(7) السحر، ومنه الصرف والعطف (2)
عبد الله بن حمود الفريح
عقوبة الساحر القتل، وقتل الساحر اختلف فيه العلماء، والأظهر أنه يقتل..
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
المسألة الخامسة: عقوبة الساحر.
عقوبة الساحر القتل، وقتل الساحر اختلف فيه العلماء، والأظهر أنه يقتل ومما يدل أن الساحر يقتل ما يلي:
1- ما رواه أحمد وأبو داود والبيهقي عن بجالة بن عبدة قال: "كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر".
2- وما رواه البيهقي عن نافع عن ابن عمر عن حفصة بنت عمر: "أن جارية لها سحرتها فأقرت بالسحر وأخرجته، فقتلتها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فغضب، فأتاه ابن عمر رضي الله عنهما فقال: جاريتها سحرتها أقرت بالسحر وأخرجته، قال: فكف عثمان رضي الله عنه، قال: وكأنه إنما كان غضبه لقتلها إياها بغير أمره" (وصححه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد).
3- ما رواه البيهقي في سننه والبخاري من وجه آخر في التاريخ موقوفاً على جندب بن عبد الله أنه قال: "حد الساحر ضربة بالسيف"، وأما المرفوع فلا يصح كما سيأتي بإذن الله تعالى.
قال الإمام أحمد بن حنبل: "صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر".
فالصواب أنه يقتل لأن هذا حكم الصحابة كما سبق، ولا يعلم لهم مخالف، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر» (رواه أحمد والترمذي).
قال ابن قدامة في المغني (12/302): "وحد الساحر القتل"، روي ذلك عن عمر وعثمان بن عفان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبد الله وجندب بن كعب، وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز وهو قول أبي حنيفة ومالك، ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر، وهو قول ابن المنذر ورواية عن أحمد وقد ذكرناها فيما تقدم، ووجه ذلك أن عائشة رضي الله عنها: "باعت مدبرة سحرتها"، ولو وجب قتلها لما حل بيعها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق»، ولم يصدر منه أحد الثلاثة، فوجب أن لا يحل دمه، ولنا ما روى جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حد الساحر ضربة بالسيف»".
قال ابن المنذر: "رواه إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف، وروى سعيد وأبو داود في كتابيهما عن بجالة قال: كنت كاتباً لجزء ابن معاوية عم الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر، فقتلنا ثلاث سواحر في يوم، وهذا اشتهر فلم ينكر فكان إجماعاً، وقتلت حفصة جارية لها سحرتها، وقتل جندب بن كعب ساحراً كان يسحر بين يدي الوليد بن عقبة، ولأنه كافر فيقتل للخبر الذي رووه" (ا.هـ).
وقال ابن تيمية في الفتاوى (28/346): "وكذلك قد قيل في قتل الساحر، فإن أكثر العلماء على أنه يقتل، وقد روي عن جندب رضي الله عنه موقوفاً ومرفوعاً: أن حد الساحر ضربة بالسيف رواه الترمذي، وعن عمر وعثمان وحفصة وعبد الله بن عمر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم قتله" (أ.هـ).
فالأرجح والله أعلم كما سبق أن الساحر يقتل، فإن كان في سحره شيء من المكفرات يقتل لردته، وإن كان في سحره دون الكفر فإنه يقتل دفعاً لأذاه وشره وكفاً لفساده، ولا يلزم من قتله تكفيره، ويكفي بأن من حكم في قتله الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه، وأما عدم قتل النبي للبيد بن الأعصم فقد أجاب عنه العلماء بأجوبة أحسنها: "خشية إثارة الفتنة".
قال الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد (2/30): "والحاصل: أنه يجب أن نقتل السحرة سواء قلنا بكفرهم أو لم نقل، لأنهم يمرضون ويقتلون ويفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك العكس، فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء ويتوصلون إلى أغراضهم، فإن بعضهم قد يسحر أحداً ليعطفه إليه وينال مأربه منه، كما لو سحر امرأة ليبغي بها، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فساداً فكان واجباً على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة، ما دام أنه حد لضررهم وفظاعة أمرهم، فإن الحد لا يستتاب صاحبه متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد.. والقول بقتلهم موافق للقواعد الشرعية، لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وأرض غيرهم، وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر".
فائدة: لا يصح في الأمر بقتل الساحر خبر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل الثابت عن صحابته كما سبق، وأما ما رواه الترمذي في سننه والطبراني والدار قطني، وغيرهم من حديث إسماعيل بن مسلم عن الحسن البصري عن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حد الساحر ضربة بالسيف» فهو خبر لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ضعفه الترمذي وصوّب وقفه على جندب، وقال الترمذي في علله: "سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء"، وضعفه ابن عبد البر وغيره، وقال الترمذي: "لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه"، وإسماعيل بن مسلم المكي فالحديث ضعيف لاضطراب إسماعيل بن مسلم فيه فتارة يرسله وتارة يصله، وإسماعيل يُضعف، قال عنه أحمد منكر الحديث، وقال ابن معين ليس بشيء، وقال الذهبي متفق على تضعيفه.
المسألة السادسة: هل يستتاب الساحر أو أنه يُقتل بلا استتابة.
اختلف أهل العلم في قبول توبته على قولين:
القول الأول: أنه لا يستتاب، وهو قول جمهور العلماء وهو المشهور عن أحمد ومالك.
ودليلهم: أن الصحابة لم يستتيبوا الساحر.
والقول الثاني: أنه يستتاب وهو اختيار الشافعي ورواية عن الإمام أحمد.
وعللوا ذلك: "بأن ذنب الساحر لا يزيد على الشرك والمشرك يستتاب".
والأظهر والله أعلم: القول الأول وأن الساحر لا يستتاب لعدم استتابة الصحابة له، ورجح هذا القول سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في (تيسير العزيز الحميد) وردّ على تعليل أصحاب القول الثاني: "بأن قياس الساحر على المشرك قياس لا يصح لأن الساحر أكثر فساداً منه، وأيضاً قياسه على الساحر الكتابي لا يصح لأن الإسلام يجبُّ ما قبله، علماً بأن هذا في أحكام الدنيا، وأما فيما بينه وبين الله إن كان صادقاً قبلت توبته".
المسألة السابعة: من أنواع السحر وما يلحق به.
فمنها علم التنجيم، وهو أنواع: أعظمها ما يفعله عبدة النجوم ويعتقدونه في السبعة السيارة وغيرها، فقد بنوا بيوتاً لأجلها، وصوروا فيها تماثيل سموها بأسماء النجوم، وجعلوا لها مناسك وشرائع يعبدونها بكيفياتها.
ومنها ما يفعله من يكتب حروف ما يعرف بأبي جاد، ويجعل لكل منها قدراً من العدد معلوماً، ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها، ويجمع جمعاً معروفاً عنده، ويطرح منه طرحاً خاصاً، ويثبت إثباتاً خاصاً وينسب إلى الأبراج الاثني عشر المعروفة عند أهل الحساب، ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس، وغيرها مما يوحيه إليه الشيطان، ومنها النظر في حركات الأفلاك ودورانها وطلوعها وغروبها واقترانها وافتراقها، معتقدين أن لكل نجم منها تأثيرات في كل حركاته منفرداً، وله تأثيرات أخر عند اقترانه بغيره في غلاء الأسعار ورخصها، وهبوب الرياح وسكونها، ووقوع الكوائن والحوادث.
ومنها النظر في منازل القمر الثمانية والعشرين، مع اعتقاد التأثيرات في اقتران القمر بكل منها ومفارقته.. وكل هذه الأنواع اعتقاد صدقها محادة لله ولرسوله، وتكذيب بشرعه وتنزيله، واتباع لزخارف الشيطان ما أنزل الله بذلك من سلطان، والنجم مخلوق من المخلوقات مربوب مسخر مدبر كائن بعد أن لم يكن.. (انظر مختصر معارج القبول، للشيخ حافظ الحكمي، ص:162).
وكذلك لا يجوز استعمال السحر باسم الألعاب البهلوانية أو السيرك أو ما أشبه ذلك، كالذي يجر السيارة بشعره، أو أنه تمشي عليه السيارة ولا تضره، أو يطعن عينه بالأسياخ من الحديد ولا تضره، أو يطعن نفسه بالسكين، أو يأكل النار أمام الناس فهذا كله كذب وكله من السحر التخييلي، فلا يجوز عمله ولا الرضا به، ولا جلب أصحابه ليعملوها أمام المسلمين، لأنه منكر ظاهر يجب إنكاره والقضاء عليه وتطهير بلاد المسلمين منه (انظر شرح نواقض الإسلام للشيخ صالح الفوزان ص- 152).
ومما يلحق بالسحر أيضًا: العيافة والطرق والطيرة، لما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «العيافة والطرق والطيرة من الجبت» [1]، والجبت هو السحر عند جمع من أهل العلم -كما سيأتي بيانه-.
والمقصود بالعيافة: زجر الطير والحيوان، والاستدلال بأصواتها وحركاتها وسائر أحوالها على الحوادث، واستعلام ما غاب عنهم، وأما الطرق فهو الخط في الأرض، وقال بعضهم: "الضرب بالحصى"، ويسمى علم الرمل حيث يستدلون بأشكال الرمل على أحوال المسألة حين السؤال.
والطيرة: التشاؤم، وأصله أن العرب في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمّن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشائم به ورجع.
والجبت هو السحر.
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ..} [النساء:51]، والجبت هو السحر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الجبت سحر، والطاغوت الشيطان" [2]، وهكذا روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعكرمة، وسعيد بن جبير والشعبي والحسن والضحاك والسدي [3].
ووجه كون العيافة والطرق والطيرة سحراً، لما فيها من دعوى علم الغيب، ومنازعة الله تعالى في ربوبيته، فإن علم الغيب من صفات الربوبية التي أستأثر الله تعالى بها دون من سواه، إضافة إلى أن بعضهم يعتقد أن تلك الأشياء تنفع أو تضر بغير إذن الله تعالى (انظر نواقض الإيمان القولية والعملية، للشيخ عبد العزيز العبد اللطيف، ص:522).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه أحمد وبو داود وحسن النووي إسناده في (رياض الصالحين) وحسنه ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) أيضاً، وقال عنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد إسناد جيد والحديث لا بأس بإسناده.
[2] أخرجه البخاري تعليقاً، وابن جرير موصولاً، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده قوي انظر الفتح 8/252.
[3] انظر تفسير ابن كثير:1/485، وفتح الباري:8/ 251، 252.