الصلاة أهميتها وحكم تاركها
التخلف عن صلاة الجماعة دليل على ضعف الإيمان وخواء القلب من تعظيم الله، وتوقيره واحترامه.
ملخص الخطبة
1- أهمية الصلاة في الإسلام. 2- تقصير بعض المسلمين في أداء الصلوات جماعة. 3- ترك صلاة الجماعة علامة ضعف الإيمان. 4- قصة وعبرة من تارك صلاة. 5- أحاديث تدعو للمحافظة على الصلاة. 6- كيفية التعامل مع تارك الصلاة. 7- حِكم وفوائد صلاة الجماعة.
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله، واعلموا أن مقام الصلاة عظيم، وقد نوه الله بشأنها في كتابه الكريم، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، وهي عمود الإسلام، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة.
أيها المسلمون:
إن الشيطان يحرص كل الحرص على صرف المسلم عن هذه الصلاة، لعلمه أنه إذا انصرف عنها، انصرف عن بقية أحكام الدين من باب أولى، فإنه لا دين لمن لا صلاة له، لا حظّ له في الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: « » (السلسلة الصحيحة [1739]).
وإن الشيطان يأتي لصرف المسلم عن هذه الصلاة من طرق كثيرة، فإن تمكن من منعه منها بالكلية فإنه يبذل لذلك كل ممكن، وإن لم يتمكن من منعه منها، احتال عليه بمنعه من الصلاة مع الجماعة، ثم بمنعه من أدائها في وقتها، فإن لم يستطع منعه من الجماعة، أغراه بالتكاسل والتأخر عن الحضور إلى المسجد ،حتى يفوته بعضها، ويحرمه فضيلة السبق إلى المسجد، وحضور الصلاة من أولها. وهذا هو الواقع اليوم من كثير من المسلمين، فمنهم أعداد كثيرة من جيران المساجد لا يدخلون المساجد للصلاة فيها، أو يدخلونها لبعض الصلوات ويتركون بعضها، وأعداد كثيرة تحضر إلى المساجد متأخرة لا تدرك إلا بعض الصلاة مع الإمام، أو لا تدرك منها شيئا.
فما عذرك يا من تسمع النداء؟ ما عذرك يا من تسمع النداء،وقد يكون المسجد إلى جانب بيتك؟ وأنت صحيح البدن آمن من الخوف، ثم لا تحضر لصلاة الجماعة، هل أنت لم تسمع الآيات والأحاديث؟ أو سمعتها وقلت سمعنا وعصينا؟
أيها الأخوة:
إن حالتنا اليوم مع الصلاة حالة سيئة، خفّ ميزانُها لدينا وتساهلنا في شأنها، وصار التخلّف عنها أمرًا هيّنًا! بل أمرًا عاديًا! فالأسرة الكبيرة في البيت لا يحضر منها إلا الأفراد، وبعض البيوت لا يحضر منا أحد، والذين يحضرون لا ينكرون على المتخلفين، وقد يكونون من أولادهم الذين كُلِّفوا بأمرهم بها وضربهم عليها، فأنت ترى البيوت والأسواق مكتظة بالناس، ولا يرتاد المساجد منهم إلا الأفراد، والغالبية رضوا بأن يكونوا مع الخوالف! رضوا بالعقوبة! رضوا بوصف النفاق! فإن من أبرز صفات المنافقين التي وصفهم الله تعالى بها في كتابه العظيم التكاسل عن صلاة الجماعة، حيث قال تعالى في وصفهم: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء:142] وقال سبحانه: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ} [التوبة:54]، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -أي صلاة الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق".
فهل ترضى أخي الحبيب هل ترضى أن تكون في زمرة المنافقين الذين هم أشد الناس عذابا يوم القيامة؟ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّـهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:145-146].
إن التخلف عن صلاة الجماعة دليل على ضعف الإيمان وخواء القلب من تعظيم الله، وتوقيره واحترامه، وإلا فكيف يليق بمسلم صحيح آمن يسمع منادي الله كل يوم خمس مرات وهو يناديه (حي على الصلاة، حي على الفلاح) ثم لا يجيبه! ويسمع منادي الله وهو يقول: (الله أكبر) ثم يكون اللعب عنده أكبر! ومشاهدة الأفلام والمباريات أكبر! والبيع والشراء أكبر! ومشاغل الدنيا الفانية أكبر!! ويسمعه وهو يقول: (الصلاة خير من النوم) ثم يكون النوم عنده خير من الصلاة!
يقول أحد المغسلين للموتى: ولقد جيء بميت يحمله أبوه وإخوانه، ودخلنا لغسله فبدأنا بتجريده من ملابسه، ها هو جثة نقلبها بأيدينا، لقد آتاه الله قوة في جسمه، وفتوة في عضلاته، وبياضًا ناصعًا في بشرته، وبينما نحن نقلب الجثة، وفجأة، وبدون مقدمات، انقلب لونه كأنه فحمة سوداء، فتجمدت يداي، وشخصت عيناي خوفًا وفزعًا، فخرجت من مكان الغسيل وأنا خائف، وسألت أباه: ما شأن هذا الشاب، فقال: إنه كان لا يصلي، إنه كان لا يصلي. يقول المغسل: فقلت لهم: خذوا ميتكم فغسلوه. فرفض المغسل أن يغسله، ورفض إمام المسجد أن يصلي عليه.إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ولا إله إلا الله.لا يُغسَّل ولا يصلي عليه المسلمون، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، هذا حكم الله فيه.
سُئل الشيخ العلامة ابن عثيمين: ما حكم تارك الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى بقوله: إن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، فالذي لا يصلي كافر خارج عن الملة، وإن كان له زوجة انفسخ نكاحه منها، ولا تحل ذبيحته، ولا يقبل منه صوم ولا صدقة، ولا يجوز أن يذهب إلى مكة فيدخل الحرم، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين، وإنما يخرج به إلى البر، ويحفر له حفرة يرمس فيها، ومن مات له قريب وهو يعلم أنه لا يصلي، فإنه لا يحل له أن يخدع الناس ويأتي به إليهم ليصلوا عليه، لأن الصلاة على الكافر محرمة، لقوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة:84]. انتهى كلامه مختصرًا رحمه الله.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك أناس لا يصلون الفرائض الخمس مطلقًا إلا صلاة الجمعة، فما حكم الميت منهم؟ وهل يجب على المسلمين دفنه والصلاة عليه؟
فأجابت اللجنة بقولها: إذا كان الواقع كما ذكر، فإن ترَكَها جاحدًا لوجوبها عليه فهو كافر بإجماع المسلمين، أما إن تركها كسلًا، مع اعتقاده بوجوبها، فهو كافر على الصحيح من أقوال العلماء للأدلة الثابتة الدالة على ذلك. وعلى هذا القول الصحيح لا يغسل ولا يصلي عليه المسلمون صلاة الجنازة، ولا يدفن في مقابر المسلمين. ا.هـ
فأي خاتمة سيئة لهذا العبد! وأي عار وفضيحة لأهله وإخوانه!. هذا في الدنيا، وما عند الله أشد! { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5].
فيا أخي الحبيب، أيها المتهاون في الصلاة، يا تارك الجماعة: اسمع قبل أن لا يُصلى عليك، اسمع قبل أن لا يترحم عليك، اسمع ما دمت تسمع، واستجب ما دمت في مهل، واسمع لهذه الكلمات، واستمع لهذه التوجيهات، من قلب أحبك، ويخشى عليك من غضب الجبار. فلا يغرنّك حلم الله وإمهاله لك.
إن بعض الناس قد يسخر بالمصلين ويستهزئ بالصلاة، ويلمزهم إن نصحوه أو أمروه بالصلاة مع الجماعة، وقد يتفوه البعض بكلمات الفسق والفجور، كلمات تتزلزل لها الأرض والسماوات، وتتقطع لها قلوب المؤمنين والمؤمنات، فلا إله إلا الله، ما أحلم الله على عباده! وما أوسع صبره على أولئك! {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ . أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك17-18].
يا من تتكلم بتلك الكلمات، وتسخر بالصالحين الناصحين، ألم تحسب لغضب الله حسابًا؟ أليس الله قادر عليك؟ أليس الله قادر على أن يشلّ جسدك؟ أو يوقف أركانك؟ أو يخرس لسانك؟ ألم يكفك ترك الصلاة لتتفوه بهذه الكلمات؟ وتبارز بها جبار الأرض والسماوات؟. ولكن، صدق الله {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14].
أخي الكريم، يا أخي الحبيب، يا من فقدناه في مسجد حَيِّنا، يا من تخلف عن صلاة الجماعة، ألم يأن لك أن تندم على سيئاتك وتقلع عنها؟ ألم يأن لقلبك أن يخشع لذكر الله وما نزل من الحق؟ إلى متى؟ إلى متى؟ إلى متى وأنت بعيد عنا؟ فلو مرضت أو مت ما علمنا. ألم تعلم أننا نحزن إذا فقدناك؟ ونفرح والله إذا رأيناك؟ وليس لنا من الأمر شيء. {مَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الزمر:41]. إلى متى وأنت تحرم نفسك الراحة والسعادة؟ والأمن والاطمئنان؟.
إننا نسمع ونقرأ قصص التائبين والتائبات، وبعضهم يقول: لم نركع لله ركعة، ولم نسجد لله سجدة. سبحان الله! أيعقل أن مسلمًا يشهد أن لا إله إلا الله لا يصلي؟
أيها الحبيب: كل شيء إلا الصلاة!
أيها الأخ: اسمعها واحفظها: كل شيء إلا الصلاة، إلا الصلاة، فإنها العهد الذي بيننا وبين الكافرين، « » (صحيح مسلم). أترضى أن يقال لك: كافر؟ لا والله فإننا لا نرضاه لك. نعوذ بالله من حال الكافرين.
أخي الحبيب: إنك إن حافظت على الصلاة فأنت على خير مهما وقع منك، إنها الصلة بينك وبين الله، فهل استغنيت عن الله؟ هل استغنيت عن الله يوم أن قطعت الصلة بينك وبينه؟ إن لك ربًا برًّا رحيمًا، يفرح بتوبتك، فأقبل عليه.
إن حلم الله أوسع من إصرارك، ورحمته أعظم من ذنبك، فتب إلى الله. تب إلى الله قبل أن يحال بينك وبين التوبة، أسألك بالله العظيم، أيسرك أن تموت وأنت على هذه الحال مع الصلاة؟ اسأل نفسك، حاسب نفسك، كن عاقلًا، ارجع لنفسك، ألم تسمع للمجرمين عندما يسألون: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42]، فأول الإجابة: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:43].
فكر بحالك يوم القيامة، يوم تدعى إلى السجود فلا تستطيع، {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:42-43]. كانوا يدعون بـ (حي على الصلاة، حي على الفلاح) ويسمعون فلا يستجيبون.
أخي الكريم: يا جارنا العزيز، يا من فقدناه في مسجدنا، ألم تسمع لهذا الوعد والوعيد، والتهديد الشديد، من النبي الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندما قال: « » (صحيح مسلم) وفي رواية للإمام أحمد أنه قال: « ».
إن الرسول صلى الله عليه وسلم هم أن يحرق على هؤلاء المتخلفين عن صلاة الجماعة تلك البيوت التي تؤويهم عن أداء هذا الواجب العظيم، فيذهب الحريق بنفوسهم وأموالهم عقابًا لهم على ترك هذه الشعيرة،وهذه عقوبة غليظة، لا تكون إلا على جريمة عظيمة. إنه لو أحرق بيت على من فيه بالنار، لفزع الناس من ذلك فزعًا شديدًا. ولو فعل ذلك بمن يترك الجماعة لكان جزاؤه شرعًا.
إن الصحابة كانوا يهتمون بصلاة الجماعة، وينكرون بشدة على من تخلف عنها، ويصفونه بالنفاق. ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقى الله تعالى غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".
هذا ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن مكانة صلاة الجماعة عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكمهم على من تخلف عنها، إنه عندهم منافق معلوم النفاق، ينبذونه ويهجرونه. والمتخلف عن الصلاة اليوم، أخ عزيز لدينا نكرمه ونخالطه ونعاشره، ما كأنه ارتكب جريمة! وما كأنه عصى الله ورسوله!. وهذا مما يدل على أن ميزان الصلاة لدينا خفيف، وأمرها هين.
فتبيَّن لنا من القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وعمل الصحابة، وعمل المسلمين إلى يومنا هذا وجوب صلاة الجماعة، ووجوب الإنكار على من تخلف عنها، ومعاقبته. ويتعين ذلك على ولي أمره وإخوانه، وعلى إمام المسجد وجماعته، فإنهم يشتركون في الإثم إن سكتوا عنه.
فالله الله بتارك الصلاة، بنصحه والإنكار عليه، فإن لم يستجب فالتضييق عليه وهجره، ورفع أمره للهيئات والمحاكم، وعدم قبوله في الحي حتى يرحل عنه، أو يصلي مع جماعة المسلمين. ولا يجوز تركه بحال من الأحوال.
وويل لأولئك الآباء الذين يرون أبناءهم على ذلك المنكر العظيم فلا يحركون ساكنًا، بل ويجلسون معهم، ويشربون ويأكلون معهم، فلا ينصحون، ولا يضربون، ولا يهجرون، وكلها وسائل شرعية، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالنصح تارة، وبالضرب تارة، وبالهجر تارة.
فويل لأولئك الآباء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «البخاري). فتنبه يا ولي الأمر، انتبه لأبنائك وبناتك ونسائك، واهتم بأمر الصلاة فإن شأنها عظيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله القائل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43]. وهو نص في وجوب صلاة الجماعة ومشاركة المسلمين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها فقط لاكتفى بقوله في أول الآية: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}.
أخي الحبيب: يا من فقدناه في مسجد حيِّنا، أرجوك أن تسمع هذه الكلمات، وأن تفكر بهذه البراهين والدلائل الواضحات، إن كنت تريد الحق ونبذ الهوى. ألم تعلم أن الله لم يعذر المسلم في حال الحرب في تركه للجماعة؟ بل أمره بها في وقت عصيب، يواجه المسلمون فيه عدوهم، فقال جل وعلا: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ} [النساء:102].
فهل تظن يا أخي الحبيب أن صلاة الجماعة تجب على هؤلاء في هذه الظروف الحالكة، ولا تجب على رجل يتقلب في فراشه الوثير، آمنًا مطمئنًا معافى؟!
ألم تعلم أن الله لم يعذر الأعمى بتركه الجماعة؟ بل أمره بها رغم ظروفه العصيبة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "أتى النبيَّ رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخّص له. فلما ولّى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب" وفي رواية لأبي داود قال: "إني ضرير البصر شاسع الدار". وفي رواية لأبي داود أيضًا والنسائي قال: "يا رسول الله، إن المدينة كثيرة الهوام والسباع".
أتظن يا أخي الحبيب أن صلاة الجماعة تجب على هذا الصحابي الذي جمع بين فقد البصر، وبعد الدار، وخوف الطريق، وعدم القائد، ولا تجب على المبصر المجاور للمسجد الذي يسمع عند كل صلاة أكثر من عشرين مؤذنًا كلهم ينادي (حي على الصلاة، حي على الفلاح)؟ حتى المريض لم يعذره الله بترك الصلاة، بل أمره الله بها على أي حال وأي صفة قدر عليها.
فيا من فقدناه في صلاة الجماعة، هل تجد لك رخصة بعد هذه الأدلة؟! فإن لم يعذر هؤلاء، فما هو عذرك غدًا أمام الله؟! وما هي إجابتك في أول سؤال ستُسأله؟ فإن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة عن الصلاة.
ثم تعال، تعال وانظر لحِكَم الصلاة وفوائدها العظيمة. فإن منها:
أولًا: أنها سبب للمودة والألفة والترابط بين جماعة المسلمين، فنحن نراك خمس مرات في اليوم والليلة، فلم حرمت نفسك من المودة والترابط؟ فأنت بحاجة إلى إخوانك وجيرانك.
ثانيًا: هي سبب لتحصيل الأجور والحسنات، وتكفير الذنوب ومحو السيئات، فبكل خطوة ترفع لك درجة ويحط عنك خطيئة، وهي كفارة لما بينها، والملائكة تصلي عليك وتستغفر لك ما دمت في مصلاك، أفَتُراك استغنيت عن هذا كله بترك الصلاة في المسجد؟.
ثالثًا: هي سبب للسعادة والاطمئنان، وطرد الهموم والقلق، فإن الصلاة نور لصاحبها في قلبه، وفي وجهه، وفي قبره. وقد مزقت الهموم والغموم قلوب كثير ممن هجروا المساجد، فتعال وانظر لحالهم! فإن سيماهم في وجوههم من أثر المعاصي والذنوب.
وفوائد الصلاة كثيرة جدًا، ولو لم يكن منها إلا أنها طاعة لله الذي خلقك فأحسن خلقتك، وأنعم عليك ورزقك، وامتن عليك بصحة وعافية، أفيجوز أن يعطيك هذا كله ثم يأمرك فتعصي؟! إنها صفة اللئام، وإنها الدناءة والخسة والفجور، أن ينعم عليك فتعصيه! إن الإصرار على المعصية قد يكون سببًا في سوء الخاتمة! فإن الذنوب ما تزال بالرجل العظيم حتى تميت قلبه،وتورده جهنم عياذًا بالله.
فاصدق مع الله، اصدق مع الله، حاسب نفسك، ارجع إلى نفسك قبل غرغرة الروح، تضرّع إلى الله بالدعاء، خذ بالأسباب المادية من نوم مبكر ووضع منبه، وجاهد النفس، وتذكر {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الإنفطار:10-12].
هذه رسالة، رسالة إلى أخينا وجارنا الذي فقدناه في صلاة الجماعة، فهل بعد هذا البيان من عذر؟ وهل لهم حجة أمام الله؟ هذه الرسالة أمانة في عنق كل مصل لإيصالها إلى كل تارك لصلاة الجماعة، فلنجتهد في نصحهم، ولنجتهد في إيصال مثل هذه الرسالة لهم، ولنذكرهم بالله، ولنخوفهم بالله، ولنعذر أمام الله، ولنبرئ أنفسنا أمام الله.
اللهم فاشهد. اللهم إني بلغت؟
وأسأل الله الكريم المنان أن يمن علي وعليك وعلى جميع المسلمين بهداية وتوفيق دائمين، حتى نلقاه.
- التصنيف:
Karmilla Akarbich
منذ