عفوًا صلاحَ الدّين
شعر عن حالنا الحاضر مع اعتذار لمحرر بيت المقدس..
- التصنيفات: الشعر والأدب -
ليلُ التّيهِ يحملُنا إليك
على جناح الشوق مقهورين *** تصفعُنا أعاصير الهَزيمة
نشكو نئنُّ.. وأنتَ *** ترقُد في الضَّريح
كأنّنا نرجوكَ أنْ تهتزَّ من *** غَضَبٍ ونحنُ العاجزين
نغطُّ في أوهامِ غفلتِنا العَقيمة
بالأمس كنتَ هناكَ إذْ دَوّى نداءُ القدسِ: وا أقصاهُ!
والأفعى على أعناقِنا تلتَفُّ *** كان البحرُ يقذفُ بالعلوج
وأنذرت صفارةُ التاريخ *** والأخطار مُحْدِقةٌ وخيمة
ووقفت كالعملاق في *** وجه الرِّياح الهوجِ
تنفخُ في الضمير الوعيَ *** تنسجُ من خيوطِ النورِ آفاقًا
تؤجِّج نخوةَ الإيمانِ *** والتوحيدِ والمُثُلِ القَويمةْ
ناديتَ: باسم اللهِ
فارتجّتْ مُفزَّعةً قلاعُ الكفرِ *** وامتشقت صواعِقَها السُّيوفُ
توحَّدت في كَفِّك الراياتُ *** واندفعت بروقُ الخيل في الميدان
تمضغ من تغيّظها الشكيمة *** الله أكبرُ في فم الأهوالِ تقصفُهمْ
وتشهدُ كيفَ يندحرُ الصليبُ
تهبُّ أرياحُ الجِنان *** وتنتشي أرضُ الفتوحِ
تُذيقُهم حطّينُ مِنْ *** بركانها العاتي جَحيمه
تتدحرج التّيجانُ هاماتُ *** الملوكِ مُطأْطِئاتٌ في يدَيْكَ
وهانَ كلُّ ذي هَنَةٍ زنيمة
وقف الزمانُ يزفُّ بُشراها *** ويرفعُ منبرُ الأقصى عقيرتَهُ
وتنطلق الأهازيجُ الرَّخيمة *** وترسَّخت كلُّ الجُذورِ
أقمتَ صرحَ المجْدِ *** لا ترجو سوى الرحمنِ
لا يُغريك بعدَ رضاهُ مالٌ أو غَنيمة
ورحلت مرضيًّا *** خفيف الظّهرِ
لم تحمل سوى *** صِدْق اليقينِ
وعِفَّةَ النفس التي *** أغْنَتك عنْ دُنياكَ
تفترشُ الثّرى *** والصبرُ شيمة
لكنهم عادوا وهمْ *** قُطّاع هذا العصر
سمَّوهم صهاينةً *** تنزَّه عنهم الشيطانُ
يغتالون نبضِ الرّوحِ *** يقتسمون لحم الجائعين
وكل ضحيةٍ سقطت وليمة!
ها نحنُ عُدنا يا صلاحَ الدينِ *** مُذْ قيلتْ ونحنُ نضجُّ: واغوثاهُ!
والطغيانُ يضرِبُنا ويا للعارِ! *** كلُّ خليَّةٍ فينا مُدَجَّنَةٌ سَقيمة
وعجبتُ كمْ يستنْجدُ الأحياءُ بالموْتى *** وأنتَ الحيُّ والموتى غُثاءُ السَّيْلِ
والأسوارُ تسقُطُ واللَّظى لم *** تُبْقِ من غرسِ المُنى إلا هَشيمه
وحذارِ! لو غامَرْتَ سوف *** تبيتُ ضيفًا في زنازين العَذابِ
بصحبةٍ الأطهارِ تنهشهم *** كلابُ القَهْرِ يُلْهبُ ظهرهُمْ سوطُ الجَرِيمةْ
أتقولُ: جئتُ أُحرِّرُ الأقْصى *** أُطهِّرُهُ من الأرْجاسِ
أُعْتِقُهُ مِنَ العُصَبِ الأثيمة؟!
من أنت؟ كيفَ أَتَيْتَ؟ *** ما هذا الهُراءُ؟ ومنْ تُراكَ؟
وهلْ هي الفَوْضى؟
خُذوه .. فإنّهُ مِنْ زُمْرَةِ الإرْهابِ *** يَجْهلُ أنَّ غلطَتَهُ جَسيمة
هي ذي الحقيقةُ يا صلاحَ الدّينِ *** باتَ الحرُّ مقصوصَ الجناحِ
يُذادُ عن أشواقِهِ العُليا يُرادُ لهُ *** الهَوانُ يظلُّ مغلولَ العَزيمة
أواّهُ! .. كمْ تَتَردَّدُ الآهاتُ *** يبعثُها شتاتُ الأمنيـــاتِ
كأنها ريشُ الطريدةِ قدْ تبعثَرَ *** وهي تجترُّ العذاباتِ الأليمةْ
والقادمون على خُطاك *** تعثَّروا فوق الحِرابِ
تعاهدوا في الله رغم القَيْدِ *** ثمَّ توضّأوا بالنّورِ
وابتاعوا جِنانَ الخُلْدِ بالأرواحِ *** طيِّبةً .. نسائمُها الكريمة
حِطّينُ.. عَبْر جراحِنا
مِنْ غُرْبةِ الأحزانِ *** مِن رَحِمٍ الفِداءِ الحُرِّ
سوف تَعُودُ شامخةَ *** اللواءِ تُحطِّم الأصْنامَ
تَكْسِرُ شوكةُ الظّلْمِ اللَّئيمةْ
وهناكَ جُندُ اللهِ *** والأيامُ حُبْلَى
والغَدُ الموعودُ *** يُؤذنُ بالطّلوعِ
وفي يَدَيْهِ وثيقةُ النّصرِ القديمةْ
فإلى هناكَ.. إلى هناكَ
تَعَجلي باللهِ يا *** أجيالَ أُمَّتِنا العَظيمة
مهْما تمادَى الليلُ *** فالآمالُ دانيةٌ
نداءُ الفجرِ يحفِزُنا *** وآياتُ الهُدى
وتُثيرُنا أضواءُ طلْعَتِهِ الوَسِيمة
أحمد محمد الصديق