لا تعد يا صلاح الدين!!
إن الأمة الناهضة الواثقة من قدراتها هي التي تفرز أبطالها. أما الأمة المهزومة، فهي تهرب إلى أمجادها التاريخية وتستدعي أبطالها من الماضي وتستدعيهم في لا وعيها الجمعي كي يأتوا ويحققوا لها الخلاص. ولكن هيهات هيهات؛ فإن لم تستيقظ تلك الأمة المهزومة وتصبح من الأمم الناهضة، فلن يعود مخلصها، ولن يعود صلاح الدين، لأن الأبطال هم إفراز طبيعي للأمة.
ربما أبهرتنا بطولات ذلك السلطان المجاهد، فقمنا باستدعائه في واقعنا المر المحبط في اللاوعي الجمعي لكي يقوم بتخليصنا من الاحتلال الصهيوني، متصورين أنّ السماء ستنشق عن بطل فريد يشبه صلاح الدين يركب حصانه ويقود الجنود نحو تحرير بيت المقدس، وأن ظهور هذا البطل الخارق سيكون بين يوم وليلة!
ولو عدنا بالذاكرة إلى حقائق التاريخ، لوجدنا الأمر مختلفاً؛ فصلاح الدين لم يكن نبتاً شيطانياً ظهر فجأة فى زمن الاحتلال الصليبي ليقاتل الفرنجة وليحرر القدس من بين أيديهم، ولكنه كان نتاج دولة عريقة، هي الدولة الزنكية، وقد تأثر بأبطال عظماء كانوا قادةً لهذه الدولة من أمثال عماد الدين زنكي ونور الدين محمود.
وجاء صلاح الدين كنتاج تراكمي لهذا الجهد المقاوم للغزو الصليبي، كذلك فإنّ صلاح الدين لم يكن هو السبب الوحيد فى انتصار حطين، فقد كانت خلفه جيوش جرارة وجنود مجاهدون وشعوب مقاومة أبيّة.
لقد أسس صلاح الدين دولةً قوية، وعندما أسسها بدأ في جهاد الصليبيين، فانتصر عليهم، ولولا تأسيسه لتلك الدولة المتينة لما تمكن من الانتصار على الصليبيين.
إن وجود فكرة المخلص فى الرسالات السماوية، ومن بينها الإسلام (المتمثلة في المهدي) لا ينفي في الأصل فكرة المبادرة والعمل، بل يعززها ويعضدها؛ فعندما تعمل الشعوب بجدّ وتنهمك في عملها وتفعل ما يمليه عليها ضميرها، وعندما تنهض الأمم وتفعل ما يحتم عليها أن تتقدم، عندها تتوج كل هذه الجهود الكريمة بالمخلص الذي يكون قدومه بمثابة الحلقة الأخيرة في مشوار تطور الشعوب ونموها.
ولنتعلم من أتباع الديانات الأخرى، فكلتا الديانتين المسيحية (المذهب البروتستانتي) واليهودية فيهما الفكرة نفسها التي تقوم على مجيء المخلص الذي يتجسد في قدوم مسيح (المسيح عيسى ابن مريم لدى المسيحيين البروتستانت والمشيح عند اليهود).
فأما الصهاينة اليهود، فقد أعدوا العدّة لاحتلال فلسطين، وخططوا وأنفقوا وشكلوا الجمعيات والمحافل والمؤتمرات وأستعانوا بالقوى العظمى لتحقيق حلمهم، ونجحوا فى النهاية في تكوين دولة. وأما أتباع المذهب البروتستانتي، فقد دعموا الصهاينة في مشروعهم، أملاً في عودة المسيح ابن مريم الذي سيحكم العالم لمدة ألف سنة، والذي لن يعود حسب اعتقادهم إلا عندما يستولي اليهود على فلسطين.
ألا نتعلم نحن العرب والمسلمين من أعدائنا الذين أخذوا زمام المبادرة فنجحوا وهزمونا، هلا وعينا الدرس وعرفنا أن الأمم هي التي تصنع أبطالها، وليس العكس. إن الأمة الناهضة الواثقة من قدراتها هي التي تفرز أبطالها. أما الأمة المهزومة، فهي تهرب إلى أمجادها التاريخية وتستدعي أبطالها من الماضي وتستدعيهم في لا وعيها الجمعي كي يأتوا ويحققوا لها الخلاص. ولكن هيهات هيهات؛ فإن لم تستيقظ تلك الأمة المهزومة وتصبح من الأمم الناهضة، فلن يعود مخلصها، ولن يعود صلاح الدين، لأن الأبطال هم إفراز طبيعي للأمة.
تعليق التحرير: العقيدة الإسلامية تنظر للمهدي كقائد للمسلمين يجمعهم تحت راية التوحيد ولا تنظر له كمخلص، أما عقيدة النصارى فتنتظر المخلص الإله، أما اليهود فينتظرون المسيخ الدجال ليغزوا بهم العالم.
- التصنيف:
- المصدر: