من أجل توجيه مثمر!
كم تفتقر حواراتنا وتوجيهاتنا نحو من نربيهم من عيارها الثقيل، الذي يوازي الاختراق القيمي والأخلاقي الذي يتعرضون له جراء تعاطيهم وسائل التواصل التي أصبحت محاضنهم الأولى بلا حماية ولا تقنين أو هدف يسمو بعلمهم وأخلاقهم، بحجة صغر السن أو ضعف الإدراك، مما أفقد الكثير من التوجيهات ثمرتها وصارت رتيبةً ومحصورة في أشياء دنيوية مكرّرة.
«احفظ الله يحفظك» بهذه الوصية العميقة الوقع، البعيدة الأثر، كانت كلماته صلوات ربي وسلامه عليه تهدهد على مسامع الغلام الرضي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وتنساب إلى فؤاده المتطلع، وروحه الشابة الفتية، كمعول يكسر به أصنام الهوى قبل مثولها، وتماثيل العادة فيهوي بها، وقداسة التقاليد والعادات التي قد تطغى على تعظيم الله وتقديسه، بعٌد إيماني عقائدي يعصم الحصن الأول (القلب) من السقوط والتردي.
كم تفتقر حواراتنا وتوجيهاتنا نحو من نربيهم من عيارها الثقيل، الذي يوازي الاختراق القيمي والأخلاقي الذي يتعرضون له جراء تعاطيهم وسائل التواصل التي أصبحت محاضنهم الأولى بلا حماية ولا تقنين أو هدف يسمو بعلمهم وأخلاقهم، بحجة صغر السن أو ضعف الإدراك، مما أفقد الكثير من التوجيهات ثمرتها وصارت رتيبةً ومحصورة في أشياء دنيوية مكرّرة.
لم يعد يخفى ما يمكن أن يصل إليه الناشئة اليوم من الشر وانفتاحهم على ما لم يكن يعرفه الكبار بالأمس، وما يحدثه ذلك في نفوسهم من الفساد والعبث بفطرهم، وهذا ينذرنا بضرورة تغيير نمطية التوجيه والصعود بمضامينه الإيمانية وأن نرتقي بعمقه المؤثر، لتتناسب وقايته مع محتوى الفساد الذي يتلقاه الجيل ويلاحقهم كل مكان، ولا يقف حد التوجيه إلى سَن قوانين وإجراءات صغيرة -على الأبناء وإن كانت مهمة- كالحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية منتصف الأسبوع؛ ليعودوا إليها بنهايته أشد نهماً على ما لا تحمد عقباه! أو إلزامهم بالرجوع للمنزل في ساعة محددة بعد أن يقضوا أوقاتهم بعيداً عن العيون في لهوٍ غير مشروع! ولنرتقي بالتوجيه أيضاً بألّا نجعل من احترام العادات والتقاليد القبلية والمجتمعية والفرار من "العيب" الدافع الرئيس لتوجيهاتنا لحماية النشء من الأخطاء والزلات؛ لئلا تنطوي مظاهر من نربيهم على الحسن والجمال وتنطوي السرائر والخبايا على النوازع الآثمة والرذائل الشيطانية!
فالمربي أباً كان أو معلماً أو داعيةً مسؤول عن تنظيم الجرعات التوجيهية المثمرة وتقدير عيارها، التي تحرك قلب المتربي وضميره وتنمي إحساسه الداخلي تجاه مولاه وتعمّق صلته به وتنمي أيضاً فكره، قبل سَنّ القوانين الرادعة لتجاوزاته، وتنصّب بين عينيه لحظة الوقوف بين يدي ربه والحساب بلا ترجمان.
فالنبي صلى الله عليه وسلم وفي موقف لا تراه طويلاً، كان يردف فيه الغلام ابن عباس رضي الله عنهما، فغرس خلاله أصولاً عظيمة من أصول العقيدة، تجوّد الفكر، وتحرَك الوجدان والإيمان، وتثبت اليقين: «احفظ الله يحفظك» بحفظ أمر الله واجتناب نهيه وإقامة شريعته.
وما هذه الوصية القيمة إلا إحدى المفردات الكفيلة -بعون الله- بملء الفراغ الروحي الذي يحتاجه الجيل، وتعالج التخبط الأخلاقي، كما تعالج مظاهر الاستقامة المؤقتة التي تصنعها البيئة والقبيلة والمجتمع ولا تصمد أمام طوفان عريض من المتغيرات والفتن.
"فتقوية البيت أولى من تجنّب الرياح"؛ بل تصنع هذه التوجيهات عظماء كترجمان القرآن وحَبْر الأمة رضي الله عنه.
فهلا أعددنا سلسلة من تلك التوجيهات التربوية القرآنية التي تنفعل لها القلوب، والمعاني النبوية التي تسمو بها العقول، التي نخاطب بها أبناءنا ونكمّل بها دنياهم وأخراهم، فنتعلّمها أولاً ثم نجعلها إضاءات لهم في الحياة؟..هذا ما نرجوه من المسلم الصادق.
عبد الكريم عبد الله باعبد الله
- التصنيف:
- المصدر: