أين أنت يا مصر؟!
محمد بن موسى الشريف
وأخاطب في النهاية حكومة مصر ورئيسها، وقيادات الجيش المصري، وكل
القوى المؤثرة أن تتقي الله في قضايا الأمة المصيرية، وأن يفعلوا كل
ما في وسعهم فعله قبل الوقوف بين يدي الله والحساب العسير على التفريط
الخطير .......
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
المتأمل لما يجري في الأمة من أحداث عظام كثيرة لا يمكن إلاّ أن يعجب لانعزال مصر عنها، وهي القوة العربية الكبرى والوالدة الرؤوم، فمن الفلبين، إلى فطاني في تايلاند، إلى كشمير، إلى الشيشان.. ومصر ليس لها صوت فيما يجري في تلك البلدان من أحداث، وإذا أتينا على قضايا البلاد العربية المجاورة لمصر وجدنا الحال أعجب وأغرب، ففلسطين تغلي، ولبنان تضرب ليل نهار، ودارفور محاصرة، والعراق يئن، هذا كله ومصر ساكتة على وجه غريب مريب، وإن نطقت فبالأمر بضبط النفس، ومناشدة الأطراف المختلفة؟!
هذا ومع عدائنا الكامل لنظام عبدالناصر لمخالفته التامة للتوجه الإسلامي إلاّ أنّه لم يكن بهذا السوء والصمت المطبق كما نرى اليوم، فقد منع عبد الناصر على سوئه عبد الكريم قاسم رئيس العراق في السبعينات الهجرية/ الخمسينات الميلادية من غزو الكويت، وكان له ـ على مساوئه التي لا تعد كثرة ولا تحصى ـ هيبة وكلمة رادعة، وكان له معاونة لحركات الاستقلال في الجزائر وغيرها، أمّا الآن فيشتد عجبنا من السكوت المصري العجيب، فقد أفلحت أمريكا وربيبها النظام اليهودي البغيض في عزل مصر سنة 1399هـ/ 1979م.
مصر ليس لها موقف مؤثر إيجابي فيما يجري من أحداث عظام، وهذا من كبرى الدول العربية أمر معيب، لم تكن مصر على مدار تاريخها هكذا بل كان لها مواقف مشرقة، فقد أمدت أهل الجزيرة بطعام عام الرمادة زمان الفاروق عمر رضي الله عنه، ومنها انطلقت الفتوحات الإسلامية لشمال أفريقية، وكان لها أثر بالغ في رد الحملات الصليبية، وأسر لويس التاسع إمبراطور فرنسا، وكان لها اليد البيضاء في قمع التتار وهزيمتهم في عين جالوت في فلسطين سنة 658م، وطهر المماليك من مصر الساحل الشامي من الصليبيين بإخراجهم من عكا آخر معاقلهم سنة 690 على يد الأشرف خليل، وشاركت مصر في معارك الدولة العثمانية وأنجدتها مرارًا وما أحداث جزيرة كريت عنا ببعيد، وكان لمصر مشاركات متنوعة عديدة في فلسطين في العصر الحديث، وكان لها أثر لا بأس به.
أمّا اليوم فلم نعد نسمع لمصر إلاّ مناشدات ونداءات لا تسمن ولا تغني من جوع، وتُضرب أخواتها وهي تنظر!! أمّا الشعب في مصر فهو متعاطف مع ما يجري، فكم من مظاهرات قام بها وقُمعت!! وكم من اعتصامات وفُرقت!! وكم من محاولات عبر الحدود وأجهضت!! وكم من مقاطعات وحُوربت!! وكم من خطباء مُنعوا، ودعاة سُجنوا، وجامعي تبرعات ضُيق عليهم، والإعلام المصري بقنواته الرسمية وجرائده الحكومية، وإذاعاته المكرورة، وخطاباته المسرودة بعيد كل البعد عن ملامسة مصائب الشعوب العربية، ومآسي الدول الإسلامية.
وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل صار الإعلام المصري الرسمي مادة للفساد، وصار يتنافس مع الإعلام اللبناني سيء الذكر في إضلال الشعوب وإفسادها وإلهائها عن واجبها.
وصار الشعار المرفوع مصر للمصريين هو الأمر المتعارف عليه، وهو الذي يجري غرسه في أذهان المصريين وقلوبهم، وكلما ذُكرت مصر بواجبها صاح المسؤولون: لقد فعلنا في فلسطين ما فعلنا، وشاركنا هنا وشاركنا هناك، ويكفي ما قدمناه.
فيا عجبًا وهل للمكارم نهاية؟! وهل للواجبات حد زمني تقف عنده؟! يحصل هذا الذي يحصل في مصر وهي التي كانت بعد الله تعالى معقد آمال الأمة، وموضع نظرها، ومحل مشكلاتها، فصارت مهمشة لا قيمة لها، وهذا العدو اليهودي يسرح ويمرح في مقدسات الأمة، ويضرب من شاء، ويقتل من شاء، ويعتدي على أية دولة شاء، ولا نسمع من مصر كلمة تهديد له، ولا ردع، بل إنّ بعض مواقف الدول الأوروبية وتصريحاتها أحسن من مواقف مصر وتصريحاتها!!
وكلامي هذا موجه لمصر حكومة ورئيسًا، ولكثير من أفراد الشعب النائم اللاهي، وهناك فئة من الشعب اختارت ألاّ تعيش لنفسها ولشهواتها فقط، واختارت الطريق الصعبة الخطرة، طريقَ مساندة الشعوب الإسلامية ومؤازرتها، ونصرة قضاياها إعلاميًا وسياسيًا واقتصاديًا وبشتى أنواع النصرة، ولو فتحت لهم الحدود لشاركوا بالنفس ولنصروا إخوانهم.
وأخاطب في النهاية حكومة مصر ورئيسها، وقيادات الجيش المصري، وكل القوى المؤثرة أن تتقي الله في قضايا الأمة المصيرية، وأن يفعلوا كل ما في وسعهم فعله قبل الوقوف بين يدي الله والحساب العسير على التفريط الخطير، وأن يكونوا على مستوى تطلعات شعوبهم وآمالها ورغباتها؛ فإن لم يفعلوا فلا أقل من أن يدعوا الشعب يفعل، ولا يحاربوه ليل نهار، ولا يقفوا في وجهه، فهذا أدنى ما ينبغي أن يفعلوه، وأقل ما يجب أن يقدموه، والله المستعان، واسلمي يا مصر!!
المصدر: موقع التاريخ