(8) مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين (2)
عبد الله بن حمود الفريح
المسألة الثالثة: أحكام التشبه بالكفار، وهي مسألة مهمة أفردت الحديث عنها لأهميتها ولكثرة الوقوع فيها لا سيما في زماننا..
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
المسألة الثالثة: أحكام التشبه بالكفار.
وهي مسألة مهمة أفردت الحديث عنها لأهميتها ولكثرة الوقوع فيها لا سيما في زماننا والله المستعان، والحديث عن هذه المسألة ينقسم إلى أربعة محاور أذكرها بإيجاز غير مخلٍّ بإذن الله تعالى:
أ- تعريف التشبه:
التشبه في اللغة: مصدر تَشَبَّهَ تَشَبُّهًا مثل تقدم تقدمًا، والمقصود المماثلة والمشابهة.
وفي الاصطلاح: هو تعمد المسلم مشابهة غيره من الكفار فيما هو من خصائصهم من عبادات أو عادات.
ب- الأدلة في النهي عن التشبه:
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الآيات في موضوع مخالفة الكفار قسمان:
1- قسم بين أن مخالفتهم في عامة الأمور أصلح للمسلمين، وهذا تدل عليه جميع الآيات.
2- وقسم بين أن مخالفتهم مطلوبة وواجبة شرعًا، وهذا تدل عليه بعض الآيات (انظر الاقتضاء:1/91).
وورد في السنة أحاديث في هذا المعنى، ومن ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: «إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها»" (رواه مسلم)، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب، وأرخوا اللحى» (متفق عليه)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم» «متفق عليه».
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قيل: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟»، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» (رواه أحمد، وأبو داود).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم -أي الكفار- وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة من الآية:51]" (انظر الاقتضاء:1/241).
ج- الضابط في التشبه بالكفار:
الضابط في موضوع التشبه هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية من أن كل فعل مأخوذ من الكفار مما هو من خصائص دينهم أو عاداتهم فهو تشبه ينهى عنه المسلم، كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو عن لبس المعصفر وقال: «إن هذه ثياب الكفار»" [(انظر الاقتضاء:1/425).
د- التشبه بالكفار على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يتعلق بالعقائد والعبادات والأعياد، فالنهي عن التشبه بهم فيها يقتضي التحريم، يصل إلى درجة الكفر إذا كان مع اعتقاد واستحسان لما هم عليه من الباطل، لأن يتضمن المحبة والمودة، وهذا من نواقض الإسلام.
القسم الثاني: ما كان من قبيل العادات، فهو محرم أيضاً، لكنه لا يصل إلى درجة الكفر، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال لابن عمرو: «إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها»، لم يبين له أن هذا كفر، وهذا مقيد بعدم الاعتقاد.
القسم الثالث: ما كان من قبيل الأمور الدنيوية البحتة التي لا تمس العقيدة والأخلاق، كالعلوم والصناعات ونحوها من التجارب ومكائد الحرب والقتال، ونحو ذلك، فلا بأس من الاستفادة منها ما لم يترتب عليها محظوراً أو تفضي إليه.