الغضب - (9) تفاوت الناس في سرعة الغَضَب

منذ 2014-05-20

الغَضَب في الإنسان بمنزلة نار تشعل، والناس يختلفون فيه، فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود وسريع الخمود، وبعضهم كالغضى بطيء الوقود بطيء الخمود، وبعضهم سريع الوقود بطيء الخمود..

إنَّ طبائع الناس تتفاوت في سرعة الغَضَب ورجوعهم عنه، ويمكن تقسيمها إلى أقسام أربعة:
الأول: بطيء الغَضَب سريع الفيء، أي: سريع الرجوع إلى حالة الهدوء واعتدال المزاج، وهذا خير الأقسام.
الثاني: سريع الغَضَب سريع الفيء، وسرعة الغَضَب خلق مذموم، إلا أنَّ سرعة الفيء فضيلة محمودة، فهذه بهذه.

الثالث: بطيء الغَضَب بطيء الفيء، أما بطء الغَضَب فخلق محمود يدل على الحلم، لكن بطء الفيء خلق مذموم، يدل على الحقد، وعدم التسامح، فهذه بهذه، ويظهر أن هذا القسم معادل للقسم الثاني.

الرابع: سريع الغَضَب بطيء الفيء، وهذا شر الأقسام؛ لأنه جمع الدائيْن معًا، وما اجتمع الداءان إلا ليقتلا، فسرعة الغَضَب خلق مذموم، وبطيء الفيء خلق مذموم، ويا بؤس من تلجئه الضرورة إلى معاشرة هذا القسم من الناس (الأخلاق الإسلامية وأسسها لعبد الرحمن حبنكة الميداني:2/330).

قال الراغب: "الغَضَب في الإنسان بمنزلة نار تشعل، والناس يختلفون فيه، فبعضهم كالحلفاء -الحلفاء: نبت أطرافه محددة كأنها أطراف سعف النخل والخوص، ينبت في مغايض الماء والنزوز (لسان العرب لابن منظور:9/56)-، سريع الوقود وسريع الخمود، وبعضهم كالغضى -الغضى: شجر من الأثل خشبه من أَصْلَب الْخشب وجمره يبْقى زَمَانا طَويلا لَا ينطفىء واحدته غضاة (المعجم الوسيط:2/655)-، بطيء الوقود بطيء الخمود، وبعضهم سريع الوقود بطيء الخمود..

وبعضهم على عكس ذلك، وهو أحمدهم ما لم يكن مفضيًا به إلى زوال حميته وفقدان غيرته، واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة، فمن كان طبعه حارًّا يابسًا يكثر غضبه، ومن كان بخلافه يقلُّ، وتارة يكون بحسب اختلاف العادة، فمن الناس من تعوَّد السكون والهدوء، وهو المعبر عنه بالذَّلول والهيِّن والليِّن، ومنهم من تعود الطيش والانزعاج، فيحتدُّ بأدنى ما يطرقه، ككلب يسمع صوتًا فينبح قبل أن يعرف ما هو" (الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص:345).

غالب من يتَّصف بسرعة الغَضَب:
ذكر بعض العلماء أنَّ أغلب من يتصف بسرعة الغَضَب هم النساء، والصبيان، والشَّرِه، والبخيل، وضعيف النفس من الرجال.. قال الراغب: "أسرع الناس غضبًا الصبيان، والنساء، وأكثرهم ضجرًا الشيوخ.." (الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص:345).


وقال ابن مسكويه: "ونحن نجدها في النساء -أي صفة الغَضَب- أكثر منها في الرجال، وفي المرضى أقوى منها في الأصحَّاء، ونجد الصبيان أسرع غضبًا وضجرًا من الرجال، والشيوخ أكثر من الشبان. ونجد رذيلة الشَّره، فإنَّ الشَّرِه إذا تعذر عليه ما يشتهيه غضب، وشاجر على من يهيئ طعامه، وشرابه من نسائه، وأولاده، وخدمه، وسائر من يلابس أمره، والبخيل إذا فقد شيئًا من ماله، تسرَّع بالغَضَب على أصدقائه، ومخالطيه، وتوجَّهت تهمته إلى أهل الثِّقة من خدمه ومواليه.،وهؤلاء الطبقة لا يحصلون من أخلاقهم إلا على فقد الصديق، وعدم النصيح، وعلى الذمِّ السريع، واللوم الوجيع" (تهذيب الأخلاق، ص:169). 

قال الغزالي: "وتسمية هذا -أي: الغَضَب- عزَّةُ نفس وشجاعة جهل، بل هو مرض قلب ونقصان عقل، وهو لضعف النفس ونقصانها، وآية أنَّه لضعف النفس؛ أنَّ المريض أسرع غضبًا من الصحيح، والمرأة أسرع غضبًا من الرجل، والصبي أسرع غضبًا من الرجل الكبير، والشيخ الضعيف أسرع غضبًا من الكهل، وذو الخلق السيئ والرذائل القبيحة، أسرع غضبًا من صاحب الفضائل، فالرَّذِل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة، ولبخله إذا فاتته الحبة، حتى أنَّه يغضب على أهله وولده، وأصحابه، بل القويُّ من يملك نفسه عند الغَضَب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.." (إحياء علوم الدين:172/3).

  • 1
  • 0
  • 6,440
المقال السابق
(8) نماذج من أحوال الصحابة عند الغَضَب
المقال التالي
(10) ذم الغَضَب في واحة الشعر

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً