ضحايا الإرهاب الشيعي في العراق

منذ 2014-06-03

الوضع السياسي في العراق ليست له معالم واضحة في ظل حكومة طائفية تتعامل مع أبناء شعبها على أساس الانتماء الطائفي والعرقي، فصار العراق بسببها أسوأ مكان للعيش في العالم، فالفساد المستشري ونقص الخدمات وانهيارها، والصراعات الطائفية وغياب القانون أبرز ملامح حكومة المالكي الحالية.

يبدو أن مشاكل الحكومة العراقية لا تنتهي، فما إن تنتهي أزمة حتى تنفجر أخرى، وهذا ما اعتاده العراقيون، خاصة بعد تشكيل حكومة المالكي الأخيرة الذي اعتاد إقصاء الخصوم والتعامل بطائفية مع العراقيين من المكونات الأخرى..

فبعد استهداف رموز حكومية وبرلمانية سنية بدءًا بالدكتور (عدنان الدليمي، ومحمد الدايني)، مروراً بنائب رئيس الجمهورية (طارق الهاشمي)، وما إن حلّ اليوم العشرون من كانون الأول 2012؛ حتى قام المالكي باعتقال حماية الوزير السني (رافع العيساوي) واتهامه بالإرهاب، ما حدا بأهل السنة لأن يعدوه ضربة جديدة للرموز السنية، فأدى ذلك إلى اندلاع مظاهرات واعتصامات في الفلوجة لتشمل فيما بعد جميع المحافظات ذات الأغلبية السنية، تنادي بحقوقها التي أهدرتها الحكومة.

واستمرت هذه الاعتصامات عاماً كاملاً وكانت سبباً في خلخلة كيان الدولة، حيث استقال عدة وزراء من الحكومة، عاد بعضهم ولم يعد البعض الآخر، لكن الحكومة ونهجها الطائفي الإقصائي لم تنفذ أي مطلب من مطالب العشائر السنية في الأنبار، بل اتهمتهم بـ(الإرهاب) وبأنهم أتباع يزيد، ووصفت نفسها بأتباع الحسين، كناية عن ظلم المتظاهرين ومظلومية الحكومة. ولم يتوقف الحراك السني عن النداء بمطالبه، وكل يوم تكيد الحكومة لهم بمكيدة إلى أن ادّعت أن ساحات الاعتصام هي قواعد انطلاق لعمليات (الإرهابيين)، فهي أكذوبة جديدة لضرب ساحات الاعتصام، فبدأت بساحة اعتصام الحويجة في كركوك فقتلت وأصابت الكثير من المعتصمين، ولم ترتوِ من دماء أهل السنة حيث كررت فعلتها الشنيعة في ساحة الفلوجة.

واستمرت الحكومة في مراوغاتها وأكاذيبها في محاولة لتفريق المعتصمين وضربهم وتجاهل مطالبهم. وبعد أن فشلت محاولاتها تلك شنت هجوماً شاملاً على صحراءِ الأنبار لمقاتلة (داعش) في وادي حوران، وانتهت العملية بمقتل قائد عمليات الأنبار محمد الكروي في عملية لا يستبعد تدبير الحكومة لها؛ لكسب معركة سياسية جديدة، وهي محاربة (داعش)، واتخاذ مناطق غرب الأنبار هدفاً لمطاردة مسلحين يتمركزون هناك كما أشيع، لكن الهدف لم يكن هؤلاء، إذ تم اتخاذهم وسيلة لاستهداف الأنبار وشن الحرب عليها، لتكون مدخلاً لذريعة مقبولة لمواجهة دخول مسلحين إلى مدينة الرمادي، وبالتالي خلق ذريعة التدخل العسكري وإعلان حالة الحرب، دون أن يعرف كثيرون أن الجماعات المسلحة تم إعدادها خلال فترة العمليات العسكرية غرب الأنبار وتهيئتهم للدخول بعد يومين أو ثلاثة من عملياتهم غرب الأنبار، التي تم الإعلان عن نهايتها والقضاء على المسلحين في وقتها وما رافقها من عمليات تصوير مدبلجة عن معارك سابقة للأمريكان.

ولم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث إن القوات التي ذهبت لمقاتلة الإرهاب -على حد وصفهم-، اتجهت صوب منزل (النائب أحمد العلواني) فقتلت أخاه واعتقلته خرقاً للدستور؛ لأن الدكتور العلواني يمتلك حصانة برلمانية، فلم يرق هذا الأمر لعشائر الأنبار التي وجدت فيه ضرباً لكرامتها واستهانة بها، فحملت السلاح حفاظاً على وحدة العراق؛ لأن سياسة الحكومة واضحة وتنتهي إلى التقسيم من خلال ضرب مكونات الشعب العراقي بعضها ببعض، فكان قتالهم مع الحكومة رداً للصائل لا استعداء، وأعلنت الفصائل السنية المسلحة مع أبناء العشائر قتالها ضد الحكومة الجائرة، حيث بدأت الحكومة حشد القوات العسكرية من جميع محافظات الجنوب لزجها في معركة المواجهة مع أهل الأنبار.

بدأت الحملة العسكرية بتاريخ 5-12-2013، وبدأت المعارك والمضايقات، وبدأ القصف على مدن الأنبار والفلوجة واستهداف جميع المرافق الصحية والخدمية، وقتل نحو 300 شهيد بين طفل وشيخ وشاب، فضلاً عن الجرحى الذين تقدر أعدادهم بـ(1200) جريح، بحسب إحصائيات دائرة صحة الأنبار، والحصيلة مستمرة.

أرادت الحكومة خلط الأوراق واتهام السنة بدعم (الإرهاب) لكسب الشارع الشيعي أولاً والرأي العام العالمي آخراً، لكن الحكومة واجهت مقاومة عنيفة وتكبدت خسائر فادحة، فقد أعلنت أن الفرقة الذهبية وحدها التي قوامها 450 جندياً قتل منهم 430 وفر الآخرون، ووصل عدد القتلى في صفوف الجيش الحكومي إلى 1339 جندياً، وجرى حرق 32 ناقلة زيل وتدمير 365 همراً و36 دبابة، 30 منها برامز أمريكية و6 روسية، وإسقاط 9 طائرات في الأنبار فقط، وقس على ذلك بقية القطعات العسكرية.

وقد عامل العشائر أسرى المالكي معاملة حسنة، فاستضافوهم وأرجعوهم إلى أهليهم، عكس القوات الحكومية التي تنكل بالجميع فلم يسلم منهم صغير ولا كبير، وهجّرت عوائل الأنبار من مناطقهم من جراء القصف الجوي والمدفعي على الرمادي والفلوجة، وأشار تقرير صدر مؤخراً عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلى أن عدد النازحين داخلياً وصل إلى 140 ألفاً، وفر نحو 65 ألف شخص من منازلهم في الأسبوع الثالث من شهر يناير وحده، تحت وابل من القصف من الجيش العراقي، وقد بدأت الخدمات من الإنترنت والكهرباء والماء بالانقطاع بتاريخ (14-2-2014)، حيث انقطعت وسائل الحياة عن المدينة وأصبحت مدينة أشباح.

وقال بيتر كيسلر، المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين: "العديد من المدنيين غير قادرين على مغادرة المناطق المتضررة من النزاع، والتي تعاني نقصاً حاداً في الغذاء والوقود"، وأضاف: "وتتحدث التقارير عن أن السكان لا يجدون نقوداً لشراء الغذاء، وليست لديهم المستلزمات المناسبة للأحوال الجوية الممطرة، الأطفال لا يذهبون إلى المدارس، والظروف الصحية غير ملائمة، لا سيما بالنسبة للسيدات".

ويرى مراقبون ومحللون أن ما جرى في الأنبار أو المناطقِ السنية، إنما هو دعاية رخيصة لحزب الدعوة (جناح المالكي) على حساب دماء أهل السنة والجماعة.

ومن الواضح أن ما سُمي بالحرب المقدسة، حسب ما جاء على لسان المالكي، وما قصده من ورائه؛ هو لملمة المكون الشيعي، فكان هدفه من وراء هذه الحرب ضمان حصوله على ولاية ثالثة رغم معارضة الكثير توليه المنصب للمرة الثالثة، فهم يرون أنه أدخلهم في متاهات مع المكون السني ولم يرتضوا أن يدخلوا في المواجهة مع ذلك المكون بهذه الطريقة.

فقد بدأ رئيس الوزراء حربه الانتخابية والفعلية التي يحاول من خلالها الحصول على الولاية الثالثة من حكمه، وقد فوجئ بالتصدي له من قبل حلفائه (الصدر، والحكيم)، إلى جانب خصومه السياسيين، وكان المبرر لهذه المواقف في وجه المالكي أن الصدر كان مؤمناً منذ فترة ليست بالقصيرة أن المالكي إذا ما حصل على ولاية أخرى فإن ذلك سيكون وبشكل واضح وجلي على حساب مصالح الصدر وأتباعه، مستنداً في ذلك إلى التجربة التي مر بها الصدر من قبل..

وما حصل من إقصاء لأتباعه وانفراد المالكي وحزبه بالمراكز الحساسة في الدولة، إضافة إلى عدم رغبة الصدر في الخضوع الكامل للإرادة الإيرانية التي تحاول دفعه للوقوف إلى جانب المالكي في حربه على الأنبار ضد العرب السنة، وما عملية الانسحاب من الحياة السياسية التي أعلنها الصدر إلا خطة تكتيكية ذكية للالتفاف على الإرادة الإيرانية، التي تحاول إخضاعه لمخططها الرامي إلى تأكيد استمرار الوضع السياسي في العراق على ما هو عليه.

وهذه الطريقة تمكّن الصدر من الإفلات من الضغط والتهديد الإيراني، وفي الوقت ذاته من استمرار أتباعه في العمل السياسي في الساحة العراقية وبنشاط تام، ونرى أيضاً أن الحكيم الذي يناصب العداء للمالكي هو الآخر، لم يقل شأناً عن الصدر إلا من حيث الأسلوب والسلاسة السياسية، واعتقاده أنه يتمتع في هذه المرحلة برصيد شعبي كبير يؤهله لأن يلعب دوراً أساسياً في المرحلة القادمة، وهو ما دفعه إلى التحرك باتجاه تحالفات جديدة ربما يكون الصدر أحد أعمدتها الأساسية في المرحلة الانتخابية القادمة.

تخبّط المالكي وسياساته الرعناء لم تتوقف عند هذا الحد، بل إنه وجه سهامه نحو السعودية وقطر ووصفهما بأعداء العراق والعراقيين، من خلال اتهامهما بتمويل الإرهاب ضده، وقد انتقد ائتلاف (متحدون للإصلاح) سياسة المالكي بخصوص الأنبار، وقال: "إن أصل المشكلة في الأنبار وفي عموم وطننا مشكلة سياسية قبل أن تكون أمنية، وهي تتعلق بكرامة المواطن المعبر عنها بالمطالب المشروعة للمعتصمين، الذين أمضوا عاماً كاملاً وهم ينادون بما يعيد لهم حقوقهم المهدورة، إضافة إلى إطلاق سراح النائب أحمد العلواني.

الأمريكيون تجاهلوا الحرب على الأنبار، وكانوا يظهرون أنفسهم على أنهم مساندون لتوجهات الحكومة العراقية وداعمون لها بحجة (مواجهة الإرهاب)، وعدوا العملية العسكرية داخلية، بل راحوا أبعد من ذلك بتزويد الحكومة العراقية بصفقات تسليح سريعة لتسهيل مواصلة شن الحرب على الأنبار، كما أن الاتحاد الأوروبي لم يتدخل هو الآخر -وإن لم يظهر مساندته الكاملة للحكومة العراقية في حربها على الأنبار- رغم تعارض هذه الحرب مع حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، وتشكل جرائم حرب تحيل مرتكبيها إلى محاكم الحرب الجنائية الدولية.

وأكد النائب السابق لرئيس جمهورية العراق (طارق الهاشمي) في تصريح له أن: "المالكي يستهدف السنة في محافظات مختلفة باستخدام القوات المسلحة، أو بإصدار أحكام بالإعدام بطريقة لم تحدث من قبل في تاريخ العراق الحديث، وإن من حق الناس الدفاع عن أنفسهم بأي طريقة ممكنة"، مضيفاً: "إنه إذا فاز المالكي بولاية ثالثة في الانتخابات البرلمانية المقرر أن تُجرى في 30 أبريل، فسيكون كارثة"، وقال: "إنه يعترض على المالكي لا لكونه شيعياً، بل بسبب سياساته"، وأضاف: "أنه يسيطر على القرارات السياسية ويملك القوة لتنفيذها، ويسيطر أيضاً على النظام القضائي بما يخل في استقلاله".

الوضع السياسي في العراق ليست له معالم واضحة في ظل حكومة طائفية تتعامل مع أبناء شعبها على أساس الانتماء الطائفي والعرقي، فصار العراق بسببها أسوأ مكان للعيش في العالم، فالفساد المستشري ونقص الخدمات وانهيارها، والصراعات الطائفية وغياب القانون أبرز ملامح حكومة المالكي الحالية.

ويرى مهتمون في الشأن العراقي ضرورة إعادة النظر في العملية السياسية في العراق برمتها، وإعادة النظر في الدستور العراقي، وقيام مصالحة حقيقية بين أبناء العراق، والقضاء على المحاصصة الطائفية، وبناء مؤسسات الدولة بشكل صحيح؛ لإخراج البلد من محنته والمساهمة في بنائه.

 

عز الدين المشهداني
 

المصدر: مجلة البيان
  • 3
  • 1
  • 2,814

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً