حياة القلب في الصلاة!
تأمّلت في صلاتنا وحال كثير من المصلين؛ فوجدت رابطة وثيقة بين تضييع الصلاة بكل معانيها وبين حال الأمة وما تحياه من أزمة، بل أزمات: اجتماعية، وأخلاقية، وهزيمة نفسية، وحربية.. إلخ.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد تأمّلت في صلاتنا وحال كثير من المصلين؛ فوجدت رابطة وثيقة بين تضييع الصلاة بكل معانيها وبين حال الأمة وما تحياه من أزمة، بل أزمات: اجتماعية، وأخلاقية، وهزيمة نفسية، وحربية.. إلخ.
وكذلك حال الفرد في صلاته مرتبط بصلاح حاله وسلوكه؛ فكلما أحسن المرء في صلاته حسن حاله وسلوكه، والعكس بالعكس.
وقد تتساءل: وكيف ذلك؟!
أقول لك: إن الصلاة منهج حياة.. إن الصلاة أعلى مراتب العبودية.
الصلاة الخاشعة سبب لفلاح العباد في الدنيا والآخرة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الصَّلاَةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ فَلْيَسْتَكْثِرَ» (رواه أحمد والطبراني، وحسنه الألباني)، وقال: «والصَّلاةُ نُورٌ» (رواه مسلم)، نور للعبد في الدنيا والآخرة.
تعال معي نمرُّ على معاني الصلاة مروراً سريعاً.
إن وقوف العبد بين يدي ربه مستسلماً متطهراً متوجهاً بقلبه وبدنه إلى ربه يدخل الصلاة مكبراً لربه: الله أكبر.. فالله أكبر من كل شيء، وأمره أكبر من أمر كل شيء، ثم يفتتح الصلاة بالاعتراف بالذنب وطلب المغفرة: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ» (متفق عليه).
تُرى: لو عقل العبد هذه المعاني.. هل تراه بعد ذلك يتعمد ذنبًا ويُصِرُّ عليه؟!
ثم يستعيذ بالله من الشيطان، ثم يقرأ الفاتحة التي هي "أم القرآن"؛ لجمعها معاني الإيمان والتوحيد مِن حمد الله والثناء عليه، وتمجيده، وإفراده بالعبادة والاستعانة، والإقرار باليوم الآخر، مالك يوم الدين، ويسأل ربه الهداية والهداية فقط؛ الهداية لطريق الأنبياء والمؤمنين، وأن يجنبه طريق المغضوب عليهم والضالين مِن: اليهود، والنصارى، ومَن شابههم.
ثم بعد قراءته يُكبّر راكعاً مُنحنِياً لربه قائلاً: "سبحان ربي العظيم".. ألا يجب على العبد أن يفهم هذا التمجيد لله، وهذا الركوع والخضوع ببدنه، والتعظيم بلسانه أن ربه العظيم يحب أن يخضع عبده له في كل شيء، وألا يقدِّم هواه ورأيه وعقله على ما شرعه لعباده؟!
عجباً لمن يُصلِّي ثم يخرج بعد ذلك من صلاته يُقرُّ بغير شرع الله، ويحرص على مخالفة أمر الله..! هذا لم يُصلِّ حقاً!.
تأمّل الرفع من الركوع بالحمد والثناء لله وحده.. «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الأَرْضِ وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» (متفق عليه).
ثم يخرّ ساجداً لله.. لله قد وضع أشرف ما فيه وأشرف ما له أنفه، وجبهته في الأرض لله تذللاً وخضوعاً واستكانة وفقراً، قائلاً: سبحان ربي الأعلى -لو بذل للمسلم الأموال الطائلة على أن يسجد لغير الله لأبَى- السجود فيه علاج للنفس البشرية مِن الكِبر والعجب والخيلاء، يتعلم فيه العبد التواضع لله والانكسار الذي يستلزم التواضع والإحسان لعباده.
ثم هو في صلاته يشهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ويصلي ويسلم عليه، هذه الصلاة وتلك المعاني الرائعة التي فيها هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: من الآية 45].
وبقدر نقص المصلِّي عن إدراك هذه المعاني بقدر نقص النهي عن الفحشاء والمنكر، إذن العيب في أداء العبد وفهمه، وليس في الصلاة.
إذن الصلاة:
- فيها: كمال العبودية.
- فيها: الثناء على الله بأسمائه وصفاته.
- فيها: البراء من الكفر وأهله.
- فيها: الاعتراف بالذنب.
- فيها: التوكل والتواضع.
- فيها: التبرؤ من الحول والقوة إلا بالله.
- فيها: الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
- فيها: الخضوع والانقياد، والاستسلام والتذلل لله سبحانه.
- فيها: الشهادة لمحمد بالرسالة صلى الله عليه وسلم.
أليس ذلك منهج حياة للمسلم بأن يعلم بأن له ربّاً وإلهاً يملك الكون ويُدبّره؟!
لو عقل العبد هذه المعاني في صلاته؛ لخرج منها بشكل آخر ونور جديد، وخضع لربه في سائر حياته، وما تجرأ على نصوص الوحي بالإبطال والمخالفة الصريحة تارة، والتعطيل والتحريف تارة؛ فالصلاة منهج حياة لإصلاح العبد عقائديًا، وروحيّاً، وسلوكيّاً، وأخلاقيّاً ومنهجيّاً.
نسأل الله أن يجعلنا من مقيمي الصلاة.
- التصنيف: