الإصلاح، حوار نفس مع عقل
أحمد كمال قاسم
لكي تكون مصلحًا بحق.. عليك أن تعكف على الإصلاح من نفسك، ومن الناس ولتتقبل في الآن ذاته محاولات إصلاح الناس لك فلهم من خارجك نظرات إلى جوانبَ من نفسك لا تراها ولن تراها مهما كنت نابهًا..
- التصنيفات: الزهد والرقائق - تزكية النفس -
بسم الله..
قررت أن أساهم في الإصلاح من شأن مسلمي العصر. هممت بالنظر من حولي لأرى العالم حتى أُشخِّص عِلته لأحدد دواءه! فنهرني عقلي وقال لي: أتتفحَّص العالم للبحث عن عِلله! ولم تبحث بعد عن العِلل الكامنة في دواخل نفسك؟!
ارتدعت من نهره، فنظرت في طيات نفسي فوجدتني معيبًا مظلمًا.. أخذني الوجل من الظلام وحزنت على ما آلت إليه نفسي وقلت لها: أعلم أن المهمة شاقة في إصلاح نفسك بدايةً.. ولكن، من باب الفضول الإنساني لا غير، فلتنظري للناس من حولكِ علَّكِ ترين ما يسر.
فنظرت حولي فإذا المسلمين -إلا ما شاء ربي- ذاهلون عن أنفسهم وعن عالمهم الذي يعيشون فيه -ولا يحيون- وعن ربهم الذي خلقهم فسواهم في أحسن تقويم، فإذا هم برادي أنفسهم إلى أسفل سافين. حزنت حزنًا أكبر وقلت لنفسي: هلمي وشمِّري عن ساعديكِ لتنقذي المسلمين من يمِّ الغفلة والذهول، هممت بالتشمير، فلحظني عقلي.. فضحك وقال لي: ها أنت نسيت حال نفسك مرةً أخرى حتى بعد ما كشفته بنفسك من عيوبٍ وعِلل، وها أنت تهم بالبدأ في إصلاح من حولك أولًا..
تخافتت الضحكة إلى ابتسامة تحمل في طياتها مزيجًا من السخرية والحزن وقال لي: يا صديق! كيف لك بإصلاح العالم من حولك وبيتك خرِبٌ من الداخل؟!
إنك حتى لن تجد وسط هذا الخراب ما يساعدك من أدواتٍ لإصلاح العالم! اذهب يا صاح نظِّف بيتك وأنره من الداخل وأصلح من أدوات الإصلاح قبل أن تصلح بها! فإن بدأ المنزل ينير وينصلح فابدأ في إصلاح الناس من حولك في نفس وقت إكمال مسيرة إصلاح نفسك.
لكن أعطيك نصيحة لا تفرط فيها.. إياك، إياك أن تظن أن بيتك قد انصلح من الداخل فتتوقف عن إصلاحه، حينها، إذا فعلت، فاعلم أنه بدأ ينحدر إلى بئر الخراب من جديد! وأنك عائد من حيث أتيت صِفرَ اليدين..!
لكي تكون مصلحًا بحق.. عليك أن تعكف على الإصلاح من نفسك ومن الناس، ولتتقبل في الآن ذاته محاولات إصلاح الناس لك فلهم من خارجك نظرات إلى جوانبَ من نفسك لا تراها ولن تراها مهما كنت نابهًا..
وفقك الله إلى ما يحبه ويرضى..