من نواقض الإسلام - (9) اعتقاد أن أحدًا يسعه الخروج عن شريعة محمد

منذ 2014-06-22

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: "من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر".

الناقض التاسع:
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: "من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر".

الشـرح:
المسألة الأولى: معنى هذا الناقض.
أرسل الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم للناس كافة رسالة عامة شملت ما قبلها من الرسالات فليس لأحد أن يخرج عن اتباع هذه الرسالة التي شملت في خطابها وعمت في تشريعها جميع الخلائق بعد صدورها، والأدلة تضافرت على بيان عموم الرسالة ومنها:
- قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} [سبأ:28].
- وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [الأعراف: 158].
- وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1].

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً و مسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون} (رواه مسلم)، وبنحوه في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

- وعن ابن مسعود رضي الله عنه خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، ثم قال: «هذا سبيل الله» ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: «هذه سبل متفرقة، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]، (أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم)، وقال: "صحيح الإسناد"، فكل اتباع لغير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم هو تنكب عن الطريق الصحيح والصراط المستقيم.

- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: «أمتهوكون فيها يا بن الخطاب! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني» (رواه أحمد).

وهذا الحديث نص في بيان هذا الناقض، وأنه لا أحد من الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، والأدلة في بيان عموم الرسالة المحمدية وأنه لا يسع أحد الخروج عنها كثيرة، وإجماع العلماء منعقد على أن من أنكر شيئاً من الأحكام في القرآن أو السنة الثابتة المعلومة بالضرورة كأن يستحل ما حرم الله تعالى فهو كافر فكيف بمن يرد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويخرج عنها بحجة اتباع غيرها من الشرائع؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه" (انظر الصارم المسلول:3/ 971).
 

فلو قال لنا يهودي أنه يتبع شريعة موسى عليه السلام، أو نصراني أنه يتبع شريعة عيسى عليه السلام، وأنه كما أن كتابكم القرآن وحي من الله تعالى فكذلك كتابنا، لقلنا له بل يجب عليك اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يسعك الخروج عنها لأنها رسالة لجميع الخلق إنسهم وجنهم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» (رواه مسلم).

ومن آمن بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم يلزمه الإيمان بعموم رسالته، وما فيها من أمر ونهي ولا يسعه أن يخرج عن هذا الأصل وإلا لم ينفعه إيمانه وخرج عن ربقة الإسلام إلى الكفر، وهذا ما أراد المصنف رحمه الله بيانه.

المسألة الثانية: احتجاج البعض بقصة الخضر وخروجه عن شريعة موسى عليه السلام .
وهذه المسألة أشار إليها المصنف رحمه الله وأنه قد يحتج البعض بقصة الخضر مع موسى عليه السلام التي ذكرها الله تعالى في سورة الكهف والتي تصرف فيها الخضر بوقائع استغربها موسى عليه السلام وأنكرها عليه من خرق للسفينة، وقتل للغلام، وبناء للجدار، وبيَّن الخضر فيها أنه لم يفعل ذلك إلا بأمر من الله تعالى فقال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82]، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال الخضر لموسى عليه السلام: "إنني على علم علمنيه الله ليس عندك، وإنك على علم علمك الله إياه ليس عندي".

استدل بهذه القصة من يظن أن من الأولياء من يسوغ له الخروج عن الشريعة النبوية، وهو اعتقاد موجود عند غلاة الصوفية ونحوهم ممن يرفعون أئمتهم ويغلون في صفاتهم.
ووجه الدلالة: "أن الخضر خرج عن متابعة موسى عليه السلام، قالوا فكذلك الولي له الخروج عن متابعة محمد صلى الله عليه وسلم" (انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية:11/420، 422).

والرد على هذا الاحتجاج من عدة وجوه:
أولاً: أن موسى عليه السلام كان مبعوثاً إلى بني إسرائيل، ولم يكن مبعوثاً إلى الخضر، فإن الأنبياء ومنهم موسى عليه السلام كانت رسالتهم خاصة إلا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن رسالته عامة ففي حديث جابر رضي الله عنه قال، النبي صلى الله عليه وسلم: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعث إلى الناس كافة» (متفق عليه)، وتقدم حديث: «فضلت على الأنبياء بست..»، وفيه «وأرسلت للخلق كافة».

ثانياً: أن ما فعله الخضر لم يكن مخالفاً لشريعة موسى عليه السلام، فموسى عليه السلام لم يكن علم بالأسباب التي تبيح تلك الوقائع التي فعلها الخضر، فلما بينها له وافقه على ذلك.

ثالثاً: أن ما فعله الخضر كان عن وحي من الله تعالى وأمره، لا مجرد خيال أو اجتهاد سوَّغ لنفسه الخروج عن الشريعة النبوية بتوهمات وخزعبلات ادعى بها أنه وصل إلى درجة يستغني بها عن متابعة الرسل كما يظن بعض أولياء الصوفية وأتباعهم، حيث يعتقد عوامهم أن هؤلاء الأولياء تسقط عنهم التكاليف وأنهم وصلوا إلى الله فلا يحرم عليهم شيء والعياذ بالله، والعبادة إنما هي للعوام عندهم فاستباح الأولياء الزنا واللواط والمحرمات بحجة عدم التكليف" (انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية:2/ 81، 82، بتصرف).

رابعاً: قال ابن تيمية رحمه الله: " ثبت بالأحاديث الصحيحة أن المسيح عيسى بن مريم إذا نزل من السماء، فإنه يكون متبعاً لشريعة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان صلى الله عليه وسلم يجب اتباعه ونصره على من يدركه من الأنبياء، فكيف بمن دونهم؟" (انظر مجموع الفتاوى:11/ 418)، وتقدم قريباً حديث جابر رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني».

وفي بيان هذا الناقض قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فمن لم يؤمن بأن هذا رسول الله إلى جميع العالمين، وأنه يجب على جميع الخلق متابعته، وأن الحلال ما أحله والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، فهو كافر مثل هؤلاء المنافقين ونحوهم ممن يجوز الخروج عن دينه وشريعته وطاعته إما عموماً أو خصوصاً، ويعتقدون مع هذا أنهم من أولياء الله تعالى، وأن الخروج عن الشريعة المحمدية سائغ لهم، وكل هذا ضلال باطل" (انظر جامع الرسائل ص:44).

وقال أيضاً: "ومن فضل أحد من المشايخ على النبي صلى الله عليه وسلم، أو اعتقد أن أحداً يستغني عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، استتيب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وكذلك من اعتقد أن أحداً من أولياء الله يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى عليه السلام فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه" (انظر مجموع الفتاوى:3/422).

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "ويدخل في هذا الناقض الذين يقولون: إن الشريعة إنما هي للزمان الماضي أما الوقت الحاضر فلا تصلح له الشريعة، لأنها حدثت معاملات وجدّت أمور لا تتناولها الشريعة، وهذا معناه أن الشريعة قاصرة عندهم وليست من حكيم حميد، فلا شك في كفر من يقول هذا المقال" (انظر شرحه للنواقض ص:183).

عبد الله بن حمود الفريح

حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.

  • 7
  • 0
  • 12,921
المقال السابق
(8) مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين (2)
المقال التالي
(10) الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً