من الحبشة إلى ميانمار، أمتنا بين غثاء الوهن وذُرى العزة!

منذ 2014-05-20

إن نظرة عجلى على الخريطة السياسية لأمتنا منذ حملة نابليون بونابرت قبل قرنين، تؤكد أنها مطابقة لحديث تداعي الأكلة على قصعتها، وهو واقع ازداد قتامة عقب سقوط الدولة العثمانية التي كانت -على ضعفها وعيوبها- تضم أشتات الرقعة الإسلامية بالجملة، وكانت شوكة في حلق الغزاة الصليبيين، ويكفيها فخراً أن مؤامرة الغرب لإقامة كيان صهيوني لليهود على حساب فلسطين وأهلها لم تتحقق إلا بعد تفكيك دولة بني عثمان!

إن الأدلة على نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم تعز على الحصر، ومنها إخبارُه -بما أوحى إليه ربه سبحانه- عن مُغَيّبات وقعت بعد مئات السنين، تماماً مثلما أنبأ عليه الصلاة والسلام، فهو لا ينطق عن الهوى وما يبلغه ليس إلا وحياً من عند الله تعالى.

ومن تلك المغيبات الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده (في مسند الأنصار ورقم الحديث 21832‏) وهو: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك، حدثنا مرزوق أبو عبد الله الحمصي، أخبرنا أبو أسماء الرحبي، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله، أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، تنتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن. قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت» (والحديث صحيح).

سبحان الله! وهل هنالك وصف أدق وتشخيص أشمل من هذه الصورة التي وردت في الحديث الشريف؟
إن نظرة عجلى على الخريطة السياسية لأمتنا منذ حملة نابليون بونابرت قبل قرنين، تؤكد أنها مطابقة لحديث تداعي الأكلة على قصعتها، وهو واقع ازداد قتامة عقب سقوط الدولة العثمانية التي كانت -على ضعفها وعيوبها- تضم أشتات الرقعة الإسلامية بالجملة، وكانت شوكة في حلق الغزاة الصليبيين، ويكفيها فخراً أن مؤامرة الغرب لإقامة كيان صهيوني لليهود على حساب فلسطين وأهلها لم تتحقق إلا بعد تفكيك دولة بني عثمان!

أما في وقتنا الحاضر فالصورة أشد حدة وأقسى وطأة: من فلسطين  السليبة، إلى سوريا النازفة، إلى مسلمي الحبشة المنسيين، ومسلمي ميانمار الذين تتم تصفيتهم جسدياً تحت نظر العالم ومنظماته الكاذبة الخاطئة! ولا ننس العراق الذي غزاه الصليبيون الجدد ثم سلموه ممزقاً مدمراً إلى حلفائهم المجوس الجدد ليعيثوا فيه ومنه فساداً، وليضاف إلى مأساة الأحواز العربية التي قارب عمرها مئة عام والتي سرقها المحتل البريطاني ووهبها إلى إيران (الإمبراطورية).

لسنا نقول ذلك جلداً للذات فنحن أمة أكرمها الله بالدين الحق وحرم عليها اللطم، وأمرها بالجهاد متوكلين على الله عز وجل ثم الأخذ بأسباب القوة بمفهومها الشامل للاستعداد العسكري والعلمي والفكري والاقتصادي.. بل إننا نقف أمام هذا الواقع المرير حرصاً على استنهاض الهمم لتغييره، فالعدو يبذل كل ما في وسعه لاستضعافنا -بل لاستئصالنا لو أمكنه ذلك- ذلك هو المؤكد بالحس والتجربة، إنها من السنن الربانية الماضية فوهننا هزمنا أكثر مما قهرتنا قوة أعدائنا، وذلك ما يقوله النص النبوي الشريف وما تنطق به حقائق التاريخ.

هنا سوف ينبري المثبطون ليقولوا: أفنحارب العالَم كله؟ فاليهود والصليبيون والهنادك والمجوس والبوذيون اجتمعوا على الكيد لنا، فهل من الحكمة أن نعاديهم جميعاً؟ إن هذا منطق تسطيحي ولو أننا كنا من هواة الجدل -لا قدر الله- لقلنا: وما العمل إذاً أنستسلم لهم ونندثر أو نغدو عبيداً لهم؟ غير أن السؤال البارد الذي يتشبث به المنهزمون نفسياً يتعامى عن حقيقة أننا نواجه الأعداء في ديارنا، ولا خيار لنا سوى مجابهتهم بكل طاقاتنا وهي عظيمة لو أصلحنا نياتنا ووجهنا إرادتنا نحو الحياة الحرة الكريمة اللائقة بنا، ووظفنا مواردنا البشرية والمادية الثرية لفائدة النهوض الواجب، وإلا فإن كثرتنا تكون -كما وصف المصطفى- غثاء كغثاء السيل.

انظروا الآن إلى ما فعله عدونا الصفوي في ثلاثين عاماً، وأمعنوا النظر في تهافت معالجاتنا لمأساة ميانمار أو محنة سوريا مثلاً؟ لقد قتلتنا الأنانيات الضيقة وغياب الإستراتيجيات السليمة، بينما يفعل 13 مليون من اليهود لحماية يهودي واحد ما نفعله ونحن مليار ونصف مليار !وإذا كنا اعتمدنا حديثاً نبوياً كريماً في تشخيص حال الأمة، فإننا نختم بتذكير أنفسنا جميعاً بحديث عظيم الدلالة في معالجة الخلل، وقد أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (كتاب البر والصلة والآداب/ باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم: 4791): ‏حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا زكرياء عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». إن ما ندعو إليه فيه العز في الدنيا والنجاة في الآخرة بإذن الله، وأما الوهن فهوانٌ في العاجلة وندامة وخزي في الآجلة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب البر والصلة والآداب.
باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم - حديث:‏4791‏.
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا زكرياء، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». 

  • 0
  • 0
  • 2,297

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً