حرب تنصير المسلمين وواجبنا نحوها
ملفات متنوعة
ما سبب هذه الهجمة التنصيرية على الإسلام والمسلمين والحرص المستمر
على تنصيرهم؟!
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فإن الحرب الضروس التي يشنُّها النصارى على المسلمين لتنصيرهم متواليةٌ ومتواصلة على بلداننا وشعوبنا، وينفقون في سبيل ذلك الملايين لإغراء زبائنهم واصطيادهم، متخذين لذلك أساليب متنوعة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: من خلال بث القسيسين والرهبان لما يزعمونه تبشيراً بدين المسيح عليه السلام، وهو في الحقيقة تنصير عبر أساليب مشبوهة؛ منها: الإغراء بالمال وشرب الخمور والفساد الأخلاقي، واخترعوا لذلك سفناً عابرة للبحار، ومن أشهرها: السفينة (دولوس) التي تطوف المرافئ العالمية ومنها بعض المرافئ الإسلامية، وهي تحمل ثلاثمائة منصِّر وآلاف الكتب والنشرات مع أشرطة غنائية ورقصات ماجنة يُغْرون بها الشباب والشابات المراهقين، ولا ندري كيف يجمعون بين دعوتهم إلى دينهم المزعوم وبين هذا الفساد والمجون؟!
ثانياً: من خلال افتتاح مراكز رسمية باسم (سفارات للفاتيكان) هي في الواقع مراكز للكنيسة الكاثوليكية، وهي تؤدي أدواراً مشبوهة تتمثل في رعاية النصارى والمتنصرين ومتابعة فتح الكنائس لهم ورعايتها. والعجيب أن الدول التي تسمح بإنشاء مثل هذه السفارات على أراضيها ترفض في الوقت نفسه قيام المؤسسات الإسلامية بشكل رسمي؛ بدعاوى ساذجة ولأهداف غير خافية على أحد، إلاَّ أن يكون الأمر:
حرام على بلابله الدَّوْحُ
حلال للطير من كل جنسِ
ثالثاً: من خلال إنشاء مدارس وجامعات تنصيرية في بعض بلدان المسلمين تؤدي أدوارها المشبوهة في وضح النهار، ويتداعى عليها عِلْية القوم لتدريس أبنائهم وبناتهم الذين يفتخرون جهلاً بأنهم من خريجيها.
رابعاً: من خلال قنوات ومكاتب ثقافية تنشر غثاءها وأباطيلها بين الناس مكذِّبة للإسلام ومهاجمة له: عقيدةً وأخلاقاً وسلوكاً. والغريب أننا لم نسمع عن إغلاق هذه القنوات التنصيرية، في حين تُغلق قنوات إسلامية بحجج تافهة ما أنزل الله بها من سلطان؛ فمَنْ وراء هذه التصرفات الغريبة العجيبة؟ ولمصلحة من؟!
ماذا فعل المنصِّرون في بلاد المسلمين؟
للمنصِّرين جهود كبيرة في بلاد الإسلام لتنصير أهلها، نبيِّن بعضها في التالي:
أولاً: التنصير في مصر:
هذه البلاد التي بعث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رسالة دعوية إلى عظيمها (المقوقس) يدعوه فيها إلى الإسلام حملها الصحـابي الجلـيل (حـاطـب بن أبي بلتعة) رضـي الله عنه، فردَّ عليه رداً جميلاً، وأهدى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم جاريتين وبعض خيرات مصر.
وبعد دخول الإسلام مصر لم يُرْغَـم أحد من أبنائها على اعتناقه إرغاماً؛ لقوله -تعالى-: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]. وأوصى رسولنا صلى الله عليه وسلم بالقبط خيراً، وكانت العلاقة معهم طيبة لعدة قرون، إلا أنه بعد إسلام الكثيرين منهم في السنوات الأخيرة وبخاصة قساوستهم ورهبانهم؛ أصيب رؤساؤهم بهلع جعلهم يعملون على محاولة تنصير المسلمين في هذه البلاد؛ فلم يجدوا سوى بعض المراهقين والفقراء وذوي الظروف الاجتماعية المضطربة.
وقد ذكر تقرير نُشر عن التنصير في مصر في مجلة (المجتمع) الكويتية مؤخراً أنه بينما يتنصَّر من المسلمين 10 أفراد يُسْلِمُ في المقابل من النصارى 80 فرداً تقريباً.
ومما يجلِّي حـقـدهـم هـذا على الإسلام وأهله ومحاولتهم تنصـيرهم ما نُشِرَ مؤخراً عن تنصُّر صحفي مصري هو (مجدي علاَّم) على يد بابا الفاتيكان في بث مباشر، وقد هدفوا من هذا التصرف استفزاز المسلمين عبر تنصر هذا المشبوه الذي قُبِض عليه سابقاً بشبهة التجسس للعدو الصهيوني ولوجود علاقات مريبة له مع فتاة يهودية، ثم أُطلق سراحه! وانتقل إلى إيطـاليا وحـظي برعايتها، ومُكِّن من العمل الصحـفي لما يقدمه لأعداء بلده من خدمات كبيرة منها ادِّعاؤه أن بلده -مصر- يسيء إلى الأقباط، ومثل هذا لا يُؤسَف عليه ويجب أن يكون لسان حال المصريين جميعهم بعد تنصُّره: (الحمد لله الذي أذهب عنا الأذى وعافانا).
ثانياً: التنصير في تونس:
رغم أن قانون تونس يمنع التنصير ويحظر أعماله ويعدُّ ذلك مجافاة للنظام، وقد جرى القبض على بعض المنصِّرين أكثر من مرة وجرت مصادرة وثائقهم وما في حوزتهم من كتب ومنشورات وأشرطة متنوعة؛ إلا أن بعض المنظمات التنصيرية استمرت في أداء دورها عبر وسائل الاتصال الحديثة؛ من بثٍّ فضائي وإنترنت، معتمدين على شباب تونسيين تنصَّروا في الخارج بالأساليب السالفة الذكر نفسها.
وأمام الضغوط الخارجية افتُتحت كنيسة قديمة في جزيرة (جربة) السياحية التي سبق إغلاقها عام 1964م؛ بسبب نشاطها التنصيري، ووعدت الفاتيكان بزيارة الكنيسة ودعمها وتنظيم الأفواج السياحية لزيارتها ودعم الاستثمارات في هذا المجال.
وبهذه الأساليب يُفتح المجال لتنصير المسلمين في خضمِّ الفقر والجهل والمرض الذي يعايشه الكثيرون؛ والله المستعان.
ثالثاً: التنصير في إندونيسيا:
وهي أكبر الدول الإسلامية سكاناً؛ حيث يبلغ عدد سكانها 225 مليون نسمة؛ 90٪ منهم مسلمون، و 7٪ نصارى تقلَّص عددهم بعد انفصال (تيمور الشرقية). وللنصارى فيها نشاطات كبيرة منذ الاحتلال الهولندي وحتى خروجه بالاستقلال عام 1945م، وجرى تنصير آلاف المسلمين، وساعدت على هذا النُّخب العَلْمانية التي سلَّمها المحتل الحكم وصنع لها فلسفتها التي أقامت عليها دستورها الحاكم وهو منهاج عَلْماني قومي والمسمى (البانجاسيلا) الذي جعلهم يقفـون مكتـوفي الأيـدي أمام التنصير ونشاطاته الكبرى لا سيما أن الشعب الإندونيسي يشيع فيه الجهل والتصوف وسوء الأوضاع الاقتصادية، فما أحوج هذا الشعب المسلم إلى الدعم والمساعدة حتى لا يكون ضحية التنصير المحدق به والذي وعد أربابه أن يتنصَّر هذا الشعب كله عام 2000م، ولكن الله خيَّب آمالهم.
رابعاً: التنصير في المغرب:
لم تعد جهود التنصير في المغرب شيئاً مجهولاً، وفي المقابل لا يجهل أحد أن الشعب المغربي المسلم معروف بأصالته وصدق انتمائه، إلا أن جهود النصارى القائمة عبر وسائل الاتصال التقليدية والحديثة بدأت تفعل فعلها، فقد سبق أن أعلن تقرير فرنسي عام 2005م عن جهود التنصير في المغرب مما جعل المسؤولين المغاربة أمام معضلة حقيقية وخطر داهمٍ إلى بلادهم بعد تعرض الشباب المغربي لمحاولات عدة لتنصيرهم، وأشار التقرير إلى وجود 2007 منصِّرين في مختلف مناطق المغرب. وقد تطرق البرلمان المغربي إلى هذه الكارثة، وحذَّر من أبعادها الخطيرة، داعياً إلى إيجاد سياسة توعوية لمواجهة هذا الخطر. ونشرت مجلة (المجلة) أنه في الآونة الأخيرة جرى تنصير 7000 مغربي، وأن الرقم قد يتجاوز ذلك، وأن ثلث النصارى المغاربة الذين يبلغ عددهم (30000) فرد أصلهم مسلمون، وأن من أسباب تنصُّرهم الظروف الاقتصادية والاجتماعية والحملة الدعائية للتنصير.
خامساً: التنصير في دول الخليج العربي:
لم يخجل المنصِّرون من استهداف المسلمين في دول الخليج كافة، فما تزال قنواتهم الفضائية ومواقعهم الإلكترونية، ورسائلهم البريدية تعمل على إغراء المسلمين -وبخاصة الشباب- ليتنصَّروا ويخرجوا من دينهم ودين آبائهم (الإسلام)، وعملوا في بعض دول الخليج على إنشاء كنائس باسم رعاياهم، وهي لا تخلو من جهودهم في التنصير، مع أن الإسلام صرَّح بمنع وجودهم الدائم في جزيرة العرب ومنها: دول الخليج العربي كما جاء في حديث صحيح في هذا الباب، أما لماذا أتيح لهم مثل هذا الوجود فهذا نسأله لمن يعنيه الأمر؛ فهل لديهم ما يقدرون به على إقناعنا بهذا الوجود المشبوه لهؤلاء المنصِّرين الذين يعيثون في الأرض فساداً؟
إن الجهود التنصيرية الكبيرة للمنصِّرين في شتى ديار الإسلام إنما هي غيض من فيض، ومع كل ما لديهم من إمكانيات كبيرة فإنهم لم يستطيعوا أن ينصِّروا من المسلمين إلا فئات محدودة يمكن أن تصنّف في التالي:
1 - المراهقين والمراهقات.
2 - الفقراء والمرضى والمحتاجين الذين يتنصرون تحت ظروف الفقر والحاجة.
3 - الشـباب الذين عـاشوا في الغرب من أمهات نصرانـيات أو ممن ليس لديهم وازع ديني.
4 - الأطفال المخطوفين. وإن خبر اختطاف أطفال دارفور مؤخراً ليس ببعيد عنا، فقد بلغ عددهم أكثر من مائة طفل وجرى اختطافهم بواسطة شركة فرنسية ولمصلحة (جمعية تنصيرية) يسمونها خيرية، وقد تم القبض عليهم في تشاد، وأحيلوا إلى القضاء بعد غضب الرأي العام حيال هذه الجريمة، وتبين لاحقاً أنهم بِيعوا لأسر فرنسية بمبالغ تتراوح ما بين 4000 و 8600 دولار للطفل الواحد، وزعموا أنهم ينقلونهم إلى أسر ترعاهم، وهذه حيلة المجرمين بعدما فضحهم الله .
ما تقدم نماذج لبعض ساحات تلك الحرب، والمقام لا يتسع لذكر ما يجري من عمليات التنصير في بقية بلاد المسلمين.
والسؤال الهام تجاه هذا الواقع المأساوي الذي يقوم به المنصِّرون في بلدان المسلمين:
ما سبب هذه الهجمة التنصيرية على الإسلام والمسلمين والحرص المستمر على تنصيرهم؟!
هذا في نظرنا لا يمكن خروجه عن الأسباب التالية:
أولاً: رغـبتــهـم فـي إضـلال المسـلمـين، وقد ذكـر الله -تعالى- ذلك فـي آيـات مـن الذكـر الحكيم؛ منها قوله -تعالى-: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]، وقوله -تعالى-: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217].
ثانياً: الحسد الذي يملأ قلوبهم من بُغْض الإسلام والمسلمين، وقد قال الله -تعالى- في ذلك: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89].
ثالثاً: (عقدة الإسلاموفوبيا) التي اجتاحت الدول الغربية عامة قبل 11/9/2001م وبعده، والمؤسسات التنصيرية بشتى مذاهبها خاصة، ولا سيما بعد إسلام كثير من أعلام الغرب من العلماء والمفكرين والسفراء والقسيسين. وهؤلاء كان إسلامهم عن علم وقناعة وليس عـن دعـايات محدودة، وهذا ما جعلهم يكيدون لنا كيـداً، ولا سيما أنهم حددوا عام 2000م عاماً لتنصير إفريقيا، ولكن الله خيَّب آمالهم وانتشر الإسلام فيها؛ ولله الحمد والمنة.
رابعاً: الخوف الذي أحدثته الدراسات الإحصائية لتعداد المسلمين وانتشار الإسلام في شتى أنحاء العالم، ففي الموسـوعة العـالمية الجديدة للأديان لمؤلفها (دافيد باريت) و (تود جونسن) ذكرا أن الإسلام يحقق توسعاً مرموقاً، وأن النصرانية تفرقت إلى فرق مذهبية بلغت 38830 فرقة، وقالا: إن الإسلام هو الدين الثاني في العالم. ولا يغيب عنا ما أعلنه الفاتيكان نفسه مؤخراً أن عدد المسلمين تجاوز عدد النصارى الكاثوليك.
واجبنا نحو هذه المأساة حتى لا تتفاقم:
1 - إنْ تنصَّر واحد من المسلمين فإثمه يقع على المتسبِّب بذلك؛ فكيف بتنصُّر العشرات بل الآلاف؟
إنه تفريط عظيم، ونحن مسئولون عنهم أمام الله تعالى، فلا يصح أن يفرَّط في تعليم المسلمين أو أن يُسكَتَ عن إفقارهم أو تعرُّضهم للأمراض المعدية والمزمنة التي لا يجدون لها علاجاً إلا عن طريق غير المسلمين، مما يحتِّم علينا ردم هذه الفجوات الناتجة عن تلك الأسباب، واللهُ لن يغفر هذه الخطايا في حق المسلمين، وسيحاسب - سبحانه - حساباً شديداً كل من بيده الولاية الخاصة أو العامة إزاء ذلك التفريط.
2 - أهمية التوعية بأخطار التنصير، وغلق الأبواب أمام بعثاتهم التنصيرية، والضرب بيدٍ من حديد على جهودها المضلِّلة والقائمين بها، فلا يصح فتح المجال لهم مهما كانت المغريات؛ سواء كانت ببناء الكنائس، أو بفتح المدارس التنصيرية، أو الجمعيات التي تدَّعي عمل الخير وهدفها في الحقيقة استمالة الفقراء والمعوزين وتنصيرهم؛ وهذا ما حدث فعلاً.
3 - تشجيع وسائل الإعلام ذات الجهود التوعوية التي تنشر الحق وتحذر من الباطل وأهله. وإن لأعدائنا مئات القنوات التنصيرية، وقد شجعوا حتى النصارى في البلدان العربية على إنشاء تلك القنوات بواسطة أناس حاقدين على الإسلام، بينما لا يوجد سوى قناة واحدة للمسلمين تردُّ على شُبَه المنصِّرين؛ فمتى تفتح قنوات متخصصة في حوار القوم وتكشف شبهاتهم وأباطيلهم، فهي أوهى من خيط العنكبوت؟ ومما يؤسف له أن هناك عشرات القنوات العربية التي تبث الفساد والمجون وبأموال المسلمين أنفسهم.
فليـحـذر المفـرِّطـون والمتـهاونـون والمتساهلون في نصــرة الإسـلام وأهـله {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].
افتتاحية مجلة البيان اللندنية: بتاريخ
19 - 5 - 2008
المصدر: مجلة البيان اللندنية: