المحصلة = صفرًا
عندما تراوح مكانك جيئة وذهابًا، لا تجتاز أبدًا نقطة البدء، فهنا تكون محصلة حركتك هذه صفرًا. وإن بحثتَ في أسباب تردُّدك في نفس المكان، وعدم مغادرتك إياه، فإنك ستجد مسببًا واحدًا، إنه التشتُّت الذهني، وعدم انتظام الأفكار.
تقول قوانين الحركة التي وضعها العالم نيوتن: "إن محصلة قوَّتين متساويتين مقدارًا، تعملان في اتجاهين متعاكسين، هي صفر"؛ بمعنى: أنه لا تنتج عن هذه القوى أيُّ حركة ظاهرية، برغم أن هناك قوى، وقد تكون قوى كبيرة جدًّا.
وهذا ما يحصل -إن صح التشبيه- عندما تراوح مكانك جيئة وذهابًا، لا تجتاز أبدًا نقطة البدء، فهنا تكون محصلة حركتك هذه = صفرًا.
وإن بحثتَ في أسباب تردُّدك في نفس المكان، وعدم مغادرتك إياه، فإنك ستجد مسببًا واحدًا، قد يحمل مسميات كثيرة؛ ولكنها تصب في مَعِين واحد، إنه التشتُّت الذهني، وعدم انتظام الأفكار.
إحدى مشكلات الشباب في هذا العصر:
التشتتُ، والانتثار، وعدم ترتيب الأفكار، تبدأ بفكرة ثم تجد نفسك قد انتقلتَ منها إلى غيرها دون إتمامها، أو تشعَّبت فيها في كل الاتجاهات، فضاعت الفكرة الأساسية التي بدأت بها، أو أردت العمل عليها، تمامًا كما يحصل عند بحثك في شبكة المعلومات، تمسك بأحد خيوط الشبكة ليصادفك آخر، فتشده متسلقًا إياه، ثم تتعلق بثالث، وهكذا، وعند انتهائك من البحث والسعي بين أزقتها وأروقتها، تجد أنك قد حصلت على أقل القليل، بالرغم من الوقت الطويل الذي قضيتَه في مساربها.
كنت قد عثرت أثناء هرولتي بين خيوط الشبكة على هذه المسابقة، ولأن الفكرة رائعة؛ قررت المشاركة، مع توقعي سلفًا عدم الفوز، ليس لأني لا أستطيع الكتابة؛ بل لأني لا أستطيع التركيز في موضوع محدد، وهذه هي المشكلة التي ذكرتها في البدء، مضى أسبوعان منذ بدأت فعليًّا بالكتابة، وما جاوزتُ خمسة الأسطر، ومع أني في البداية شعرت بأن تحديد عشر صفحات كحد أعلى، هو تقييد وإرغام للكاتب على اختصار سطوره، إلا أني عجزت عن ملء صفحة واحدة، بالرغم من تحديدي الموضوع، واختيار عنوانه، واقتناعي به، وتجميع محتواه، إلا أن صياغة الفكرة لم تجتمع وما زالت متناثرة، تتزاحم في رأسي مع عشر أفكار أخرى، لأمور ومواضيع متباينة، فتركته جانبًا، حتى علاه الغبار، ولربما أعود أو قد لا أعود لإتمامه.
وهذا أيضًا ما يحصل عند رغبتي في القراءة، بالرغم من ولعي بها إلا أني أقرأ عشر صفحات من كتاب، ثم أنتقل إلى آخر ذي موضوع بعيد كل البعد عن سابقه، ثم إلى ثالث يتبع تصنيفًا آخر، وهكذا.
ويتكرر الأمر مع كل أعمالي غير المكتملة، والتي تبدأ ولا تنتهي، ومع بعض الأمور الأخرى والتي أيضًا لا ترى النور، ومع أني لا أشعر بأنها ستموت قبل أن تولد، إلا أني أظن بأن ولادتها المتأخرة قد تسبِّب لها بعض التشوهات؛ كأنْ تأتي ناقصة مبتورة، أو ركيكة؛ لأني سأضطر لإنهائها بشكل سريع عندما يداهمني الوقت الذي كان متسِعًا في البداية.
ولأني كنت أستاء من حجم التشتت الذي أعانيه؛ فقد اعترفت به إلى آخرين شباب وشابات، اعترفوا هم أيضًا أنهم يعانونه، والغريب أننا جميعًا شباب، نمتلك الموهبة والطاقة، والقدرة المادية والمعنوية والجسدية، لإتمام ما بدأناه، كما أن الأفكار الجديدة موجودة وزاخرة، ولكنها متزاحمة؛ ما أدى بها إلى الاختلاط والتشابك، فصعب فكها وإبرازها للنور، فكانت محصلةُ كل هذه الطاقات والأفكار القوية والجديدة صفرًا.
إنك تراوح مكانك جيئة وذهابًا دون أن ينتج عن هذا التراوح شيءٌ سوى التعب، تصعد إلى الأعلى، ثم تهبط مرة أخرى إلى حيث كنت، دون تحقيق شيء، تمامًا كدلو ماء أُنزل إلى البئر، فما أن لامس الماء حتى أُصعِد للأعلى دون أن يدخل جوفه قطرة، فالمحصلة هي قطرات الماء التي لامست الجزءَ الخارجي منه، والتي تتساقط أثناء عملية شده للأعلى، فلا ينال من نزوله ذلك أي شيء، سوى عناء إرخاء الحبل وشده.
وهذه مشكلة فعلًا متواجدة ومنتشرة، فما من شاب تسأله عن مخططاته، إلا ويسرد قائمة من المخططات والأفكار، وطرق التنفيذ وإعداداته، إلا أنها مجرد كلمات نظرية، أجنة أفكار لا تولد، والأكثر إيلامًا أن البعض يبدأ فعلًا بمشاريع مكلفة ومجهدة، فتجد تشتت أفكاره يمنعه من التركيز على شيء محدد، فيتوسع أو يغير اتجاهه، فلا يُبقي على هذا ولا ذاك؛ فيضيع جهده دون تحقيق ما يرغب، ويجد ما خطط له قد ذهب هباء ودون فائدة، مع ما أضاعه من وقت، فيفشل دون أن يدرك سبب فشله.
إن علة ذلك الإخفاق هي فوضى الأفكار، وعدم الترتيب، وعدم استشعار لذة الإتقان، وقلة الحرص على الإحسان، فالعمل المتقن الحسن وحده يعطي أفضل النتائج المرجوة من ورائه، وأفضل الآثار المترتبة عليه، سواء عادتْ تلك الفوائد على العامل وحده أم تعدَّت إلى غيره.
يقول صلوات الله عليه وسلامه: «الألباني في "السلسلة الصحيحة" [1113])، وهذا يشمل الأعمالَ كلها: أعمال الدنيا، وأعمال الآخرة.
» (صححه
فالعمل المتقن هو المقبول، وهو الناجح، ومِن إتقان العمل إنهاؤه، وعلى الشكل المطلوب، فالإتقان هو سبب النجاح والإنجاز في كل مجالات الحياة، وهو سبب التفوق والتقدم، وبه وحده تقدَّمت الأمم على اختلاف ثقافاتها، ودياناتها، وأفكارها -وفي الأمم شواهد كثيرة على ذلك-، وهو تحديدًا ما يفقده كثير من أبناء أمتنا، بالرغم من توجيه ديننا السامي إلى أسرار النجاح (التوكل، التقوى، الإخلاص، الإتقان، الإرادة، بذل الأسباب)، إلا أن التنفيذ لا يتم؛ فالرغبة في الوصول السريع، وعدم التريث؛ يؤديان لعدم الإتقان، وهما بالتالي سببان لعدم الإنجاز والإنتاج.
إن إتقان العمل للمسلم هو عبادة يرجو بها المثوبة، فيتوجب عليه أن يهتم بسلامة عمله، وجودته، وإتقانه، ويبذل جهده لإحسانه وإحكامه؛ لأن الله طيِّب لا يقبل إلا طيبًا، والله لا يرضى من المؤمن إلا أن يقوم بعمله بشكل حسن متقن.
عن شداد بن أوس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه مسلم في "صحيحه").
فالذي أحسَنَ كلَّ شيء خَلَقَهُ يرشدنا إلى ما تستقيم به أمورنا الدينية والدنيوية، فلا يحب لنا سواه، ولا يرتضي لنا إلا إياه، فالمطلوب إذًا ليس مجرد العمل؛ بل إحسان العمل وأداؤه بإتقان، ومَن أتقن العمل لقي الجزاء كما يقال، والله تعالى يقول: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف:30].
إن همة أبنائنا عالية، وطاقاتهم متفجرة، إلا أنها غير موجَّهة، وغير مركزة؛ مما يشتتهم، ولا يمكِّنهم من الوصول، أو الحصول على مبتغاهم وما يطمحون إليه؛ مما يحبطهم ويعكس مفاهيمهم، ويثبط عزائمهم، ولمعالجة هذه المشكلة؛ لا بد من معرفة مسببات هذا التشتت.
فما أسباب هذا التشتت والانتثار؟
1- بدايةً، وبلا أي شك، فإن التركيز وصفاء الذهن هو منحة من الله، ونعمة ككل النعم، تدوم بالشكر، وتزول بالجحود والإهمال والكفر.
2- الإجهاد الذهني: في رأيي أن الإجهاد الذهني من أهم مسببات التشتت؛ فالمشكلات المحيطة بالشباب، سواء الأسرية، أو الاجتماعية، أو الدراسية، أو المعيشية، أو المالية، أو النفسية، أو غيرها من الأمور المجهدة لفكر الشباب، فهو مشغول الفكر بها يُحمِّل رأسه أطنانًا من الهموم، ما ينوء بحملها أولو الأحلام، فأنى لشاب مرهق الفكر أن يخطط أو ينتج؟!
3- عدم وضوح الأفكار: كثرة الأفكار، واختلافها، وعدم تحديدها؛ من الأمور المشتتة، فتجد الشاب يركض هنا وهناك، محاولًا الموافقة بين مشروعين أو فكرتين متباينتين، فيتشتت ويضيع، ولا يناله سوى التعب.
4- كثرة المسؤوليات: كثرة الأعمال وتشعُّبها يرهق الفكر تمامًا ويشتته، فالطالب الذي يذهب إلى مدرسته أو جامعته من الصباح، حتى قبيل العصر، ثم يلتحق بعمل إضافي بعد المغرب يستمر ثلاث أو أربع ساعات؛ هو طالب منشغل الذهن بأشياء مختلفة؛ فلا يستطيع -إلا ما ندر- التركيز في شيء محدد، وكذا الأم العاملة والتي تعود لتستكمل واجباتها المنزلية، ومتابعة أبنائها، وغيرها من الالتزامات؛ تكون مشتتة، وغير قادرة على التركيز -إلا نادرًا- في عمل محدد.
5- الإهمال في أداء المهمات: وهو مما يؤدي إلى تراكمها وتجمعها، وحينها يصعب على الفرد أن يحدد من أين يبدأ؟
6- كثرة الملهيات: من أدوات الترفيه والتسلية، والتي انتشرت بكثرة، من موادَّ مرئيةٍ ومسموعة، وألعاب مختلفة ومتنوعة؛ هي من عوامل التشتيت الذهني.
7- التعب الجسمي: فأنَّى لجسد مرهق متعب أن ينتج أفكارًا متقنة؟!
8- الملل: فالملل من عملٍ ما، أو من شيء ما، يَحُول دون إتمامه.
9- علو الهمة: من الغريب أن البعض بسبب علو همته، وزيادة حيويته ونشاطه، وتحت إغراء كثرة الفرص المتاحة له، يندفع للعمل في كل اتجاه، فيشتت نفسه، ويحمِّلها فوق طاقتها؛ مما يؤدي إلى القلق، والاضطراب، وعدم الإنتاج.
10- ومن الأسباب الأخرى المؤدية للتشتت، عدم تعويد الأبناء في الصغر على التركيز على شأن واحد، أو تعويدهم أن يُتمُّوه على أحسن وجه، بحجة صغر سنهم؛ مما يجعلهم بعد ذلك يتقاعسون عن أداء الأعمال بشكل جيد ومتقن، والحقيقة أنه حتى طريقة أدائهم المنظمة لواجباتهم وفروضهم لها دور في تعويدهم التركيزَ وعدم التشتت، برغم كثرة الواجبات.
والآن بعد استعراض المسببات، أو بعض منها، فماذا يمكن أن تكون الحلول؟
1- ولأنها -كما أسلفت- هبة من عند الله، فمَن رغب فيما عند الله، فليسأله مخلصًا موقنًا بالإجابة: أن يمنحه الصفاء والتركيز، والسداد والرشاد؛ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، وثِقْ بأن الطاعة سبب لرضا الكريم المنان، فلا ترجو توفيقه وأنت تعصيه.
شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي *** فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ المَعَاصِي
والاستعانة بالله هي من أهم أسباب النجاح؛ فإن كل الأمور معلقة بإرادة الله تعالى وتوفيقه؛ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].
إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللَّهِ لِلْفَتَى *** فَأَوَّلُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتَهَادُهُ
2- التخطيط: دائمًا يكون التخطيط أساس النجاح -بعد توفيق الله عز وجل- في أي عمل تقوم به، وإلى تركه يُعزى فشل كثير من الأعمال؛ لذا يجب وضع برنامج محدد للعمل، يراعى فيه الوقت والإمكانات والظروف، وتحدد الأمور المراد إتمامها، ومدى مناسبة هذه الأمور له ولقدراته وإمكاناته، ومدى نجاح التنفيذ، وأيضًا توزيع المهام على الزمن بأن يُقرَّر للعمل الذي سيُبدأ به المدةُ الزمنية التي سيُنجز فيها، وكذلك تحديد الاحتياجات والأدوات، وكم سيحتاج من المبالغ المالية؟ وما الوقت المناسب له؟ وأين سيكون التنفيذ؟ وكيف ينفذ؟ ومع من سيقوم بالعمل؟ وكم من الأيدي العاملة ستساعده؟ وهكذا.
3- تحديد الأهداف: فبتحديد الهدف من العمل الذي يُراد القيام به، تُقدَّر مدى أهمية وفائدة هذا العمل، وهو مما يساعد على الإنجاز، فالهدف المرجو بشدة يرفع من همة الشاب للوصول إليه سريعًا؛ مما يرفع من مستوى أدائه وإتقانه لعمله.
4- التنظيم: ولهذه العملية دور كبير في تركيز انتباه الشباب، وتحقيق الأهداف المرغوبة، وذلك بأن ينظم أولوياته في الأعمال؛ ليعلم ما الذي يبدأ به أولًا؟ وما الذي يؤجَّل؟ ويرتبها حسب أهميتها أو نفعيتها، فيهتم بالضروري وما لا يُمكن تأجيله، ويؤخر ما دون ذلك، وينسق فيما بينها، ثم يقوم بكتابتها وتسجيلها كنقاط في ورقة، أو تدوينها على لوح، ويبدأ بها على التوالي، بدلًا من التبعثر هنا وهناك، فإذا جعلت معيارك تقديم الأهم، أمكنك أن تجتاز مرحلة الحيرة بين هذه الأعمال، والوصول إلى قرار بأيها تبدأ.
5- مراعاة الوقت الملائم للبدء في العمل: مراعيًا ظروفك وإمكاناتك المتاحة، متجنبًا البدء بالعمل في وقت قد لا يكون مناسبًا نفسيًّا أو ماديًّا، أو لأي سبب آخر.
6- الالتزام بالوقت، والانضباط في الأداء: وذلك بإحكام تنفيذ الخطط الموضوعة، تجاهل أي عمل آخر ما دمت منشغلًا بعملٍ الآن، ولا تنصرف عما أنت بصدده حتى تنتهي منه، وسابِق الوقت؛ فهذا يقضي على التقاعس عن التنفيذ، اضبط جرس الساعة لمقدار مناسب لإنهاء العمل، أو حدد على أوراق التقويم أيامًا محددة لإنجاز المهمة، والمهم هو الإصرار على الانتهاء قبل نهاية الوقت.
7- تهيئة المكان والبيئة المناسبة والمريحة: وإبعاد كل المشوشات، من أجهزة مرئية، وصوتية، وخلافها؛ فالجو الذي تَعمُّه الفوضى ليس مكانًا مناسبًا للعمل أيًّا كان، وكذلك المكان المكتظ بأدوات اللهو والتسلية، ليس ملائمًا للعمل.
8- التمرس وتدريب النفس: بتقسيم الوقت، والتركيز على أداء عمل واحد، في زمن واحد، وعدم الانتقال إلى غيره قبل إتمامه، مهما كانت الأسباب، وذلك بوضع زمن محدد لإنجاز مهمات يسيرة، يمكن الانتهاء منها سريعًا، وتدريجيًّا تجد نفسك وقد اعتدت هذا التزامن. وكثرة التدريب هي الطريق الأمثل لإتقان العمل أو السلوك، إن بناء القدرة على التركيز الذهني والعقلي، وترتيب الأعمال والأفكار؛ يحتاج إلى تمرين وتدريب طويل؛ ولكن نتائجه تستحق هذا الجهد.
9- الصبر والإرادة القوية: يقول تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، فمن الضروري الصبر والمثابرة والاستمرار، حتى لو تأخرت النتائج؛ فالإرادة يمكن أن تصبح قوَّةً خفيَّة وهائلة، إذا خرجتْ تصنع العجائب، وقد كان محمد الفاتح يتحدث عن نفسه، فيقول: "إن لي قلبًا كالصخر، لا يهدأ ولا يلين، حتى أحقق ما أريد".
10- التدرج في العمل من السهل إلى الأصعب: من الضروري مراعاة التدرج في صعوبة العمل، فلا تبدأ بالعمل الأصعب، أو تُكرِه نفسك على ما لا تطيق؛ فتصاب بالإرهاق والتعب؛ فتتوقف عن إتمامه، بعكس البدء بالعمل السهل الميسر، والذي يمكن الانتهاء منه وإتمامه دون كثير جهد؛ لذا اختر عملًا سهلًا تحبه، وأرغم نفسك على التفكير فيه وحده، ولا تدعه قبل أن تنهيه.
11- من المهم الشعور بلذة العمل والاستمتاع به، واليقين بأن إتقان العمل وإنجازه هو لذة أخرى، لا يحسها إلا من وصل إليها، علاوةً على ما قد يناله من مكافآت لإنجازه وإتقانه لعمله، سواء من رب العمل، أم ممن سيقدمه إليهم، إضافة إلى إرضاء ربه الذي أحسن كل شيء خلقه؛ قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105].
12- اتِّباع نموذج صحيح لأداء العمل: ثم السير على نهجه في الأداء بعد ذلك، فالعلم والخبرة تكتسب مع مرور الوقت بالاقتداء والاتِّباع.
13- ثق بقدراتك: فالثقة بالنفس هي طريق النجاح في الحياة، وإن الإحباط، والتردُّد، والشعور بعدم القدرة على الأداء؛ لهي من أهم عوامل هدر الطاقات وإضاعة الفرص، واعلم بأنك لن تعرف حجم قدراتك وإمكاناتك ومهاراتك الحقيقية، حتى تجربها، فتخلَّص أولًا من مشاعرك السلبية تجاه نفسك، وابدأ وستسعدك حتمًا النتائجُ، فما أنعم الله به على الإنسان من طاقات وإمكانات كثيرة جدًّا، ولكن عليه استغلالها الاستغلال الأمثل وعدم تضييعها.
14- القضاء على الملل: وذلك بتنويع الأعمال التي تمارسها، أو تغيير طريقة أدائها؛ لأن البقاء على عمل واحد دائمًا، وأداءه بنفس الطريقة دومًا؛ يصيب النفس بالملل والكسل والرتابة، ومن ثَمَّ يثقل العملُ على النفس ويستكثر وإن لم يكن كثيرًا؛ ولكن تنبه أن تقطع عملًا لتبدأ بآخر؛ لأنك في المحصلة ستجد أمامك الكثير من أنصاف الأعمال.
15- عدم التفكير في الأمر بعد الانتهاء منه: وتصفية الذهن للأعمال الأخرى المتبقية، يقول أحد علماء النفس: "إن صب الاهتمام في العمل والمشكلة التي هي قيد البحث، ثم نسيان الأمر تمامًا بمجرد حسمه، والوصول إلى قرار فيه، بحيث تستعيد قوة تركيز ذهنك كاملة غير منقوصة؛ من أهم أسباب النجاح في الحياة".
كما يجب ألاَّ يغرَّك الفرح بالنجاح في الحاضر، عن الاستعداد لأعمال أكثر صعوبة، وأكثر جدية، وأكثر نجاحًا، في المستقبل.
16- عند الشعور بالإجهاد، توقف عن العمل بعض الوقت، وخذ قسطًا من الراحة؛ فلجسدك عليك حقٌّ، فأعطِ نفسك قدرًا كافيًا من الاسترخاء والراحة، ثم عاود ممارسة العمل بنشاط كامل، بدلًا من العمل بجسد مرهق، فلا تعطي كامل عطائك.
في رأيي المتواضع أن هذه الطرق مجدية جدًّا؛ لأني حين حاولت اتباعها -بفضل الله- خرجت بهذا المبحث المتواضع أيضًا، والذي حتى لو لم يَنَلْ أي درجة، فإن ولادته بهجةً كبرى لي، فقد كنتُ أظنه كسابقيه سيموت في المهد، ولكن بتوفيقٍ من الله نجا.
فإن أصبتُ، فمِن الله وحده، وإن أخطأت، فأسأله كريم عفوه.
لكم الشكر والدعوات.
شريفة الغامدي.
- التصنيف:
- المصدر: