بدع وضلالات في البلد الحرام (1)
قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله: "البدعة أكبر من الكبائر لأنها تَنَقُصٌ للإسلام وإحداث في الإسلام واتهام للإسلام بالنقص، فلهذا يبتدع ويزيد".
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرع من الدين ما وصَّى به النبيين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الهادي إلى صراط الله المستقيم ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين..
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:15].
عن مجاهد في قوله {وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ} قال: "البدع والشبهات".
عن ابن عباس رضي الله عنه قوله: {ولاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} يقول: "لا تتبعوا الضلالات".
ذكر ابن وضاح عن الحسن قال: "صاحب البدعة لا يزداد اجتهادًا -صيامًا وصلاة- إلا ازداد من الله بعدًا".
قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله: "البدعة أكبر من الكبائر لأنها تَنَقُصٌ للإسلام وإحداث في الإسلام واتهام للإسلام بالنقص، فلهذا يبتدع ويزيد".
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله: "وليعلم أن الإنسان المبتدع يقع في محاذير كثيرة:
أولًا: أن ما ابتدعه فهو ضلال بنص القرآن والسنة، وذلك أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الحق، وقد قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلال} [يونس من الآية:32].
ثانيًا: أن في البدعة خروجًا عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران من الآية:31]، فمن ابتدع بدعة يتعبد لله بها فقد خرج عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون خارجًا عن شرعة الله فيما ابتدعه.
ثالثًا: أن البدعة التي ابتدعها تنافي تحقيق شهادة أن محمد رسول الله؛ لأن من حقق شهادة أن محمدًا رسول الله فإنه لا يخرج عن التعبد بما جاء به، بل يلتزم شريعته ولا يتجاوزها ولا يقصر عنها.
رابعًا: أن مضمون البدعة الطعن في الإسلام، فإن الذي يبتدع تتضمن بدعته أن الإسلام لم يكمل، أنه كمل الإسلام بهذه البدعة، وقد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3].
خامسًا: أنه يتضمن الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هذه البدعة التي زعمت أنها عبادة أما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم بها، وحينئذ يكون جاهلًا، وإما أن يكون قد علم بها ولكنه كتمها، وحينئذ يكون كاتمًا للرسالة أو بعضها، وهذا خطير جدًا.
سادسًا: أن البدعة تتضمن تفريق الأمة الإسلامية؛ لأن الأمة الإسلامية إذا فتح الباب لها في البدع صار هذا يبتدع
شيئًا، وهذا يبتدع شيئًا، وهذا يبتدع شيئًا، كما هو الواقع الآن، فتكون الأمة الإسلامية كل حزب منها بما لديه فرح كما قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم من الآية:32]، كل حزب يقول الحق معي، والضلال مع الآخر، وقد قال الله تعالى لنبيه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159].
سابعًا: أن البدعة إذا انتشرت في الأمة اضمحلت السنة، لأن الناس يعملون؛ فإما بخير وإما بشر، ولهذا قال بعض السلف: ما ابتدع قوم بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها، يعني أو أشد. فالبدع تؤدي إلى نسيان السنن واضمحلالها بين الأمة الإسلامية" (شرح أحاديث رياض الصالحين، باب: النهي عن البدع ومحدثات الأمور).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وأعداء الدين نوعان: الكفار والمنافقون وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} [التوبة من الآية:73] في آيتين من القرآن، فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعًا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تُبيّن للناس فسَدَ أمر الكتاب وبُدِّل الدين، كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم يُنكَر على أهله، وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقًا وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة من الآية:27]. فلا بُدَّ أيضًا من بيان حال هؤلاء بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم؛ فإن فيهم إيمانًا يوجب موالاتهم وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تُفسد الدين: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26].
{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} قال مجاهد: من الشرك، وقال عبيد بن عمير: من الاَفات والرّيب.
من أجل ذلك كان لِزامًا أن تزول جميع ذرائع الشرك ودواعيه وكافة أنواع البدع والضلالات في البلد الحرام خاصة لأن الله جل وعلا حرَّمه وطهره واصطفاه على سائر البقاع وجعله قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم وأبصارهم فبهدي أهله يهتدي المسلمون وبسنتهم يستنون ومن أبرز تلك الشركيات والبدع ما يلي:
1- التمسح بأستارالكعبة المشرفه أو التمسح بمقام ابراهيم أو الصلاة على بئر زمزم طلبًا للبركة:
التبرُّك بالمخلوق قسمان:
أحدهما: التبرُّك بالمخلوق -من قبر أو شجر أو حجر أو إنسان حي أو ميت-؛ يعتقد فاعل ذلك حصول البركة من ذلك المخلوق المتبرَّك به، أو أنه يُقرِّبه إلى الله سبحانه، ويشفع له عنده -كفعل المشركين الأولين-: فهذا يُعتَبر شِركًا أكبر مِن جنس عمل المشركين مع أصنامهم وأوثانهم، وهو الذي ورد فيه حديث أبي واقد الليثي في تعليق المشركين أسلحتهم على الشجرة، واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك شركًا أكبر من المعلقين، وشَبَّه قولَ مَن طلب ذلك منه بقول بني إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف من الآية:138].
القسم الثاني: التبرُّك بالمخلوق؛ اعتقادًا أن التبرُّك به قربة إلى الله يثيب عليها، لا لأنه يضر أو ينفع -كتبرُّك الجُهَّال بكسوة الكعبة، وبالتمسح بجدران الكعبة، ومقام إبراهيم، والحجرة النبوية، وأعمدة المسجد الحرام والمسجد النبوي-؛ رجاءَ البركة من الله: فإن هذا التبرُّك يعتبر بدعة، ووسيلة إلى الشرك الأكبر.
إلا ما خصَّه الدليل: كالشرب من ماء زمزم، والتبرُّك بعَرَقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وشَعرِه وما مَسَّ جسده، وفضلِ وضوئه صلوات الله وسلامه عليه؛ فإن هذا لا بأس به لقيام الدليل عليه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"..
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
بكر أبو زيد. صالح الفوزان. عبد الله بن غديان. عبد العزيز آل الشيخ. عبد العزيز بن عبدالله بن باز
(فتاوى اللجنة الدائمة [27/ 352-353]، فتوى رقم: [18511]).
قال الشيخ صالح الفوزان في التبرُّك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياءً وأمواتًا:
"التبرُّك: طلب البركة -وهي ثبات الخير في الشيء وزيادته- وطلب ثبوت الخير وزيادته إنما يكون ممن يملك ذلك ويقدر عليه وهو الله سبحانه، فهو الذي ينزل البركة ويثبتها، أما المخلوق فإنه لا يقدر على منح البركة وإيجادها ولا على إبقائها وتثبيتها، فالتبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياءً وأمواتًا لا يجوز؛ لأنه إما شرك، إن اعتقد أن ذلك الشيء يمنح البركة، أووسيلة إلى الشرك، إن اعتقد أن زيارته وملامسته والتمسح به سبب لحصولها من الله.
وأما ما كان الصحابة يفعلونه من التبرُّك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وريقه وما انفصل من جسمه فذلك خاص به وفي حال حياته، بدليل أن الصحابة لم يكونوا يتبرَّكون بحجرته وقبره بعد موته، ولا كانوا يقصدون الأماكن التي صلى فيها أو جلس فيها، ليتبرَّكوا بها وكذلك مقامات الأولياء من باب أولى، ولم يكونوا يتبرَّكون بالأشخاص الصالحين، كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما من أفاضل الصحابة لا في الحياة ولا بعد الموت، ولم يكونوا يذهبون إلى غار حراء ليصلوا فيه أو يدعوا، ولم يكونوا يذهبون إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى ليصلوا فيه ويدعو، أو إلى غير هذه الأمكنة من الجبال التي يقال: إن فيها مقامات الأنبياء وغيرهم، ولا إلى مشهد مبني على أثر نبي من الأنبياء.
وأيضًا: فإن المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه بالمدينة النبوية دائمًا لم يكن أحد من السلف يستلمه ولا يُقبِّله، ولا الموضع الذي صلى فيه بمكة وغيرها، فإذا كان الموضع الذي كان يطؤه بقدميه الكريمتين ويصلي عليه لم يشرع لأمته التمسح به، ولا تقبيله فكيف بما يقال إن غيره صلى فيه أو نام عليه؟! فتقبيل شيء من ذلك والتمسح به قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا ليس من شريعته".
أحمد آل هداف
- التصنيف: