هل ينبغي للحلم أن يكون صغيرًا؟!

ماذا نفعل إذا رأينا أحلامنا تذوب من بين أيدينا؟ ماذا ينبغي أن تكون تصرفاتنا إذا فاجأتنا تقلبات الحياة، فعصفت بآمال كثيرة عقدناها، وأحلام كثيرة بنينا عليها طموحات لأنفسنا وأبنائنا ومجتمعاتنا بأن يعم الخير وينتشر النور وتحيطنا الهداية؟

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية -

ماذا نفعل إذا رأينا أحلامنا تذوب من بين أيدينا؟ ماذا ينبغي أن تكون تصرفاتنا إذا فاجأتنا تقلبات الحياة، فعصفت بآمال كثيرة عقدناها، وأحلام كثيرة بنينا عليها طموحات لأنفسنا وأبنائنا ومجتمعاتنا بأن يعم الخير وينتشر النور وتحيطنا الهداية؟

هل ينبغي لأحلامنا أن تكون صغيرة حتى يتم تحقيقها؟ وهل يجب على طموحاتنا أن تكون قصيرة حتى يرتجى تنفيذها؟ وهل الحكمة هي القناعة بالحال مهما كان فقيرًا قليلاً قاصرًا؟! إنها تساؤلات ترددت على الألسنة، على إثر تقلبات حياتية تعرض لها الناس على مستواهم الشخصي، ومستوى بيئتهم ومجتمعاتهم، فرأوا أن أحلامهم تذوب وطموحاتهم تنهار أمام أعينهم فشعروا بالفشل، وتسرب إليهم اليأس وأحاطهم الهم.

الحقيقة أن هناك خللاً في رؤية الموقف ككل، وقد يكون لي تحفظ مبدئي على وصف الهدف الإنساني بالحلم، فالأحلام عادة تبنى في الخيال ولا تعتمد على الواقع، وغالبًا ما تشطح فتصير غير واقعية، والأمنيات نوعان، نوع دنيوي خاص بحركة الأسباب ومتعلق بجهد الناس، ونوع ديني متعلق بمرضاة الله سبحانه وما أمر به عز وجل من الهدى والخير.

أما أحلام المرء الخاصة بداية فيجب أن تكون أنواعًا مختلفة، ولا يجب أن يبني حياته على حلم واحد أو على عدة أحلام من مستوى واحد، وبالعموم فإن ذلك من المباحات، إلا أن الشريعة الغراء نصحت ألا يكون هم المرء وحلمه متعلق بالماديات، وبالدنيا وزخارفها بما يغير قلبه، بل نصحته أن يظل قلبه بمنأى عن التعلق بها، وأن يجعلها في يديه لا في قلبه.

فهناك الأهداف القريبة المقدورة، وهي مرحلية تتحقق بمرور الأيام وبمستوى العطاء، وبقدر الجهد والعمل، قد يتعثر في سبيلها تارة وقد ينجح مرات، وهذه في تحقيقها ذاتها علامات في طريق الأهداف الكبيرة والآمال العريضة، وسمة هذه الأهداف القريبة المقدورة أن تكون ممكنة منطقيًا، ومناسبة للقدرات الذاتية، وسابقة التحقيق مع آخرين ممن هم بنفس القدرة والحال.

وهناك الأهداف الشخصية البعيدة، التي تمثل الحلم المأمول، وهي أهداف قد تتعرض لمعوقات أثناء دورة الحياة، نتيجة لأسباب مختلفة غالبها يكون بيئيًا وليس ذاتيًا، لكن ينبغي أيضًا أن تكون تلك الأهداف منطقية التحقق، ممكنة التنفيذ، مناسبة للقدرة أيضا، ولا بد أن تعتبر تلك الأهداف ظروف الواقع ومنظومة الأسباب التي قد قدرها الله سبحانه في خلقه.

هذان النوعان من الأهداف يتسعا ويكبرا ويضيقا ويصغرا بحسب الواقع الممكن، وبحسب النظرة العميقة للظروف من حولنا، وما يمكن أن يكون هدفًا لشخص لايمكن أن يكون هدفًا لآخر، وما يقبل أن يكون حلمًا في بيئة قد يستنكر أن يكون حلمًا في بيئة مختلفة.. ليس هذا قمع للأحلام ولا قيد على الآمال، ولكنها النظرة الحكيمة الواقعية التي لا تتسبب في الاصطدام بالواقع، ولا ينتج عنها اليأس والشعور بالفشل.

هناك إطلاق آخر يكثر تداوله.. هو إطلاق الأمل، وهو إطلاق أكثر منطقية من إطلاق الحلم فيما يتداوله الناس في أحاديثهم، إلا أن وصفنا لسمات الحلم تكاد أن تنطبق على وصف الأمل أيضًا، حتى لا تصير آمال المرء شيئًا هلاميًا متعلقًا في مخيلته لا يلامس الواقع ولا يستطيع تحقيقه.

بقي أن نقول أن الإعاقة في طريق الآمال واردة طبيعية، وهي من طبيعة الحياة، وأن المرء الذي يصيبه الفشل والقعود واليأس عند ملاقاة العقبات يستحق وصف الضعيف الكسول، بل يستحق وصف العاجز، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، فكان كثيرًا ما يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل» (أخرجه البخاري).

النوع الثاني: وهو ما يتعلق بالأمل فيما يحبه الله ويرضاه من التوبة وقبولها، ومن نصرة أهل الحق، ومن إعلاء كلمة الله، ومن رغبة الجنة ونعيمها، فهو شيء إيجابي مرغوب فيه، والتوسع في هذا النوع من الأمل ورجاء مقاماته العليا مرحب به، بل إن اليأس مستنكر مرفوض..

{قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّون} [الحجر:56].
{إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]، ومنه قول يعقوب عليه السلام: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف:83]. ومنه قول موسى عليه السلام: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ} [القصص:22]، وقوله: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62].

وكان النبي صلي الله عليه وسلم في أحلك الظروف يبث الأمل في نفوس أصحابه ففيما روى البخاري عن عدى بن حاتمٍ قال: "بينا أنا عند النبى صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل، فقال: «يا عدى هل رأيت الحيرة؟»، قلت لم أرها وقد أنبئت عنها، قال: «فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحداً إلا الله»، قلت فيما بينى وبين نفسى فأين دعار طيئٍ الذين قد سعروا البلاد «ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى».

قلت كسرى بن هرمز قال «كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة، لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهبٍ أو فضةٍ، يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولن ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك؟ فيقول بلى. فيقول ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم».

قال عدى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «اتقوا النار ولو بشقة تمرةٍ، فمن لم يجد شقة تمرةٍ فبكلمةٍ طيبةٍ»، قال عدى فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبى أبو القاسم صلى الله عليه وسلم «يخرج ملء كفه».

 

خالد روشه