الدين المؤجل والمعجل ودين الله ودين الآدمي

منذ 2014-05-20

هل يمنع الدين المؤجل الزكاة؟ أو لا يمنع إلا الدَّين المعجَّل؟

أي هل يمنع الدين المؤجل الزكاة؟ أو لا يمنع إلا الدَّين المعجَّل؟

فيه خلاف بين الفقهاء على قولين:
القول الأول: إن الدَّين المؤجَّل والمعجَّل كلاهما يمنع وجوب الزكاة، وهو مذهب الحنفية [1]، والمالكية [2]، والحنابلة [3]، والشافعية [4].

واستدلوا بما يلي:
1- عموم الأدلة؛ فإنها لم تفرق بين الدين الحالِّ والمؤجَّل [5].

2- أن الدَّين المؤجَّل، وإن كان لا يطالَب به عند وجوب الزكاة إلا أنه يتعلق بذمته، ولو مات أو أفلس حل المؤجَّل [6].

 

القول الثاني: الدين الحالُّ يمنع الزكاة دون المؤجَّل، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن أبي موسى من أصحابه [7]، وهو قول للأحناف، وقيل: رواية عن أبي حنيفة [8]، وهو من توصيات الندوة الثانية لقضايا الزكاة المعاصرة [9].

الأدلة:
1- أن الدَّين المؤجَّل غير مطالب به في الحال [10].

الجواب: جواب هذا الدليل سبق، وهو الدليل الثاني في القول الأول.

ويمكن أن نناقش هذا الجواب بأنه إذا مات أو أفلس، وحل المؤجل، منع الزكاة حينئذ، وأما قبل ذلك؛ أي في حال عدم مطالبته به، فلا يمنع.

2- أثر عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفيه: "فليؤدِّ دَينه"، فإن هذه العبارة يُفهَمُ منها أنه يريد الحالَّ؛ لأن المؤجَّل لا يؤدَّى إلا بعد حلول أجله.

3- يمكن أن يُستدَل لهذا القول بأن حق الله الحالَّ الزكاة أقوى من حق الآدمي المؤجَّل؛ لأن المطالَب به حالاً أقوى من المطالب به آجِلاً.

الراجح [11]:
لعلَّ أقرب الأقوال أن المؤجل لا يمنع وجوب الزكاة؛ لِما سبق من أدلة.
 

دَين الله ودَين الآدمي
على القول بأن دين الآدمي يمنع وجوب الزكاة بقدره، فهل دين الله تعالى؛ كالكفَّارات والنذور ونحوها، يمنع وجوب الزكاة كما في دَين الآدمي أو لا؟ فيها قولان لأهل العلم:

 

القول الأول: يمنع الزكاة كدين الآدمي، وهو مذهب الحنابلة، واختار المجد ابن تيمية، وابن حمدان [12]، وهو مذهب الأحناف، والمالكية، إذا كان دين الله له مُطالِبٌ؛ كدَين الزكاة [13].

واستدلوا بما يلي:
1- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى مات، أفأحج عنها، قال: «نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنتِ قاضيتَهُ؟ اقضوا اللهَ؛ فالله أحق بالوفاء» [14].

2- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: «نعم، فدَين الله أحق بالقضاء» [15].

3- لأنه دَين يجب قضاؤه، فمُنِع كدَين الآدمي [16].

 

القول الثاني: أن دين الله لا يمنع الزكاة، وهو وجه عند الحنابلة، ومذهب الأحناف، والمالكية، إذا لم يكن لدَين الله مُطالِب [17].

واستدلوا بما يلي:
1- أن الزكاة آكد؛ لتعلُّقها بالعين [18].

جوابه: أن في تعلق الزكاة بالعين خلافًا؛ فمن الفقهاء من قال: تتعلق بالذمة، ولا يُستدَل بمسألة هي محل خلاف.

 

2- أن دين الآدمي يتوجه المطالبة به بخلاف دين الله من الكفَّارة [19].

وجوابه: أن هذا الاستدلال لا يرد مع مذهب الأحناف والمالكية؛ لأنهم يشترطون في دَين الله المسقِطِ للزكاة بقدره أن يكون له مطالب من العباد.

وأما على مذهب الحنابلة فجوابه: أن دَين الله وإن كان لا مطالب له، فإنه يجب أداؤه كما تقدَّم.

 

3- أن الكفارة بالمال لها بدل، وهو الصوم، بخلاف الزكاة [20].

جوابه: أن هذا من الاستدلال بمحل الخلاف؛ لأنه لا ينتقل إلى الصوم إلا إذا لم يجد المال، والخلاف هنا هل يقدم الكفارة أو الزكاة حتى يتبين أنه وجد، أو لم يجد المال.

 

الراجح:
الأقرب -والله أعلم بالصواب- أن دين الله يمنع وجوب الزكاة بقدره، ولو لم يكن له مطالبٌ من العباد؛ للحديث الذي ذكروه، والأخذ به أولى من الأخذ بالعلل التي ذكرها أصحاب القول الثاني، على أنه تقدَّم الجواب عنها.

 

_____________________

[1] تبيين الحقائق للزيلعي: [1/254]، فتح القدير: [2/160].
[2] حاشية الخرشي على خليل: [2/447].
[3] كشاف القناع: [2/175]، مطالب أولي النهى: [2/461]، قال السامري في المستوعب [3/197]: "ولم يفرق أصحابنا ولا منصوص إمامنا بين الدَّين الحالِّ والمؤجَّل".
[4] المجموع: [5/344].
[5] الشرح الكبير مع الإنصاف: [6/340]، ونحوه في بدائع الصنائع: [2/9].
[6] حاشية الخرشي على خليل: [2/447]، الفتح الرباني على شرح الزرقاني على خليل: [2/292].
[7] الإنصاف مع الشرح الكبير: [6/339].
[8] فتح القدير: [2/163]، حاشية ابن عابدين: [2/261].
[9] أبحاث وأعمال الندوة الثانية، ص: [504].
[10] الشرح الكبير مع الإنصاف: [6/340]، ونحوه في بدائع الصنائع: [2/9].
[11] يراجع ففي القول الأول قوة ظاهرة.
[12] الشرح الكبير مع الإنصاف: [6/347].
[13] حاشية ابن عابدين: [2/260-161]، فتح القدير: [2/161]، حاشية الخرشي: [2/488]، جواهر الإكليل: [1/134].
[14] أخرجه البخاري: [1852].
[15] أخرجه البخاري: [1953]، ومسلم: [1148] [155].
[16] كشاف القناع: [2/176]، مطالب أولي النهى: [2/462].
[17] المراجع السابقة.
[18] فتح الملك العزيز: [3/37].
[19] فتح الملك العزيز: [3/37].
[20] فتح الملك العزيز: [3/37].

أحمد بن محمد الخليل

أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة القصيم

  • 0
  • 0
  • 4,471

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً