الحرج المكنون في عمق الشخصية النصرانية
بإمكان أيِّ إنسانٍ أنْ يكذب مائةَ كذبة، ولكن أنْ يُقنِع الآخَرين بكذِبِه فهذا بعيد المنال، إلاَّ في وسط قَطِيعٍ من الخِراف الأغبياء، أو بين مجموعةٍ من الأتباع الذين يَحتاطُون دون كشْف المستور القَبِيح، والحقيقة الفاضحة، فيُهلِّلون للكذب تشبُّثًا بالغَباء إنْ كان سيَرفَع عنهم بعضَ الحرج.
في محاولةٍ لتَحلِيل النفسيَّة النصرانيَّة، وإيجاد مُفسرٍ لكلِّ هذا التهجُّم الوَقِح على الإسلام والمسلمين، وكلِّ هذا الانفِلات الخُلقي، واللفظي من افتِراءٍ وسباب، وشتْم يتفوَّه به النَاّشِطُون من أهْل هذه الملَّة النصرانيَّة، فالواقع يحدِّثنا عن رؤوس النَّصارى -على اختلاف مللهم وطوائفهم- الذين يتَشدَّقون ليلاً ونهارًا بذكر الإسلام والمسلمين بأسوأ المَعايِب، ويَصِفُون النبيَّ صلى الله عليه وسلم وشعائر الدين بأسوَء الافتِراءات ممَّا يُوصَف به أهل الفسق والفجور.
هؤلاء بعضُهم يتربَّع على كرسي البابويَّة مثل البابا (بندكتوس) السادس عشر، أو يُعَدُّ رأسًا لأهل ملَّته مثل بطريرك الإسكندريَّة ورجاله، وبعضهم يتقلَّد المناصب الدينيَّة في الشرق والغرب، وبعضهم من أهل الدنوِّ والحقارة حتى إنَّه لم يجد له وظيفةً تدرُّ عليه كسبًا إلاَّ أنْ يقع في رموز الإسلام، وآخَرون أناسٌ عاديُّون إلاَّ أنهم لا يملكون أنفسَهم غيظًا، ولا يُسَيطِرون على مَشاعِر الحقْد الدفين الذي مَلأَ قلوبهم، وسَيْطَر حتى على عقولهم، فأطلَقُوا لألسنتهم العنان في التطاوُل على الوَقائع التاريخيَّة، وسب وقذْف شموس البشريَّة وأقمارها {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118].
وتختَلِف وسائل تعبيرهم؛ فمنهم مَن يَكتُب، ومنهم مَن يرسم، ومنهم مَن يُقِيم في غُرَف الحوار-عفوًا غُرَف الشَّتْم- على شبكة الإنترنت، ومنهم مَن يُلقِي المواعِظ، ويُقِيم القدَّاس والصَّلوات؛ من أجْل لعْن أهل الطُّهر من أهل الإسلام ورموزه، وأيًّا كان نوع هؤلاء السبَّابين، وأيًّا كان أسلوبهم التعبيري الافترائي، فهناك أمرٌ يشتَرِكون فيه جميعًا، ويُسَيطِر عليهم جميعًا، وحالة نفسيَّة تتملَّكهم، وهي: حالة الإحراج الذي يُصِيبهم في كلِّ موقفٍ وعلى مَدار التاريخ.
قديمًا أحرجت الكنيسة في بداية التقدُّم العلمي، حتى انكَشَف أنَّ الكنيسة تروِّج الأكاذيب العلميَّة التي أثبَتَ البحث زيفَها؛ ممَّا اضطرَّ الكنيسةَ آنذاك إلى حرْق العُلَماء الذين تكلَّموا بأيِّ نظريَّة علميَّة تُخالِف المنهج الذي ادَّعَتْه الكنيسة، وفرَضت على الناس الإيمانَ به باسم الرب والكلمة المقدَّسة، وحديثًا أحرجت الكنيسة حينما اضطرَّت إلى الاعتِراف بنظريَّة دارون في تطوُّر الأنواع، التي طالَما حاربَتْها، ورَمَتْ بالكفر كلَّ مَن آمَن بها، وما كادَتْ أنْ تعتَرِف بها كنظريَّةٍ مقبولةٍ من قِبَلِ الكنيسة حتى خرَجت البحوث العلميَّة التي أثبتَتْ بُطلان فرضيَّة دارون، وأنها مَحْضُ افتِراء، وتناقَلت أخبارَ سُقوط نظريَّة دارون جميعُ صُحُفِ العالَم وأنبائها كلُّها تُكذِّب دارون، ولا أدري هل تُكذِّب دارون أم الكنيسة؟ التي عزَفَتْ عن عداوتها القديمة وأعلَنت الإيمان بفرضيَّة دارون التي كفَّرتها من قبلُ، وأثبَتَ العلم كذبها وكذب الكنيسة معها [1].
هذان نموذجان اثنان فقط من الحرَج في تاريخ الكنيسة القديم والمُعاصِر، وإلاَّ فالنماذج كثيرةٌ جدًّا وتَفُوق الحصْر من كثْرتها، إنَّنا حين نتكلَّم عن النفسيَّة النصرانيَّة لا نذكُر الحياء؛ فإنَّه ليس له مكانٌ على صفحة النصرانيَّة وفْق تعاليم الكتاب المقدَّس، ولكن بالرغم من زَوال الحياء وفقدانه، إلاَّ أنَّ الحرج لا يَزال يُطارِد لبَّ الشخصيَّة النصرانيَّة ويضيق الخناق عليها؛ فالشخص النصراني مثلاً ربما لا يستَحِي من أنْ يَقرَأ بصوتٍ عالٍ أمام ابنته أو أخته قصَّةً تحتوي على عِباراتٍ جنسيَّة فاضِحة، وإيماءات شهوانيَّة صريحة، كلُّ هذا واردٌ في ظِلِّ الانسِلاخ الفطري، وخلْع ثوب الحياء، أمَّا أنْ يَكون هذا المقروء الممجوج بالجنس نصًّا من نصوص الكتاب المقدَّس -الذي يُفتَرض أنْ يكون كلامَ الرب- فهو أمرٌ مُخجِل جدًّا، ومحرجٌ للغاية، حتى وإنْ فقَد الحياء الفطري؛ لكنَّه يضَع علامات دهشةٍ واستِغراب لا حدودَ لها في كينونة الشخصيَّة التي تُقدِّس هذا الكتاب بكلِّ عِباراته.
وهذا الذي يُفسِّر حالةَ التشنُّج التي أصابَتْ هؤلاء المكبوتين الذين ينفثون عن كبْتهم بهذا الهذيان، ويَتَواطَؤُون عليه، بل تَتضافَر جهودُهم في دعْم ونصرة إفْكهم، حتى وإنْ كان ضد ما يقتَضِيه الموقف العقلي والدِّراسة العلميَّة، وهو ما حدَث عند تَواطُؤ دول الغرب على تلك الرُّسوم المُسِيئة، ومنح أصحابها الحماية والدَّعم والتأييد من قِبَل أهل الفِكر وأصحاب القَرار من الساسة وغيرهم.
إنَّ الشخص النصراني العادي لَيتجرَّع معاني الحرج في كلِّ ما حولَه؛ فالكتاب الذي يؤمن به كتاب مُحرِج للغاية، والأنبياء والقدِّيسون الذين يتحدَّث عنهم الكتاب ويمثِّلون الرمز والنموذج، تجدهم يقومون بأفعالٍ مُخجِلة للغاية، بل مقزِّزة أيضَّا، والتاريخ الكنسي على مَدار العصور المختلفة، وعلى مستوى الطوائف بأنواعها، تاريخٌ مخزٍ ومُؤسِف، هذا فضلاً عن الحاضر المُعاصِر الذي امتَلأ بالفَضائح والمخازي الشنيعة.
كلُّ هذا يضَع الفردَ النصراني في حالةٍ من الشُّعور بالخزْي والحرج، ويجعَلُه يُحاوِل أنْ يذري الرَّماد في عُيُون مَن حولَه؛ حتى لا ينكَشِف باطلُه، وتظهَر سوءتُه، والموضوعات المحرِجة في الملَّة النصرانيَّة تَفُوق الحصْر، وتزيد عن عدد طوائفها المتزايِدة العدد كثرةً ووفرةً، وهي متنوِّعة كتنوُّعِهم تمامًا.
صفاتُ الرب في النصرانيَّة موضوعٌ مُحرِجٌ للغاية؛ لأنَّه يُشعِر النفس بالتدنُّس بشيءٍ ما، خاصَّة وأنت لا تستَطِيع أنْ تُفرِّق بين الرمزيَّة للإله بمخلوقاته والتشبيه له بالمحسوسات -حتى المحتَقَر منها- وبين تلك الرمزيَّة والتشبيه الموجود عند الوثنيِّين، فالربُّ في الكتاب موصوفٌ بالنقائص والعجز، مُشبَّه تارَةً بالخروف والتنين، ومشبَّه أُخرَى بالأسد والدودة والدبة [2]، ومرَّات بأنَّه يندم ويحزن، وينسى ويتأسَّف، وكثيرًا بأنَّه عاجزٌ غير قادِر، وتخدعه امرأة موسى، وهو يتعب ويَرتاح ويمشي عريان، ويَشرَب الخمر، ويصرعه عبدُه يعقوب ولا يقدر عليه، ويُضلله الشيطان أربعين يومًا.
كان الأَحرَى بالشخص النصراني أنْ يُعمِل عقلَه ويتدبَّر أمرَه؛ ليَرَى بكلِّ بساطةٍ بُطلانَ ما عليه أهلُ ملَّته وتناقُضهم وكذبهم، كان عليه أنْ يَجُول ببصره هنا وهناك ليُبصِر بكلِّ وضوحٍ ذلك الزيفَ القائم على تَعالِيم الآباء وتقديسهم، واتِّخاذهم أربابًا من دون الله، كان هذا أحرى به من الكذب والفِرَى والتطاوُل الأحمق على حَقائق التاريخ، ولكن وفْق منهجيَّة بولس فإنَّه إذا كان مجد الرب سيَزداد بكذبه وإفكه وباطله، فلا لوم [3].
فالكذب خُلُقٌ شائنٌ يَأباه أصحاب النُّفوس الكريمة، ويأنَفُه النُّبَلاء من الناس، وحين ينكَشِف لإنسانٍ كذبُه أمامَ الناس يَوَدُّ لو أنَّ الأرض تبتَلِعه ولا يظهر كذبُه وتنكَشِف عورَتُه، هذا في الحياة الإنسانيَّة الكريمة، أمَّا في الأوساط الكنسيَّة فلا، فالكذب يصدر عن الآباء لخداع الناس وردًّا على استِفساراتهم [4]، وخوفًا من الحرج الذي سيُصِيبهم لو صدقوا الناس في الإجابة، وباتَت الكنيسة بدون أسرار.
بإمكان أيِّ إنسانٍ أنْ يكذب مائةَ كذبة، ولكن أنْ يُقنِع الآخَرين بكذِبِه، فهذا بعيد المنال، إلاَّ في وسط قَطِيعٍ من الخِراف الأغبياء، أو بين مجموعةٍ من الأتباع الذين يَحتاطُون دون كشْف المستور القَبِيح، والحقيقة الفاضحة، فيُهلِّلون للكذب تشبُّثًا بالغَباء إنْ كان سيَرفَع عنهم بعضَ الحرج.
ولعلَّ من المواقف المُضحِكة في هذا المِضمار تفسير الكنيسة الأرثوذكسيَّة على لسان رئيسها الحالي لسفر نشيد الإنشاد -وهو السفر الشهواني الماجن- بأنَّه مجرَّد كلمات من الرب يُغازِل بها كنيسته العَذراء، فيصل الأمرُ إلى ذكر أوصاف العذراء في جوٍّ مَشحون بالتعرِّي الفاضِح؛ من أمثال ذكْر أوصاف الجسد، وعِبارات الخنا، وطريقة اللِّقاء، والعناق، والخمر... وغير ذلك [5]، فيهلِّل له المهلِّلون وكأنَّه بكذبه هذا قد ألقى طوق نجاةٍ تخرجهم من بحر الحرج العميق.
الطَّلاق في النصرانيَّة من القَضايا الشائكة للغايَة، ليس فقط لاختِلاف الطوائف حول ضرورته وإباحته، فاختِلاف التناقُض أمرٌ مُعتاد غير مُستَنكَر في النصرانيَّة؛ بل لأن المنع منه فضلاً عن كونه يصطَدِم مع حاجةٍ فطريَّة مُلِحَّة وضروريَّة، إلاَّ أنَّه يترُك تكوينًا اجتماعيًّا أسريًّا شائِهًا، مليئًا بالعَوْرات والتخلخُل الذي يحدُث جرَّاء عدم وجود سقفٍ للانحِراف أو التفلُّت داخِل البيت والأسرة، فالمرأة التي تنشز عن طاعة زوجها وعن استِقامة بيتها، ما الذي يملكه ذلك المسكين الأعزَل للقِيام بردعها، وردِّ حقوق بيتِه وأولاده منها؟ وما الذي تَخشاه هذه المرأة وهي التي تعرف أنها بدون رادِع، ولا يستَطِيع أحدٌ المساسَ بحريَّتها؛ لأنَّ: (ما يجمَعُه الله لا يُفرِّقه إنسان؟) [6].
وتظلُّ آلاف البيوت مُغطَّاة على ما بها من خِيانةٍ، وكراهية، وتنافُر، واستغلال، دون أيِّ محاولةٍ للإنقاذ، ولا العودة إلى طريق الرشد، فينعَكِس ذلك على آدميَّته، ويجعَلُه يَسِير جارًا لأدناس الخزي والرِّجس المُهِين، كلُّ ذلك يَمنَح الشخص النصراني مُسوِّغات الحقد والضَّغينة على الإسلام، الذي أباح الطلاق في حالة البأس والضَّرر، وأباح تعدُّد الزوجات، وصانَ أتباعَه من الوقوع في الزنا والفاحشة، ويجعَلُه على استِعدادٍ دائم للتَّزوِير والافتِراء لرَمْي الإسلام بالتُّهَم الباطلة، والشُّبَه الداحِضَة؛ خشيةَ انكِشاف المستور.
ومن هذا المنطلَق يَحرِص الأفَّاكون على التشويش وذرِّ الرَّماد في العُيُون؛ ليَتعامَى الناس عن حَقائِقَ كثيرةٍ أخرى مستجدة بالواقع؛ فظاهِرة الاهتِداء للإسلام، وإقبال الناس على تَعالِيم النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في نفس الوقت الذي يَهجُر الناس الكنيسة ولا يَثِقون بها، ويُبغِضون رجالها؛ لأنَّهم ليسوا بالكهَنَة القدِّيسين الأبرار كما كانوا يظنُّون، كلُّ هذا يُشعِر الفردَ النصراني المتديِّن بالخزي والعار، فإذا ما وصَل الأمر إلى كوْن الداخِلين في دين الإسلام هم من أبناء وأخوات وزوجات الكهَنَة؛ بل من الكهنة أيضًا مَن يدخُل في الإسلام، فعندئذٍ تكون الفضيحة أكبرَ، والخزي أشد، فلا بُدَّ إذًا من أنْ يخرج أحد رُؤَساء [7] الكذَّابين متجرِّئًا ومُتَطاوِلاً على تاريخ الإسلام، وعلى قدسيَّة القرآن، وسلامته من التحريف.
كلُّ ذلك يجعَلُ الشخصَ النصراني في دائرة الحرَج، وإنْ كان أحرى به أنْ يحلَّ مشكلته، لا أنْ يَبحَث عن خدعةٍ جديدة لمعالجة الخلَل في باطِلِه المتشبِّث به، عليه أنْ يُبصِر الحقيقةَ كامِلةً، ويأخُذَ نفسه مأخذ الجدِّ؛ فالحقُّ واضحٌ ناصعٌ كالبياض، والباطل أسود كالح مُظلِم يَفُوح ظلامه من كلِّ جوانبه، أمَا يبصر النصراني تاريخ كنيسته الدموي المُخزِي؟ ألم يَقرَأ عن فضائح القدِّيسين الماليَّة والجنسيَّة على مَدار عصور التاريخ؟ ألَم يُطالِع آراء المُنصِفين وأهل الشهادة فيهم الذين شهدوا على مَخازِي الكنيسة، وجَرائِم الباباوات في الإنسان والإنسانيَّة؟
فإنِ افتَرَضنا أنَّه كان ساذجًا لا يَقرَأ ولا يسمع، ألَم يُشاهِد بأمِّ عينَيْه الاعتِرافات تِلْوَ الاعتِرافات التي يضطرُّ إليها الآباء للاعتِراف بجرائمهم ضد النِّساء والأطفال، وتلويثهم ثوب الرهبانيَّة الذي ظلَّ متدنِّسًا على مَدار التاريخ.
إنَّ كلَّ هذه الخَطايا فاقَتْ في الكمِّ والكيف الخطيئة الأولى، وقد تَحتاج أنْ يُرسِل الأب ابنًا جديدًا ليمحو عن شعب الكنيسة العارَ، ويَرفَع عنهم الخزيَ والحرج الذي تَغلِي به النُّفوس، وتَشتاط به الألسن غيظًا وكمدًا، فتُطلِق العنان للتَّطاوُل والتجرُّؤ والسباب.
--------------------
[1] تدور الأحداث عبر مُعاداة تاريخيَّة لدارون من قِبَل الكنيسة؛ حيث رمَتْه بالكفر والإلحاد، وكذَّبت نظريَّته وكفَرَتْ بها على مَدار 150 عامًا، وفي أواخر العام الـ150 قرَّرت الكنيسة تغيير موقفها والاعتِراف ببُعْدِ نظر دارون، وأنَّ الروح القدس لم يكن موفَّقًا هذه المرَّة في معاداته لدارون؛ ففي شهر مارس لعام 2009 أعلَنَ الفاتيكان (ممثِّل الكاثوليكيَّة حول العالم) أنَّ نظريَّة النُّشوء والارتِقاء التي وضَعَها العالِم اليهودي تشارلز دارون قبل نحو 150 عامًا تتَّفِق مع الكتاب المقدَّس، وأنها ستستَضِيف مؤتمرًا يستمرُّ خمسة أيَّام عن: "التعايُش بين التطوُّر والخلق" بمناسبة مرور 150 عامًا على نشر كتاب (أصل الأنواع)؛ للعالِم تشارلز دارون.
وقبل ذلك تَراجَع الإنجيليُّون عن موقفهم من دارون؛ حيث أعلَنَ (مالكولم براون) -وهو رجل دين إنجليكاني بارز- أنَّ كنيسة إنجلترا البروتستانتيَّة تَدِين بالاعتِذار لدارون عن الطريقة التي استَقبَل بها الإنجليكانيُّون أفكارَه في بريطانيا.
وكانت المفاجأة حين أُعلِن في العام نفسه (أكتوبر 2009) عبر جميع وكالات الأنباء في العالم سُقوطُ فرضيَّة دارون، وأنها كانت فرضيَّة خاطئة، ولاقَى ذلك احتِفاءً إعلاميًّا صاخبًا؛ حيث قدَّم فريقٌ من العلماء الأمريكيين دليلاً جديدًا على أنَّ نظريَّة دارون في النُّشوء والارتِقاء كانت خطأً، بكشف فريق عالمي من عُلَماء أصول الجنس البشري من جامعتي كين ستيت وكاليفورنيا النقابَ عن أقدم أثَرٍ معروف للبشر على وجْه الأرض، وهو هيكل عظمي إثيوبي أُطلِق عليه اسم (أردي)، وأعلن فريق البحث أنَّ اكتِشاف (أردي) يُثبِت أنَّ البشر لم يَتَطوَّروا عن أسلافٍ يُشبِهون قردة الشمبانزي، مُبطِلين بذلك الافتِراضات القديمة بأنَّ الإنسان تطوَّر من أصل قرد.
[2] على سبيل المثال: يقول الكتاب المقدَّس: "هؤلاء سيُحارِبون الخروف والخروف يغلبهم؛ لأنَّه ربُّ الأرباب وملك الملوك"؛ رؤيا يوحنا 17: 14.
وجاء في سفر المزامير الإصحاح 78: 65: "فاستَيقَظَ الربُّ كنائمٍ كجبَّار معيط من الخمر".
وفي سفر أشعياء الإصحاح 20: 7: "الرب يحلق شعر رجليه بموس مستأجرة".
وفي سفر الخروج الإصحاح 32: "فتضرَّع موسى أمامَ الربِّ إلهه وقال له: ارجع عن حُمُوِّ غضبك، واندَم على الشر بشعبك، اذكر إبراهيم وإسحاق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم: أُكثر نسلكم كنجوم السماء، وأعطي نسلَكم كلَّ هذه الأرض التي تكلَّمتُ عنها، فيملكونها إلى الأبد، فندم الربُّ على الشر الذي قال: "إنَّه يفعله بشعبه".
[3] هذه هي منهجيَّة بولس كما يقول كتابهم في رومية 3/7 من كلام بولس: "فإنَّه إنْ كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان أنا بعد كخاطئ؟".
[4] يصف الكتاب المقدَّس خدعة الكذب هذه وكيف يستخدمها الآباء في قيادة الأتباع وتضليلهم وإسكاتهم عن البِدَع التي أدخَلُوها فيه، في رسالة بطرس الثانية 2: 1: 2:
1- "ولكن كان أيضًا في الشعب أنبياء كذَبَة، كما سيكون فيكم أيضًا مُعَلِّمون كذَبَة، الذين يدسُّون بِدَع هلاك؛ إذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم يجلبون على أنفسهم هلاكًا سريعًا".
2- "وسيتبع كثيرون تهلكاتهم الذين بسببهم يجدف على طريق الحق".
[5] وهذا ما حاوَلَه البابا شنودة في تَحسِين صورة الكتاب المقدَّس، ويَصِف هذه العِبارات الفاضِحة أنها عِبارات مجازيَّة المقصود بها مغازَلة الربِّ للكنيسة، وإليكَ أيُّها القارئ الرشيد عيِّنة من هذا السِّفر على سبيل المثال نشيد الإنشاد:
الإصحاح 7: 1:... دوائر فخذَيْك مثل الحلي صنعة يدي صناع.
2 سرَّتك كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج.
بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن.
3 ثدياك كخشفتين توءَمي ظبية.
4 عنقك كبرجٍ من عاج.
عيناك كالبرك في حشبون عند باب بث ربيم.
أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق.
الإصحاح 8: 1: ليتك كأخٍ لي الراضع ثديي أمي، فأجدك في الخارج وأقبلك ولا يخزونني.
2 وأقودك وأدخل بك بيت أمي وهي تعلِّمني فأسقيك من الخمر الممزوجة من سلاف رماني.
[6] هكذا يقول الكتاب، ويُفسِّره الأنبا شنودة على أبديَّة الزواج، وعدم جَواز الطلاق إلاَّ لعلَّة الزنا.
[7] المقصود ما فعَلَه الأنبا بيشوي -سكرتير شنودة الثالث عشر- من تصريحاتٍ تجرَّأ فيها على المسلمين من أهْل مصر، البالغ تعدادهم أكثر من خمسة وسبعين مليونًا، ووصَفَهم بأنهم ضيوفٌ على الأقباط، البالغ تعدادهم أقل من خمسة ملايين، وأشار إلى تحريف بعض الآيات في القرآن، كلُّ ذلك ردُّ فعلٍ لتكرار حالات إسلام زوجات الكهَنَة، وتَوالِي دخولهن في الإسلام وتمسُّكهن به، حتى بعد الدُّخول في محنَة الاضطهاد والتعذيب الكنسي، والجدير بالذكر أنَّ أخت الأنبا بيشوي نفسه قد دخَلت في الإسلام منذ فترةٍ ليست بالقصيرة، ولم يستَطِع هو ولا رِجال الكهنوت أن يُطفِئوا نور الهداية حين دخَل الإسلام قلبَها.
محمود محمد الزاهد
- التصنيف:
- المصدر: