دبيبُ النملة

منذ 2014-06-12

أن النفاق والزلل قد يُصيب الإنسان دون أن يدري ودون أن يشعر به أصلًا! ويظل يتسلَّل ومن ثم ينعكس على أقوال وأفعال أصحابه دون شعور.. بل وربما يظنون أنهم يُحسِنون صُنعًا!

ذكر ابن القيم في كتابه القيم (الداء والدواء): "أنَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ كان يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ، هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -يَعْنِي فِي الْمُنَافِقِينَ-؟ فَيَقُولُ: لَا، وَلَا أُزَكِّي بَعْدَكَ أَحَدًا".

هنا أُشير إلى أمرٍ غاية في الأهمية.. لأن من كلام ابن القيم والحديث ربما ينطبع لدى القارئ.. انطباع ليس كامل للمعنى، وهو أن المدلول هو ورع ووجل الفاروق رضي الله عنه وشدة خوفه من الله عز وجل وازدراءٌ لنفسه فحسب.. وإلا كيف لا يكون ذلك وهو رضي الله عنه من أهل بدر ومن العشرة المبشرين بالجنّة؟ فكيف يحتمل أن يكون من أهل النفاق والعياذ بالله؟

إلا أن الأمر أرى له معنى آخر ربما أكثر عُمقًا وربما نحتاجه الآن بشدة.. وهذا المعنى له شقين:

الأول:

وهو أن لا أحد معصوم من النفاق، ولا من الفتنة، ولا من الزلل، ولا من التشويش الذهني، ولا من الفهم الخاطئ ولا من انحراف التصورات، ولا الوقوع في شبهات الخصوم، ولا من التأثر بالاختراقات الفكرية ولا من الاستدراج بفعل شياطين الإنس والجن مهما كان حتى ولو كان الفاروق فضلًا على كونه عالِمٍ أو فقيهٍ أو شيخٍ أو مُفكِّرٍ أو مجاهدٍ أو شيخ مجاهدين أو أكاديمي أو سياسي أو.. أو... إلخ.

وهذا كان فهمه وعقيدته رضي الله عنه إذ أنه عندما سأل سيدنا حذيفة لم يكن يُبالِغ ولم يكن يُمثِّل عليه حاشاه بل كان جادًا في سؤاله مرتعبًا.

الثاني:

هو طبيعة كلمة النفاق فالكلمة عادةً ما تترك مدلول أيضًا غير كامل وهو النفاق المعلوم بالضرورة.. كنفاق عبد الله بن سلول وذريته وسُلالته الموجودة حتى قيام الساعة وهم من يُبطِنون عداوة للإسلام ويُظهِرون محبته..

والحقيقة أن المعنى أشمل بكثير.. يصل إلى دبيب النملة الخفي، أي أن النفاق والزلل قد يُصيب الإنسان دون أن يدري ودون أن يشعر به أصلًا! ويظل يتسلَّل ومن ثم ينعكس على أقوال وأفعال أصحابه دون شعور.. بل وربما يظنون أنهم يُحسِنون صُنعًا! ومن ثم خشي الفاروق أن يكون أصابه هذا النوع الخفي فانعكس ذلك على ردَّةِ فعله مع سيدنا حذيفة وإلا كيف يسأله بهذا الخوف الحقيقي وهو نفسه يعلم ما تُسِرُّ به نفسه رضي الله عنه وأرضاه..

الشاهد:

إذا فعلنا وطبَّقنا هذه المعاني فيما يمرُّ بنا من أحداثٍ وفتنٍ بين الصالحين ربما أمكننا تفهُّم شيء ما، أو ترجمنا بعض المواقف أو استوعبنا ودقَّقنا وأمعنا النظر سنجد أن الكثير من الصالحين لا أظنهم وضعوا تخوُّفات الفاروق في سياق ردود أفعالهم المختلفة لأنهم أيضًا يعلمون ما تُسِرّ به أنفسهم وأنهم ليسوا كعبد الله بن سلول، وربما أيضًا يُترجم المواقف المختلفة للاتباع فكثيرًا ما أسمع أو يُعلِّق أحدهم فيقول: "ألم تسمع قول فلان؟ ألا تدري من هو؟"..  ثم أُجاوبه بعيدًا عن فلان وأُحدِّثه حديث مجتهد وأصيغ الأدلة والبراهين وأسرِد معلومات! فلا يرد على ما أقوله!    

بل يُعاوِد مرةً اخرة ليقول:

وماذا تقول في قول فلان؟! 

فأتجاوز مرةً أخرى عن فلان وأستمر في سرد الحقائق والبراهين!    

ثم يُكرِّر.. طب وما رأيك في فلان2؟ ألم يقل نفس كلام فلان؟!

وهكذا..!

حتى يأتي له آخر لينقل له أقوال فلان من الجانب الآخر عكس فلان من الجانب الأول! ويستمر جدل الفلانين حتى تشتعل الفتنة!  

ولذا كما قال سيدنا حذيفة نفسه: "إن باب الفتنة سيُكسَر كسرًا بعد الفاروق عمر".

وعليه أُوصي بدعاء: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُهُ» (رواه الإمام أحمد في مسنده، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد).

ودعاء: اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن..

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 4
  • 0
  • 6,415
  • Abdessalam Skaik

      منذ
    نعوذ بالله أن نكون في الدرك الأسفل من النار.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً