كي لا نخسر رمضان!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحابه، ومن سار على هديه واهتدى بسنته إلى يوم الدين..
أما بعد:
في البداية أهنئكم أحبتي بقدوم هذا الشهر الكريم، شهر الرحمة والمغفرة وشهر الذكر والقرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185].
وقال عليه الصلاة والسلام: « » (الترغيب والترهيب: [117/2]).
قد جاء شهر الصوم فيه من الأمان *** والعتق والفوز بسكن الجنان
شهر شريف فيه نيل المني وهو *** طراز فوق كم الزمان
ويا هنا من قام في ليلة *** ودمعه في الخد يحكي الجناز
ذاك الذي قد خصَّه ربه *** بجنة الخلد وصور الحسان
هناكم الله بشهر أتى *** في مدحه القرآن نص عيان
ونحن نستقبل هذا الشهر الكريم بقلوب مشتاقة، ونفس مؤمنة راضية.. لهذه النفوس المؤمنة التي تصوم الله تعالى، راغبة في الأجر والثواب.
ولهذه العيون التي تذرف الدموع، خشية من الله تبارك وتعالى ورغبة فيما عنده من الأجر والثواب في هذا الشهر المبارك.
نجتمع لنتعاون على الخير ونتواصى على بالحق قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة من الآية:2].
ولكي ينضبط صيامنا على ضوء الكتاب والسنة أحببت أن أكتب عن: كيف لا نخسر رمضان؟!
يقول تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:39].
يقول الشيخ السعدي في تفسيره: "وكذلك أعمال الكفار بمنزلة السراب تُرى، ويضنها الجاهل الذي لا يدري أعمالًا نافعة فيغرُّه صورتها، ويخلبه خيالها، ويحسبها هو أيضًا أعمالًا نافعة له، وهو أيضًا محتاج إليها مضطرًا لها، كاحتياج الضمان الماء، حتى إذا قَدِم على عمله يوم الجزاء، وجدها ضائعة ولم يجد شيئًا" (تفسير السعدي: [570]).
ومن الناس الذي يصوم رمضان وهو خاسر كخسارة هؤلاء الكفار؟ الصوم مع ترك الصلاة، ويقول صلى الله عليه وسلام: « » (مُتفقٌ عليه).
فالعمل الصالح لا بُدَّ من أمرين:
الأول: الإخلاص.
الثاني: متابعة السنة.
ولكي لا نخسر رمضان لا بُدَّ لها من الاهتمام بهذا.
وسنتكلم في هذه المقالة عن عدة أمور:
1- محرَّمات تجعلنا نخسر رمضان.
2- مكروهات تجعلنا نخسر كمال الأجر.
3- مخالفات النساء في رمضان.
4- لفته لأختي الحائض.
5- تنبيهات للمصليات في المساجد.
محرَّمات التي يقع فيها الناس:
1- الإفطار في رمضان بلا عذر.
قال الشيخ بن باز: "حكم من ترك صوم رمضان وهو مكلَّف من الرجال والنساء أنه قد عصى الله ورسوله، وأتى كبيرة من كبائر الذنوب، وعليه التوبة إلى الله من ذلك، وعليه قضاء لكل ما ترك، مع إطعام مسكين عن كل يوم، إن كان قادرًا على الإطعام وإن كان فقير لا يستطيع الإطعام كفاه القضاء والتوبة... هذا إذا كان لا يجحد وجوب صيام رمضان، إما إن جحد وجوب صوم رمضان فإنه يكون بذلك كافرًا مكذِّبًا الله ورسوله، يستتاب من جهة ولي الأمر بواسطة الحاكم الشرعي، فإن تاب وإلا وجب قتله لأصل الردة لقول الرسول: « »" (حديثٌ صحيح؛ رواه الإمام أحمد: [190/4]).
2- الصوم مع ترك الصلاة: كما مرَّ سابقًا.
3- السهر المفضي إلى ترك صلاة الفجر أو ترك الجماعة.
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين والصائمات السهر ليلة الصيام ثم النوم عن صلاة الصبح، فلا يصليها البعض إلا في الضحى وكذلك التفريط في أداء الصلاة جماعة كالظهر والعصر والعشاء.
4- قول الزور؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (الألباني؛ صحيح الترغيب: [1079]).
نقل الحافظ بن حجر عن السبكي قوله: الرفث وقول الزور؛ قال: "ولما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا عن أمرين:
أحدهما: زيادة قبحها في الصوم غلى غير".
والثانية: البحث عن سلامة الصوم عنها، وأن سلامته منها صفة كمال فيه، وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم، فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلام عنها".
5- إطلاق البصر في المحرَّمات.
قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور من الآية:31].
يقول أحد الدعاة: "للعين أيضًا صيام وأي صيام! وصيام العين غضَّها عن الحرام وإغماضها عن الفحشاء، وإغلاقها عن المناهي، إذا دخل رمضان طلب العين أن تصوم طاعة الحي القيوم، فكم الجوع أثر العين، ولما أطلق العابثون أبصارهم، طفحوا بأعينهم.. وقعوا في براثن المعصية وفي حبال الفاحشة، ومن الناس من يصوم بطنه عن الشراب والطعام وتربع عينة في خمائل الحرام، فهذا الصائم ما عرف حقيقة الصيام".
الغيبة والبهتان؛ عن أبي هريرة أن رسول الله قال: « ». قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: « »، قيل: أفرأيت أن كان في أخي ما أقول، قال: «إ » (الألباني؛ غاية المرام: [426]).
قال الشيخ ابن جرير: "فالحاصل أن هذه الأشياء مما تخل الصيام وأن كانت غير مبطلة أبطالًا كليًا ولكنها تنقص ثوابه.
7- الغناء والمعازف: قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [لقمان:6].
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "الغناء والذي لا إله إلا هو" يُردِّدها ثلاث مرات.
8- الكلام المُحرَّم: قال سماحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "المؤسف أن كثيرًا من الصائمين لا يُفرِّقون صومهم وفطرهم، فهم على العادة التي هم عليها. الأقوال المحرَّمة من كذبٍ وغشٍ وغيره ولا تشعر أن عليهم وقار الصوم، وهذه الأفعال لا تُبطِل الصوم ولكن تنقص من أجره. وربما عند المعادلة تضيع أجر الصوم كله، والله المستعان".
أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ».
7- سرعة الغضب لأدنى شيء: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (مُتفقٌ عليه).
8- الاعتداء في الدعاء: قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55].
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنًا لَهُ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْبَحْرَ الأَبْيَضَ مِنَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا عَنْ يَمِينِي، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: « »" (رواه أحمد).
9- الإسراف في الأكل: قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31].
10- الفطر مع عدم تيقن الغروب:
خرج الإمام ابن خزيمة رحمه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «
قال ابن حزم: "من أكل شاكًا في غروب الشمس أو شرب فهو عاصٍ لله تعالى، مفسد صومه" (المحلى؛ لابن حزم: [6/230]).
11- إهمال المعتمرين رعيتهم.
12- إضاعة الأوقات في المحرمات.
13- الإسراف في استقبال العيد.
مكروهات يقع فيها البعض في رمضان:
1- التساهل في وقت الإمساك.
قال صلى الله عليه وسلم: «الأذان الثاني الذي بعد طلوع الفجر، ولكن جاءت السنة بالترخيص لمن سمع الآذان وفي يده أكلة أو شربه أن يقضي حاجته منها.
2- تقديم السحور قبل الفجر بساعة أو ساعتين وقد ورد الترغيب في تعجيل الفطر وتأخير السحور.
3- تأخير الإفطار بلا عذر.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « » (رواه البخاري: [1957]، ومسلم: [1098]).
4- الإسراع في التراويح.
5- السجع في الدعاء.
6- الفتور في نهاية رمضان عن الصلاة وقراءة القرآن.
7- حمل بعض المأمومين المصحف في صلاة التراويح.
8- التساهل بمعرفة أحكام الصيام.
9- المبالغة في المضمضة والاستنشاق.
10- استعمال معجون الأسنان.
أجاب الشيخ ابن عثيمين عن سؤال هل يجوز للصائم أن يستعمل الفرشة والمعجون أو لا؟
قال: "يجوز لكن الأولى ألا يستعملها لِما في المعجون من قوة النفوذ والنزول إلى الحلق، وبدلًا من أن يفعل ذلك في النهار يفعله في الليل".
11- ذوق الطعام لغير حاجة.
قال شيخ الإسلام: "وذوق الطعام يكره لغير حاجه، ولكن لا يفطر وأما للحاجة فهو كالمضمضة".
12- الإسراف في النوم.
13- الإسراف في المباحات.
14- القِبلة لمن تتحرَّك شهوته والمسّ وتكرار النظر.
15- الإدمان على بعض الألعاب.
16- عدم اغتنام الزمن المبارك.
من مخالفات النساء:
1- الخروج لصلاة التراويح بدون أذن الزوج.
يقول ابن عثيمين: "ونقول للزوجة: إذا منعكِ الزوج فأطيعيه لأنه قد لا يمنعكِ إلا لمصلحة أو خوف الفتنة وهو كما قال من أن صلاتكِ في البيت أفضل من صلاتكِ في المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم: « ».
2- الخلوة بالسائق الأجنبي عند توصيلها على المسجد.
3- تطيب النساء عند الذهاب إلى المسجد.
روى ابن ماجة بإسنادٍ صحيحٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَقِيَ امْرَأَةٌ مُتَطَيِّبَةً، تُرِيدُ الْمَسْجِدَ. فَقَالَ: يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ! أَيْنَ تُرِيِدينَ؟ قَالَتِ: الْمَسْجِدَ. قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ؟! قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « ».
4- التساهل في الخروج للأسواق.
5- عدم إتمام النساء لصلاة الفرض إذا فاتتها.
6- طهارة النفساء قبل تمام الأربعين وامتناعها عن الصلاة والصوم.
7- صيام من استمر معها الدم بعد أيام عادتها.
"إذا كانت عادة هذه المرأة ستة أيام أو سبعة ثم طالت هذة المدة وصارت ثمانية أو تسعه أو عشرة أو أحد عشر فإنها تبقى لا تصلي حتى تطهر وذلك قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة من الآية:222].
فمتى كان هذا الدم باقيًا كانت المرأة على حالها حتى تطهر وتغتسل ثم تصلي، فإذا جاءها في الشهر الثاني ناقصًا عن ذلك فإنها تغتسل إذا طهرت وإن لم يكن على المدة السابقة، والمهم أن المرأة متى ما كان الحيض معها موجودًا فإنها لا تصلي سواءً كان موافقًا للعادة السابقة أو زائدًا عنها أو ناقصًا وإذا طهرت تصلي.
• لفتة للأخت الحائض:
- احرصي على المحافظة على الأذكار.
- استغلال الوقت في طاعة.
- مراجعة الحفظ، ترك المنكرات.
- عدم تضييع الأوقات.
تنبيهات للمصليات:
1- الحرص على الصف الأول.
2- إتمام الصلاة الفائتة.
3- تكبير الإحرام والحرص على متابعة الإمام.
4- عدم اصطحاب الصغار إلى المسجد.
5- البُعد عن الحديث عن الدنيا في المساجد.
6- التريث حتى يخرج الرجال من المسجد.
اللهم يا حي يا قيوم كما بلغتنا شعبان نسألك أن تُبلِّغنا رمضان.. اللهم وفِّقنا لصيامه وقيامه خالصًا لوجهك الكريم.. وأن تتقبله مِنَّا.. وترزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات.. وآخر دعوانا إن الحمد لله ربِّ العالمين..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب إليك.
العنود المحيسن
- خريجة كلية الشريعة - تخصص فقه مقارن / جامعة الملك سعود بالرياض - محاضرة ومدربة في معهد معلمات القرآن الكريم بغرب الرياض - مديرة دار الإمام محمد بن سعود لتحفظ القرآن الكريم بغرب الرياض
- التصنيف: