وأنتم الأعلون

منذ 2014-06-12

أنتم الأعلون؛ لأن كتابكم القرآن، به نبأ من قبلكم، وخبر من يأتي بعدكم، وحكم ما بينكم، من خالفه من الجبابرة قسمه الله عز وجل، ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله عز وجل، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وشفاؤه النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يعوج فيُقوّم، ولا يزيغ فيستقيم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلقه كثير الترداد.

إنه لمن العجب حقًا أن تُحبط أمة تملك كتابًا مثل القرآن، وحديثًا مثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنه لمن العجب حقًّا أن ييأس شعب له تاريخ مثل المسلمين، ورجال أمثال رجال المسلمين.
وإنه لمن العجب حقًّا أن يقنط قوم يملكون مقدرات مثل مقدرات المسلمين، وكنوزًا مثل كنوز المسلمين.
عجيب حقًا أن تقنط هذه الأمة، وقد قال ربها في كتابه: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [الحجر:56].

حقيقة مُشاهدة وواقع لا يُنكر، فغياب الأمل وضياع الحلم وانحطاط الهدف كارثة مروّعة حلت على المسلمين، ومصيبة هائلة لا يرجى في وجودها نجاة.

إخوانى وأحبابي:
أحمل لكم آية عجيبة، وكل آيات الله عجيبة، كنز من كنوز المنان، وعطية من عطايا الرحمن، قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران:139-140].

أتعلمون أيها الإخوة متى نزلت هذه الآية؟
نزلت هذه الآية بعد غزوة أحد، بعد هزيمة المسلمين في أحد! لِيُعلَّم الله المؤمنين أنَّ العزة والعلو لا يتأثران بهزيمة مرحلية، ولا يرتبطان بنصر مرئي، ولا يعتمدان على تمكين المجاهد.
لِيُعلَّم الله المؤمنين أنَّ الأيام دول، وأنَّ التاريخ دورات، وأنَّ لهذا دورة ولهذا دورة، وأن الدورة الأخيرة للمؤمنين.

أيها المؤمنون، عباد الله:
أنتم الأعلون؛ لأن إلهكم الله الذى لا إله إلا هو، سبحانه، وما كان الله ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليمًا قديرًا.

أنتم الأعلون؛ لأنكم أتباع النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم خير الخلق وسيد الرسل، والماحي الذي يمحو الله به الكفر، والحاشر الذي يُحشر الناس على قدمه، والعاقب الذي ليس بعده نبي صلى الله عليه وسلم.

أنتم الأعلون؛ لأن كتابكم القرآن، به نبأ من قبلكم، وخبر من يأتي بعدكم، وحكم ما بينكم، من خالفه من الجبابرة قسمه الله عز وجل، ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله عز وجل، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وشفاؤه النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يعوج فيُقوّم، ولا يزيغ فيستقيم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلقه كثير الترداد.

أيها المؤمنون:
أنتم الأعلون؛ لأن شريعتكم الإسلام، دين ودنيا، جسد وروح، عقل وقلب، ما ترك الله في شريعته من شيء إلا وضحه وبينه، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3].

أنتم الأعلون لأنكم الأكمل أخلاقًا، «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (أخرجه البزار، وأخرجه أحمد بلفظ: "صالح الأخلاق").
أنتم الأعلون؛ لأنكم الأقوى رابطة، {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63].

أنتم الأعلون لأن الملائكه تثبتكم، {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:12].

أيها المؤمنون:
أنتم الأعلون لأن الجنة موعدكم، {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ . إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:109-111].
أنتم أيها المؤمنون الفائزون.

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

  • 6
  • 0
  • 2,971
  • Semsem Saad

      منذ
    د / راغب الحمد لله علي نعمة الاسلام وارجو من الله يرشدنا ويثبتنا علي الصراط المستقيم في الدنيا والاخرة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً