صناعة العلماء - (10) العلماء والانفصال عن الواقع
تحدث د. راغب السرجاني ود. صلاح سلطان عن أخطر ما أصاب الكثير من علماء الأمة في الوقت الحاضر وهو البعد عن واقع الناس والتحدث في مشاكلهم السياسية والاجتماعية، ولعل هذا يرجع لعدة أسباب أولها الخواء الروحي، الذي من مظاهره ترك قيام القراءة والكتابة، وترك قيام الليل وعدم النظر إلى أولويات الأمة وواقع الناس. وهنا ملخص ما جاء في هذه الحلقة
بسم الله الرحمن الرحيم
د. راغب:
العالِم قد يكون عنده علم كبير لكن لا يُسقط هذا العلم على واقعه الذي يعيش فيه، فلماذا العالِم يكون منفصل عن واقعه؟
د. صلاح:
يقول الإمام الشاطبي: "والفقه ثلاثة أنواع، فقه النص وفقه الواقع وفقه إنزال النص على الواقع، فالأول والثاني مكتسبان أما الثالث فهو موهبة يعطيها الله من يشاء من عباده".
إذا حُرم العالِم صلته مع ربه فإنه لن يُجيد إنزال هذا النص من الله على الواقع الذي يعيشه عباد الله، فكانه يفقد الحكمة.
وهناك كَفاف روحي عند كثير من العلماء، يحدث أن تجد عالِم ما يتابع قراءة القرآن بصفة مستمرة حتى لا ينساه، لكن عندما تجده يهيم بقراءته فعندما يحدد أنه سيصلي بربع جزء ولكن يجد نفسه قرأ جزأين فمثل هذا تجد أن قلبه متعلق بحب الله والخشية منه عزَّ وجلَّ.
د. راغب:
ما هي مظاهر الخواء الروحي؟ وهل يمكن أن يكون عالِمًا ربانيًا بدون قيام الليل؟
د. صلاح:
إذا كان ثمة عالِم يَدَع قيام الليل فقد تُودِعَ منه، لأنه يُحرم الخشية القلبية، وأوسع أبواب الخشية القلبية هي قيام الليل، ويقول أحد المربين: "إن دولة الإسلام لن تقوم على أكتاف رجال لا يقومون الليل".
د. راغب:
هذا أمر بنائي أصيل في العالِم الرباني، لا يمكن أن يكون عالِمًا ربانيًا وليس له قسط من الليل، لأن الليل هو اتصال بين العالِم ورب العالمين سبحانه وتعالى.
ورأيت أحد الإخوة وكان قد ترك العمل الدعوي، لأنه رأى الدعاة الذين تعلم على يديهم لا يأتون لصلاة الفجر، فيتكلمون في المؤتمرات والندوات كلامًا يحرك الجبال ثم يتغيبون عن صلاة الفجر التي هي أصلًا فرض على المسلمين.
وهذا العالِم المنعزل عن ربه، ولا يلتقي بربه في الوقت الذي ينزل ربه إلى السماء الدنيا، كيف تقوم الأمة بمثله! لا شك أنه سينعزل عن واقعه وستطمس على بصيرته وقلبه، فإذا انعزل عن رب الناس كيف لا ينعزل عن الناس!
د. صلاح:
رهبان بالليل فرسان بالنهار.
فإن أول أسباب انفصال العلماء عن الواقع هو الخواء الروحي، فيجب أن يكون للعالِم ورد من القرآن والذكر والتدبر، ويكون صاحب قلب موصول بالله سبحانه وتعالى.
د. راغب:
العالم الموصول بالله يفقه دوره في الحياة ويبدأ يعبد الله كما يريد ربنا أن يُعبَد، لا أن نعبده بهوانا!
د. صلاح:
وكلما كان الأمر مخالفًا لهوى الانسان كان الأجر أعظم وكانت العبادة لها طعم أفضل، وكلما كان صعبًا على النفس شديدًا عليها كان أرطب للقلب وأقوى في التأثير على النفس.
د. راغب:
والعالم الرباني إذا شعر أنه يرتقي في الاتصال بالله فلا شك أن هذا الارتقاء سيكون له مردود على حياته مع الناس وعلى علاقته مع المجتمع الذي يعيش فيه.
والعلماء المعزولون عن مجتمعاتهم نستطيع أن نجزم أنهم ليس لهم علاقة مع الله تبارك وتعالى، ولو كانت لهم علاقة معه لرزقهم الحكمة وإذا رزقهم الحكمة اختلطوا بشعوبهم وعاشوا معهم وتعايشوا مع همومهم ويؤثرون لا يتأثرون، يؤثرون في تغيير الباطل ولا يتأثرون بالباطل.
لسماع هذه الحلقة: العلماء والانفصال عن الواقع
- التصنيف:
- المصدر: