فضل ذكر الله، وبماذا يكون؟

منذ 2014-06-12

ولكلِّ مناسبة من المناسبات وحالٍ من الأحوال أذكارٌ مأثورة وأدعية مشروعة، تكون عونًا للعبد على حاجته، وحِفظًا له ممَّا يَخافُه ويَحذَره، وسِلاحًا، يَدفَع به أعداءَه

الحمد لله الذي يَذكُر مَن ذكَرَه، ويزيد مَن شكَرَه، ويتوب على مَن تاب إليه واستَغفَرَه، ويُعذِّب مَن جحَدَه وكفَرَه، أحمده سبحانه على سابغ نعمه، وأسأَلُه المزيدَ من فضله وجوده وكرمه، وأسأله أنْ يُعِيننا على ذكره وشُكره وحُسنِ عِبادته.

وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، الذي أمر المؤمنين أنْ يتَّقُوه ويقولوا قولاً سديدًا، وحثَّهم على ذِكرِه وأعدَّ للذاكرين الله كثيرًا والذاكرات مغفرةً وأجرًا عظيمًا.

وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ سيِّد الذاكرين، وقدوة الشاكرين، الذي يذكر الله في كلِّ أحيانه، ويَشكُره على جميع نعمائه.

أمَّا بعدُ:
فيا أيها الناس، اتَّقوا الله لعلَّكم تُرحَمون، واذكُروا الله كثيرًا لعلكم تُفلِحون؛ {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19].

أيها المسلمون:
إنَّ المرء في هذه الحياة تُحِيط به المخاطر وأسباب الهلكة من كل جهة:
• فنفسه الأمَّارة تُورِده موارد التَّلَف.

• وشيطانه يُزيِّن له سوء عمله ليهلكه بالمعاصي كما أهلك كثيرًا ممَّن سلف.

• وهَواه يَصرِفه عن الحق إيثارًا للحياة الدنيا بصَلَف.

• وكم من جليسٍ له يضلُّه عن الذكر حتى لا يتَّخذ مع الرسول سبيلاً؛ ليعضَّ على يدَيْه غدًا قائلاً: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:28-29].

فالإنسان على الدَّوام بحاجةٍ إلى ما يَعصِمه من أسباب الهلكة؛ ويُخلِّصه من أسر الشيطان، ويُسكِّن مخاوفه ويَهدِي نفسَه، ويخلصه من الشيطان إنْ وقع في شركه؛ ألاَ وهو ذكر الله؛ {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، فذِكرُ الله حرزٌ للذاكر؛ مثله فيه كمثل رجل خرَج العدوُّ في أثره سِراعًا حتى أتى على حصنٍ حصين فأحرز نفسه به من عدوِّه، وكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلاَّ بذكر الله تعالى وإنَّ لحظات المرء المحدودة، وأنفاسه المعدودة، سوف تكون حَسرةً عليه ونَدامة يوم القيامة إذا لم يعمرها بذكر الله تعالى.

أيها المسلمون:
وكما أنَّ ذكر الله تعالى طمأنينةٌ للقلوب، فهو من أعظم أسباب الفَوْز والفلاح بأعظم المطلوب من كلِّ محبوب، ومن أهمِّ وسائل السلامة من كلِّ مكروه ومرهوب؛ ولهذا أمَر الله سبحانه بالإكثار من ذِكره، ووَعَدهم عليه العظيم من فضله وأجره؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:41]، وقال سبحانه: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10].

وأخبر سبحانه أنَّ ذكرَه يُوجِب طمأنينةَ القلوب وخشيتها، ووجلها وإخباتها، فقال: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحج:34-35]، وقال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28].

وأنَّه من أعظم أسباب العصمة والنصر على الأعداء في كلِّ ميدان؛ قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:200-201]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45].

أيها المسلمون:
وذِكْرُ الله تعالى يكون بالقلب؛ وهو إيمانه بالله تعالى وخضوعه له، واعتقاده بوحدانيَّته وبتفرُّده سبحانه بالربوبيَّة والإلهيَّة، والكمال في الذات، والأسماء والأفعال والصفات، واستحضاره لعظمة ربه ومحبته وخشوعه له، وخشيته وخوفه ورهبته منه، وذله واستسلامه له، ورغبته إليه، ورجاؤه إيَّاه، وصدق توكُّله عليه، ويكون بالجوارح والحواسِّ، وهو أداء العبادات العمليَّة، بامتِثال أمره ومباشرة طاعته، واجتناب نهيه والبعد عن معصيته، كلُّ هذا مِن ذِكرِه.

ومن ذكره سرورُ الوجه برؤية ما يُرضِيه، وعبوسه وتمعُّره من رؤية ما يُسخِطه ويُؤذِيه، وحفظ السمع والبصر وبقيَّة الحواسِّ عن معصيته، فكلُّ ذلك من ذكره تعالى والاشتِغال بعبوديَّته.

وهكذا يكون ذكر الله تعالى باللسان تلاوةً لكلامه، وثناءً عليه بما هو أهله، ودعاءً له، وسؤالاً له من فضله، والاستعانة به، والاستعاذة به من سخطه، ومن شرِّ كل ذي شرٍّ من خلقه، كلُّ ذلك ذكرٌ.

وهكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنُّصح للمسلمين، والدعوة إلى الخير، وإفشاء السلام، وإرشاد الضالِّ، وتعليم الجاهل، والإصلاح بين الناس، والحث على إعانة المحتاج، والصدقة على المسكين والضعيف، كلُّ ذلك من ذكر الله باللسان.

وقد ثبَت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: « كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن؛ سُبحان الله وبحمده، سُبحان الله العظيم» (متفق عليه).

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: لأنْ أقول: «سُبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبر، أحبُّ إِلَيَّ ممَّا طلعت عليه الشمس» (رواه مسلم).

وعنه صلَّى الله عليه وسلَّم قال: مَن قال: لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شيء قدير، في يومٍ مائة مرَّة، كانت له عدل عشر رِقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومُحِيت عنه مائة سيِّئة، وكانت له حِرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسِي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل ممَّا جاء به إلاَّ رجل عمل أكثر منه.

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَن قال: سبحان الله وبحمده، في يومٍ مائة مرة، حطَّت خطاياه وإنْ كانت مثلَ زبد البحر» (متفق عليه).

وجاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: علِّمني كلامًا أقوله في صلاتي... وفيه قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «قل: اللهم اغفِر لي، وارحمني، واهدِني، وارزُقني، وعافِني، فإنها تجمَع لك خيري الدنيا والآخِرة» (رواه مسلم).

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَن سبَّح اللهَ في دبر كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيءٍ قدير، غُفِرت خَطاياه وإنْ كانت مثلَ زبد البحر» (رواه مسلم).

أيها المسلمون:
ولكلِّ مناسبة من المناسبات وحالٍ من الأحوال أذكارٌ مأثورة وأدعية مشروعة، تكون عونًا للعبد على حاجته، وحِفظًا له ممَّا يَخافُه ويَحذَره، وسِلاحًا، يَدفَع به أعداءَه.

فللصباح والمساء أورادٌ مَسنونة، وللنَّوم واليَقظَة أذكار مشروعة، وللمِحَن والشَّدائد ودفع الهمِّ والغمِّ والخوف والحزن والدَّين دَعواتٌ مُناسِبة، ولتجدُّد النِّعم وتَوالِي المسرَّات أذكارٌ مأثورة، ولكلِّ أمرٍ ذي بال وحادِث ذي شأنٍ يرجو فيه المسلم النَّجاح والتوفيق، أو وارد مباغت، أو خبر عن فائت، قد يفقد المرء صوابه، أو يُفوِّت عليه محابه - ذكرٌ ثابت في الكتاب والسنة، وكلُّها توجيهٌ للنُّفوس باللُّجوء إلى الله، والتعلُّق به وحدَه دون مَن سِواه.

ومَن أراد معرفة ذلك ليذكر ربَّه ليصبح في عداد الذاكرين الشاكرين الصابرين، فليُراجِع الكتب المختصَّة بذلك؛ ككتب الدَّعوات والأذكار، ووظائف اليوم والليلة، ومنها كتاب (الأذكار) للإمام النووي، وكتاب (الوابل الصيب) لابن القيِّم.

أيها المسلمون:
وليس لذِكر الله تعالى وضعٌ مخصوص لا يَصلُح بدونه، أو طريقة مُعيَّنة ينفَرِد بها مجتمعٌ أو طائفة عن الآخَرين، وليست ترتيلات جماعيَّة، أو نغمات شجيَّة، وإنما هو الاتِّباع للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم ومُلازَمة ذِكر الله تعالى على هُداه وسنَّته، في خشوع لله وتضرُّع وابتهال ومناجاة وذل وانكسار، وإظهار أعظم الفاقة والاضطرار، في أوقاته ومُناسَباته، ومُتغيرات الأمور، ومُستجدَّات الحوادث، على حسب ما جاء الإرشادُ إليه، والتوجيهُ بشأنه، في الكتاب والسنَّة، لعامَّة الأمَّة.

فالذكر حياة للقلوب، وعبادةٌ للألسنة، وتربية للنُّفوس، سواء كان وردًا مشروعًا، أو دُعاءً مَأثورًا، أو قُرآنًا يُتلَى، أو علمًا يُذاع، أو خيرًا يُؤمَر به، أو شَرًّا يُنهَى عنه، أو نصيحة تُسدَى، أو مشورة تُبذَل، أو فريضة تُؤدَّى، أو معصية تُتَّقَى، فمَن أخَذ به في وقته، وشغَل به نفسه عند مناسبته وسببه، فهو من الذاكرين لله، الموعودين بالحظوظ الوفيرة، والأجور الكثيرة، فاتَّقوا الله عبادَ الله، واعمروا أوقاتكم بذِكرِه، فإنَّ الذكر مَظهَرٌ لشُكرِ نِعَمِ الله، وأمانٌ من الغَفلَة عن الله، وحَياة للقلوب، وسببٌ لتحصيل خير المطلوب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا . تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب:41-44]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:9-10].

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفَعَنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستَغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنب، فاستَغفِروه يَغفِر لكم إنَّه هو الغفور الرحيم.

  • 7
  • 0
  • 13,939

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً