وقفات مع مجموعات الأقارب والأصحاب أو ما تُسمَّى بـ (القروبات) أو الجروبات
شيخة بنت محمد القاسم
لا أبالغ أنّ كثيرًا من الأقارب والأصحاب قد أسفرت (المجموعات) عن أحوالهم وأخلاقهم كانت زمنًا تخفى على الجميع فأسفرت مثلًا عن (فلان) تدينه، فجوره، عقله، سفاهته، حلمه، غضبه، طيشه..
- التصنيفات: تزكية النفس - الواقع المعاصر - الآداب والأخلاق -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فمن فضل الله سبحانه أن سخر لنا التقنية الحديثة نصل بها الأرحام ونقرب بها من الأصحاب..
فصلة الرحم: تكون بالزيارة والاتصال والهدية وإيصال السلام والمراسلة، ويدخل في معناها ما يُسمَّى بـ(المجموعات) فلا يكاد أحد ممن يحمل هذه الهواتف الذكية إلا وقد أشترك مع أقارب أو أصحاب يتناصحون ويتذاكرون ويتآنسون كأنهم في مجلسٍ واحد!
ولا أبالغ أنّ كثيرًا من الأقارب والأصحاب قد أسفرت (المجموعات) عن أحوالهم وأخلاقهم كانت زمنًا تخفى على الجميع فأسفرت مثلًا عن (فلان) تدينه، فجوره، عقله، سفاهته، حلمه، غضبه، طيشه..
فكما أنّ السفر معه في آفاق الدنيا يسفر عن أحواله وأخلاقه، فهي مثله أو تقاربه!
وهذه (المجموعات) تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: تحقق الهدف من إنشائها: فقد ساهمت في بث روح الألفة والمودة ومعرفة أخبار العائلة والأصحاب؛ فإن كان مصابًا وآسوه، أو مريضًا زاروه، أو محتاجًا أعانوه أو مهمومًا سلّوه.. كان أسلافنا يقولون: "المراسلة نصف المشاهدة"، كيف لو قرأوا مراسلات تحصل في ثوانِ معدودة؟
القسم الثاني: لم يحقق الهدف كاملًا، فمثلًا عند حصول هفوة من أحد الأقارب أو الأصحاب تجد أنّ من المجموعة من لا يحتمل هذه الهفوة وهذا الزلل فينفث عما في صدره ويفسرها تفسيرًا سيئًا فيعكر صفو (المجموعة) ثم لا يلبث إلا قليلًا فينسحب (غادرالمجموعة)!
وإلى هؤلاء وأولئك؛ إليكم بعض الوصايا:
1- احتساب الأجر والنية الحسنة في انشاء هذه المجموعات أو المشاركة فيها.
2- عدم جمع الرجال والنساء من غير ذي المحارم في (مجموعة) واحدة.
3- الحرص على نشر ما ينفع المشاركين من الكلمات الهادفة والمواعظ القيمة. فالطاعة تقرّب والمعصية تفرّق. ولا يمنع وجود شيء من الفكاهة والمزاح اللطيف.
4- لا حرج في نشر (وجه) أو أكثر لقراءة القرآن أو حفظه يوميًا، وهذا من الإعانة على البر والتقوى. وقد ذكرت لي واحدة أنها مع (مجموعة) وصلوا في الحفظ إلى سورة النساء.
5- التأدب بآداب الإسلام من التوقير واحترام الآخرين والبعد عن اللمز والغيبة والتقول على الناس وغير ذلك.
6- الحذر من إبداء ملاحظة على فرد من أفراد المجموعة علنًا، بل يكتفى بإرسالها على الخاص، منعًا من إحراجه أمام الجميع، ولتبقى نصيحة لا فضيحة.
7- الحذر من إيذاء المشاركين بالمزاح الثقيل أو الكلام الجارح.
8- العفو عن الزلات من شيم العقلاء فالإنسان ليس معصومًا عن الزلل، والتغافل نصف العقل، وسلامة الصدر لايعدلها شيء، والصبر على الزلات من مقامات الأنبياء والصالحين.
حَلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يقطع النفقة عن ابن خالته (مسطح) لما تكلم في عرض ابنته عائشة رضي الله عنها فنزلت الآية: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور من الآية:22]، فقال: "بلى وربي، نحب أن يغفر لنا، والله لا أقطعها أبدًا..".
9- التغافل وعدم التدقيق على كل صغيرة وكبيرة فتخسر من حولك..
لما أفشت زوج نبينا صلى الله عليه وسلم سرّه لم يظهر لها كل ما عرف، {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْض} [التحريم من الآية:2]، قال الحسن: "ما استقصى كريم قط".
قال ابن الوردي في لاميته:
وتغافل عن أمور إنه ليس *** يسعد بالخيرات إلا من غفل
قال الأعمش: "التغافل يطفئ شرًا كثيرًا".
10- لا يلزمك في كل سؤال يطرح عليك أن تجيب عليه؛ فقد يكون الصمت هو الإجابة النموذجية للأسئلة الرديئة، ألّف ابن أبي الدنيارسالته (الصمت) وذكر(600) أثرًا في فضل الصمت.
11- التحلي بالشجاعة مع حسن الأدب، فلو أساء أحد من المجموعة إلى آخر فالواجب الانتصار له وعدم الوقوف موقف المتفرج الذي ينتظر النهاية.
12- عدم التطفل على الآخرين بالسؤال عن خصوصيات حياتهم، فالبيوت لها أسرار، وما لا نفع لك فيه فامسك لسانك عن السؤال عنه، فقد قال نبيك صلى الله عليه وسلم: « » (حديثٌ حسن؛ رواه الترمذي وغيره).
13- الوقت ثروة عظيمة؛ فلا تجعل جلّ وقتك في كتابة كل ما يخطر على البال مما لا نفع فيه، فتنقضى ساعات عمرك النفيسة وما تزودت فيها بزاد الآخرة.
نسأل الله أن يجعل في قلوبنا نورًا وفي أسماعنا نورًا وفي أبصارنا نورًا..
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه.