بعيدًا عن الحسبان

منذ 2014-05-27

الانسان الفطن هو الذى يوازن بين الأرباح والخسائر ويعقد المقارنات ويعرف كيف يختار لنفسه، وهل هناك أصلًا مجال للمقارنة بين دنيا فانية مهما امتد العمرفيها نعيمها كله مشوب بالكدر مهدد دائما بالزوال؟ فالدنيا كما هو واضح من اسمها لاتستحق أبدًا التفريط فى الآخرة التي هي دار النعيم المقيم

الحقيقة المطلقة الوحيدة التى يتفق عليها البشر بما فيهم المؤمن والملحد هى فكرة الموت، فحتى المكابر الذى ينكروجود الخالق سبحانه لا يستطيع الجدال فى حتمية الموت ومع ذلك فإن الناس على اختلاف عقائدهم وثقافاتهم يتعاملون مع الموت وكأنه الغائب الذى لن يحضر أبدا، مع أنه (الغيب) الوحيد المدرك والملموس والذى لا يستطيع أحد الفكاك منه  مطلقا.وكون موعد الموت مجهولًا إنما هو رحمة من المولى سبحانه، لكن غفلة الانسان هى التى تجلب له الحزن، فلوأ نه تذكر حينما تواجهه المشكلات وتلاحقه ويجد أن الأرض قد ضاقت عليه بما رحبت فلو تذكرانذاك لحظة الموت؛ سيشعرأن همومه قد تبددت جميعها ولم يبق سوى خاطر واحد؛ هل استعد للقاء هذا الزائر المباغت الذى لا مراوغة معه ولا تسويف؟ قال تعالى: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ  وَلَا  يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس من الآية:٤٩].

عندها سيدرك أنه يجب عليه أن يحمل هموم أخراه أولًا، فالآخرة هى دار الخلود والحياة الأبدية وفيها يكون الجزاء، والانسان الفطن هو الذى يوازن بين الأرباح والخسائر ويعقد المقارنات ويعرف كيف يختار لنفسه، وهل هناك أصلًا مجال للمقارنة بين دنيا فانية مهما امتد العمرفيها نعيمها كله مشوب بالكدر مهدد دائما بالزوال؟ فالدنيا كما هو واضح من اسمها لاتستحق أبدًا التفريط فى الآخرة التي هي دار النعيم المقيم الذي جاء وصفه فى الحديث القدسى: «أعددتُ لعبادي الصالحين : ما لا رأَتْ عَينٌ ، ولا أُذُنٌ سمِعَتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرٍ» (صحيح البخاري؛ رقم: [7498]).

 وإن كان هذا لايعنى نهائيًا أن يعيش المرء متواكلًا متقاعسًا، ملازمًا مصلاه، منتظرًا الموت،  بل أن الإنسان مأمور بالسعى فى الأرض وطلب الرزق، فكل عمل صالح يساهم في إعمار الأرض إنما هو في ميزان حسناته.

  وقد كان من السلف الصالح التجار والصناع وكان منهم العلماء في كل علوم الدنيا والدين،  وقد جمعت الآية الكريمة بين السعى في الحياة الدنيا حرصا على للاخرة فى قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك الآية:١٥].

ومن الأقوال المأثورة الحكمة التى تقول ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك تموت غدًا) ففى ظاهر الحكمة التعارض لكنها فى الحقيقة بشطريها تؤدى إلى معنى واحد وهو أن الدنيا مزرعة الآخرة ومن يبنى دنياه قاصدًا النفع لنفسه وللآخرين مؤمنًا بالله واليوم الآخر إنما هو يبنى أخراه ويعمل لما بعد الموت، وعندئذ يكون قد قدر للحظة الموت قدرها الذى تستحقه، فبمجرد أن يقبض ملك الموت روح العبد ويوسد جثمانه التراب تبدأ حياة البرزخ، فان كان من أهل الإيمان والعمل الصالح فتح له باب الى الجنة كما جاء فى السنة المطهرة وإن كان من أهل الكفر فتح له باب الى النار والعياذ بالله، فاذا كان وصف الجنة يحببها الى النفوس ويجعلها تواقة إليها شغوفة بها فإن وصف النار يخلع القلوب الجسورة من الصدور فما زلنا نذكر قولة عمر رضى الله عنه عندما طعن وأدرك أنه الموت لا محالة فقال حينها (ليت أم عمر لم تلد عمر) فما نقول نحن؟  نسأل الله السلامة.

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.

  • 2
  • 0
  • 2,021

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً