ماذا يريد منا الأعداء؟!
إن أطماع الأعداء في بلادنا قديمة، وهذه الأطماع ليس للظفر بالثروات والخيرات التي تنعم بها بلاد المسلمين فحسب، ولكن للقضاء على الإسلام في عقر داره، لأنهم يرون أن الإسلام خطر يهددهم ويهدد مصالحهم، ولهذا فهم يخافون منه أشد الخوف.
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله:
إن أطماع الأعداء في بلادنا قديمة، وهذه الأطماع ليس للظفر بالثروات والخيرات التي تنعم بها بلاد المسلمين فحسب، ولكن للقضاء على الإسلام في عقر داره، لأنهم يرون أن الإسلام خطر يهددهم ويهدد مصالحهم، ولهذا فهم يخافون منه أشد الخوف. يقول ابن غوريون (رئيس وزراء إسرائيلي سابق): "نحن لا نخشى الاشتراكيات، ولا الثوريات، ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام هذا المارد الذي نام طويلاً وبدأ يتململ من جديد" [1].
ويقول أيضاً: "إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد" [2].
ويقول شمعون بيريز (رئيس وزراء إسرائيلي سابق): "إنه لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهراً سيفه! ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه إلى الأبد" [3].
وزعماء أوربا يصرحون بأن الإسلام هو الذي يقف في وجه سيطرتهم على الشرق. يقول جلادستون (رئيس وزراء بريطانيا السابق): "ما دام القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق" [4].
ويقول أحد الكتّاب الغربيين: "كنا من قبل نُخوَّف بالخطر اليهودي، والخطر البلشفي والخطر الأصغر، ولكن سرعان ما أدركنا أن اليهود والشيوعيين البلاشفة لم يكونوا أعداءنا، وإنما هم أصدقاؤنا وحلفاؤنا، ولكن الخطر الأكبر الحقيقي ضدنا كامن في الإسلام، وفي قدرته على التوسع! فإن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي".
أيها المسلمون:
إنه حقد دفين على الإسلام والمسلمين.. حقد ظاهر في أعمالهم وكتاباتهم، وتصريحاتهم وإن قالوا أنهم أصدقاء، كما يدعون، وكما يدّعي أذنابهم من العلمانيين، فإن ذلك كله هراء، إنه الحقد الدفين في نفوس الأعداء، هو الذي يؤجج مشاعرهم تجاه المسلمين، فالنصارى لم ينسوا ما فعله (صلاح الدّين)، مع أجدادهم الصليبيين في معركة (حطّين)، ولذا لما دخل الجنرال الفرنسي (غورو)، دمشق توجه فوراً إلى قبر صلاح الدين الأيوبي وركله بقدمه، وقال له: "ها قد عدنا يا صلاح الدين".[5] ولما دخل الجنرال البريطاني (اللنْبـِي) القدس قال كلمته المشهور: "اليوم انتهت الحروب الصليبية" [6].
واليهود لم ينسوا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع أجدادهم من بني قريظة والنضير وقينقاع، وطرْدِهم من خيبر عندما خانوا العهود والمواثيق، وتآمروا على الإسلام والمسلمين، فعندما احتل اليهود القدس سنة 1967م توجه (موشي دايان) وزير الدفاع إلى حائط المبكى وأخذ يردد مع اليهود: "هذا يوم بيوم خيبر.. يالثارات خيبر"، وهتفوا: "حطوا المشمش على التفاح، دين محمد ولّى وراح"، ورددوا: "محمد مات، وخلف بنات!" [7].
وهذا أحد الخبثاء المستشرقين الذين أعماهم الحقد الأسود على الإسلام والمسلمين، يقول (كيمون) المستشرق الفرنسي لعنه الله: "أعتقد أن من الواجب إبادة خمس المسلمين والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع محمد وجثته في متحف اللوفر"! [8].
أيها المسلمون:
إن المتتبع لتاريخ العلاقات ما بين الغرب وشعوب الإسلام، يلاحظ حقداً مريراً يملأ صدر الغرب حتى درجة الجنون، يصاحب هذا الحقد خوف رهيب من الإسلام إلى أبعد نقطة في النفسية الأوروبية.. هذا الحقد وذلك الخوف لا شأن لنا بهما إن كان مجرد إحساس نفسي شخصي؛ أما إذا كان من أهم العوامل التي تبلور مواقف الحضارة الغربية من الإسلام والشعوب الإسلامية سياسياً واقتصادياً؛ فإن موقفنا يتغير بشكل حاسم.
سوف تشهد لنا أقوال قادتهم أن للغرب، وللحضارة الغربية بكل فروعها القومية، وألوانها السياسية موقفاً تجاه الإسلام لا يتغير، إنها تحاول تدمير الإسلام، وإنهاء وجود شعوبه دون رحمة.
لقد حاولوا تدمير الإسلام في الحروب الصليبية الرهيبة ففشلت جيوشهم التي هاجمت بلاد الإسلام بالملايين، فعادوا يخططون من جديد لينهضوا... ثم ليعودوا إلينا، بجيوش حديثة وفكر جديد وهدفهم تدمير الإسلام من جديد.. لقد كان جنديهم ينادي بأعلى صوته، حين كان يلبس بذَّة الحرب قادماً لاستعمار بلاد الإسلام:
"أماه... أتمي صلاتك.. لا تبكي.. بل اضحكي وتأملي... أنا ذاهب إلى طرابلس فرحاً مسروراً.. سأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة.. سأحارب الديانة الإسلامية... سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن" [9].
ولقد دمر أعداء الله كل ما يمت إلى الحضارة الإسلامية بصلة تقول الدكتورة (يسجريد هونكة): "في 2 يناير 1492م رفع الكاردينال (ربيدر) الصليب على الحمراء، القلعة الملكية للأسرة الناصرية، فكان ذلك إعلاناً بانتهاء حكم المسلمين على أسبانيا، وبانتهاء هذا الحكم ضاعت تلك الحضارة العظيمة التي بسطت سلطانها على أوروبا طوال العصور الوسطى، وقد احترمت المسيحية المنتصرة اتفاقاتها مع المسلمين لفترة وجيزة، ثم باشرت عملية القضاء على المسلمين وحضارتهم وثقافتهم. لقد حُرِّم الإسلام على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حُرِّم عليهم استخدام اللغة العربية والأسماء العربية وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كان يحرق حياً بعد أن يعذب أشد العذاب [10] وهكذا انتهى وجود الملايين من المسلمين في الأندلس فلم يبق في أسبانيا مسلم واحد يظهر دينه".
أيها المسلمون:
إن الحرب الصليبية مستمرة ضد الإسلام والمسلمين يقول (أيوجين روستو) رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية: "يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية، والحضارة المسيحية، لقد كان الصراع محتدماً بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي! [11] {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [سورة الكهف:5].
لقد خرج أعوان إسرائيل في باريس بمظاهرات قبل حرب 1967م يحملون لافتات، سار تحت هذه اللافتات (جان بول سارتر)، كتبوا على هذه اللافتات، وعلى جميع صناديق التبرعات لإسرائيل جملة واحدة من كلمتين هما: (قاتلوا المسلمين) فالتهب الحماس الصليبي الغربي، وتبرع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط!
كما طبعت إسرائيل بطاقات معايدة كتب عليها (هزيمة الهلال) بيعت بالملايين.. لتقوية الصهاينة الذين يواصلون رسالة الصليبية الأوروبية في المنطقة، وهي محاربة الإسلام وتدمير المسلمين [12].
أيها المسلمون:
هل أدركنا إلى الآن ماذا يريد منا الأعداء؟ هل علمنا عمق العداوة بين الإسلام وهؤلاء، هل علمنا ذلك عندما رأينا مجازرهم في أفغانستان، والبوسنة، والهرسك، وكوسوفا، وكشمير؟! هل أدركنا حقد اليهود في فلسطين وهم يشردون الآلاف بل الملايين ويقتلون ويسفكون الدماء؟ هل رأينا الحقد الصليبي العالمي المتجمع في بلاد الرافدين في العراق؟ وهل يستفيق المسلمون ويعرفون حقيقة عدوهم فيعدوا العدة لمحاربته، وتطهير بلاد المسلمين منهم؟!
اللهم أيقظنا من رقاد الغفلة، وأعنا على نصرة ديننا.. ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.. استغفروا الله العظيم وتوبوا إليه إن ربكم كان غفوراً رحيماً..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة والنصر للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
أيها المسلمون:
إننا من خلال البحث العميق، والتحري الدقيق، تقصياً للحقائق، نلاحظ أن كثيراً من الأفكار المشوهة عن الإسلام وتاريخ المسلمين والمضادة لهما، المنتشرة في صفوف الأجيال الحديثة من أبناء المسلمين، والمنتشرة في معظم البلاد غير الإسلامية، ليست إلا أثراً مباشراً أو غير مباشر من آثار دسائس المبشّرين، والمستشرقين، والمستعمرين، والعاملين ضد الإسلام ومن ورائهم كيد يهودي يعمل لمصلحة نفسه ويستغل جهود كل مفسد، وقد وفد هؤلاء إلى البلاد الإسلامية، وفي حقائبهم العلمية، أو الدعائية، أو الدبلوماسية، تعليمات مكتوبة وغير مكتوبة، تحمّلهم مهمات متعددة، وأكب فريق منهم على دراسة معارف المسلمين دون أن يغدوا إلى بلاد المسلمين.
ويمكن القول أن من نتائج أعمالهم المخاطر التالية:
الخطر الأول:
هدم الإسلام في عقائده، وعباداته، ونظمه، وأخلاقه، وهذه المهمة يضفون عليها أول الأمر أقنعة مبهرجة براقة، تخدع الناظرين، وتستميل قلوبهم ونفوسهم وأفكارهم لتوقعهم في الشَرَك، حتى إذا ظفروا بصيدهم شدوا عليهم وثاق الأسر المعنوي الشامل للأسر الفكري والقلبي والنفسي، وأثر الأَسْر الفكري يكون بربط أفكار أبناء المسلمين وبناتهم بمجموعة من المعارف المزيفة، التي يلبسونها أثواب الحقائق المسلّمة، ضمن حشدٍ من المعارف المادية الحقة، المسلّمة منطقياً، والمؤيدة بالشواهد الواقعية. والواقع تحت الأسر الفكري يجد نفسه مشدوداً فكرياً بأسباب خفية إلى موقع الغزاة.
وأثر الأَسْر القلبي يكون بتوليد عواطف الميل أو الرضا أو الحب لما يأتي به هؤلاء الغزاة، من كل أمرٍ مضاد لرسالة الإسلام وتاريخ المسلمين، وأثر الأَسْر النفسي يكون بربط الأهواء والشهوات والغرائز النفسية بأسباب الفتنة المادية التي ينشرها الغزاة بينهم.
الخطر الثاني:
تجزئة المسلمين أينما كانوا من الأرض، حتى يُمسوا أشتاتاً متباعدة متنافرة متقاطعة متبددة لا تجمعهم جامعة، ولا تؤلّف بين قلوبهم مودة، ولا تعقد بين جماعاتهم أواصر دينية أو تاريخية أو مصلحية.
الخطر الثالث:
تشويه صورة الأمة الإسلامية الحالية والتاريخية الغابرة، بكل وسيلة من وسائل الكذب والافتراء، والتزوير للحقائق، وذلك بغية حقن هذا الجيل بالشعور بالنقص والتخلف، كيما يكون أطوع للسَّوْقِ في أيدي الغزاة إلى ركب أعداء الإسلام، الذين يتابعون كل أثر إسلامي بالهدم والتدمير ومحاولات الإبادة، وبغية حقن الشعوب الأخرى بالكراهية للمسلمين، والنفور منهم، لا سيما الشعوب التي كانت تجد فيهم صورة رائعة من صور العدل، وصورة عظيمة من صور القوة الكبرى، والمعرفة المتقدمة المتنامية المتكاثرة، التي لا تقنع بأية مرحلة بلغتها من مراحل البحث والمتابعة؛ لأن الإسلام قد وضع لها زمرة من أسس حوافز المتابعة الدائبة الدائمة للمعرفة.
الخطر الرابع:
خداع الشعوب الإسلامية بربط كل صورة من صور التقدم الحضاري والمدني بخطة هدم الإسلام وتجزئة المسلمين، التي يزينونها لهم، وبربط كل صورة من صور التخلف الحضاري والمدني بالاستمساك بالإسلام وبالمفاهيم والمعارف التي يحملها علماء المسلمين، وخداع الشعوب الأخرى التي كان بينها وبين المسلمين مشاركات وطنية داخل البلاد الإسلامية في تعاطف متبادل، وتعاون كريم، وذلك بإلقاء مسؤولية تخلفها على المسلمين، وبث الكراهية والبغضاء في قلوبها عليهم، بغية إيجاد الطوابير التي تُجنَّد لحرب المسلمين داخل بلادهم.
وانطلقت كتائب هذا الجيش الثلاثي المؤلف من المُنِّصرين، والمستشرقين والمستعمرين بوسائلها المتنوعة، غازية على نطاق واسع كل بلد من بلاد المسلمين، في غارة تاريخية طويلة الأمد، محكمة الكيد، لم يعرف التاريخ لها نظيراً، فلم تدع بلداً من بلاد المسلمين إلا دخلته، ولم تترك ميداناً من ميادينهم إلا أجرت خيولها فيه، ولا قمة من قممهم إلا حاولت أن تعتلي صهوتها وتهدمها، ولا حصناً من حصونهم إلا أنفذت إلى داخله رهطاً من المخربين المفسدين، إلا أن جوهر الإسلام الحق استطاع أن يحافظ على نقائه، في روائع نصوصه، وفي طوائف من المسلمين قائمين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، مهما كثر الخبث، وانتشر الفساد في الأرض! وهؤلاء هم بذور النماء التي ستهيئ لها الموجات التاريخية بإذن الله وتوفيقه فرصة التكاثر السريع، مهما اجتثت أعداء الإسلام من أفرادها في كل عصر [13]. {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (سورة التوبة: 32).{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين أجمعين، اللهم احمِ بيضة الدين يا رب العالمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] عداء اليهود للحركة الإسلامية لزياد محمد علي ص46.
[2] قادة الغرب يقولون لجلال العالم ص39
[3] عداء اليهود للحركة الإسلامية لزياد محمد علي ص47.
[4] الإسلام على مفترق من الطرق لمحمد أسد ص39.
[5] القومية والغزو الفكري ص84.
[6] قادة الغرب يقولون ص31.
[7] الله أو الدمار لسعد جمعة ص135.
[8] الاتجاهات الوطنية لمحمد محمد حسين 1/321.
[9] القومية والغزو الفكري ص208.
[10] القومية ص174.
[11]انظر قادة الغرب يقولون ص32.
[12] انظر قادة الغرب نقلاً عن طريق المسلمين إلى الثورة الصناعية 20-21.