بدع وضلالات في المسجد الحرام (3)
3- صعود جبل عرفات "الرحمة" والتبرُّك بالشاخص:
من الملاحظ وقوع بعض مظاهر الشرك والبدع والمخالفات الشرعية من كثير من الحجاج القادمين من خارج البلاد، في جبل الرحمة بشكلٍ عام، وفي الشاخص بشكلٍ خاص، ومنها: استقبال الشاخص الواقع في قمة الجبل لأداء الصلاة نحوه، وعلى غير اتجاه القبلة، والطواف حول الشاخص كما يطاف حول الكعبة، والتوجه بالدعاء إلى الشاخص والإجهاش بالبكاء أمامه، والتبرُّك بالشاخص والتزامه والتمسح به بمختلف أجزاء الجسم، وضمِّه وتقبيله، ووضع الصور والتعوذات والحروز والعقد السحرية تحته..
والكتابة على الشاخص من أجل معرفة الله بالشخص، ومن أجل أن يأتي أولادهم إلى هذا المكان، وجلب بعض الحجاج الأقمشة ومسحها بالشاخص من أجل البركة والرزق والشفاء من الأمراض، ووضع الشعر عند الشاخص، واعتقاد بعض الحجاج أن الشاخص يمثل قبر آدم عليه السلام ومكان التقاء آدم وحواء، وأخذ بعض الحجاج للأحجار والأتربة وخرز السباح المتناثر في الجبل للتبرُّك به، ونزع بعضهم الأحذية عند الاقتراب من الشاخص تكريمًا وتقديسًا للمكان، ورمي بعضهم قصاصات ورق وصور شخصية كتب عليها ما يتمناه المرء ويرجوه، أو وضعها تحت الشاخص، وبيع بعض الباعة الأحجار والسبح على قمة الجبل، التي تكون وسيلة للتبرُّك بها وردّ العين، وبناء مصلى من الأحجار وعمل محراب في أعلى الجبل.
ومن أكثر السلوكيات الخاطئة والغريبة إصرار بعض الحجاج الأفارقة والآسيويين على "لحس"! الشاخص بجبل الرحمة معتقدين أن ذلك من أسباب الفوز برضا الله سبحانه وتعالى ودخول الجنة حيث يعتقدون أن اللسان الذي يلحس الشاخص لا تمسه النار وكذلك ليكون قوله مقبولًا فمنهم من يعتقد أن اللسان الذي يلحس الشاخص لا ينطق إلا حقًا ويكون قوله مقبولًا ونافذًا لا رجعة فيه عند الجميع، كما أن بعض الحجاج يسجل اسمه وأسماء عائلته على الشاخص أو على الحجارة المحيطة بالشاخص في جبل عرفات معتقدين أن ذلك يدخلهم الجنة!
يقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: "أنه لا يثبت لهذا الجبل إلا اسمان هما -جبل إلال- وهو المعروف في لسان
العرب شعرًا ونثرًا و-جبل عرفة- وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما "وأقدم نص وقفت عليه فى ذكره باسم -جبل الرحمة- هو في رحلة ناصر خسرو [المتوفى 444هـ]، المُسمَّاة (سفرنامة)"..
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم تسمية جبل عرفة بجبل الرحمة؟ وهل لهذه التسمية أصل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه التسمية لا أعلم لها أصلًا من السنة، أي أن الجبل الذي في عرفة الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم يُسمَّى جبل الرحمة، وإذا لم يكن له أصل من السنة، فإنه لا ينبغي أن يطلق عليه ذلك، والذين أطلقوا عليه هذا الاسم لعلهم لاحظوا أن هذا الموقف موقف عظيم، يتبين فيه مغفرة الله تعالى ورحمته للواقفين بعرفة، فسموه بهذا الاسم، والأول ما أن لا يُسمَّى بهذا الاسم بل يقال: جبل عرفة، أو الجبل الذي وقف عنده الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ما أشبه ذلك..
الدكتور أحمد البناني -أستاذ العقيدة والأديان بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى- فيقول: إن هذا الجبل في الأصل لا يُسمَّى جبل الرحمة وإنما هو جبل عرفات، وقد بين النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الوقوف عند الجبل ليس فرضًا ولا واجبًا إنما سنة لمن استطاع، وقد وقف عليه الصلاة والسلام أسفل الجبل ولا يشرع صعود الجبل مطلقًا وليس في تسلقه أي نسك.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم: "هذا وليعلم بأنه لا فضيلة الوقوف على الجبل الذي يقال له جبل الرحمة، بل كره الإمام مالك رحمه الله الوقوف على جبل الرحمة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا يسن صعوده إجماعًا".
يقول النووي: "وما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلط، بل الصواب جواز الوقوف في كل جزء من أرض عرفات، وأن الفضيلة في موقفه صلى الله عليه وسلم عند الصخرات، فإن عجز عنه فليقرب منه بحسب الإمكان".
ويشير الفيروزي الى أن الشاخص الموجود على جبل عرفات "الرحمة" قد أُقيم للدلالة على أن هذا الموقع هو
عرفات فقد كانت الناس تصل إلى هذه الأودية المتشابهة من طرق عدة ومناطق مختلفة وقد لا تهتدي إلى عرفات..
الناس يصلون عند الشاخص.. ثم يتمسحوا به.
كتابات على الشاخص بعضها ينافي تمام التوكل على الله!
السؤال: هل هناك ثواب مُعيَّن في صعود جبل الرحمة في يوم عرفات والصلاة عليه؟
الجواب:
"لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على صعود جبل عرفات الذي اشتهر عند الناس باسم: جبل الرحمة، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم صعود هذا الجبل في حجه ولا اتخذه منسكًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: « »، ودرج على ذلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فلم يكونوا يصعدون على هذا الجبل في حجهم ولا اتخذوه منسكًا لهم؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف تحت هذا الجبل عند الصخرات الكبار، وقال: « »..
ولذا قال كثير من العلماء: إن صعود هذا الجبل في الحج على وجه النسك بدعة، منهم الإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ صديق خان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: « ».
ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يصلي نفلًا بموقف عرفات، بل اكتفى بصلاة الظهر والعصر في مسجد نمرة، جمعًا وقصرًا، ولا اتخذ مصلى بما يُسمَّى جبل الرحمة ليصلي فيه من صعد على هذا الجبل نافلة أو فريضة في يوم عرفات، بل اشتغل بعد صلاته الظهر والعصر بذكر الله تسبيحًا وتهليلًا وتحميدًا وتكبيرًا وتلبية، وبدعاء ربه والضراعة إليه، حتى غربت الشمس.
فاتخاذ مصلى أو مسجد على هذا الجبل ليصلي فيه من صعد عليه من البدع التي أحدثها الجهال.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).
الشيخ إبراهيم بن محمدآل الشيخ. الشيخ عبد الرزاق عفيفي. الشيخ عبد الله بن غديان. الشيخ عبد الله بن منيع.
(فتاوى اللجنة الدائمة: [11/ 206-208]).
أحمد آل هداف
- التصنيف: