج.
[10] أخرجه البخاري (7068) كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه.
وكتب
محمد بن حسين بن يعقوب
غفر الله له ولأهله وأحفاده والمسلمين أجمعين
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:102 ]
{يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [سورة النساء: 1]
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [سورة الأحزاب: 70-71]
أما بعد، فإنَّ أصدق الحديث كلام الله تعالى، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوتي في الله..
والذي برأ الحبة وخلق النسمة إنِّي أحبكم في الله، وأسأل الله جل جلاله أن يجمعنا بهذا الحب في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، اللهم اجعل عملنا كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل فيه لأحد غيرك شيئاً.
أحبتي في الله..
كثيراً ما سألتكم وما يزال السؤال مطروحاً إلى الآن، لماذا دبَّ الوهن فينا؟ لماذا لا يعتقد أي منَّا أنه أهل لأن يمكن له؟ لماذا انتكس من انتكس؟ لماذا تولى من تولى؟ لماذا صرنا إلى نقصان بعد أن كنا في زيادة؟…. إنه داء الفتور في الالتزام.
أخي في الله..
هل كنت تحفظ القرآن ثم تركت؟!
هل كنت تقوم الليل ثم نمت؟!
هل كنت ممن يطلب العلم ثم فترت؟!
هل كنت ممن يعمل في الدعوة ثم تكاسلت؟!
هذا واقع مرير يمر به كثير من شباب الأمة، نسأل الله لنا ولكم العافية، تمامها ودوامها والشكر عليها.
فكم من أعمال بدأت ولم تتم بسبب مرض الفتور!!
وكم من أعمال بمجرد أن بدأت ماتت وانتهت، وهي مازالت مشروعات على الأوراق!
وكم من أناس ما زال الفتور بهم، وتقديم التنازلات حتى وصل إلى ترك الدين بالكلية، والبعد عن الدين بالمرة، ونسيان الله بالجملة.
كم من أناس هم موتى اليوم، وهم لا يشعرون ولا يعلمون، هل هم أحياء أم ميتون؟!! نسأل الله أن يحيي قلوبنا.
أحبتي في الله..
رسالتنا هذه تحمل اسم "الجدية في الالتزام"، فإنَّ أكبر سبب من أسباب الفتور هو فقدان الجدية، فأنت ترى الجدية واضحة عند كثير من المسلمين في طلب الدنيا، فهو إذا افتتح مصنعاً أو شركة أو دكاناً أو نحو ذلك فإنه يبذل أقصى جهده، ويستولي هذا العمل على جهده ليلاً ونهاراً، يستولي عمله على كل قوته، وكل تفكيره، وكل إمكانياته، فهو يعيش وينام لهذا العمل الدنيوي.
أما أهل الدين ففي الخذلان والكسل والتواني والإخلاد إلى الأرض والرغبة في الدعة والراحة.
إخوتاه..
إنني -والله- أتعجب من لاعبي الكرة كيف يبذلون جهدهم وطاقتهم إخلاصاً للكرة!! وهؤلاء الممثلون في إخلاصهم من أجل الشهرة، والمطربون والمغنيين إخلاصاً للموسيقى، ونفقد نحن هذا الإخلاص في الملتزمين بشريعة رب العالمين.
فمن يعملون لأجل جنة عرضها السموات والأرض متكاسلون فاترون، وللأسف الشديد إنَّ أحدنا ليستحي من لاعب كرة يتدرب ليل نهار، ويلعب ليل نهار، من أجل حطام الدنيا الفاني، للأسف الشديد إنَّ أي طالب في الثانوية العامة يبذل جهداً أضعاف أضعاف أي طالب علم يطلب العلم لله، أليس الأمر كذلك أم أنَّ هذا الكلام غير واقعي؟!
يا شباب الإسلام..
إنه واقع مر يستوجب منا وقفات، لماذا يدب الوهن في قلوبنا؟ لماذا تفتر سريعاً عزائمنا؟ لماذا يولي بعضنا الأدبار عند أول صدمة؟!!
والجواب:
لأننا أخذنا ديننا بضعف، كانت لي محاضرة قديمة بعنوان "بين سحر الحواة ولعب الهواة ضاع الدين" ضاع الدين لأن كثيراً من شباب المسلمين حملوا هذا الدين هواية، كهواية جمع طوابع البريد، وهواية المراسلة، وهواية لعب الكرة، فدخل الدين هواية، ونحن نواجه ملحدين محترفين، نواجه كفاراً محترفين، ولا يمكن للهواة أن يقفوا في وجه هؤلاء، فلابد -إخوتاه- من احتراف الدين.
إنني لا أطلب منك أن تترك دراسة الهندسة، ولا الطب، ولا الزراعة؛ لتطلب العلم الشرعي، لا أطالبك بشيءٍ من هذا، وإنما أطالبك أن تكون مهندساً محترفاً في أعمال الهندسة وإخضاعها للدعوة إلى الله، وخدمة الدين.
أطالبك أن تكون طبيباً ولكنك احترفت الطب لخدمة الدين، أطالبك أن تكون تاجراً ولكن عبد المال لخدمة رب العالمين.
من أنت؟!!
أخي في الله..
لو أنني سألتك هذا السؤال وقلت لك: ما اسمك عند رب العالمين؟ فبم تجيب؟ من أنت؟!!
هل أنت فلان الكذاب، أو الغشاش، أو المرائي، أو المنافق، أو .. أو؟!
أم أنت فلان المؤمن، أو الموحد، أو القوَّام، أو الصوام، أو القائم بالقسط، أو الذكِّير، أو الصِّدّيق .. آهٍ .. آهٍ
من أنت؟!
أجبني -أخي- الآن، قبل أن تنبأ به غداً على رؤوس الأشهاد يوم تبلى السرائر، يوم الفضيحة الكبرى فلا أبأس ولا أشقى ولا أذل منك يومئذٍ.
إني أريد أن أسألك ما هي وظيفتك عند الله؟!!
إن أكثرنا يعمل لحساب نفسه، ونسي الله الذي خلقه، ما هي وظيفتك في خدام الله؟! إن قلت لي: لا شيء. فأنت -أيضاً- لا شيء، فإن لم يكن لك وظيفة عند ربك فلا نفع لك في هذه الدنيا، ولا قيمة لك عند الله، فإنما قيمة العبد عند الله حين يعظمه العبد، فيعظم الله في قلبه، وإذا عظم الله في قلبك فأبداً لا تطيق ولا تستطيع أن تجلس هكذا لا تدعو إلى طريق مولاك.
أخي الحبيب..
لا تخادع نفسك، فأنت على نفسك بصير، لا تقل: كنت وكان وسوف، فإنها حبائل الشيطان، بل سل نفسك بصدق وفي الحال: من أنا عند الله؟!
فإن أدركت أنك في الحضيض، فقل لها: وحتى متى؟! فإن تسرب إليك هاتف من يأس فذكرها بالله الرحيم، فإن تعلقت بالرحمة ولم تعمل فهذا عين الغرور، فمن يحسن الظن بالله يحسن العمل، وما مآل المغترين إلا أن يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.
وإن كنت على خير فإياك أولاً أن تغتر أو تعجب، بل سل نفسك حينئذٍ: أين شكر النعم؟! وهل ما أنا فيه استدراج؟ ومدار النجاة في أن تكون دائماً في زيادة، فإن كنت في نقصان فهنا البلية الكبرى، لأنَّ الموت قد يفجأك على هذه الحالة، ومازلت أنت تذكر ليلة قمتها، ويوم بعيد صمته، وتركن على أعمال هزيلة لا تغني عنك من الله شيئاً، فما عساك تصنع حينها؟
قال ابن مسعود: "إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيراً فيوشك أن يحصد رغبته، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له".
أخي..
أفق من غفوتك، وانهض من رقدتك، فالعمر قليل، والعمل كثير، فإلى متى النكوص والفتور والتواني والكسل، إلى متى هجران الطاعات؟ وترك المندوبات؟ بل قل: ترك الواجبات، وآكد الفرائض المحتمات، واستمراء المعاصي والسيئات، والاجتراء على الوقوع في المهلكات.
إلى متى؟! إلى متى؟
يا نفس: بالله أجيبيني!! مادمت تعرفين أنَّك لا تساوين شيئاً عند الله، وأنَّك رضيت بالهوان فآثرت نعيماً فانياً، وزهدت في جنات خالدة، أما تنظرين إلى من ساروا في هذا الدرب كيف فتنوا؟ كيف ذلوا وصغروا؟ كيف شقوا فما والله سعدوا؟
ثمَّ بعد ذلك إلى الردى تريدين!!
لا .. لا لن أنصت لحديثك مرة أخرى. بل سأبدأ من اللحظة، سأبدأ في الحال صفحة جديدة في عمري لا شعار لي فيها إلا الجدية في الالتزام.
ومن هنا البداية، فاعرف أولاً من أين أوتيت؟ وكيف قهرت جيوش النفس والشيطان حصون قلبك فأردتك، ضع يدك في يدي، وتعال نعمل سوياً لأجل رضا ربنا، حتى نصل بإذن الله إلى الجنة.
أسباب ضعف الالتزام
إخوتاه..
ما هي الأسباب وراء ضعف الالتزام؟
السبب الأول: عدم الجدية في أخذ الدين.
فإننا لم نأخذ هذا الدين في الأصل بجد، بل دخلنا فيه هوى وهواية، وكثيراً جداً ما أطالبكم بأن يراجع كل منا نفسه، فيبدأ بسبب التزامه الأول، تدري عندما أصرخ فيمن لا يصلي لماذا لا تصلي؟ أحتاج -أيضاً- أن أوجه صرخة أخرى لمعاشر المصلين وأنتم لماذا تصلون؟
نعم لماذا تصلي؟! نعم يا من أعفيت لحيتك لماذا أعفيتها؟ لماذا -أخي- قصرت ثوبك؟! لماذا تركت أشرطة الأغاني وأقبلت على سماع القرآن؟! لماذا خلا بيتك من الدش والفيديو والتليفزيون؟ لماذا؟!!
لماذا اقتنيت مصحفاً؟ لماذا بدأت تقرأ القرآن؟ لماذا تحفظ القرآن؟ لماذا تحضر دروس العلم؟ لماذا لا تصاحب إلا مؤمناً؟…لماذا.. لماذا؟
إن لم يكن كل هذا لله فإنه مردود عليك، فيضمحل ويتلاشى ويتوارى ويعود كأن لم يكن.
قال تعالى {وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} [سورة الفرقان:23].
لابد أن نمحص نياتنا على جمرات الإخلاص، ارجع إلى البدايات الأولى، اتهم نيتك، فكثير منا التزم الدين في ظروف غير طبيعية قد تكون دفعته أو اضطرته إلى الالتزام، وبعضنا -ولله الحمد- التزم لله مخلصاً، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، لكن ارجع وصحح نيتك فهذه هو الأصل.
السبب الثاني: الترف
والترف مفسد أي مفسد، إذ يتعلق قلب صاحبه بالدنيا، وللأسف الشديد إنَّ أكثر الأمة اليوم يعيش ترفاً غريباً عجيباً دخيلاً علينا.
فالفقراء يحاولون أن يفتعلوا الترف، ولو في بعض الأشياء، تجده لا يجد إلا قوته الضروري ولكنه يقتطع منه من أجل أن يقتني المحمول، ويشتري أفخر الأثاث، ويشتري أحدث الأجهزة، ليشتري الدش فيدخل الفساد على أهله ويقره في بيته دياثة، وهذا يقتطع من قوت أطفاله لكي يصيّف هنا أو هناك، والقائمة طويلة تعرفونها جيداً، وإلى الله المشتكى.
ترف وللأسف الشديد أمر يخجل، فلأجل الله يشح ويبخل، ويقدم لك الاعتذارات لضيق الوقت وضيق ذات اليد و … و… الخ، لكن للدنيا وللشهوات يحارب ويدبر ويفكر.
إنه التنافس على الدنيا، وكأنه لو لم يحصل هذه الأمور سيعيش في الضنك، وسيبلغ به الحرج المدى، ولا والله فما الزيادة في الدنيا إلا زيادة في الخسران.
فالغني يصاب بالبطر والكبر، ويصبح ماله نقمة عليه في الآخرة فيصرخ يوم القيامة: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ} [سورة الحاقة: 28-37].
والفقير يحلق دينه بالحقد والحسد، ناهيك عمَّن يتكبر وهو معوز فيدخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر»[1].
فرجل كبير السن يزني، وملك يكذب على رعيته ولا يحتاج لذلك فإذا كذب غش، فهنا -كما يقول العلماء- ضعف الداعي، وتم الفعل، فعظم الوزر.
إنها عقوبة تروع قلب أي مسلم ألا يكلمه الله، انظر لكعب بن مالك لما خاصمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كادت روحه تزهق، تفكر في حالك ولو أتيت من تحب فوجدته معرضاً عنك أو خاصمك كيف تكون حينها؟! ألا تشعر أنَّ الدنيا اسودت في وجهك، ويحل بك من الضيق والحزن ما يقطع قلبك، فما بالك أن يقاطعك الله، لا يكلمك، لا ينظر إليك، يعرض عنك، لا يزكيك، هذا أشد من عذاب جهنم عند الموقنين المحبين الموحدين.
والثالث: عائل أي فقير وهو مع هذا مستكبر، فإن يطغى الغني بالمال هذا أمر معروف، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [سورة العلق:6-7] لكن فقير يتكبر فلماذا -يا عبد الله- ؟!! وكذلك فقير مترف هذا شيء يبغضه الله تعالى.
إخوتاه..
ولا شك أنَّ الترف أفسد أبناءنا، فوجدنا فينا من يتفاخر يقول: أنا لا أجعل ابني في احتياج إلى شيء أبدًا، فأنا ألبي له جميع طلباته ورغباته.
ومثل هذا يظن أنه أحسن إلى ولده، وأنا أعرف أنَّ العاطفة لها دخل كبير في هذا، بل من لا يستطيع أن يفعل ذلك يظل مهموماً بهذه الرغبات من الأولاد، والتي لا يستطيع أن يلبيها لهم، والحقيقة أنَّ هذا ليس من التربية في شيء، فأنت بذلك تفسد الولد، إننا نفتقد الحكمة في التربية، نفتقد التربية الإيمانية الصحيحة لأولادنا.
لماذا لا تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق بالله، فإذا طلب شيئاً مفيداً ولم تستطع أن تجيبه فقل له: هيا يا بني نصلي ركعتين وندعو الله فيهما، فإنَّ الله هو الرزاق، وهو ربنا المدبر لأمورنا، فإذا لم يمنحنا المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد، فاعلم أنَّ هذا ليس مفيداً لنا الآن؛ لأنَّ الله صرفه عنَّا.
فتعلمه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»[2]، وليس من التربية أن تلبي جميع متطلبات أولادك، فينشأ الواحد منهم عبد شهواته، كلما تاقت نفسه إلى شيء طلبه فإنَّه إن لم يجده، سيسرق ويزنى ويخون من أجل أن يحقق ما يشتهي.
إن لابنك حقاً أعظم من الدنيا، وهو أن تعلمه كيف ينجو من النار، اللهم نجنا وأولادنا من النار. قال الله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة التحريم: 6].
إخوتاه ..
نحتاج إلى صفات "الرجولة"، والرجل الحق لا يعرف الترف.
قال عمر رضي الله عنه: "اخشوشنوا فإنَّ النعمة لا تدوم".
وقالت العرب قديماً: وعند الصباح يحمد القوم السُّري[3].
قال الشاعر:
ليسَ أمرُ المرءِ سهلاً كله***إِنَّما الأمـرُ سهـولٌ وحـــــزونْ
ربما قـرَّتْ عيونٌ بشجـــى***مُرْمضٍ قد سخنتْ عنه عيونْ
تطلبُ الراحةَ في دارِ العنا***خابَ من يطلبُ شيئاً لا يكــونْ
أيها الأحبة في الله..
موقف لطيف جرى بين عالمين جليلين، فقد اجتمع يوماً ابن حزم الأندلسي الفقيه الظاهري مع أبي الوليد الباجي الفقيه المالكي، وجرت بينهما مناظرة سنة 440 من الهجرة، فلما انقضت المناظرة قال أبو الوليد الباجي لابن حزم: تعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سرج الحراس.
فأبو الوليد الباجي كان فقيراً لا يجد مالاً، لا يجد مصباحاً في بيته، فاعتذر لابن حزم لأن قراءته ومذاكرته وطلبه للعلم كان على مصابيح الحراس، فالحراس كانوا يمشون في الليل بمشاعل لحماية البلاد من اللصوص، فكان هو يسير وراءهم يقرأ في الكتاب، ويذاكر على ضوء مصابيح الحراس.
سبحان الله العظيم!!
وهذا بقي بن مخلد المحدث المشهور صاحب المسند، وهو أكبر من مسند الإمام أحمد بن حنبل، الشاهد قال لتلاميذه يوماً: "أنتم تطلبون العلم!!، إنني كنت أطلب العلم فلا أجد ما أتقوت به فأجمع من على المزابل أوراق الكرنب الخضراء لآكلها، وأتعشى بها، حتى أتي اليوم الذي بعت فيه سراويلي من أجل أن أشتري أوراقاً أكتب بها، وجلست بلا سراويل".
قال ياقوت الحموى: "فالغني أضيع لطلب العلم من الفقر".
وقال بعض المحققين: كثرة المال وطيب العيش تسد مسالك العلم إلى النفوس، فلا تتجه النفوس إلى العلم مع الترف غالباً، فإن الغني قد يسهل اللهو ويفتح بابه، وإذا انفتح باب اللهو سد باب النور والمعرفة، فلذائذ الحياة وكثرتها تطمس نور القلب، وتعمي البصيرة، وتذهب بنعمة الإدراك، أما الفقير وإن شغله طلب القوت، فقد سدت عنه أبواب اللهو، فأشرقت النفس، وانبثق نور الهداية والله الموفق والمستعان.
إخوتاه ..
هذه هي القضية أن الترف مفسد، وكثرة المال تلهي، فاللهم أعطنا ما يكفينا، وعافنا مما يطغينا.
وللأسف الشديد الناس في هذا الزمان لا يطلبون ما يكفيهم، بل يطلبون ما يطغيهم، لا يكتفون بما يرضيهم بل يطلبون ما يعليهم.
انظر لطلبة العلم الآن، فأكثرهم لم يختم القرآن حفظاً، والحفاظ أصبحوا ندرة، فإذا سألت لماذا لم تحفظ القرآن؟!! فالجواب عادة: لأنني لا أجد الوقت.
لماذا -أخي- لا وقت عندك، لأنك تضيعه في طلب الدنيا أو طلب شهوات النفس، أليس لله حق في وقتك، فاتقِِ الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السبب الثالث: رواسب الجاهلية
من أسباب ضعف الالتزام رواسب الجاهلية، فإن أكثرنا يدخل طريق الالتزام وفي داخلة نفسه رواسب من رواسب الجاهلية مثل: حب الدنيا، والاعتزاز بالنفس، والآمال الدنيوية العريضة، وعدم قبول النصيحة، وكثرة الأكل، وكثرة النوم، وكثرة الكلام، و.. و…الخ.
قال الله جل جلاله عن قوم موسى الذين لم يستطيعوا أن يدخلوا معه الأرض المقدسة، قال عنهم {فَمَآ آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ} [سورة يونس: 83].
هؤلاء الذين أسلموا لموسى بعد السحرة، يخبرنا الله أنهم أسلموا على خوف، إنهم ربُّوا على القهر والذل والاستعباد، وسياقهم كالقطيع، نشأوا على ذلك، عاشوا على هذا، فلما آمنوا ظلت فيهم رواسب من هذا فلم ينجحوا مع موسى عليه وعلى نبينا الصلاة و السلام، فاتعبوه، وبدأت الجاهليات تظهر، فتارةً قالوا: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [سورة البقرة: 55]، وتارة قالوا: {لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} [البقرة: 61]، وتارةً {قَالُواْ يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [سورة المائدة: 24].
والشاهد أن سبب هذا أنهم آمنوا أصلاً على خوف من فرعون وملأهم، فإذا اجتمع الالتزام مع رواسب الجاهلية، تظل الرواسب تشدك للماضي.
كم من شباب التزم ثم نكص على عقبيه، وأنت تعلمون أنِّي -والله- أحبكم في الله، فلا تغضبوا مني، فإني أحاول أن نصل معاً إلى حل، إلى علاج لتلك الأمراض التي تفت في عضدنا، وتطمس الجهود الدعوية المبذولة لإعلاء كلمة الله في الأرض، فلكي نصل إلى الجنة لابد من تحمل مرارة الدواء، فهل يعز عليكم تحمل هذا في سبيل الوصول للجنة؟!!
لذلك تعالوا بنا إلى بعض السبل العلاجية لظاهرة ضعف الالتزام والفتور.
طرق العلاج من ضعف الالتزام
أولاً: قف مع نفسك وقفة صادقة جادة.
لابد من وقفة جادة مع النفس، اصدق مع نفسك، ولا تبخل في بذل النصح لها.
قل لها: ثمَّ ماذا؟ ما هي النهاية لكل ما أنت فيه من إعراض عن سبيل الله؟
هذا أول سبيل للعلاج، سل نفسك: ماذا تريدين؟ هل تريدين الجنة أم النار؟ فإن قلت: الجنة فبماذا تطمعين فيها وأنت في هذا البلاء، وأنت تعصين الله في السر والعلن، في الليل والنهار، حالك هذا والله لا يرضي الله، إنَّ هذا لهو الغرور عينه.
سل نفسك: مالك تشتهين الدنيا وقد علمت حقيقتها؟
أليس نعيمها منغصاً؟ أليس كل فيها يزول ويفنى؟ فمالك تريدين الدنيا وهي إلى رحيل ولا تعملين للجنة وهي دار الخلود؟
اصدق مع نفسك في الجواب، وإياك من التلون والخداع، إياك أن تظفر بك نفسك في التسويف والقنوط.
بعضنا إذا سالته: هل تريد الدنيا أم الآخرة؟ يقول: الآخرة قطعاً، وحاله شاهد على كذبه.
وآخرون لا يدرون ماذا يريدون؟ وبعضنا لا يريد أن يفوت الدنيا ولا الآخرة، والجمع بين النقيضين محال.
كم من شاب يمني نفسه بالعروس الجميلة ذات المؤهل العالي والمركز الاجتماعي المرموق، وبطبيعة الحال كل سلعة لها ثمن، ففي المقابل ستجد التكاليف الباهظة من مهر وشقة ومستلزمات…لخ ، وهكذا تظل تعمل من أجل الدنيا، فتتملكك ثمَّ تقول: أريد الدنيا والآخرة!!
إخوتاه ..
أهل الآخرة يكفي أحدهم أقل القليل من حطام الدنيا، فمن كان همُّه الآخرة لم يبالِ بما حصَّل الناس من الدنيا، إذا رأى الناس يتنافسون في الحصول على المرأة الجميلة، تذكر هو قول الله في الحور العين {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37) لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [سورة الواقعة: 35-38]، فصرف رغبته إليهن، وشمَّر عن ساعد الجد لنيلهن، وهكذا تلمح دائماً الفرق بين أهل الدنيا وأهل الآخرة فممن أنت؟!
الشاهد أننا نريد موقفاً جدياً، نمحص به نياتنا، نعيد من خلاله ترتيب أهدافنا، وابدأ بسؤال نفسك ماذا تريدين؟ ثم الأمر يحتاج بعد ذلك إلى قرارات صارمة.
ثانياً: مخالفة النفس طريق الهدى
انظر لربك وهو يعاتب موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في تربية قومه، يقول الله عز وجل {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} لماذا ؟ {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [سورة الأعراف: 145]، فهذا أول السبيل تهذيب النفس بمخالفة الهوى، فلا تتابع نفسك في كل ما تشتهي، فلا تجبها في كل ما تطلب.
مثال ذلك: أن تعرف من نفسك أنها لا تصبر على طاعة، فإذا قالت لك: هيا لنأكل أو لنذهب لزيارة فلان أو نحو ذلك من المباحات، فقل لها: ليس قبل أن أقرأ وردي من القرآن. فستظل تلح عليك فإن خالفتها ولم تفعل ما تطلبه منك المرة بعد المرة، فسوف تتحكم فيها، ومن هنا تعلو همتك، وتكون صاحب إرادة، وهذه هي الرجولة الحقيقية فتأمل.
كذلك أنت -أيتها الأخت المسلمة- إذا حادثتك النفس في أن تكلمي فلانة أو فلانة، فقولي لها: لا ليس قبل أن أنتهي من حفظ هذا الجزء من القرآن، أو ليس قبل أن أنتهي من أذكار الصباح والمساء، ليس قبل أن أقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، وهكذا خالفيها في المباحات فإنَّها لا تأمرك بفعل المكروهات، ومن باب أولى المحرمات.
فمن تابع نفسه في كل ما تطلب أهلكته، لذلك قال تعالى في عاقبة من يخالف نفسه في هواها {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41] وقد بين لنا ربنا حقيقة النفس فقال {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة يوسف: 53].
فالنفس قد تكون طاغوتاً يعبد من دون الله دون أن يدري الإنسان منا، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [سورة الجاثية: 23]. فاتباع الهوى سبب الضلال، قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة القصص: 50].
فاللهم اهدنا بفضلك فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وقنا شر أنفسنا، واجعلنا من المرحومين.
أخي الحبيب..
هذب نفسك، وأعلمْها حقيقتها، فهي أمة لله الكبير المتعال، فلابد أن تقيم حاكمية الله على النفس، فالله هو الذي يحكم نفسك، وليست الشهوات، ولا الشيطان.
إنك تتعجب حين تطالع سير سلفنا الصالح، كان الواحد يأكل في اليوم مرة، ويشرب في اليوم مرتين فقط، كما أثر هذا عن الإمام أحمد وغيره. فأي رجال كان هؤلاء، لكن من عاش ليأكل ويشرب، فهذا قد يكون عبداً لبطنه، طالع سير السلف لتعرف قدرك جيداً.
سئل بعض السلف: الرجل يأكل في اليوم أكلة؟ قال: طعام المتقين.
قيل: فالرجل يأكل في اليوم مرتين. قال: طعام المؤمنين.
قيل: فالرجل يأكل في اليوم ثلاث مرات. قال: قل لأهله: ابنوا له معلفاً.
فالناس اليوم تعمل من أجل أن تأكل من أفخر الأطعمة، إنه شره النفس، فليس الأمر ما يسد الحاجة، لا.. لا.. إنه يريد أن يحاكي هذا وذاك، وأعداء الإسلام لا ينفكون في تزيين الباطل للناس، حتى تتحطم عقيدة المسلمين في خضم الشهوات والملذات، إنها كما قيل: صناعة الغفلة، نسأل الله لنا ولكم العافية.
إخوتاه ..
انظر لما أراد الله أن يربي يحيى ليحكم صبياً، قال ربنا جل جلاله: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} [سورة مريم: 12]، وهو صبي يحكم لأنه تربى على الجدّ والرجولة، لا على الترف، ولا على الشهوات، ولا على متابعة النفس، ومطاوعة الرغبات، ولا على توفير المطالب، {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12) وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً (13) وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً} [سورة مريم: 12-14].
فأين هذه الصفات في شبابنا الآن؟!!
أيها الأحبة في الله ..
الله أمرنا بالجدية في الإسلام فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [سورة الطارق: 13-14] فالأمر ليس هزلاً، اليوم نرى سمات الصالحين في الظاهر، ولكن على قلوب فارغة، على عقول فارغة، وأنا آسف إن قلت هذا، ولكن هذا واقع للأمة لابد من تصحيحه؛ لأنه عار علينا، ووصمة للدعوة، وقد بدأت تظهر أمور لا تمت بصلة للإسلام، في المعاملات وأكل أموال الناس بالباطل، والمشاكل الأسرية والطلاق، والأولاد الذين كنَّا نعقد عليهم آمالنا، أولاد الملتزمين الذين لم يعرفوا الجاهلية التي مرَّ بها آباؤهم، فوجدنا من كبر منهم -وللأسف- بعضهم أسوأ من أبيه.
فلابد من وقفة للتصحيح، لابد من ضبط مواقع الأقدام، قبل أن تذل بنا في جهنم، قال تعالى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة النحل: 94].
أيها الأحبة في الله ..
من طرق العلاج:
ثالثاً: التخلص من مظاهر عدم الجدية
ومن أخطر تلك المظاهر: الرضا بالظواهر والشكليات، ونسيان القلب والأعمال.
فليس جل الدين في اللحية والقميص القصير والنقاب، إنها من شعائر الإسلام، وينبغي علينا أن نلتزم بها، لكن لأنَّ هذه السنن صارت شعارًا لأهل الإيمان ومعشر الملتزمين في هذا الزمان، فلا شك تسرب بينهم من ليس منهم، واكتفى بهذه الأمور، ومن هنا عدنا نقول: الملتزم هو الصوَّام القوَّام، الملتزم هو القائم بالقسط، الملتزم هو من خلا بيته من المنكرات، من يتفقه في دينه، من يفهم عن ربه، من يعمل في تزكية نفسه، هذه هي المعايير الآن، ومن ابتعد عن هذا فليس من الملتزمين، فقف لتحاسب نفسك.
إخوتاه..
أسألكم بالله عليكم: منذ أن التزم الواحد منكم ماذا حصَّل من العلم الشرعي الذي زاده قرباً إلى ربه؟
ماذا حصَّلت من العقيدة؟ ماذا درست في الفقه؟ كم كتاب قرأت؟ وعلى من تعلمت؟
هل تجيد قراءة القرآن الذي هو فرض عين عليك؟
كم حفظت منذ أن التزمت من القرآن؟
ما أخبار قيام الليل وصيام النهار والمحافظة على الأذكار؟!!
أيها الأخ الحبيب..
ينبغي أن يكون الفرق بينك الآن وبين أيام الجاهلية شاسعاً، لابد أن تتغير جذرياً، فاللسان يلهج بالذكر، والعين تبكي خشية لله، القدم تورم من القيام، قلبك لا تجده إلا في دروس العلم، أذنك تعودت على سماع القرآن وهجرت الموسيقى والغناء.
لابد من هذا، فإنك لا تعدم أن ترى الأطفال يدندنون بالإعلانات والأغاني وتحزن أنك لا ترى أبناء الملتزمين وهم يدندنون بالقرآن.
أين ابنك الذي حفظ القرآن، ثمَّ حفظ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم)، والذي فيه أصح الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرها قوة.
هل رأيت مثل هؤلاء؟ اللهم إلا النادر القليل، والنادر لا حكم له.
لماذا يحدث هذا؟ لماذا لأهل الباطل الغلبة والتأثير؟ أهم أكثر منكم إخلاصاً؟!!
ما نحن فيه الآن يجعلنا جميعاً في قفص الاتهام، وعليك أن تثبت لي عكس هذا.
قال الحسن البصري -وقد صح عنه موقوفًا وهو ضعيف مرفوعاً-: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، وإن قوماً خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: نحسن الظن بالله. وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل".
إخوتاه ..
أين الإخلاص؟! أين حملة الدين؟ أما رأيتم الرويبضة وهم يمرقون من الدين، إن هؤلاء ما تجرأوا على الدين إلا بسبب تقصيرنا؟ تقصير في طاعة الله، تقصير في الدعوة إلى الله، والواحد منَّا جل ما يصنع أن يقول: أنا مقصِّر، ادعُ الله لي!!. مقصر!! فلابد من علاج، فليس الأمر أن تتهم نفسك في العلن، ثمَّ لا يتبع ذلك ندم وتوبة.
إخوتاه..
نحن لا نيأس من رحمة الله، والله وعدنا إنْ أصلحنا من أنفسنا أن يغير ما نحن فيه من غربة، فالأمل سيظل معقوداً أبداً، والمستقبل للإسلام، وإن كره الملحدون والكافرون، والتمكين للدين آتٍ بإذن الله، نسأل الله أن يمكن لدينه في الأرض.
إخوتاه...
من طرق العلاج:
رابعاً: زيادة الطاعات وعدم الاغترار بالعمل اليسير.
معتقد أهل السنة والجماعة أنَّ الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فإن لم يكن يزيد فإنه ينقص.
أريد أن يزيد إيمانك كل يوم، تقرب إلى الله بما تستطيع، ولا تغتر بالعمل اليسير، ولا تكثر التشدق بالإنجازات، لأنَّ هذا قد يورث العجب والفرح بالعمل والاشتغال بالنعمة عن المنعم، مثال ذلك:
تجد أن الأخ إذا وجد نفسه مقيماً للصلوات في الجماعة، وقام ليلة أو ليلتين، ظن نفسه من أولياء الله الصالحين، وهذا قد يبتلى بترك العمل، لأنه لم يشكر النعمة وإنما نسب الفضل لنفسه، ولذلك كان المؤمنون هم أكثر الناس وجلاً، فليس الشأن في العمل وإنما في قبوله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [سورة المؤمنون: 60]. فالاغترار بالعمل القليل اليسير، وكثرة الكلام عن الأعمال التي يقوم بها، هذا دليل أنه لن يكمل، ولن يتم فاستر نفسك.
قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: "ولله در أبي مدين حيث يقول: ومتى رضيت نفسك وعملك لله، فاعلم أن الله عنك غير راضٍ، ومن عرف نفسه وعرف ربه علم أن ما معه من البضاعة لا ينجيه من النار، ولو أتى بمثل عمل الثقلين".
نعم الذي يرى نفسه مؤمناً خالصاً فهذا معجب مغتر بنفسه، لابد أن ترى دائمًا نفسك بعين النقص والعيب، لابد أن تنكس رأسك وتذل لله.
ولله المثل الأعلى: فأنت تعرف أنَّ الولد إذا رضي عن نفسه في علم من العلوم يبدأ يهجر مدارسته، ثمَّ بعد هذا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وقد يرسب في هذه العلم، بسبب تهاونه وعجبه.
وهذه قضية الأمن على الإيمان، وقد قال الله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [سورة الأعراف: 97-99] فلا تأمن، فإنَّ إبراهيم الخليل عليه السلام لم يأمن على توحيده، بل ابتهل إلى ربه وقال {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام} [سورة إبراهيم: 35].
إخوتاه..
من طرق العلاج:
خامساً: عدم التسويف.
فمن مظاهر عدم الجدية في الالتزام كثرة الوعود والأماني مع التسويف، فتجد المرء منَّا يمني نفسه، تقول له: احفظ القرآن. فيقول: سأحفظ إن شاء الله عندما أجد الوقت. وبطبيعة الحال لا يجد الوقت فهو مهموم دائماً، يقول: عندما أنتهي من الدراسة سأتعلم العلم الشرعي، وأتفرغ للدعوة إلى الله، ثمَّ يدخل الجيش فيقول: عندما أنتهي من هذه الفترة الشاقة سأصنع ما أريد بإذن الله، ثمَّ تنتهي مدة الجيش فيبدأ في البحث عن العمل، ثمَّ يقول: لابد أن أتزوج، فيظل مهمومًا بأمر الزوجة والبحث عنها، ثمَّ يجدها فيهتم بأمر الشقة وتجهيز المنزل، ثمَّ يتزوج فيبدأ في السعي لتحسين وضعه الاجتماعي، ثمَّ يرزق بالأولاد فيظل مهموماً بأمورهم هكذا دواليك.
والعجيب أنّك قد تجد رجلاً من هؤلاء في النهاية قد رضي بهذا الضنك، ويقول: هذه سنة الحياة!!
سنة الحياة أن تعبد الدنيا وتنسى أمر الآخرة!! سنة الحياة أن تهجر الطاعات من أجل الهوى والشهوات!!
إخوتاه..
بسيف التسويف قُتل أناس كثيرون، فالتسويف رأس كل فساد، فمن أجَّل الطاعات لغد وبعد غد لا يلبث أن يتركها بالكلية، فالشيطان يسول له، ويمنيه، ويغريه بطول الأمل، والموت يأتي بغتة، والقبر صندوق العمل.
في قصة الثلاثة الذين خلفوا، كان كعب لديه المال، يقول كعب بن مالك: «فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع، ولم أقض شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه. فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئاً، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا، وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أنِّي لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء»[4].
وهكذا في نهاية المطاف وجد نفسه في وسط المنافقين، وهذا من جراء التسويف.
إخوتاه..
الحذر الحذر من التسويف، وطول الأمل، قبل فجأة الموت، وحسرة الفوت.
يا من تعمل في أعمال محرمة، إياك أن تسوِّف، فقد تموت قبل أن تتخلص منه، هيا الآن، لا تؤجل، لا تعطل، واتخذ هذا القرار الحاسم في حياتك فهذا دليل توبتك حقاً، لا أن تتشدق بالأوهام.
يا من يريد حفظ القرآن قل: سأبدأ حفظ القرآن اليوم، كل يوم ربع أو ربعين، وتلزم نفسك بذلك إلزاماً صارماً، ولا تتهاون في عقاب نفسك إن قصرت، وإلا فستصبح من أصحاب المظهرية الجوفاء الذين يكثرون من الوعود والأماني.
إخوتاه..
من طرق العلاج:
سادساً: أخذ الدين بشموليته.
فمن مظاهر عدم الجدية في الالتزام الاكتفاء ببعض الجوانب في الدين دون الشمولية، وقد قال الله {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} [سورة البقرة:208]، فكثير من الملتزمين يدخل في الدين، ويلتزم ببعض الجزئيات التي أحبها في الدين، وقد يكون ذلك هوى، فليس الهوى في فعل المحرمات، بل وفي فعل الطاعات أيضاً، قال الله تعالى لنبيه داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة ص: 26]، وقد كان هواه في العبادة.
فملاحظة الشمولية في الدين أمر ضروري، فإنني أريدك متكاملاً في جانب العبادة صوام قوام ذكار لله تتلو القرآن، فتصبح ذا شخصية متألهة متنسكة، وعلى الجانب العلمي فأنت طالب علم مجتهد، حافظ للقرآن، ذو عقل وفكر نير واستيعاب شامل، وفي الجانب الدعوي في نشاط متقدم، سرعة واستجابة، وعدم رضا بالواقع، وتفكير متواصل في الطرق الشرعية لتحويل وتغيير مجرى الحياة، ذو تأثير ملحوظ في المحيط الذي تعيش فيه، كما قال الله تعالى في وصف نبيه عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} [سورة مريم: 31].
إخوتاه..
هذه هي الشخصية التي نبحث عنها، هؤلاء هم الرجال الذين يحق أن يمكن لهم في الأرض، أما الرضا ببعض جوانب الدين، وتقسيم الدين إلى لباب وقشور، فهذه بدعة منكرة جرت من ورائها تنازلات كثيرة، وشقت الصف لا جمعته.
تجد بعض الشباب رضي بالجانب العلمي وترك باقي الجوانب، تقول لأحدهم: لماذا لا تقوم الليل؟!
فيقول: طلب العلم يستحوذ على كل وقتي.
وأنا أعجب من هذه التفرقة التي لا أصل لها، من قال أنَّ علماء السلف تركوا الاجتهاد في العبادة والدعوة من أجل طلب العلم؟!!
وتجد آخرين لا همَّ لهم إلا الدعوة، يتجولون على الناس لدعوتهم وربطهم بالمساجد، وهذا في حد ذاته جيد، لكن دعوة بدون علم، هذا سرعان ما ينقلب على عقبيه، لأنه لم يفهم دينه، فربما يستجيب مرة أو مرتين بسيف الحياء، أو بفعل تحمس مؤقت، ثمَّ بعد ذلك لا تجده.
وآخرون ارتضوا من الدين بالعبادة فلا تعلموا ولا دعوا، فمن أين لهؤلاء بهذا؟!!
إخوتاه..
الدين كلُُ واحد، لا يصلح فيه الترقيع {ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} [سورة البقرة: 208]، أي جملة واحدة بجميع جوانبه، ولابد أن توزع طاقاتك من أجل خدمة هذه الجوانب الثلاثة، علم وعمل ودعوة، ومتى ضاع منك الوقت دون أن تثمر شيئًا في هذه الجوانب فاعلم أنَّ هذا من الخذلان، وأنَّ هذا لا يكون إلا بكسبك، فينبغي أن تتوب سريعاً، وإلا فمن يدريك أن الموت لن يكون أسرع مما تتوقع، وعلى هذا نتعاهد ونتواصى، وليأخذ كل منكم بيد أخيه، فإنها النجاة.
إخوتاه..
سابعاً: التعاهد على الثبات حتى الممات.
فمن مظاهر عدم الجدية التفلت من الالتزام لأول عارض، فمن أول شبهة أو أول وارد من شهوة يتفلت، وسرعان ما تتتابع التنازلات، مرة ترك النوافل، ثمَّ مرة ترك الجماعة، بدأ يترك رفقة الصالحين، وفي الملتزمات تجدها تتنازل يوم عرسها فتخلع الحجاب، لماذا؟ لأنه يوم الزفاف ولا حرج، أو تتنازل فتتزوج من غير الملتزمين، وهكذا، تبدأ في خلطة غير الملتزمات، تبدأ في مشاهدة التلفاز، تبدأ في الاختلاط بالرجال، ثمَّ لا تسل بعد ذلك أين هي الآن؟!!
إخوتاه..
يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/140): "وقال لي شيخ الإسلام ابن تيمية ـرضي الله عنه- وقد جعلت أُورد عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضج إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات أو كما قال".
يقول ابن القيم: "فما أعلم أنِّي انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك".
وهذا هو السبيل، فلا تكن خفيفاً، قال الله تعالى: {وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} [سورة الروم: 60]، ولهذا من يتأثر بأدنى شبهة فهذا لا يقين عنده، وأهل العلم واليقين هم الذين يثبتون، فلهذا أقول لك: لا تقف مع الشبهات، وخذ بنصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»[5].
فلا تلتفت -أخي- لكل شبهة ولكل شاردة وواردة، مثلاً: الأخ بعدما أعفى لحيته يأتي الاختبار والبلاء فيجد من يقول له: من قال أنَّ اللحية فرض؟ اللحية سنة؟ أو هي من العادات؟ وفلان وفلان قال ذلك.
فالخفيف الذي لم يفقه سرعان ما يلتبس عليه الأمر، ومع أول مضايقة يفر، وهذا يعني عدم الإخلاص وعدم اليقين، وأصل كل المشاكل الإيمانية يدور حول هذين الأمرين، لذلك أقول لك: لابد أن تتعلم أولاً، ثم تعمل بما تعلم، ثمَّ تدعو إلى ما وفقك الله له.
قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [سورة العصر: 1-3].
إخوتاه ..
كثيرًا ما أحزن عندما تنتشر بعض الأقاويل الباطلة، وعندما ينفث أعداء الدين بشبهاتهم، فتجد بعض الإخوة متخبطاً، يقول لك: ماذا أصنع؟! كيف نرد عليهم؟!! أن تسأل هذا جيد، ولكن متى تقف على أرض صلبة، متى تفهم عن الله؟ متى لا يتسرب إليك الشك سريعاً عند كل شبهة؟
هذا ما يورث الفتور وعدم الجدية، فبهذه النفسيات لا يمكن أن يمكن لنا، لذلك لابد من أن نقف على أرض صلبة، لابد أن نثبت على الدين وإن قويت الرياح، لا نتزعزع، لا تكن انهزامياً.
مثلًا: تجد من يعمل في ساعة مبكرة من النهار يضيع منه الفجر مرة فأخرى، ثمَّ يبدأ يتنازل وتجده يقول: لا يمكن أن أستيقظ للفجر، فإذا أراد أن ينام يضبط المنبه على ميعاد العمل، وينسى صلاة الفجر، وأخشى أن يكون هذا إصراراً على تضييع الصلاة في وقتها، فيكون هذا نذير شرك والعياذ بالله.
أنا أريدك موقناً بما في يد الله، أريدك موقناً بأنَّ الله هو الرزاق، أريدك إذا عصفت الرياح قوياً تفهم سنن الله الكونية، وتصبر على البلاء حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
بعض الإخوة إذا أصابه شيء من القهر يجزع سريعاً، وآخرون يقعون في أول اختبار في شهوة، فإذا فتحت عليه الدنيا شيئاً ما نسي ما قدمت يداه، فأين الثبات على الدين؟ أين الاستقامة على شريعة رب العالمين؟
إخوتاه..
إنَّ هؤلاء الذين يتفلتون من الالتزام لأول عارض شبهة أو أول وارد شهوة يضيعون قبل ورود العوارض والموارد، لأنهم مهيؤون نفسياً للوقوع والسقوط.
والعلاج هو اليقين، هو الثبات حتى الممات، هو العقيدة الصحيحة الصلبة، والمنهجية في العلم والعمل والدعوة، وهذا يحتاج إلى صبر وتحمل، ولا يكون ذلك كله إذا لم يخلص العبد في الاستعانة بربه تبارك وتعالى فالزم.
إخوتاه..
من طرق العلاج أيضاً
ثامناً: عدم إكثار الشكوى وتضخيم المشاكل
فمن مظاهر عدم الجدية في الالتزام: كثرة الشكوى وتضخيم المشاكل وإيجاد المبررات، فدائمًا وأبداً شكّاء، لا يرضى، وكل مشكلة صغيرة يضخمها، وهذا من البطالة وعدم الجدية.
وآخر صاحب منطق تبريري، فلا يريد أن يواجه نفسه ويلقي باللائمة عليها، بل يتذرع ويعلل ويبرر، وهو يدري أنَّه على غير الحق.
ومنهم: من إذا التزم بالدين صار عالة على الدعاة، ولسان حاله يقول: أنا صنعت ما قلتم لي، فعليكم أن توجدوا لي الحلول لكل مشكلاتي، وهل لما ألتزمت ألتزمت من أجل فلان وفلان أم ابتغاء وجه رب العالمين؟!
فإذا كنت كذلك فتعلّم: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»[6]. لا تكثر الشكوى خوفاً أن تتسخط على قدر الله، وتلك بلية عظيمة أعيذك بالله أن تقع فيها.
أريد أن تتعلم أن تلجأ إلى الله، لا تتوكل على أحد سوى الله، والله هو القادر على أن يدفع عنك {إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواْ} [سورة الحج: 38].
إخوتاه ..
كثرة الشكوى وتضخيم المشاكل وإيجاد المبررات سبيل للنكوص ولابد، واستصحب دائماً هذه النصيحة النبوية الذهبية: «واستعن بالله ولا تعجز»[7]، «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجَفَّت الصحف».
نصيحة أخيرة:
أريد بعد هذا كله أن أسألكم سؤالاً حتمياً، وأرجو أن يجيب كل واحد منكم نفسه بصدق:
هل أنتم جادون في طلب الخلاص مما أنتم فيه؟ وما الدليل على هذا؟!!
كما قلت لكم من قبل: وقفة جادة مع النفس، والتزام بمنهج واضح في العلم والعمل والدعوة، واعتبار ذلك فرضاً حتمياً لا ينبغي الحيد عنه، وقفة لا تقبل التأجيل، وقفة من الآن.
قل لنفسك: منذ متى وأنا ملتزم فماذا قدمت لدين الله؟!
هل أنا أعمل لله أم من أجل نفسي؟!
ثمَّ بعد أن تمحص نيتك لا تفتر، ولا تقنط، بل عليك أن تسعى في العلاج بقوة، انتهز أوقات النشاط في مضاعفة الطاعات.
وهذا منهج تربوي عليك أن تبدأ به:
1- احفظ كل يوم ولو عشر آيات، وارتبط بمقرأه لتتعلم أحكام التلاوة، وإذا كنت أتقنتها فحافظ عليها من أجل أن تكون من القوم الذين يجتمعون في بيوت الله لتلاوة القرآن ومدارسته، فتحفهم الملائكة وتنزل عليهم السكينة ويذكرهم الله فيمن عنده.
2- حافظ على أذكار الصباح والمساء، وأكثِر من الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل.
3- حافظ على درس علم أسبوعي.
4- لابد أن يكون لك حظ من الليل، وابدأ الآن بركعتين خفيفتين، ثمَّ ابدأ في الزيادة شيئاً فشيئاً، ولا يلهينك الشيطان عن هذا الورد، إن لم تكن تحفظ فامسك بالمصحف وصلِّ، واعتيادك ذلك سيكون عوناً لك على الحفظ بإذن الله، لأنَّ القراءة من حفظك لها شأن آخر.
5- امكث في المسجد بعد صلاة الفجر إلى أن تشرق الشمس، وصل ركعتي الضحى لتكتب لك كل يوم أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
وإن لم توفق لذلك فاجلس بين المغرب والعشاء لتنتظر الصلاة بعد الصلاة فإنها من أعظم الكفارات، وترفع بها الخطايا وتعلي الدرجات.
وهكذا ابدأ في زيادة الطاعات والقربات لتحصن نفسك، أما إذا لم يؤثر فيك كل ذلك، وإذا لم تجد من نفسك القوة والرغبة والإصرار على بذل الجهد لله، فاعلم أنَّ قلبك مات فادعُ الله أن يردك عليك قلبك المطموس.
إخوتاه..
انظروا لحال السلف الصالح، وكيف كانت أشواقهم تطير بهم إلى طاعة الله تعالى، كيف كانوا يتغلبون على الفتور والكسل بالشوق والخوف.
يقول ابن القيم في كلام غال ثمين لو تأملته: "إذا جنَّ الليل وقع الحرب بين النوم والسهر، فكان الشوق والخوف في مقدمة عسكر اليقظة، وصار الكسل والتواني في كتيبة الغفلة، فإذا حمل الغريم حملة صادقة هزم جنود الفتور والنوم فحصل الظفر والغنيمة، فما يطلع الفجر إلا وقد قسمت السهمان وما عند النائمين خبر "[8].
فأين شوقك لرضا الله؟ أين وجل قلبك وقد أمهلت كثيراً، وما نهاية ذلك إلا سوء الخاتمة؟ فلماذا تأكلك الغفلة؟ لماذا صرت أمير الكسل؟
إخوتاه..
إننا نحتاج إلى إخوة جادين في كل شؤون حياتهم، تبدو عليهم تلك السمات في أفعالهم، جادين في تفكيرهم، الهم الأول عندهم هو الدين، ثمَّ تأتي سائر الهموم بعد ذلك، فلا شيء يقدم على دين الله.
في صحيح البخاري عن الأسود بن يزيد النخعي قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته، قالت: «كان يكون في مهنة أهله- تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة»[9].
فهكذا فقس نفسك، هل إذا قيل لك: حي على الصلاة، حي على العمل الصالح، حي على حضور درس العلم النافع، حي على الإنفاق في سبيل الله، فما بالك حينها؟!
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة التوبة: 38-39].
إخوتاه..
يخيل إليَّ أنني لو راجعت كل واحد منكم فسرد لي قائمة اهتماماته لاستحييت من ذكرها، أمور تافهة لا قيمة لها تشغل تفكيرك، وربما تحول بينك وبين الله، ونحن موقنون أنَّ الله يعلم السر وأخفى، وأنَّ الله عليم بذات الصدور، ولكن رفع الحياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أين حياؤك من الله العزيز القهار؟! أين وجل قلبك من العلي الكبير المتعال؟!
إنه لو قدر لبشر أن يعرف ما بداخل صدر أخيه لوقع الجميع في حرج شديد، فما بالك تستحيي من الناس ولا تستحي من الله وهو معك!!
فابدأ -أخي- من الآن إجراء هذه العملية الضرورية، عملية تطهير للأفكار، نريد جدية في الاهتمامات، إن بعضنا يكاد يقتل نفسه من كثرة التفكير، يفكر في وضعه بين الناس، كيف يفكر الناس فيه؟! ماذا يقول الناس عنه؟! ولعله لم يخطر للناس على بال، ولو شغل نفسه بحاله مع الله لكفاه، حينئذٍ عليك أن تردد في نفسه: ماذا أنت فاعل بي يا غفار الذنوب؟ وما اسمي عندك يا علام الغيوب؟
لا تهتم كثيراً بالناس، فأصلح ما بينك وبين رب الناس يكفك أمر الناس.
تجد بعضهم يقع في مشكلات نفسية وعندما تفتش عن الأسباب تجدها أمور تافهة، وهذا حال أهل البطالة سافِلوا الهمة، فإنَّ النفوس العلوية لا تنظر لمثل هذه السفاهات، وإلا أخلَّ ذلك بها، لكنه فراغ القلب من الله.
أما أهل الهمة العالية، والجادون في التزامهم فإنهم مشغولون بأمور أخرى، مشغولون بحفظ القرآن، بالدعوة إلى الله، بكيفية إصلاح فساد قلوبهم، مشتاقون لسجدة يقبلها الله منهم، مشتاقون لتسبيحة يشعرون معها بحلاوة الإيمان. هذا شأن عباد الله الصالحين، فمن أي الفريقين أنت؟!
إخوتاه..
منذ كم عام وأنت ملتزم؟ فماذا صنعت؟ هل ذقت حلاوة الإيمان أم لم تشعر بها بعد؟
هل تنقّ قلبك في رياض الإيمان فشعرت بالسعادة الحقيقية؟ واحسرتاه على من قضى عمره في وهم كبير شيّده في ذهنه، ووضع له السياج اللائق به، فكذب على نفسه، ثم استمرأ الكذب فخادع نفسه، فصدق كذبه!!
وإن أخشى ما أخشاه أنْ يكون التزامك هذا وهماً، ولا أراني أشعر بأفعال تطيح بهذا الهاجس المقلق من نفسي على شباب الصحوة!!
هذه -إذًا- قضيتك الأولى، هل أنت ملتزم أم لا؟ هل اعتاد لسانك الذكر فصار رطباً منه؟ هل اعتادت جوارحك القيام بأداء حقوق الله فصرت تشعر بالوحشة إذا لم تؤدِ شيئاً يسيراً منها؟ إنَّه إدمان الطاعة، حينها تجد الرجل يقول: الصلاة صارت تجري في دمي، لا أستطيع أن أترك ورد القرآن، أشعر بأنِّي لا أتمالك نفسي، وهكذا ساعتها تعيش الإسلام لأنه يعيش فيك، فتحفظ من التفلت والانتكاس.
إخوتاه..
تبدو أوضح مظاهر الجدية في التعامل مع الأوقات، كثير من الناس يشتكون من قلة الوقت، وضيق الوقت، وهذا دليل على عدم الجدية.
يقول ابن القيم في تعريف اليقظة: "هي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، وهي على ثلاثة مراتب:
(1) لحظُ القلب إلى النعمة على اليأس من عدها، والوقوف على حدها، ومعرفة المنة بها، والعلم بالتقصير في حقها.
(2) مطالعة الجناية على التخلص من رقها، وطلب التمحيص بها، والثبات على التوبة بعدها.
(3) معرفة الزيادة والنقصان من الأيام، فيلتزم الضنّ بباقيها، وتعمير تالفها، واستدراك فائتها".
هنا محل الشاهد، فهذا هو الملتزم الحق، الذي دفن جاهلياته، وشمَّر عن ساعد الجد لاستدراك ما فاته طيلة عمره.
وسنة الله الكونية على أنَّه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، فالطالب في الكلية عندما يلتزم يندم على أيام ثانوي، والذي يتخرج يندم على أيام الجامعة، والذي يتزوج يندم على أيام قبل الزواج، وهكذا.
فاليوم الذي يذهب لا يأتي مثله، مصداق ذلك حديث أنس بن مالك في البخاري مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» [10].
فانتبه إلى الجدية في التعامل مع الأوقات، لا تضيع وقتك فيما لا ينفعك غداً، كل نفس من أنفاسك محسوب عليك.
الإمام ابن عقيل الحنبلي شيخ ابن الجوزي يقول: "أنا لا أحل لنفسي أن تضيع لحظة من عمري، فأنا إما أكتب، وإما أقرأ، وإما أطالع، وإما أدرس، وإما أصلي، وإما أذكر، أو أتذاكر حتى إذا تعبت فأرقد على جنبي وأسرح بخيالي في مسائلي فإذا عمت لي مسألة قمت وكتبتها".
وهذا الإمام أبو حنيفة في سياق الموت وتلاميذه حوله قال: "هلم مسألة، تعالوا نتدارس مسألة. قالوا: وفي مثل هذه الحال. قال: لعله ينجو بها ناج".
ولن تعدم الوسيلة، تحفظ القرآن، تقرأ في كتب العلم، تسمع شريطاً، تخرج في زيارة لشيخ، أو زيارة لمكتبة، أو زيارة لشخص تدعوه إلى الله.
إخوتاه
أخيراً عليكم بالاقتصاد في الهزل والمزاح.
فلقد صار الهزل وكثرة الضحك شعار الشباب في هذه الأيام، وليست المشكلة في الدعابة اليسيرة، والمزاح القليل الذي لا يخرج عند حدود الأدب، وإنما في هذا الإفراط والمبالغة حتى أن بعض الشباب يقلب أكثر المواقف جدية إلى هزل وفكاهة، والذي لا يصنع هكذا يتهم بأنه مصاب بالجمود والانغلاق …الخ.
آهٍ … للأسف الشديد ونحن في ذلة وصغار واستضعاف صرنا نعبث ونلهو حتى كأن العصر هو عصر الهزل، والآن هناك أماكن مخصصة للضحك، مسرحيات بالساعات للضحك واللهو والعبث، وكل ذلك بالكذب.
أين الجد في حياتنا يا شباب الإسلام؟
الذي يحلق ببصره ويطوف شرقاً وغرباً ليرى حال المسلمين لا يمكن أن يكون هذا حاله.
قال أبو الدرداء الصحابي الجليل: "أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث، فقال: أبكاني رجل ضاحك ملء فيهِ وهو لا يدري أرضي الله عنه أم سخط".
وبعد
اسأل الله العلي الكبير أن تكون هذه الرسالة سبيلاً للمؤمنين للرجوع إلى الجادة، ونفض هذا الغبار الذي لطخهم، لنتعاون سوياً لنصرة دين الله تعالى.
وما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم بالله وأنساه، فاللهم اجعل كلامنا هذا حجة لنا لا علينا، واربط على قلوبنا، وعُمّنا برحمتك أنت أرحم الراحمين.
----------------
[1] أخرجه مسلم (107) كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
[2] أخرجه الترمذي (2516) كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله.
[3] السُّرى: سير عامة الليل. وهو مثل يضرب في الرجل يحتمل المشقة من أجل الراحة، وقيل: إن خالد بن الوليد هو أول من قاله.
[4] متفق عليه. أخرجه البخاري (4418) كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، ومسلم (2769) كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه.
[5] متفق عليه. أخرجه البخاري (52) كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم (1599) كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات.
[6] تقدم تخريجه.
[7] جزء من حديث أخرجه مسلم ( 2664) كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله.
[8] بدائع الفوائد (3/752)
[9] أخرجه البخاري (676) كتاب الأذان، باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج.
[10] أخرجه البخاري (7068) كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه.
وكتب
محمد بن حسين بن يعقوب
غفر الله له ولأهله وأحفاده والمسلمين أجمعين
المصدر: منقول