«الناس معادن»

منذ 2014-05-19

حديثٌ رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقِهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه».

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقِهوا» (رواه البخاري: [3383]، ومسلم: [2638] واللفظ له).

حديثٌ رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقِهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه».

ومعنى هذا اللفظ كما ذكر -الحافظ ابن حجر- في كتابه (فتح الباري): قوله: «تجدون الناس معادن» أي: أصولًا مختلفة. والمعادن جمع معدن، وهو الشيء المستقر في الأرض، فتارةً يكون نفيسًا وتارةً يكون خسيسًا، وكذلك الناس.

قال المناوي- في كتابه (فيض القدير) نقلًا عن الرافعي قوله: "وجه الشبه أن اختلاف الناس في الغرائز والطبائع كاختلاف المعادن في الجواهر، وأن رسوخ الاختلاف في النفوس كرسوخ عروق المعادن فيها، وأن المعادن كما أن منه ما لا تتغير صفته فكذا صفة الشرف لا تتغير في ذاتها، بل من كان شريفًا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس، فإن أسلم استمر شرفه فكان أشرف من أسلم من المشروفين في الجاهلية، ثم لمَّا أطلق الحكم خصّه بقوله «إذا فقِهوا» بضم القاف على الأجود ذكره أبو البقاء أي صاروا فقهاء ففيه إشارةٌ إلى أن نوع الإنسان إنما يتميز عن بقية الحيوان بالعلم، وأن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالفِقه، وأنه الفضيلة العظمى والنعمة الكبرى.

فضل الفقه في الدين:

قال العلَّامة العثيمين رحمه الله:

فيا أيها الناس! اتقوا الله تعالى.. اتقوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم - تفقَّهوا في دينكم في عقائده وأحكامه فإن «مَن يُردِ اللَّهُ بهِ خَيرًا يُفقِّهُّ في الدِّينِ»[1] تعلَّموا شرائع الله لتعبدوا الله على بصيرةٍ وتدعوا إليه على بصيرة، فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..

أيها الناس! تفقَّهوا في دين الله اطلبوا علم شريعة الله.. فإن العلم بذلك نورٌ وهداية، وإن الجهل بذلك ظلمةٌ وضلالة، اطلبوا العلم فإن العلم مع الإيمان رِفعةً في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة من الآية:11].

اطلبوا العلم فإنه ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: «إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا» (أخرجه مسلم، والترمذي، وأبي داود، وابن ماجة). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّا معاشر الأنبياء لا نُورَّث» (قال عنه الإمام ابن حجر العسقلاني وغيره: "صحيح على شرط مسلم")..

ولكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما ورَّثوا العلم فـ «من أخذه أخذ بحظٍ وافر» يعني من ميراثهم اطلبوا العلم فإنه ذخر لكم في الحياة وبعد الممات قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ. أو علمٍ ينتفعُ به. أو ولدٍ صالحٍ يدعو له».

اطلبوا العلم يكن لكم لسان صدقٍ في الآخرين، فإن آثار أهل العلم تبقى بعد فنائهم.. فالعلماء الربانيون لم تزل أثارهم محمودةً، وطريقتهم مأثورةً، وسعيهم مشكورًا، وذكرهم مرفوعًا، إن ذُكِروا في المجالس امتلأت المجالس بالثناء عليهم، والدعاء لهم، وإن ذُكِرَت الأعمال الصالحة والآداب العالية كانوا قدوة الناس فيها {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام من الآية:122]، لا والله لا يستوي هذا وهذا لا يستوي من مات فأحياه الله بذكره وعلمه، وجعل له نورًا يمشي به في الناس، ومن كان في الظلمات منغمِسًا فيها غير قادر على الخروج منها.. لجهله بشريعة الله فهو في الظلمات ليس بخارجٍ منها..

أيها الناس! اطلبوا علم شريعة الله مُبتغين به الأجر من الله عز وجل لا لتنالوا عرضًا من الدنيا، فإن من تعلَّم عِلمًا مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلَّمه إلا ليصيب عرضًا من الدنيا - «لم يجد عرف الجنة يوم القيامة»[2] أي لم يجد ريحها لأنه ابتغى الدنيا بما تبتغى به الآخرة..

وكل إنسان قصد الدنيا وابتغاها بما تُقصد به الآخرة وتُبتغى به - فقد تحيل أو فقد أراد أن يتوصل بالأعلى إلى الأدنى ولذلك قال الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15-16]..

أيها الناس! اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن أنفسكم، فإن الله تعالى قال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78]، السمع تسمعون ما يُلقى إليكم، والأبصار تُبصِرون ما يُكتب لكم، والأفئدة تعقِلون بها ما يُلقى عليكم..

ولا علم للإنسان إلا بالتعلُّم.. اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن عباد الله - فتنشروا العلم بين الخلق فإن على أهل العلم حق تبليغه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بلَّغوا عنِّي ولو آية» (رواه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لِيُبلِّغ الشاهد منكم الغائب» (رواه البخاري وغيره).

ـــــــــــــــــــــــ

[1]- (قال عنه الوادعي: "صحيح على شرط الشيخين").

[2]- (أخرجه الإمام أحمد في مسنده: [8103]، وأبو داود في سننه - في كتاب العلم: [3179] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

 
 
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 21
  • 3
  • 189,635

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً