صناعة العلماء - (25) صفات العالِم الرباني 1 : الإخلاص
العالم الرباني أغلى ما تمتلكه أمتنا الإسلامية، فبه تنصر وبه تتحرك عزائم رجالها، وإن للعالم صفات تؤهله للربانية والقرب من الله عز وجل، ولعل من أول هذه الصفات، صفة الإخلاص والتجرد لله سبحانه.. وتتناول هذه الحلقة صفة الإخلاص وأهميتها والطريق إلى تحقيقها من خلال النية ومعرفة قدر الله تعالى... وهنا ملخص ما جاء بها.
بسم الله الرحمن الرحيم
د. راغب:
العالِم الرباني صفاته كثيرة ومن أهمها صفة الإخلاص والتجرد لله عزَّ وجلَّ وألا ينوي بعمله إلا أن يرضى عنه ربنا ويُدخله الجنة.
د. صلاح:
هناك نوعين من العلماء، منهم المخلصين من العلماء العاملين الربانيين ويرفعهم في أعلى عليين، ومنهم من ينزل إلى أسفل الدرجات ويدخل إلى جهنم لأنه أشرَكَ مع الله أحدًا غيره في العمل لله تبارك وتعالى.
وهناك عالِم يُفتي بعلم، وعالِم آخر يُفتي حتى لا يقال عنه أنه لا يعلم فيُفتي بغير علم، وهذه خطيرة جدًا لأنه لا يبحث عن الحق وإنما يبحث عن وضعه النفسي والأدبي بين الناس، فتصبح نفسه أعزَّ عليه من الحق.
بل ونجد فتاوى من العلماء ليس لها وزن علمي ولا فقهي، وعندما تُذكِّرهم وتعطيهم الرؤيا الصحيحة الشرعية لا يتخلى أبدًا عن رأيه، وهذا من الكِبر الذي ينافي الإخلاص والتجرد لله تبارك وتعالى.
فصاحب العلم كلما ازداد علمًا ازداد ضعفًا في نفسه وشعور بالذلة على المؤمنين وشعور بالقلة.
د. راغب:
ماذا يفعل العالِم لكي يكون مخلصًا؟
د. صلاح:
أولًا: لا بد من تحرير نيته قبل كل قراءة وكتابة أو درس علم وقبل كل عمل، وتكون خالصة لله تبارك وتعالى.
وهذا ليس خاصًا بالعلماء الشرعيين، بل كل من يتعلم في أي تخصص، في علم الرياضيات والفيزياء والقرآن الكريم والفقه والسيرة وما إلى ذلك، طالما أنه يتعلم علمًا نافعًا، فهو يَخُط طريقه إلى الله سبحانه وتعالى ويتعلم العلم الذي أودعه الله سبحانه وتعالى إياه.
ثانياً: عندما يطلب الإنسان العلم عليه أن يكون عالِمًا خادمًا للأمة وحاملًا للرسالة حتى يُرضي ربه سبحانه وتعالى.
ثالثًا: قيام الليل: فهو يُصفي النفس من أدران الرياء والسمعة ويصنع في الإنسان ما لا يصنعه غيره، وهذه العبادة بشكل خاص إن لم يتمرس عليها العالِم فقد تودّع منه وأصبح في عِداد الهلكى وهو لا يدري، فصناعة العالِم تحتاج أنه يطيل الوقت في الليل والعبادة بينه وبين الله سبحانه وتعالى يطيل قراءة القرآن ويطيل السجود بين يدي الله تبارك وتعالى.
رابعًا: الإنسان عندما يجد من هو أعلم منه يُقدِّمه ولا يتقدم عليه، وهذه من علامات الإخلاص، وشعوره أنه يستفيد من أخيه في الله.
د. راغب:
وإذا قَدَرت لله قدره تستطيع أن تعبده دون أن يتدخل الشيطان في هذه العبادة، وهنا تصبح العبادة تمتلك كل حياتك دون تكلُّف لأنك تبعد إله قدير عظيم.
وعلى كل عالِم أو طالب علم يريد أن يصبح عالِمًا ربانيًا أن يصرف من وقته وجهده لقراءة القرآن الكريم وخاصة لوكان في قيام الليل، ويصرف من عمره وقتًا للتفكر والتدبر في الكون.
فهذا الزاد نستطيع أن نغير به حركة القلب ونصل به إلى الإخلاص إن شاء الله رب العالمين.
د. صلاح:
وعبادة التفكر من أكثر العبادات التي تُوصل قلب العبد بالله وتُعلمه الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، وخاصة العلماء، لا بدّ للعالِم من التفكر والتدبر لأن العالِم لا بد أن يكون عميق النظر وواسع الأثر، فلا بد أن يذوق حلاوة التفكر والتدبر وثم يشيع في الناس عبادة التفكر وعبادة التدبر.
د. راغب:
وبالتالي تصغر في عينه جميع المشاكل الدنيوية.
وهي تجربة عظيمة جدًا عندما يقول الإنسان الأذكار على شاطئ النيل أوفي مكان يشاهد فيه السماء فهي ستختلف تمامًا عمَّن يقولها وهو في غرفة مغلقة.
و{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت من الآية:53]، فيتبين لنا هذه الرؤيا عندما نتفكر في خلق الله عزَّ وجلَّ، وهذه مهمة تظل مهمة العلماء.
لسماع هذه الحلقة: الإخلاص في حياة العلماء
- التصنيف:
- المصدر: