(1) مقدمة
محمد صالح المنجد
قال ابن كثير رحمه الله: "يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده، بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم يأوون إليها، ويستترون وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع".
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
أما بعد:
البيت نعمة:
قال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل من الآية:80]، قال ابن كثير رحمه الله: "يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده، بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم يأوون إليها، ويستترون وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع".
ماذا يمثل البيت لأحدنا؟ أليس هو مكان أكله ونكاحه ونومه وراحته؟ أليس هو مكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده؟ أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها؟! قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} [الأحزاب من الآية:33].
وإذا تأملت أحوال الناس ممن لا بيوت لهم ممن يعيشون في الملاجئ، أو على أرصفة الشوارع، واللاجئين المشردين في المخيمات المؤقتة، عرفت نعمة البيت، وإذا سمعت مضطربًا يقول ليس لي مستقر، ولا مكان ثابت، أنام أحيانًا في بيت فلان، وأحيانًا في المقهى، أو الحديقة أو على شاطئ البحر، ومستودع ثيابي في سيارتي، إذًا لعرفت معنى التشتت الناجم عن حرمان نعمة البيت.
ولما انتقم الله من يهود بني النضير سلبهم هذه النعمة وشردهم من ديارهم فقال تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر من الآية:2]. ثم قال: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر من الآية:2].
والدافع عند المؤمن للاهتمام بإصلاح بيته عدة أمور:
أولاً: وقاية النفس والأهل نار جهنم، والسلامة من عذاب الحريق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
ثانيًا: عظم المسئولية الملقاة على راعي البيت أمام الله يوم الحساب، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» (حسنه الألباني في صحيح الجامع:1774).
ثالثًا: أنه المكان لحفظ النفس، والسلامة من الشرور وكفها عن الناس، وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة، قال صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته» (حسنه الألباني في صحيح الجامع:3929)، وقال صلى الله عليه وسلم: «خمس من فعل واحد منهن كان على الله، من عاد مريضًا، أو خرج غازيًا، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس» (صحيح الترغيب:3471)، وقال صلى الله عليه و سلم: « » (حسنه الألباني في صحيح الجامع:3649).
ويستطيع المسلم أن يلمس فائدة هذا الأمر في حال الغربة عند ما لا يستطيع لكثير من المنكرات تغييرًا، فيكون لديه ملجأ إذا دخل فيه يحمي نفسه من العمل المحرم والنظر المحرم، ويحمي أهله من التبرج والسفور، ويحمي أولاده من قرناء السوء.
رابعًا: أن الناس يقضون أكثر أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم، وخصوصًا في الحر الشديد والبرد الشديد، والأمطار وأول النهار وآخره، وعند الفراغ من العمل والدراسة، ولا بد من صرف الأوقات في الطاعات، وإلا ستضيع في المحرمات.
خامسًا: وهو أهمها، أن الاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم، فإن المجتمع يتكون من بيوت هي لبناته، والبيوت أحياء، والأحياء مجتمع، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعًا قويًا بأحكام الله، صامدًا في وجه أعداء الله، يشع الخير ولا ينفذ إليه شر، فيخرج من البيت المسلم إلى المجتمع أركان الإصلاح فيه، من الداعية القدوة، وطالب العلم، والمجاهد الصادق، والزوجة الصالحة، والأم المربية، وبقية المصلحين.
فإذا كان الموضوع بهذه الأهمية، وبيوتنا فيها منكرات كثيرة، وتقصير كبير، وإهمال وتفريط، فهنا يأتي السؤال الكبير: ما هي وسائل إصلاح البيوت؟
وإليك أيها القارئ الكريم الجواب، في هذه السلسلة نصائح في هذا المجال عسى الله أن ينفع بها، وأن يوجه جهود أبناء الإسلام لبعث رسالة البيت المسلم من جديد.
وهذه النصائح تدور على أمرين:
إما تحصيل مصالح، وهو قيام بالمعروف.
أو درء مفاسد وهو إزالة للمنكر.
وهذا أوان الشروع في المقصود.