أيام في مصر
محمد بن موسى الشريف
ولا يليق بمصر ومكانتها أن تبقى فيها أماكن المنكرات قبلة لكل عاهر
وداعر، فأرض عمرو ابن العاص رضي الله عنه وأرض الصالحين تئن من هذا
الحمل الثقيل والواقع المرير، فهل من تغيير؟!
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
أيام
في مصر (1/2)
لي في مصر عرى وثيقة، فوالدتي حفظها الله منها، وامرأة أبي أم إخوتي منه منها، وهي أول بلد أزورها منذ خرجت من المملكة، أول ما خرجت سنة 1386/ 1966، ثم زرتها عشرات المرات بعد ذلك، وأول ما تراه في مصر مآذنها الشامخة، ففي البلد أكثر من سبعين ألف مسجد، وهي دالة شاهدة على أنّ ذلك البلد هو عرين الإسلام مهما ادعى المدعون وأراد الهادمون، وفطرة أهله ربّما كانت أقرب اطر إلى الإسلام، فهم قوم فيهم طيبة ورفق في الجملة، وسلاسة طباع ونزوع إلى خير ولين، هذا هو المعروف عنهم الذي شهد لهم به الموافق والمخالف.
ومصر هي التي نصرت الإسلام في مواقع فاصلة، فهي التي أخرجت الصليبيين من آخر مواقعهم في بلاد الشام من عكا أيّام الأشرف خليل المملوكي سنة 690، وهي التي أنقذت المسلمين في معركة عين جالوت الفاصلة في سهول فلسطين سنة 658 على يد أسدي الإسلام قطز والظاهر بيبرس، وهي موطن الخلافة الإسلامية العباسية بعد أن سقطت بغداد لمدة قرنين ونصف قرن تقريبًا، إلى أن جاء العثمانيون، وهي التي ردت الصليبيين خاسئين أيام الكامل الأيوبي ومعركته مع لويس التاسع الذي سجن في دار ابن لقمان في المنصورة، وهي التي خرّجت ليوث الإسلام من قادة المعارك العظام، فهي التي صقلت صلاح الدين واليها سنوات طويلة قبل سلطنته، وفيها الممالك التي حرست الإسلام طويل، وذبت عنه مثل المملكة الأيوبية ودولة المماليك، ومنها خرج الفتح الإسلامي الأول إلى ليبيا وما وراءها إلى المحيط.
أمّا علماء مصر فحدث عن البحر ولا حرج، وحسبي أن أذكر على سبيل المثال الليث بن سعد الذي قال عنه الشافعي الإمام: "هو أفقه من مالك، وعبد الله بن عبد الحكم، والمزني، والبويطي، والشافعي ـ وقد مكث في مصر أكثر من أربع سنوات، وقد قال ابن المبارك: من مكث في بلد أربع سنوات نسب إليها ـ والقاضي الفاضل العالم وزير صلاح الدين، والحافظ العراقي، والحافظ الهيثمي، والحافظ ابن حجر، والحافظ السخاوي، والحافظ السيوطي، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري في آلاف من العلماء، بل على الحقيقة مئات الآلاف من العلماء الذين امتلأت بهم مصر منذ الفتح الإسلامي إلى يوم الناس هذا".
وهي بلد الأزهر الذي ظل شامخًا أكثر من ألف سنة وإن اعتراه ما اعتراه في هذا الزمان من ضعف وهوان، لكن كم كان للأزهر بجلائه ومشايخه من مواقف عزة وقوة وجلال؟! أليس هو الذي دوخ نابليون وكليبر خليفته؟! أليس هو الذي وقف شامخًا أمام الخديوية وتساهلها وقلة دينها؟!
وعلى يد مصر وعلمائه قُعِّدت أكثر العلوم والفنون، وضبطت الصناعات وحذقت، ولو قُدِّر لها أن ترزق حكامًا صالحين لكانت الآن في مقدمة دول العالم، ألم يبعث اليابان بعثة رسمية في أواخر القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي إلى مصر لينظر كيف تقدمت ليتبع خطواتها؟ وإن شئت المزيد من البيان عن هذه الحادثة الجليلة فاقرأ (منار رشيد رضا رحمه الله).
واليوم تعظم آثار الفراعنة أيّما تعظيم وكأنّما هي تاريخ مصر، فالأخبار عنهم وعن قبورهم وقصورهم قد ملأت الدنيا وشغلت النّاس، وزوار مصر لا يكادون يعرفون إلاّ هي!! فمن ذا الذي يزور الأزهر، أو المتحف الإسلامي، أو قلعة صلاح الدين؟ سواء من الزوار المسلمين أو من غيرهم؟ وقد طمس اليوم التاريخ الإسلامي فيها أو كاد، وأًعلي تاريخ الفراعنة وآثارهم، هذا على ظلمهم وشدة سطوتهم وجبروتهم، وشركهم وكفرهم وإلحادهم، وتسخيرهم الشعب لنزواتهم وأهوائهم، وقد أخبر الله جل جلاله عنهم في كتابه بما يشفي ويكفي، لكن هي خطة ماكرة لإبعاد مصر عن دينها، وقطعها عن حضارتها الإسلامية الرائعة.
وقد زرت في مصر قلعة "قايتباي" في الإسكندرية، وهي قلعة جليلة، وقفت شامخة مئات السنين، وقايتباي هو أعدل سلاطين المماليك وأفضلهم وألينهم عريكة وأقومهم بالعدل، ومن أطولهم مدة حكم، ولا يُنسى فضل قطز لكن كانت مدته قصيرة جدًا، وبين وفاتيهما قرنين ونصف قرن تقريبًا، فرحمة الله عليهما، فهما طرفا حكم المماليك وخير سلاطينهم فيما أعلم، والله أعلم.
وزرت في الإسكندرية أيضًا مكتبتها الجليلة، وهي التي بنيت باسم المكتبة القديمة التي اتهم عمرو بن العاص ظلمًا وعدوانًا بأنّه حرقها، ولم أر أشهد بالزور بعد الرافضة من هؤلاء المستشرقين الكاذبين الذين يلصقون بالمسلمين خطايا هم برآء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، فقومهم هم الذين تواترت عنهم حرق المكتبات في مدن الأندلس لما دنسوها بأخذها من ضعاف المسلمين وخَلْف الصالحين العاملين، أمّا المسلمون فلم يثبت عنهم حرق مكتبة الإسكندرية ولا غيرها، لكن للقوم اليوم إعلام قوي رائج، وإعلامنا إعلام غنائي راقص ساذج!!.
وزرت في القاهرة قلعة صلاح الدين، وهي قلعة عظيمة بحاجة إلى عناية وترميم، وزرت أول مساجد أفريقية: جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه، وسعدت بالصلاة فيه مرارًا، كما سعدت بالصلاة في الأزهر مع ألم اعتصرني من تراجع وظيفته ودرجة علم أكثر مشايخه.
وقد زرت أيضًا جامع الشيخ المقرئ الكبير محمود خليل الحصري رحمه الله تعالى، وشرفني القائمون عليه بالإمامة فيه في صلاة المغرب، وهو ضمن مجموع من الأبنية التي تقوم على الأيتام والفقراء، كلها تحت إدارة ابنة الشيخ الناشطة العاملة ياسمين الحصري، وقد جمعت من المال الشيء الكثير، وبنت به تلك المباني الضخمة، وجعلت ثواب كل ذلك لوالدها، فما أحسن ما صنعت!! وما مات من رزق مثل تلك البنت.
ومن العجائب التي رأيتها في مصر أنّني زرت المتحف الفرعوني فوقفت على جثة فرعون مصر الذي قال الله تعالى عنه في القرآن: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [سورة يونس: من الآية 92]، فأبقاه الله إلى يوم النّاس هذا، وسيبقى إلى يوم القيامة؛ تحقيقًا لوعد الله تعالى، وقفت عليه وهو في تابوت من زجاج، فإذا بالتابوت مكتوب عليه: "هذا فلان بن فلان غرق في ظروف غامضة"!! فاسترجعت وعجبت أن يكتب عليه مثل هذا، والله تعالى قد فصل لنا في كتابه الكريم حادث غرقه، وبينه لنا أحسن تبيين، فما هذا التجاهل لهذه الحادثة الجليلة التي أذل الله تعالى فيها فرعون وملأه، هذا وقد كنت وقفت عليه قديمًا سنة 1402/ 1982 ثم إنّي لم أعد إليه، فلعلهم غيروا هذه العبارة العجيبة التي تدل على تجاهل كبير للنصوص الشرعية، إذ لا يمكن لمسلم أن يجهل ما حدث لفرعون!!
وفي مصر جوامع كثيرة جليلة إضافة إلى ما ذكرت، ومن أجلّها جامع السلطان حسن، وهو من الجوامع التي بنيت في العصر المملوكي، وأظن أنّ هذا الجامع هو أعظمها بناءً، وبوابته شاهقة الارتفاع، لم أر جامعًا من قبل له مثل هذه البوابة العجيبة.
وبعد فمصر بلد واعد، فيه زيادة على 75 مليونًا من البشر، وفيه طاقات كبيرة، ومواهب جليلة، وسواعد واعدة، لكنه بحاجة إلى إخلاص الحاكمين والمحكومين، والتعاون بين العلماء والدعاة من جهة وبين الحكومة من جهة أخرى، وبحاجة إلى تخطيط سليم وأخذ بأسباب التقنية، فإذا فعلوا ذلك فأزعم أنّهم سينافسون كثيرًا من دول العالم وأقطاره، والله أعلم.
لي في مصر عرى وثيقة، فوالدتي حفظها الله منها، وامرأة أبي أم إخوتي منه منها، وهي أول بلد أزورها منذ خرجت من المملكة، أول ما خرجت سنة 1386/ 1966، ثم زرتها عشرات المرات بعد ذلك، وأول ما تراه في مصر مآذنها الشامخة، ففي البلد أكثر من سبعين ألف مسجد، وهي دالة شاهدة على أنّ ذلك البلد هو عرين الإسلام مهما ادعى المدعون وأراد الهادمون، وفطرة أهله ربّما كانت أقرب اطر إلى الإسلام، فهم قوم فيهم طيبة ورفق في الجملة، وسلاسة طباع ونزوع إلى خير ولين، هذا هو المعروف عنهم الذي شهد لهم به الموافق والمخالف.
ومصر هي التي نصرت الإسلام في مواقع فاصلة، فهي التي أخرجت الصليبيين من آخر مواقعهم في بلاد الشام من عكا أيّام الأشرف خليل المملوكي سنة 690، وهي التي أنقذت المسلمين في معركة عين جالوت الفاصلة في سهول فلسطين سنة 658 على يد أسدي الإسلام قطز والظاهر بيبرس، وهي موطن الخلافة الإسلامية العباسية بعد أن سقطت بغداد لمدة قرنين ونصف قرن تقريبًا، إلى أن جاء العثمانيون، وهي التي ردت الصليبيين خاسئين أيام الكامل الأيوبي ومعركته مع لويس التاسع الذي سجن في دار ابن لقمان في المنصورة، وهي التي خرّجت ليوث الإسلام من قادة المعارك العظام، فهي التي صقلت صلاح الدين واليها سنوات طويلة قبل سلطنته، وفيها الممالك التي حرست الإسلام طويل، وذبت عنه مثل المملكة الأيوبية ودولة المماليك، ومنها خرج الفتح الإسلامي الأول إلى ليبيا وما وراءها إلى المحيط.
أمّا علماء مصر فحدث عن البحر ولا حرج، وحسبي أن أذكر على سبيل المثال الليث بن سعد الذي قال عنه الشافعي الإمام: "هو أفقه من مالك، وعبد الله بن عبد الحكم، والمزني، والبويطي، والشافعي ـ وقد مكث في مصر أكثر من أربع سنوات، وقد قال ابن المبارك: من مكث في بلد أربع سنوات نسب إليها ـ والقاضي الفاضل العالم وزير صلاح الدين، والحافظ العراقي، والحافظ الهيثمي، والحافظ ابن حجر، والحافظ السخاوي، والحافظ السيوطي، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري في آلاف من العلماء، بل على الحقيقة مئات الآلاف من العلماء الذين امتلأت بهم مصر منذ الفتح الإسلامي إلى يوم الناس هذا".
وهي بلد الأزهر الذي ظل شامخًا أكثر من ألف سنة وإن اعتراه ما اعتراه في هذا الزمان من ضعف وهوان، لكن كم كان للأزهر بجلائه ومشايخه من مواقف عزة وقوة وجلال؟! أليس هو الذي دوخ نابليون وكليبر خليفته؟! أليس هو الذي وقف شامخًا أمام الخديوية وتساهلها وقلة دينها؟!
وعلى يد مصر وعلمائه قُعِّدت أكثر العلوم والفنون، وضبطت الصناعات وحذقت، ولو قُدِّر لها أن ترزق حكامًا صالحين لكانت الآن في مقدمة دول العالم، ألم يبعث اليابان بعثة رسمية في أواخر القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي إلى مصر لينظر كيف تقدمت ليتبع خطواتها؟ وإن شئت المزيد من البيان عن هذه الحادثة الجليلة فاقرأ (منار رشيد رضا رحمه الله).
واليوم تعظم آثار الفراعنة أيّما تعظيم وكأنّما هي تاريخ مصر، فالأخبار عنهم وعن قبورهم وقصورهم قد ملأت الدنيا وشغلت النّاس، وزوار مصر لا يكادون يعرفون إلاّ هي!! فمن ذا الذي يزور الأزهر، أو المتحف الإسلامي، أو قلعة صلاح الدين؟ سواء من الزوار المسلمين أو من غيرهم؟ وقد طمس اليوم التاريخ الإسلامي فيها أو كاد، وأًعلي تاريخ الفراعنة وآثارهم، هذا على ظلمهم وشدة سطوتهم وجبروتهم، وشركهم وكفرهم وإلحادهم، وتسخيرهم الشعب لنزواتهم وأهوائهم، وقد أخبر الله جل جلاله عنهم في كتابه بما يشفي ويكفي، لكن هي خطة ماكرة لإبعاد مصر عن دينها، وقطعها عن حضارتها الإسلامية الرائعة.
وقد زرت في مصر قلعة "قايتباي" في الإسكندرية، وهي قلعة جليلة، وقفت شامخة مئات السنين، وقايتباي هو أعدل سلاطين المماليك وأفضلهم وألينهم عريكة وأقومهم بالعدل، ومن أطولهم مدة حكم، ولا يُنسى فضل قطز لكن كانت مدته قصيرة جدًا، وبين وفاتيهما قرنين ونصف قرن تقريبًا، فرحمة الله عليهما، فهما طرفا حكم المماليك وخير سلاطينهم فيما أعلم، والله أعلم.
وزرت في الإسكندرية أيضًا مكتبتها الجليلة، وهي التي بنيت باسم المكتبة القديمة التي اتهم عمرو بن العاص ظلمًا وعدوانًا بأنّه حرقها، ولم أر أشهد بالزور بعد الرافضة من هؤلاء المستشرقين الكاذبين الذين يلصقون بالمسلمين خطايا هم برآء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، فقومهم هم الذين تواترت عنهم حرق المكتبات في مدن الأندلس لما دنسوها بأخذها من ضعاف المسلمين وخَلْف الصالحين العاملين، أمّا المسلمون فلم يثبت عنهم حرق مكتبة الإسكندرية ولا غيرها، لكن للقوم اليوم إعلام قوي رائج، وإعلامنا إعلام غنائي راقص ساذج!!.
وزرت في القاهرة قلعة صلاح الدين، وهي قلعة عظيمة بحاجة إلى عناية وترميم، وزرت أول مساجد أفريقية: جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه، وسعدت بالصلاة فيه مرارًا، كما سعدت بالصلاة في الأزهر مع ألم اعتصرني من تراجع وظيفته ودرجة علم أكثر مشايخه.
وقد زرت أيضًا جامع الشيخ المقرئ الكبير محمود خليل الحصري رحمه الله تعالى، وشرفني القائمون عليه بالإمامة فيه في صلاة المغرب، وهو ضمن مجموع من الأبنية التي تقوم على الأيتام والفقراء، كلها تحت إدارة ابنة الشيخ الناشطة العاملة ياسمين الحصري، وقد جمعت من المال الشيء الكثير، وبنت به تلك المباني الضخمة، وجعلت ثواب كل ذلك لوالدها، فما أحسن ما صنعت!! وما مات من رزق مثل تلك البنت.
ومن العجائب التي رأيتها في مصر أنّني زرت المتحف الفرعوني فوقفت على جثة فرعون مصر الذي قال الله تعالى عنه في القرآن: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [سورة يونس: من الآية 92]، فأبقاه الله إلى يوم النّاس هذا، وسيبقى إلى يوم القيامة؛ تحقيقًا لوعد الله تعالى، وقفت عليه وهو في تابوت من زجاج، فإذا بالتابوت مكتوب عليه: "هذا فلان بن فلان غرق في ظروف غامضة"!! فاسترجعت وعجبت أن يكتب عليه مثل هذا، والله تعالى قد فصل لنا في كتابه الكريم حادث غرقه، وبينه لنا أحسن تبيين، فما هذا التجاهل لهذه الحادثة الجليلة التي أذل الله تعالى فيها فرعون وملأه، هذا وقد كنت وقفت عليه قديمًا سنة 1402/ 1982 ثم إنّي لم أعد إليه، فلعلهم غيروا هذه العبارة العجيبة التي تدل على تجاهل كبير للنصوص الشرعية، إذ لا يمكن لمسلم أن يجهل ما حدث لفرعون!!
وفي مصر جوامع كثيرة جليلة إضافة إلى ما ذكرت، ومن أجلّها جامع السلطان حسن، وهو من الجوامع التي بنيت في العصر المملوكي، وأظن أنّ هذا الجامع هو أعظمها بناءً، وبوابته شاهقة الارتفاع، لم أر جامعًا من قبل له مثل هذه البوابة العجيبة.
وبعد فمصر بلد واعد، فيه زيادة على 75 مليونًا من البشر، وفيه طاقات كبيرة، ومواهب جليلة، وسواعد واعدة، لكنه بحاجة إلى إخلاص الحاكمين والمحكومين، والتعاون بين العلماء والدعاة من جهة وبين الحكومة من جهة أخرى، وبحاجة إلى تخطيط سليم وأخذ بأسباب التقنية، فإذا فعلوا ذلك فأزعم أنّهم سينافسون كثيرًا من دول العالم وأقطاره، والله أعلم.
أيام
في مصر (2/2)
لا أنسى أبدًا أنّني عندما زرت مصر سنة 1392/1972 ـ وكانت زيارتي الثانية ـ لم أكد أرى فيها امرأة محجبة، ثم لما زرتها سنة 1402/1982 دهشت للفارق الكبير، ثم توالت الزيارات إلى هذه السنة فإذا بأكثر نسائها محجبات ـ على هيئات مختلفة من الحجاب فمنه المقبول ومنه المتهاون المردود ـ وهذا من تقادير الله العجيبة وتصاريفه المدهشة.
وهذا يجرني للحديث عن الصحوة الإسلامية التي كانت مصر فيها رائدة، فقد أتى الله بالصحوة بنيان العلمانيين من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، وهدم الله كل مخططاتهم ومخططات سائر أعداء الإسلام بهذا النور الذي بزغ شيئًا فشيئًا بعد حرب رمضان سنة 1393/1973، واتسع نطاقه بعد ذلك ليعم بلاد مصر بل أزعم أنّه عمّ أكثر بلاد العالم بعد ذلك، ولهذا دلائل كثيرة وأحداث عزيزة أرجئ الحديث عنها إلى موضع آخر إن شاء الله تعالى، لكن إنّما ذكرت هذا لأدلل على ريادة مصر الإسلامية في هذا الباب وفي غيره كما أوردت في الحلقة السابقة.
ولا بد أن أذكر أنّ أهل الشر والباطل فيها قد تمكنوا طويلًا وباضوا وفرخوا، وقعّدوا لضلال وعهر لا عهد للعالم الإسلامي به من قبل لكن هذا حقه أن يطوى فلا يروى، لأنّ هذه الحلقات إنّما هي لبث الأمل ونفي اليأس وليس لتفصيل أحوال أهل الشر والبأس، والعزاء أنّ تلك حقبة آخذة في الزوال منذ أن سقط الهالك عبد الناصر، وأنّ شمس القوم أوشكت على الغروب، وأنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
وقد زرت في مصر قومًا من الصالحين العاملين، الذين هم عُمُدُها على الحقيقة، وهم أصحاب تلك الطريقة، طريقة العمل والأمل، التي لا غنى عنها في زماننا هذا، وكان على رأس أولئك، وهو فيما أحسبه من خير من هنالك، أستاذنا وسيدنا الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد، وقد سعدت به زمانًا مشرفًا على رسالتي في "الدكتوراه" لما كان مقيمًا بمكة المكرمة مدرسًا في جامعة أم القرى، وله عندي أخبار كثيرة سارة جليلة أرجئها إلى موضع آخر، لكن الذي يحزنني كلما شرفت بزيارته في مصر أو تذكرته أنّ البلاد لم تعرف قدره، ولم تضعه في الموضع اللائق به وبخبرته فهو من بقية الأزهر القديم، الذي يجمع كثير من علمائه بين الدين المتين والعلم الغزير، والصراط القويم، في دعوتهم النّاس وتعليمهم، وأنّه حوى بين جناحيه علمًا وخبرة وتجارب كانت مصر في أمس الحاجة إليها لكن نحن في زمن عجيب، وأخباره كثيرة كما قلت وسأسوقها في مكان آخر إن شاء الله تعالى، لكني رأيت من عزته ومتانة ديانته، وقوة نفسه، وشرف خصاله ما أثلج صدري وأراح نفسي، وهو من القلة الذين إذا رأيتهم ذكرت الله تعالى، أحسبه كذلك والله حسيبه.
وممّن زرت في مصر وسعدت به الأستاذ فاضل سليمان صاحب مؤسسة "الجسور" التي من مهمتها إيصال الإسلام إلى الغرب بطريقة حديثة علمية، ورأيت في مصر إمام أهل السنة محمد المختار المهدي، وهذا لقب لكل رئيس للجمعية الشرعية في مصر، وللجمعية الشرعية قصة جليلة وعمل رائع، فهي تشرف على أكثر من ثلاثة آلاف مسجد، ولها مجلة ناطقة بعملها، وأعمالها وجهدها لا يمكن التعريج عليه في عجالة كهذه، لكني سمعت منه ما سرني وأفرحني ولله الحمد، وعلمت أنّ لله رجالًا في الأرض يقيم بهم دينه، ويعلي بهم رايته، وينتصر بهم من عدوه وعدوهم.
وممّا أحمده لمصر معرض كتابها الكبير، فهو معرض ضخم يقام كل سنة، وقد زرته مرارًا، وهو جامع لملايين الكتب، ومن أهم ما أجمع عليه البائعون للكتب والمراقبون أنّ الكتاب الإسلامي هو المتصدر للكتب المباعة، بل ليس بينه وبين الكتب الأخرى أفعل تفضيل، وهذا من فضل الله تعالى علينا، وهو من أقوى الأدلة على تمكن الإسلام وثقافته من نفوس المصريين وأنّ كل محاولات أعداء الإسلام في ذلك البلد الجليل للنيل منه مآلها إلى إخفاق، واجتماعهم على كيده إلى فراق، وعلاقتهم به طلاق!! وأنقم من المعرض السماح ببيع الكتب المخالفة لعقيدة الإسلام وقيمه، وتلك الفوضى الضاربة في أنحائه ـ ممّا هو شأن الحياة اليومية في كثير من أرجاء مصر ـ وذلك الاختلاط المحرج بين الرجال والنساء في كثير من جنباته.
ولا يليق بمصر ولا بمكانتها الرائدة في التاريخ والواقع المعاصر أن يظل الخمر مسموحًا بيعه في أرضها الطاهرة، فهي سبة وأي سبة وعار وأي عار، فهي أم الخبائث فلا يجوز أن تباع في أم الدنيا!!
ولا يليق بمصر ومكانتها أن تبقى فيها أماكن المنكرات قبلة لكل عاهر وداعر، فأرض عمرو ابن العاص رضي الله عنه وأرض الصالحين تئن من هذا الحمل الثقيل والواقع المرير، فهل من تغيير؟!
ولا يليق بمصر أن تبقى معتمدة في غذائها على فتات موائد الغرب وفيها نيلها الجاري، وهو نعمة الباري، وهو متعة الناظرين، ونزهة النازلين عليها والمستوطنين، وقد سلكت الطريق الزراعي على النيل من القاهرة إلى الإسكندرية مرارًا فلم أجد إلاّ نعمة ظاهرة، وخضرة دائمة، وبقرًا وغنمًا راتعة، وحبوبًا وثمارًا يانعة، فهل بعد هذه النعمة نعمة؟! هذا ونيلها يجري في أرضها قرابة ستمائة وألف ميل، والله حسبهم وهو نعم الوكيل، فهل يجوز بعد هذا أن يأخذوا من أحد شيئًا؟! خاصة أنّ المساعدات الغربية مشفوعة بالذل محاطة بالهوان، والشروط الذليلة ماثلة في الأذهان.
وقد جلست إلى أساتذة مصريين مهرة في العلوم، متقنين للتقنية يندبون أوضاع بلادهم، ويتمنون لو تتاح لهم الفرصة ليرفعوا من شأنها ويعلو من قدرها لكن قد حيل بينهم وبين ذلك، ولا يمكنني تفصيل ما هنالك، هذا وعلماء مصر من أطباء وتقنيين ومهندسين وأصحاب العلوم الطبيعية قد غربوا وشرقوا، ولهم مآثر في بلاد الله ومفاخر.
وأثني على قناة النّاس، فهي ضوء بين ظلام قنوات كثيرة مصرية لا تجلب للبلاد إلاّ مزيدًا من الخراب، وزيادة في الهوان، وأكثرها مشبوه ضالّ، فاسق محتال، يحتال ليجلب للنّاس التسلية وهي تسلية مخزية، لكن قناة النّاس على قلة في إمكاناتها أثبتت أنّ أكثر أهل مصر متعطشون للإعلام الإسلامي، راغبون فيه كارهون لغيره، وهذا أيضًا يثبت أن المستقبل للإسلام في تلك الأرض، وأثبت أيضًا أنّ أي قناة جادة يمكن أن تنجح بدون نساء وموسيقى.
وممّا أحمده لمصر وأعجب منه نزاهة كثير من قضاتها وجلال مواقفهم.
وأيضًا أحمد لمصر بعض الجرائد والمجلات التي أظهرت كلمة الحق وقارعت أهل الباطل فلله الحمد والمنة، والحديث عن مصر وأهلها لا ينتهي لكن فيما ذكرت كفاية ومقنع، ولله الحمد والمنة.
لا أنسى أبدًا أنّني عندما زرت مصر سنة 1392/1972 ـ وكانت زيارتي الثانية ـ لم أكد أرى فيها امرأة محجبة، ثم لما زرتها سنة 1402/1982 دهشت للفارق الكبير، ثم توالت الزيارات إلى هذه السنة فإذا بأكثر نسائها محجبات ـ على هيئات مختلفة من الحجاب فمنه المقبول ومنه المتهاون المردود ـ وهذا من تقادير الله العجيبة وتصاريفه المدهشة.
وهذا يجرني للحديث عن الصحوة الإسلامية التي كانت مصر فيها رائدة، فقد أتى الله بالصحوة بنيان العلمانيين من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، وهدم الله كل مخططاتهم ومخططات سائر أعداء الإسلام بهذا النور الذي بزغ شيئًا فشيئًا بعد حرب رمضان سنة 1393/1973، واتسع نطاقه بعد ذلك ليعم بلاد مصر بل أزعم أنّه عمّ أكثر بلاد العالم بعد ذلك، ولهذا دلائل كثيرة وأحداث عزيزة أرجئ الحديث عنها إلى موضع آخر إن شاء الله تعالى، لكن إنّما ذكرت هذا لأدلل على ريادة مصر الإسلامية في هذا الباب وفي غيره كما أوردت في الحلقة السابقة.
ولا بد أن أذكر أنّ أهل الشر والباطل فيها قد تمكنوا طويلًا وباضوا وفرخوا، وقعّدوا لضلال وعهر لا عهد للعالم الإسلامي به من قبل لكن هذا حقه أن يطوى فلا يروى، لأنّ هذه الحلقات إنّما هي لبث الأمل ونفي اليأس وليس لتفصيل أحوال أهل الشر والبأس، والعزاء أنّ تلك حقبة آخذة في الزوال منذ أن سقط الهالك عبد الناصر، وأنّ شمس القوم أوشكت على الغروب، وأنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
وقد زرت في مصر قومًا من الصالحين العاملين، الذين هم عُمُدُها على الحقيقة، وهم أصحاب تلك الطريقة، طريقة العمل والأمل، التي لا غنى عنها في زماننا هذا، وكان على رأس أولئك، وهو فيما أحسبه من خير من هنالك، أستاذنا وسيدنا الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد، وقد سعدت به زمانًا مشرفًا على رسالتي في "الدكتوراه" لما كان مقيمًا بمكة المكرمة مدرسًا في جامعة أم القرى، وله عندي أخبار كثيرة سارة جليلة أرجئها إلى موضع آخر، لكن الذي يحزنني كلما شرفت بزيارته في مصر أو تذكرته أنّ البلاد لم تعرف قدره، ولم تضعه في الموضع اللائق به وبخبرته فهو من بقية الأزهر القديم، الذي يجمع كثير من علمائه بين الدين المتين والعلم الغزير، والصراط القويم، في دعوتهم النّاس وتعليمهم، وأنّه حوى بين جناحيه علمًا وخبرة وتجارب كانت مصر في أمس الحاجة إليها لكن نحن في زمن عجيب، وأخباره كثيرة كما قلت وسأسوقها في مكان آخر إن شاء الله تعالى، لكني رأيت من عزته ومتانة ديانته، وقوة نفسه، وشرف خصاله ما أثلج صدري وأراح نفسي، وهو من القلة الذين إذا رأيتهم ذكرت الله تعالى، أحسبه كذلك والله حسيبه.
وممّن زرت في مصر وسعدت به الأستاذ فاضل سليمان صاحب مؤسسة "الجسور" التي من مهمتها إيصال الإسلام إلى الغرب بطريقة حديثة علمية، ورأيت في مصر إمام أهل السنة محمد المختار المهدي، وهذا لقب لكل رئيس للجمعية الشرعية في مصر، وللجمعية الشرعية قصة جليلة وعمل رائع، فهي تشرف على أكثر من ثلاثة آلاف مسجد، ولها مجلة ناطقة بعملها، وأعمالها وجهدها لا يمكن التعريج عليه في عجالة كهذه، لكني سمعت منه ما سرني وأفرحني ولله الحمد، وعلمت أنّ لله رجالًا في الأرض يقيم بهم دينه، ويعلي بهم رايته، وينتصر بهم من عدوه وعدوهم.
وممّا أحمده لمصر معرض كتابها الكبير، فهو معرض ضخم يقام كل سنة، وقد زرته مرارًا، وهو جامع لملايين الكتب، ومن أهم ما أجمع عليه البائعون للكتب والمراقبون أنّ الكتاب الإسلامي هو المتصدر للكتب المباعة، بل ليس بينه وبين الكتب الأخرى أفعل تفضيل، وهذا من فضل الله تعالى علينا، وهو من أقوى الأدلة على تمكن الإسلام وثقافته من نفوس المصريين وأنّ كل محاولات أعداء الإسلام في ذلك البلد الجليل للنيل منه مآلها إلى إخفاق، واجتماعهم على كيده إلى فراق، وعلاقتهم به طلاق!! وأنقم من المعرض السماح ببيع الكتب المخالفة لعقيدة الإسلام وقيمه، وتلك الفوضى الضاربة في أنحائه ـ ممّا هو شأن الحياة اليومية في كثير من أرجاء مصر ـ وذلك الاختلاط المحرج بين الرجال والنساء في كثير من جنباته.
ولا يليق بمصر ولا بمكانتها الرائدة في التاريخ والواقع المعاصر أن يظل الخمر مسموحًا بيعه في أرضها الطاهرة، فهي سبة وأي سبة وعار وأي عار، فهي أم الخبائث فلا يجوز أن تباع في أم الدنيا!!
ولا يليق بمصر ومكانتها أن تبقى فيها أماكن المنكرات قبلة لكل عاهر وداعر، فأرض عمرو ابن العاص رضي الله عنه وأرض الصالحين تئن من هذا الحمل الثقيل والواقع المرير، فهل من تغيير؟!
ولا يليق بمصر أن تبقى معتمدة في غذائها على فتات موائد الغرب وفيها نيلها الجاري، وهو نعمة الباري، وهو متعة الناظرين، ونزهة النازلين عليها والمستوطنين، وقد سلكت الطريق الزراعي على النيل من القاهرة إلى الإسكندرية مرارًا فلم أجد إلاّ نعمة ظاهرة، وخضرة دائمة، وبقرًا وغنمًا راتعة، وحبوبًا وثمارًا يانعة، فهل بعد هذه النعمة نعمة؟! هذا ونيلها يجري في أرضها قرابة ستمائة وألف ميل، والله حسبهم وهو نعم الوكيل، فهل يجوز بعد هذا أن يأخذوا من أحد شيئًا؟! خاصة أنّ المساعدات الغربية مشفوعة بالذل محاطة بالهوان، والشروط الذليلة ماثلة في الأذهان.
وقد جلست إلى أساتذة مصريين مهرة في العلوم، متقنين للتقنية يندبون أوضاع بلادهم، ويتمنون لو تتاح لهم الفرصة ليرفعوا من شأنها ويعلو من قدرها لكن قد حيل بينهم وبين ذلك، ولا يمكنني تفصيل ما هنالك، هذا وعلماء مصر من أطباء وتقنيين ومهندسين وأصحاب العلوم الطبيعية قد غربوا وشرقوا، ولهم مآثر في بلاد الله ومفاخر.
وأثني على قناة النّاس، فهي ضوء بين ظلام قنوات كثيرة مصرية لا تجلب للبلاد إلاّ مزيدًا من الخراب، وزيادة في الهوان، وأكثرها مشبوه ضالّ، فاسق محتال، يحتال ليجلب للنّاس التسلية وهي تسلية مخزية، لكن قناة النّاس على قلة في إمكاناتها أثبتت أنّ أكثر أهل مصر متعطشون للإعلام الإسلامي، راغبون فيه كارهون لغيره، وهذا أيضًا يثبت أن المستقبل للإسلام في تلك الأرض، وأثبت أيضًا أنّ أي قناة جادة يمكن أن تنجح بدون نساء وموسيقى.
وممّا أحمده لمصر وأعجب منه نزاهة كثير من قضاتها وجلال مواقفهم.
وأيضًا أحمد لمصر بعض الجرائد والمجلات التي أظهرت كلمة الحق وقارعت أهل الباطل فلله الحمد والمنة، والحديث عن مصر وأهلها لا ينتهي لكن فيما ذكرت كفاية ومقنع، ولله الحمد والمنة.
المصدر: موقع التاريخ