براءة

منذ 2014-05-30

كثيرًا ما تقع جرائم استغلال يرتكبها أشخاص يفترض أنهم محل ثقة الصغار، ما يُعد استغلالًا للطفولة البريئة.

أول يوم تستأنف الدراسة جاملتْهم، ونظرتْ إليهم، وقالت: إني أحبكم، كانت تستثني تلميذًا واحدًا أمامها لا يلعب، متسخ، غير مبهج، كانت تصحح أوراقه بقلم أحمر عريض، وتضع علامة x، ثم تكتب راسب.

بعد الحصة راجعت ملفاته ففوجئت.

في السنة الأولى: ذكي - مرح - مهتم - بدراسته - دمث الأخلاق.

في الثانية: نجيب ومحبوب ولكن منزعج وقلق بسبب مرض والدته.

في الثالثة: كانت وفاة أمه صعبة عليه، والده غير مهتم.

في الرابعة: منطو على نفسه، ولا رغبة لديه في الدراسة، ليس له أصدقاء، ينام أثناء الدرس!

بعد أيام كان هناك حفل في الفصل، أحضر لها هدية ملفوفة في كيس نايلون، بينما جميع الطلاب أحضروا هداياهم مغلفة، فتحت الهدية، ضحك الطلاب، عِقد مؤلف من ماسات مزيفة ناقصة الأحجار، وقارورة عطر فيها ربعها، كفَّ الطلاب عن الضحك عندما عبرت المدرسة عن إعجابها بالعقد ولبسته ووضعت قطرات من العطر على يدها.

في آخر اليوم قال لها: رائحتك اليوم تشبه رائحة أمي!

انفجرت باكية لمدة ساعة.

بدأت تهتم به، عقله يستعيد نشاطه، يستجيب أسرع، من أكثر الطلاب تميزًا، منحته الحب.

أرسل لها مذكرة: أنت أفضل معلمة قابلتها في حياتي.

بعد سنوات أرسل لها: أكملت الثانوية بتفوق.

بعد أربع سنوات أرسل لها: تخرجت من البكالوريس بدرجة الشرف الأولى.

بعدها أرسل لها: رسالة شكر كان اسمه طويلًا بعض الشيء (دكتور).

وذكر لها بأنه سيتزوج ودعاها إلى الزواج، وجلست مكان أمه، وكانت ترتدي العقد الذي أهداه لها.

قال: أشكرك أن جعلت مني تلميذًا مميزًا.

قالت: أشكرك أن جعلت مني معلمة مميزة.

هو الآن طبيب شهير لديه جناح لعلاج السرطان في مستشفى بولاية (آيوا) بالولايات المتحدة الأميركية.

الطفولة قرينة الإنسانية، في شريعتنا وعند معظم فقهائنا فالأطفال في الجنة إذا رحلوا.

هي المرحلة العمرية الممتدة من الولادة إلى البلوغ {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء} [النور:31].

- مرحلة ضعف تحتاج إلى رعاية بدنية ونفسية واجتماعية.

- التوجيه الذي يتلقاه يترك أثرًا بالغًا طيلة الحياة.

- العادات تنشأ هنا وتتحكم في المصير.

أطيب الطعام عندي ما يشبه طعام أمي حين كانت تضع السمن في التمر وتسخنه بالنار وتسميه (قشدة)، أزكى الروائح ما كنت أشمه في مخدعها، أجمل الكلمات ما تلقيته من فمها، تختزن الذاكرة الكثير منها، أعذب الأصوات صوتها تتغنى بالقرآن، أو تترنم بالشعر، وربما كان من شعرها أو شعر بعض صديقاتها.

- الأجواء المضطربة عائليًا أو نتيجة الحروب والصراعات تؤثر في الشخصية (العراق، فلسطين، سوريا، اليمن ..).

- الاهتمام بالجوانب النفسية والعقلية والعاطفية يساعد على النجاح.

- يتشرب الطفل بسهولة المبادئ الجميلة والأخلاق.

العنف والحرمان مشكلتهم الكبرى، في مدينة (سولابور) في الهند يرمون الطفل في الماء من ارتفاع 50 قدمًا ليكون أقوى وأصح!

يحملون السلاح في أفريقيا، يقدر عدد الأطفال المشتركين في نزاعات حول العالم بثلاثمائة ألف يعملون مقاتلين وجواسيس وحمالين وطباخين وتستخدم الفتيات للترويح والابتزاز الجنسي.

ويقومون في العالم العربي بأعمال تشكل خطرًا على حياتهم وصحتهم وتعليمهم ومعنوياتهم وأخلاقهم، إنهم (أطفال الشوارع)، الفقر يجعلهم متسولين أو منحرفين.

لا يمكن قياس حجم العنف المرتكب ضد الأطفال، وهناك نقص في البيانات، فأكثر ما يحدث يقع سرًّا ولا يتم البلاغ عنه، والتقديرات تشير إلى تعرض نحو مليار طفل للعنف.

مصادرة حياة الطفل عادة جاهلية (الوأد) {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ} [التكوير:8-9].

ما عسى أن يكون ذنب الأطفال؟

ما زالت مجتمعات متخلفة تقتل أحد التوائم، والمشوهين، والمولودين خارج إطار الزوجية، أو من يولد قبل فطام أخيه!

ومجتمعات أخرى تقوم ببيع الأطفال أو رهنهم.

ومجتمعات تحامي عن تزويج الصبايا دون البلوغ متغافلة عن الدوافع وغياب الضمير عند الأولياء.

الاستغلال الجنسي للأطفال عبر النت واليوتيوب والشبكات الخفية ظاهرة عالمية خطرة، التحقيقات التي عملها (الإنتربول) كشفت عن عشرات المجموعات تشارك في عرض وتوزيع صور للاستغلال الجنسي للأطفال ونشرها والاتجار بها.

وضعها على الشبكة يعني أنها ستظل محفوظة وسيتم تداولها.

كثيرًا ما تقع جرائم استغلال يرتكبها أشخاص يفترض أنهم محل ثقة الصغار، فيبدو وكأن العمل يحصل بإرادتهم، والطفل غير قادر على أن يبدي اعتراضه على الممارسة الجنسية، فهي جريمة واستغلال للطفولة البريئة.

وفي الخليج يوجد حالات شذوذ في المدارس والجامعات والتجمعات، ويتم تصوير بعضها وإدراجها بقصد الابتزاز أو الانتقام، في غياب جهة مسؤولة عن مكافحة الجرائم الإلكترونية، وقد تكون المقاطع مصحوبة بأسماء صريحة لأبرياء لا علاقة لهم أو لأطفال أو لأناس مروا بمرحلة سفهٍ ثم تجاوزوها.

تصوير حفلات رقص في زواج أو مناسبة وطنية لكبار وصغار، مع تلميحات غير بريئة وملامسة ونظرات، أمر يحتاج إلى معالجة وتفريق بينه وبين الأشياء العادية، وحماية الطفولة من العدوان الصادر من بعيد متهدد، أو قريب مترصد!

سلمان بن فهد العودة

الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم -سابقًا-

  • 2
  • 1
  • 3,627

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً