وجُعِلَتْ قرّة عيني في الصلاة
ما أحوجَنا إلى الصَّلاة القانتة الخاشعة في زمنِ طغْيان المادَّة وقسْوة القلوب، وانتِشار الفواحش! فهي الزَّاد والمدد والعاصم.
- التصنيفات: التقوى وحب الله - أعمال القلوب -
طلب منّي أخ فاضل يتابع مقالاتي باهتمام، أن أكتب موضوعًا في الصَّلاة، فكان هذا تنبيهًا لي حتَّى لا أكون ممَّن يشغلهم المهم عن الأهمِّ، فالخوض في القضايا الفكريَّة والسياسيَّة له أهمِّيَّته بشرط ألاَّ يحجب الإنسان عن علاقتِه بربّه.
وتذكَّرت أن الداعية المسلم الهنديَّ الأستاذ (وحيد الدين خان) قد دُعي مرَّة إلى مؤتمر إسلاميٍّ كبير، حضره لفيف من العلماء والمفكِّرين للتباحث في أمور شتَّى، فجعل مداخلته عن الصلاة، وقد كان موفَّقًا في هذه الالتِفاتة حتَّى لا يذهب بنا أيُّ نشاطٍ -مهْما كان- بعيدًا عن عبادة الله، وهل هناك قربة أوْلى من الصلاة؟!
* الأولى بعد الشهادتين:
لا يختلف مسلمانِ في ارتِقاء الصَّلاة إلى المرتبة الثانية في أركان الإسلام، وفي أنَّها الرُّكْن العمليُّ الأوَّل، حمل الأنبياء همَّها وأوْصَوا بها:
- فإبراهيم عليه السلام يدعو: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم:37]؛ فالغاية الأولى هي إقامة الصلاة.
ويقول بعدها: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40].
- والله تعالى يمدح بها إسماعيل عليه السلام: {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِياًّ . وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عَندَ رَبِّهِ مَرْضِياًّ} [مريم:54-55].
- وموسى عليه السلام يؤمَر بها في اللِّقاء الأوَّل: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14].
- والمسيح عليه السلام ينطق بها في مَهْدِه: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِياًّ . وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياًّ} [مريم:30-31].
- ولقمان يجعلها في مقدِّمة ما يوصي به ابنَه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان:17].
- أمَّا الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم فقد كُلِّف بها هو وأمَّته عند سدرة المنتهى؛ لعلوِّ شأنِها وكبير ثوابها، ولم تُخصَّ فريضةٌ غيرها بهذه المنزلة.
* منزلة للثواب والعقاب:
- لقد اعتبرها الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم قرَّةَ عينِه: «
»؛ (رواه الترمذي).- وجعلها الله تعالى الصفة الأولى للمؤمنين المفلحين؛ {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2].
- وترْكُها يورث دخول جهنَّم: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلاَّ أَصْحَابَ اليَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ المُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ} [المدثّر:38-43].
- وذكرها النبيُّ عليْه الصَّلاة والسَّلام فقال في واحد من جوامع كلمه: « »؛ (رواه أحمد) وغيره.
* وقت وجماعة وخشوع:
إنَّ الصَّلاة المقبولة عند الله هي الَّتي يؤدِّيها المسلم في وقتِها، وجماعةً -ما أمكنه ذلك- وبحضور القلب.
- الوقت: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء:103].
- الجماعة: «
»؛ (متَّفق عليه).- الخشوع: هو حضور القلْب مع التلاوة والاستِماع، والركوع والسجود؛ لأنَّ المصلِّيَ في الحضرة الإلهيَّة يتذوَّق هذا الاتِّصال الروحيَّ بخالقه، ويتلذَّذ بحلاوته.
* فريضة ونافلة:
بأداءِ الفرائِضِ ينال المؤمن درجة القُرْب من الله، {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]، فإذا أضاف إليْها النَّوافل بلغ درجة المحبَّة، كما ورد في الحديث القدسيِّ: « »؛ (رواه البخاري).
وتتمثَّل نوافل الصَّلاة في الرَّواتب الَّتي قبل الصَّلوات المكتوبة وبعدها، وهي اثنتا عشْرة ركعةً، وفي صلاة الضحى، وأفضل النَّوافل قيام الليل.
* هل من مشمر؟
ما أحوجَنا إلى الصَّلاة القانتة الخاشعة في زمنِ طغْيان المادَّة وقسْوة القلوب، وانتِشار الفواحش! فهي الزَّاد والمدد والعاصم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153].
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت:45].
«
»؛ (رواه أبو داود).
عبدالعزيز كحيل