(26) صفات العالِم الرباني 2 : الأمانة
راغب السرجاني صلاح الدين سلطان
نستكمل في هذه الحلقة صفات العالم الرباني، حيث نعيش مع خلق الأمانة، وأهميته في حياة العلماء الذين يحملون أعظم أمانة وهي أمانة الدين والعلم، وبعض الإشارات حول الأمانة العلمية وأمانة الكلمة، وخطورة كتم العلم، وما هي أخلاق الاختلاف بين العلماء... وهنا ملخص لما جاء في هذه الحلقة.
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
بسم الله الرحمن الرحيم
د. راغب:
لا بد أن يكون العالِم سابقًا للناس في كل الأخلاق ويكون مضربًا للمثل وقدوةً يؤتسى به في هذا المجال، ومن أهم الصفات التي ينبغي للعالِم أن يتصف بها هي خُلُق الأمانة، وبها جاء الأنبياء، فإذا حمل العلماء أمانة العلم فلا بد لهم أن يصلوا بها إلى الناس في أمانة.
د. صلاح:
الأمانة حِمل ثقيل ويجب أن يحمله العاِلم، والله سبحانه وتعالى جعلها من صفات المؤمنين، وأمانة حمل الرسالة هي كما سماها الإمام بن القيم: (أعلام الموقعين عن رب العالمين)، فالعلماء يوقِّعون نيابة عن الله تبارك وتعالى عندما يُصدِرون الفتاوى والأحكام، وكذلك علماء الأمور الطبيعية والأمور الحياتية لديهم أمانات كبيرة من العلم الذي تعلموه بأن يُفيدوا به الناس، ولا تتحول علوم الذرة إلى قنابل تُدمر البشرية ولا تتحول العلوم والمعارف إلى مكاسب وإن دمرت البيئة، والعالِم الطبيب لديه أمانة ضخمة فقد يكتب تقريرًا ما يُضيِّع به الحقوق ويؤدي إلى حدوث جنايات كبيرة، فهذه كلها أمانات يُسأل عنها العلماء.
وهناك أمانة ذِكر المصدر لكل معلومة، فالعالِم عندما يقرأ كتابًا ما، لا يجوز شرعًا ولا خلقًا أن ينتزع هذ الجُهد وينسبه إلى نفسه!
د. راغب:
بل وليس بالضرورة أن ينقل رسالة كاملة لكن لو أخذ مقطعًا صغيرًا من كتاب ولم ينسب هذا القول إلى صاحبه فهذا يُعد من خيانة الأمانة وعدم إضافة الفضل لأهله.
كان دائمًا أسلافنا الصالحين يذكرون من ينقلوا عنهم وكان المفسر ينقل أقوال العلماء ثم في النهاية قد يقول رأيه، بل وأحيانًا يذكر الآراء المعارضة لرأيه ثم يثبت رأيه بالحجة والدليل.
د. صلاح:
الله عزَّ وجلَّ كان ينقل كل ما قاله الناس حتى فيه هو تبارك وتعالى!
فمن قوة الاستدلال العلمي أن يأتي الإنسان بالآراء المتعارضة فيؤيد رأيًا بدليل جديد ويرد على وجوه الاعتراض، فيعارض هذا الرأي وبأدب في التعامل مع الرأي المخالف، وهنا يكتمل النضج العلمي.
د. راغب:
والعالِم وإن كان على مستوى علمي بسيط عندما يُسأل في قضيةٍ ما، فمن الأمانة أن يقول أنا رأيي كذا، بل ويذكر الآراء الأخرى حتى لا يُحدر واسعًا لأنه قد يكون في الرأي الآخر مَخرج للسائِل، بدل من أن يُقصر كل الإجابات على إجابة واحدة، لأن هناك كثير من القضايا اختلف فيها الفقهاء لتحقيق المصالح للناس، فتختلف الفتوى باختلاف الزمان والمكان والظروف.
وهناك الأمانة في توصيل النصيحة والكلمة، لأنه أحيانًا العالم يرى شيئًا ومن الأمانة أن يتكلم وهو لديه العلم و لو كتم هذا العلم سيخون الأمانة.
لكن ما الذي يُقوي العالِم ويشجعه على الحفاظ على هذه الأمانة؟
د. صلاح:
بتعظيم الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ} [الأحزاب من الآية:39]، ولذلك أقول وخاصة لعلماء الشريعة، لا يُؤخذ عن أحدِ إلا إذا جمع ثلاثة أشياء:
1- الحجة الشرعية: وهو أن يكون من الراسخين في العلوم الشرعية.
2- أن يكون صاحب خشية قلبية.
3- أن يكون صاحب حركة دعوية: فيكون مُبادر إلى إنكار المنكر وإشاعة المعروف وتذكير الناس، فالعالم لا ينتظر حتى يقال له تكلم.
وأجد أن مطالعة آيات القرآن والإحساس بمعاني القرآن تُربي الإنسان على العزة والكرامة والقوة والأمانة وتجعله لا يخشى في الله لومة لائم.
والشهيد السيد قطب عليه رحمة الله يقول: "صاحب الإيمان وصاحب الرسالة وحامل الأمانة يرى أنه الأعلى وإن كان مظلومًا مضطهدًا في غيابات السجون، إن كان معذبًا تحت أيدي الجلادين يستشعر هذه القوة وهذا العلو لأنه أبى إلا أن يسجد لله وأبى إلا أن يقول كلمته ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى".
د. راغب:
وكذلك أرى أنه من الأمانة أن يتم ذِكر الفضل لأهل الفضل حتى عند المخالفة، وأن يذكر محاسن العلماء الآخرين ولو كانوا منافسين له أو مناظرين له، وهذا من الفضل الذي أعطاه الله عزَّ وجلَّ للعلماء الراسخين المتميزين بالخلق الكريم.
د. صلاح:
ومن لديه أمانة وثقة في نفسه لا يجد حرجًا أن يذكر الآخرين بآرائهم.
لسماع هذه الحلقة: الأمانة في حياة العلماء (1)