الذبابة المزعجة

منذ 2014-05-22

من حقنا على أنفسنا أن نفكر، ولكن من ظلمها أن نعطي الأمور أكبر من حجمها، أو أن نشتت تفكيرنا، وكأننا نبحث عن حل، وفي الحقيقة نحن لا نبحث إلا عن القلق، ومن الظلم أيضاً، أن نفكر في الغد ونحن لم نعش لذة الحاضر.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تصرٌّف ابني يزعجني، يضايقني، يصيبني بالقرف، هكذا ردّدت في نفسي، تحوم حول رأسي ذبابة، ثم تحطّ على أنفي، أفففف... وأهشها بيدي لتبتعد وسرعان ما تعود، ما الذي يزعجني فيه؟ إنه بذيء اللسان، يشتمني، يشتم إخوته، حتى العامل الذي يكنس الشارع، يرفع رأسه ليجده في النافذة يلقي عليه بأنواع الكلمات الجارحة..

أفففف..
وتعود الذبابة على أنفي، وأهشها بيدي، سكبت كأساً من الماء، الذبابة ما زالت تحوم، وللمرة العاشرة تقف على أنفي، ولا أدري لماذا أنفي بالذات! عندها، قررت أن أنهي كل شيء، حملت المبيد، صوبته نحو الذبابة، وأخيراً، انتهى الإزعاج، أن تزعجك مشكلة ما في حياتك، أسرية كانت أم عامة، أن تضايقك وتسبب لك (قلقاً) تماماً كما تفعل الذبابة..

أن تهدر طاقتك وأنت تفكر في ذات الموضوع، يعكر مزاجك يشعرك بأن هناك شيئاً مهمًا لم تنههِ بعد، تهشّه، يهرب لثوان ثم يعود ليقلقك، أن يضيع عمرك، وأنت على هذه الحال، هل هذا بالفعل ما يجب أن يحدث ونحن نمتلك الحلول؟

بالضبط.. نمتلك الحلول، مقالي هنا يتحدث عن مشاكلنا البسيطة التي ربما تكون تافهة، ولكنها تترك أثراً قوياً لتكررها وتراكمها موقفاً بعد آخر، تماماً كالمنهج الدراسي الذي لا نذاكره درساً بدرس، ليصبح في النهاية مصيبة حقيقية، إذا ما قسنا حجم المنهج بالساعات القليلة المتبقية قبل الامتحان.

أنت دائماً هكذا، لن تتغير، ستبقى إلى الأبد صاحب أطول لسان في العالم، لقد يئست من تعديل وضعك، تعبت، مللت، أعوووووووذ بالله منك!

عفوًا سيدتي، هل تعنين حقاً أنك بذلت مجهوداً في تعديل سلوك ابنك صاحب اللسان (الطويل) أم أن مجهودك لم يتعدَّ مثل هذه الكلمات التي لا تلد إلا خذلاناً وتثبيطاً، وكأنك تستلذين (هش) الذبابة؟
إننا إذا فكرنا بجدية، ونظرنا إلى المشكلة بذاتها جيداً.. ما هي المشكلة؟ ابني يقول أشياء غير لائقة.. ما هو الحل؟

اعرفي السبب أولاً، هل تلقى الكلمات منك، أم من المحيط الأسري الذي يشمل الأقارب، أم من المدرسة؟ وخطوة خطوة، وبتعامل جادّ مع الأسباب التي يمكن الحد منها، وتقليل الكلمات المحبطة التي نردّدها على مسامع أبنائنا، نصل بإذن الله إلى حل هذه المشكلة.

الطالب المشاغب في الفصل التنبيه لا يردعه، النظر إليه شزراً لا يخيفه، إهانته أمام زملائه تنقيص درجاته، طرده من الفصل.. كل ذلك لا يجدي، المعلم يهشّ المشكلة بردود أفعاله هذه دون أن يحلها.

وأخيراً:
علينا أن نفكر، من حقنا على أنفسنا أن نفكر، ولكن من ظلمها أن نعطي الأمور أكبر من حجمها، أو أن نشتت تفكيرنا، وكأننا نبحث عن حل، وفي الحقيقة نحن لا نبحث إلا عن القلق، ومن الظلم أيضاً، أن نفكر في الغد ونحن لم نعش لذة الحاضر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.

 

هناء الحمراني


 

المصدر: مجموعة مواقع مداد
  • 0
  • 0
  • 1,817

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً