تعزَّ بالمنكوبين (2)
عائض بن عبد الله القرني
أصبحوا في سرورٍ وأمسوْا في القبورِ، وفي لحظةٍ منْ لحظاتِ غَضَبِ هارونِ الرشيدِ، سلَّ سيف النّقمةِ عليهمْ، فقتل جعفر بن يحيى البرمكيَّ، وصلبهُ ثمَّ أحرق جثمانه، وسجن أباه يحيي بن خالدٍ، وأخاه الفضْل بن يحيى، وصادر أموالهمْ وأملاكهم.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
أصبحوا في سرورٍ وأمسوْا في القبورِ، وفي لحظةٍ منْ لحظاتِ غَضَبِ هارونِ الرشيدِ، سلَّ سيف النّقمةِ عليهمْ، فقتل جعفر بن يحيى البرمكيَّ، وصلبهُ ثمَّ أحرق جثمانه، وسجن أباه يحيي بن خالدٍ، وأخاه الفضْل بن يحيى، وصادر أموالهمْ وأملاكهم.
ولما قَتَلَ أبو جعفر المنصورُ محمد بن عبدِاللهِ بن الحَسَنِ، بعث برأسِهِ إلى أبيهِ عبدِاللهِ بن الحسنِ في السجنِ مع حاجبِهِ الربيعِ، فوضعَ الرأسَ بين يديهِ، فقال: رحمك اللهُ يا أبا القاسم، فقدْ كنت من الذين يُفون بعهدِ اللهِ، ولا ينقُضون الميثاق، والذين يصِلون ما أمر اللهُ بهِ أنْ يُوصل ويخشوْن ربَّهم ويخافون سوء الحسابِ، ثم تمثَّل بقولِ الشاعرِ:
فتى كان يحميه مِنْ الذُّلِّ سيفُه *** ويكفيه سوءاتِ الأمورِ اجتنابُها
والتفت إلى الربيع حاجبِ المنصورِ، وقال له: قُلْ لصاحبِك: قدْ مضى منْ بُؤسِنا مُدَّةٌ، ومنْ نعيمِك مِثُلها، والموعدُ اللهُ تعالى!
وقدْ أخذ هذا المعنى العباسُ بنُ الأحنفِ – وقيل: عمارةُ بنُ عقيلٍ – فقال:
فإنْ تلحظي حالي وحالكِ مرَّةً *** بنظرةِ عينٍ عنْ هَوَى النَّفْسِ تُحْجبُ
نجِد كُلَّ مرَّ منْ بُؤسِ عيشتي *** يمُرُّ بيومٍ منْ نعيمكِ يُحْسبُ
كما في (قولٍ على قول).
والآن: أين هارون الرشيدُ وأين جعفرُ البرمكيُّ ؟ أين القاتلُ والمقتولُ ؟ أين الآمرُ والمأمورُ ؟ أين الذين أصدر أمره وهو على سريرهِ في قصرهِ ؟ وأين الذي قتِل وصُلِب ؟ لا شيء، أصبحوا كأمسِ الدَّابر، وسوف يجمعُهم الحكمُ العدْلُ ليومِ لا ريب فيه، فلا ظُلْم ولا هضْم، {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى}، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ}.