(24) اسم الله تعالى المصور
هاني حلمي عبد الحميد
الخالق البارئ المصور أي الذي إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون على الصفة التي يريد والصورة التي يختار..
- التصنيفات: الأسماء والصفات -
وروده في القرآن وفي السنة:
ورد هذا الاسم مرة واحدة في القرآن وهو قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر:24]، وجاء بصيغة الفعل مرات {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران:6]، {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ} [الأعراف:11]، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [التغابن:3].
المعنى لغة:
يُقال: المصوِّر صَوْر الشيء بمعنى الميل، قال: "رجل أصور" أي مائل، "وصُرتُ إلى الشيء" أي أملته إليك ومنه قول الله تعالى {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260]، أي أمِلهن وأجمعهن إليك، ويقال: "تصور الشيء" أي تخيله وتوهمه.
والتصاوير أي التماثيل، وصورة الأمر كذا وكذا: أي صفته، وضربه فتصور: أي سقط.
يُقال صوّر الشيء: أي جعل له شكلاً معلومًا، قطعه وفصله وميزه وهذا قريب أيضًا من اسم الله البارئ، فهو فيه معنى التمييز للشيء، وفيه معنى الخلق وتصويره: جعله على شكل متصور وعلى وصف متعين أو وصف معين.. هكذا ذهب اللغويين فى شرح هذا الاسم.
والصورة لغة: هي الشكل والهيئة والذات المتميزة بالصفات.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات: "الصورة ما ينتقش به الأعيان ويتميز بها غيرها وذلك ضربان، أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة، بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان بالمعاينة كصورة الإنسان والفرس والحمار، والثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خص بها شيء بشيء".
فالمصور في حق الله سبحانه وتعالى: هو الذى صور الأشياء بشتى أنواع الصور الجلية، والخفية، والحسية، والعقلية، فلا يتماثل جنسان أو يتساوى نوعان بل لا يتساوى فردان {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4]، فالصور تتميز بألوان وأشكال في ذاتها وصفاتها، في خارجها وداخلها.
والله جل وعلا أبدع صور المخلوقات وزينها بحكمته وأعطى كل مخلوق ٍ صورة على مقتضى مُشيئته وحكمته، فهو الذي صور الناس في الأرحام أطورا ونوعهم أشكالا. قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِين} [الأعراف:11]، ومرحلة التصوير هي المرحلة الثالثة من مراحل الإيجاد بعد الخلق والبرء، فبعد تقدير الشيء وإنفاذه في الوجود تأتي مرحلة إضفاء الملامح والسمات التي يتميز بها كل مخلوق عن غيره.
ومثله -ولله المثل الأعلى- إذا أراد إنسان أن يبني بناءً يأتي بمهندس يضع له تصورًا للبناء أولاً، ثم تبدأ مرحلة تنفيذ البناء بالمواد الأولية ثم المرحلة الأخيرة مرحلة التزيين وتجميل البناء حتى يتميز عن غيره من الأبنية، ولله المثل الأعلى.
وإذا كان هذا البناء -وهو أمر هين- يحتاج إلي عدة أشخاص لإخراجه إلى الوجود والفراغ منه. فكيف بخلق السموات والأراضين السبع، والشمس والقمر والكون على ما فيه من خلائق وأعاجيب..؟! فسبحان من خلق وصور وحده بلا معين ولا وزير، فهو وحده الخالق البارئ المصور، وحده قدر الشيء من قبل ثم أنفذه في وجوده ثم أعطاه من الملامح والقدرات ما يجعل له كيانًا مميزًا مستقلاً.. فسبحان الرب الإله.
المعنى في حق الله سبحانه وتعالى كما ذكر أهل العلم.
الطبري يقول: "المصور أي الذي صور خلقه كيف شاء وكما شاء".
وقال في تفسير قول الله تعالى {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:7-8]: "أي صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء.. يعني وكأن الخلق في البداية يكون كقطعة طين ثم يميله إلى جنس معين، فهذا من جنس عربي وآخر من جنس أعجمي، وهذا أبيض وذاك اسمر، وهذا أماله إلى صوره حسنة وذاك إلى صورة قبيحة أو إلى صورة بعض القرابات مثلا، فهذا يشبه أباه وهذا يشبه أمه وهذا يشبه خاله وآخر يشبه عمه وهكذا".
قال الزجاج: "المصور هو مصور كل صورة لا على مثال احتذاه ولا على رسم ارتسمه، بل يصوره كيف ما شاء سبحانه وتعالى"، قال ابن كثير: "الخالق البارئ المصور أي الذي إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون على الصفة التي يريد والصورة التي يختار".
• ويقول الخطابي: "هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها قال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [التغابن:3]"، لأنه لو وجد شخصين يتشابهان تمامًا لن يتمكن الناس من التفريق بينهما، وهذه الحكمة تغلق باب الاستنساخ لأنه يناقضها، إذا فمعنى المصور على أمرين..
الأول: الذي أمال خلقه وعدلهم إلى الأشكال والهيئات التي توافق تقديره وعلمه ورحمته التي تتناسب مع مصالح الخلق ومنافعهم.
والثاني: أنه الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، وهيئات متباينة من الطول والقصر، والحسن والقبح، والذكورة والأنوثة كل واحد بصورته الخاصة.
شبـهـه: يقولون أن الله قد خلق آدم على صورته، إذا فالصفات واحدة.
ونرد فنقول: أن المصور هو الذي صور الإنسان وأكرمه بأعظم تكريم، وهو أن خلقه على صورته في المعنى المجرد ليستخلفه في الأرض ويستأمنه في ملكه، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي قال: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن» (صحيح).
والعلماء قالوا: "الحديث ظاهر المعنى في أن الله تعالى صور آدم وجعل له سمعًا وبصرًا، وعلمًا وحكمة وخلافة وملكَا، وغير ذلك من الأوصاف المشتركة عند التجرد والتي يصح عند إطلاقها استخدامها في حق الخالق والمخلوق، فالله رحيم وفي خلقه رحمة يوصفون بها لكن الرحمة في حق الله متفاوتة ومختلفة.. رحمة تليق به سبحانه وتعالى لا يعتريها أي معنى من معاني النقصان ولا تشبه رحمة البشر".
وقالوا: "أن لفظ الصورة عند التجرد لا يعنى التماثل قط..فالله ليس كمثله شيء ولا نشبّهه بشيء، لكن هناك معاني مشتركة قضى الله بها ليكون العباد ربانيين يسعون إلى الارتقاء إلى رب العالمين في سلوك طريقهم إليه وأن يتحلوا بما يحب من هذه الصفات وأن يتخلصوا ويتبرءوا ويتنزهوا عن صفات لا يحبها وأن لا يتكلفوا صفات استأثر الله عز وجل نفسه بها".
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق فمن نفى القدر المشترك فقد عطل ومن نفى القدر الفارق فقد مثل"، وهذا من أصول الاعتقاد في باب الأسماء والصفات، فما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق.
فالذي ينفي القدر المشتَرك يُعطِّل صفات الله.. فيقول: "الله يسمع وأنا أسمع فكيف ذلك؟ إذًا فالله يسمع بلا سمع"، فيعطل الصفة لنفي التشابه، وهو ليس ثمة تشابه أصلا، فسمع الله تعالى على الوجه الذي يليق به وليس على الوجه الذي خلقنا عليه. وكذلك من نفى القدر الفارق فقد شبه فيقول لا فرق بين رحمة الله ورحمة البشر..نعوذ بالله.
حظ المؤمن من اسم الله المصور: توحيد الله سبحانه وتعالى.
قلنا أن اسم الله المصور يوجد فيه معنى التمييز، إذًا فأول شيء يُراعيه العبد في العمل بهذا الاسم هو تحقيق التوحيد، فلا يتشبه بما انفرد به ربه من صفات الربوبية، ولا يقع في شركِ التمثيل ولا يشبه الله سبحانه وتعالى بصفاتِ البشر على الوجه المذموم.
2- قضية التصوير:
والحديث رواه مسلم والإمام أحمد من حديث سعيد بن أبي الحسن أنه قال جاء رجل الى ابن عباس فقال: "إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها"، فقال: "ادنُ مني فدنى منه ثم قال ادنُ مني فدنى حتى وضع يده على رأسه فقال: أنبئك بما سمعت من رسول الله: سمعت رسول الله يقول «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسًا تعذبه في جهنم» (مسلم والإمام أحمد).
وفي رواية الامام أحمد: "قال فربى لها الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال له ابن العباس: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح" وفي رواية الإمام أحمد "إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له".
هذا الأمر يشير إلى خطورة قضية التصوير وأنها من جملةِ الكبائر ويدل عليه كذلك الحديث الذي رواه الطبراني وحسنه الألباني من حديث عبد الله بن مسعود أنَّ النبي قال: «أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة رجلٌ قتل نبيًا أو قتله نبي أو رجلٌ يُضِّلُ الناس بغير علم، أو مصور يصور التماثيل» (حسنه الالباني).
مصطلح الصورة في زماننا أصبح متشعبًا، فلدينا التماثيل والرسم والتصوير الفوتوغرافي والرقمي والفيديو، لكن الجماهير من العلماء على أن مصطلح الصورة هو التماثيل وهي التي تدخل في هذا النهي الشديد الذي ورد عن النبي، والخلاف بين العلماء على باقي الأنواع غير أن الرسم باليد يدخل تحت نطاق النهي إلا أن تبتذل وتمتهن كأن تكون سجادة على الأرض تداس بالأقدام أو وسادة، كما صنعت عائشة رضي الله عنها حين اتخذت التصاوير التي كانت معلقة على الجدار، وسادة أما أن تعلق هذه الرسوم فهذا يدخل تحت نطاق النهي والدليل عليه حديث عائشة.
يسعى في تحسين ظاهره وكذلك في تحسين باطنه:
إذ قلنا أن التصوير فيه معنى تزيين الشيء وتمييزه، وقلنا مثال ذلك البناء الذي يُبنى، فيذكّر هذا بمعنى: الله جميل يحب الجمال ويحب أن تكون على أحسن صورة، فحقها وحظ المؤمن فيها أن يكون هو كذلك جميلاً، أن يكون على صورة حسنة طول الوقت لما قال النبي: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، فقالوا: "أفرأيت الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا وسمته حسنًا -شكله جميل- قال: «ليس ذاك. إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس»".
لكن في نفس الوقت ينبغي أن لا يأخذ هذا التحسين الظاهري منه جل وقته، كأن يقف أمام المرآة مثلاً نصف ساعة ليسرح شعره بطريقة معينة ويلبس بشكل معين، لا، قال: «البذاذة من الإيمان» (أخرجه أحمد في مسنده)، يعني أحيانًا لا يهمه مظهره الخارجي فلا يكون عبدًا للصورة، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الخميصة»، والخميصة هي الثوب، فبعضهم لا يقدر أن يتخلى عن مظهر ألفه الناس عليه فيعطل صلوات وعبادات لأنه يجب أن يظهر طول الوقت بمظهر معين أمام الناس. وهذا مذموم بل المهم أن يسعى في تحسين باطنه مع الحفاظ على حسن المظهر وأن يسعى في تهذيب نفسه وتطهيرها من آفاتها.. ألم نقل أنهما صورتان: خارجية وداخلية.. فلا يهمل أحدهما.
نختم اسم الله المصور بقول الله تعالى: {يَا أَيُّها الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ ِبِرِّبِكَ َاْلَكَرِيم الِّذِي خِلَقَكَ َفَسّواكَ فَعَدَلَك فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَّك} [لانفطار:6-8]، كأن الله عز وجل يقول إذا راعيت أنك خلقت في أحسن صورة، فإن المصور حقها عدم الغرور، والغرور يحدث من أن لا يوافق ظنه بربه عمله ثم يقول هذا حسن ظن بالله، ولكن من أحسن الظن أحسن العمل، لذا قالوا في تفسير الآية: {مَا غَرَّكَ}، قال السلف: "غره حلمه وغره ستره فاجترأوا على المعاصي، فهو يقول:{يَا أَيُّها الإِنْسَانُ مَاغَرَّكَ ِبِرِّبِكَ َاْلَكَرِيم} [الانفطار:6]
هل غرك أنه أغدق عليك هذه النعم ظاهرة وباطنه؟ إن حق الكريم سبحانه وتعالى أن يعبد ويطاع لا أن يخالف ثم بعد ذلك يجُترأ عليه ويغتر بستره وحلمه! إذًا حقها أن لا يغتر بل يحُسن الظن بإحسان العمل.